الفساد في العراق... إجراءات التسويف والتسييس

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: من الملفات الكبيرة التي تحضر بقوة في المشهد الاعلامي الراهن، ملف الفساد، بل يمتد تداول هذا الملف الى الشارع العراقي بشقيه المدني والريفي، بكلمة أوضح جميع العراقيين يتحدثون عن صفقات الفساد واستشرائه في مفاصل الدولة، وخطورته الكبيرة على الاقتصاد وسواه، وهكذا فإن الكل يتحدثون عن الفساد ويدينونه، ويدينون الحيتان التي تقف وراءه، لكن على الرغم من ذلك، تشير الوقائع الى تزايد الفساد، وتنامي الحيتان، وتعدد أشكالها وأنواعها وأساليبها، وهذه مفارقة عجيبة حقا.

أعني أن جميع العراقيين، سائلين أو مسؤولين، يتحدثون عن الفساد ويدينونه، إذن لماذا يتنامى ويكثر ويتزايد بهذه السرعة؟

لم أصعد يوما في سيارة أجرة إلا وحدثني سائقها عن الفساد وادانته له بقوة، ولم أجلس في مقهى إلا وسمعت أطراف الحديث تدور بين جماعة تدين الفساد، بل لم أدخل دائرة رسمية إلا ووجدت جميع الموظفين رئيسا ومرؤوسين يدينون الفساد ويرفضونه!!، عجيب أمرنا إذن، من أين يأتي الفاسدون والمفسدون، هل هم من كوكب آخر، يهبطون على أرضنا وبلدنا وينشرون الفساد بيننا ثم يغادروننا الى كوكب آخر؟.

كلا أيها السادة، هناك فارق كبير بين الكلام وتطبيقه، وهناك قول مأثور يؤكد على أن الكلمات الجيدة لاتعبر بالضرورة عن صدق النوايا وطبيعة الافعال، فأنت أو أنا أو هو، حين نتحدث بكلام جميل، يمكننا أن نخفي وراءه ما هو أسوأ من النوايا والافعال التي نريد أن نُقْدِم عليها أو نمارسها، وهكذا يمكن القول أننا ندين الفساد ونمارسه في آن، هذه الازدواجية ليست غريبة، خاصة في غياب القانون الحقيقي الرادع للفساد وأصحابه، بالاضافة الى اسباب اجتماعية وسياسية كثيرة.

هناك ملف زيت الطعام الفاسد، وآخر عن أجهزة كشف المتفجرات، وثالث عن الشاي المسرطن، ورابع عن لُعب الاطفال لوزارة الكهرباء، وآخر عن المليارات الأربعين مجهولة المصير، وخامس وسادس وسابع والى أن يكل اللسان، كل هذه الملفات وغيرها حوربت بالحبر وعلى الورق فقط، من خلال تشكيل اللجان التحقيقية التي أصبحت كالحقن المخدرة لفورة الناس وغضبهم.

إذن تشكيل اللجان التحقيقية يمكن أن يُعطى صفة التسويف والمراوغة، من أجل التهدئة التدريجية لكي ينسى الناس هذا الملف أو ذاك، وهذه الكارثة أو تلك، ليواصل المفسدون والفاسدون دورهم التخريبي في إجهاض التجربة العراقية الجديدة، وكثيرا ما تحدَّث مسؤولون كبارا عن الفساد واعتبروه القوة المعاضدة للارهاب، لكن عندما نبحث عن الخطوات الرادعة لهذا الملف، فإننا لم نلحظ حتى اللحظة حوتا كبيرا أخذ قصاصه نتيجة لابتلاعه أموال الفقراء، ولم نشهد خطة محكمة وفاعلة لمكافحة الفساد بصورة فعلية.

السبب كما يقول بعض المراقبين، هو المحاولات المتواصلة لتسييس ملفات الفساد، والتلويح بالتعامل بالمثل، فإذا فضحتني في هذا الملف سأفضحك في ذاك، والنتيجة سنخسر نحن الاثنان، فالأفضل أن نغض الطرف وننسى الأمر، وهكذا تتم عملية  تغاضي وصمت وتسويف متبادلة، نتائجها السيئة تقع على عموم الشعب.

مؤخرا شكل مجلس النواب الجديد لجنة نزاهة، برئاسة النائب بهاء الاعرجي، العراقيون لم يفقدوا الامل بقصاص عادل للمتجاوزين عليهم حتى هذه اللحظة، وإن كان هذا الامل ضئيلا، لانزال نتلطع الى الخطوات الفعلية التي تُخرج ملف الفساد من قبضتيّ التسويف والتسييس، ولانزال نأمل خيرا باللجنة الجديدة وغيرها من أصحاب الشأن الشرفاء، كما أننا نؤمن بأن القضاء العراقي قادر على وضع النقاط على حروفها المناسبة، وإعادة هيبة القانون كما هي قوية ورادعة ومخيفة للمفسدين والفاسدين في آن.

إننا كعراقيين ننظر بعين الترقّب، الى خطوات حقيقية لمكافحة الفساد، لها القدرة والفاعلية على تحقيق هذا الهدف، ولن يتحقق هذا المطلب الشعبي ما لم يتم إخراج ملف الفساد من قبضتيّ التسويف والتسييس معا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 4/آيار/2011 - 1/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م