مدن تتشكل وأخرى تبعث نفسها مجددا

هل سيعود البهاء إلى الشرق من جديد؟

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: لربما يجدد الزمن دورته من جديد ويعود الماضي الغابر لدول الشرق صاحبة الحضارة المتناهية في القدم والاصالة، بعد ان طمرتها اتربة التخلف وغبار الازمنة المتعاقبة، واصبحت من الدول الطامحة الى النمو، والعاطلة عن العمل في وقتنا الحاضر، وربما يكون لها شأن كبير في المستقبل القريب يضعها في مصافي الدول المتقدمة وقد تحتل مكانتها ايضاً.

فقد اشارت العديد من الدراسات التي صدرت من شركات استشارية ومعاهد رصينة الامور سوف تتغير في المستقبل وخصوصاً في اسي، اذ ستحتل مركز الصدارة وستأخذ العديد من العواصم الاسيوية مكانة شبيهاتها الاوربية، كما سوف ينمو الناتج القومي للعديد من دول اسيا بنسب كبيرة وسوف تشهد انتعاشاً كبيراً.

وقد اشارت هذه الدراسات ان الكثافة السكانية للمدن سوف تزداد بنسب كبيرة جداً مع زيادة التعداد السكاني للعالم، حيث ستبلغ نسبة سكان العالم في المدن الى (70%) من مجموع سكان العالم، وسوف تواجه هذه التحديات العديد من الدول من تغيير مسار السكن وانضمام الريف الى المدينه وامكانية توفير وتطوير الخدمات لهذه المدن او تغيير التطوير العمراني لها من قبل المصممين.

مدن المستقبل في الشرق

اذ ان أكثر من 20 مدينة من أصل أكبر 50 مدينة عالمياً من حيث حجم الناتج المحلي الإجمالي ستكون في آسيا بحلول عام 2025، مقارنة بثمان فقط عام 2007، كما أن نصف المدن الـ(50) الأوروبية الكبرى وثلاثاً في أميركا الشمالية ستختفي من هذه اللائحة، وستتفوق كل من شنغهاي وبكين على مدن مثل لوس أنجليس ولندن، ومومباي على ميونيخ، والدوحة على دنفر، وذلك بحسب توقعات رصينة صادرة عن شركة دراسات أميركية، وفي حوار مع مُعد تقرير "عالم المدن، رسم خارطة القوة الاقتصادية لـ 600 مدينة عالمية" ريتشارد دوبز الذي اوضح، "بأن 600 منطقة حضرية تشكل حالياً 60 في المئة من الناتج المحلي العالمي، وستبقى حصّتها ذاتها بحلول عام 2025"، لكن "عضويتها" ستختلف، ليتحوّل مركز الثقل إلى جنوب الكرة الأرضية وشرقها، إذ أن نصف الناتج المحلي العالمي جاء من 380 مدينة في الدول المتطورة عام 2007، منه 20 في المئة تحديداً من 190 مدينة في أميركا الشمالية و10 في المئة فقط من مدن كبرى في الدول النامية، في حين يُتوقع دخول 136 مدينة نامية جديدة إلى الترتيب بحلول عام 2025، منها مئة من الصين، وخروج ثلث المدن المتطورة الموجودة حالياً في الترتيب.

وأوضح دوبز، الذي يشغل منصب مدير "معهد ماكينزي العالمي"، ذراع البحوث التابعة لشركة "ماكينزي" العالمية للاستشارات، أن مدن الدول النامية، الضخمة والمتوسطة الحجم، البالغة 423 من أصل 600 مدينة محصاة في التقرير، ستشكل 45 في المئة من النمو في الناتج المحلي العالمي ما بين عامي 2007 و2025، وستشكل 407 مدن متوسطة الحجم في الدول النامية 40 في المئة من النمو في الناتج المحلي العالمي، أي "اكثر من إنتاج العالم المتطوّر والمدن الضخمة النامية معاً"، وسيكون هناك عدد أكبر من الأسَر في مدن الدول النامية من تلك التي في الدول المتطوّرة، وتابع أن "النمو السكاني سيكون محرّكاً رئيساً لنمو المدن النامية، نتيجة للنمو الحضري والهجرة الريفية إلى المدن، فضلاً عن زيادات في نصيب الفرد من الناتج للمدن، الذي سيشكل أكبر محرّك لنمو الناتج المحلي الإجمالي، بفضل المنافع الاقتصادية للتجمّعات السكنية في المدن".

ولفت إلى أن "الصناعات ستصبح أكثر فاعلية بسبب التركّز السكاني، كما أن تأمين الخدمات الأساسية، كالتعليم والمياه، أرخص في المدن، ما يمنح الأجيال المتلاحقة خدمات تعليمية وصحّية أفضل"، وأشار دوبز إلى أن هذه التوقعات "تستند إلى تحديد التفاوت في أداء المدن في كل بلد، ثم تقويم أداء هذا البلد واستشراف توقعات له، مرتكزة على توقعات من مصادر متنوعة"، وتابع أن بحوثاً سابقة لـ "ماكينزي" توقعت تحوّلات بعيدة الأجل في الاستثمار والادخار العالمي، إذ أشارت إلى أن الطلب العالمي على الاستثمار يمكن أن يصل بحلول عام 2020، إلى مستويات لم يسجلها منذ إعادة إعمار أوروبا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية وعصر النمو القوي في الاقتصادات المتطوّرة، وتوقع تضاعف الاستثمار العالمي من حيث القيمة الحقيقية من 11 تريليون دولار سنوياً حالياً إلى 24 تريليوناً بحلول عام 2030، ولفت إلى "تغيّر مزيج الاستثمار"، مرجحاً ارتفاع الاستثمارات في البنية التحتية العالمية، كالطرق وسكك الحديد ومحطات الكهرباء، إلى 3.7 تريليون دولار وتلك السكنية العقارية إلى 4.9 تريليون دولار.

وأضاف أن البحوث في الصين والهند وأميركا اللاتينية تشير إلى أن الاقتصادات الناشئة ستحتاج إلى بناء بنية تحتية على نطاق واسع، لتلبية احتياجات سكانها المتزايدة في المناطق الحضرية، واستطرد أن "هذا النمو في الإنفاق على البنية التحتية سيشكل جزءاً من النمو في الناتج المحلي الإجمالي، لكن الأهم من ذلك أنه سيكون حافزاً لنمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في شكل عام"، ولفت دوبز إلى أن "الهند متأخرة كثيراً عن الصين لجهة البنية التحتية القائمة، بسبب سنوات من تكدّس الاستثمار المتأخر المُزمن، إذ أن الإنفاق الرأسمالي السنوي في الهند عليها من حيث نصيب الفرد لا يتجاوز 17 دولاراً، ويشكل نحو 15 في المئة فقط من إنفاق جارتها الصين، البالغ 116 دولاراً للفرد"، وحول معيار تحديد حجم المدن، أوضح دوبز أن المدن التي يقطنها أكثر من 10 ملايين شخص هي "مدن ضخمة"، وعددها 23 حالياً، والمدن التي يبلغ تعداد سكانها بين 150 ألفاً و10 ملايين هي "مدن ذات وزن متوسط"، وهي بدورها مقسّمة إلى ثلاث فئات: الكبرى (خمسة إلى 10 ملايين شخص) والمتوسطة (اثنان إلى خمسة ملايين شخص) والصغرى (150 ألفاً إلى مليوني شخص)، والمدن الصغيرة هي تلك التي تَحوي ما دون 150 ألف شخص، إضافة إلى المناطق الريفية.

وقال إن المدن المتوسطة الحجم (ذات ثلاث فئات المذكورة أعلاه) ستتجاوز المدن الضخمة بمساهمتها في النمو العالمي، لأن عددها سيكون 577 مدينة في مقابل 23 مدينة ضخمة فقط من ضمن "المدن الـ 600" الواردة في إحصاءات التقرير، ولأنها ستنمو بوتيرة أسرع من حيث الناتج المحلي الإجمالي، علماً أن المدن الضخمة ستحقق أقل من ثِقلها في المساهمة في النمو العالمي، إذ حققت 14 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي عام 2007، لكن حصتها ستتراجع إلى 11 في المئة منه من عام 2007 لغاية 2025، ولفت دوبز إلى أنه من ضمن المدن 137 في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المذكورة في التقرير، سيكون هناك مدينة واحدة ضخمة (القاهرة) ومدينتان من الوزن المتوسط الكبير، هي بغداد وطهران، و11 متوسطة الحجم (الكويت والإسكندرية والرياض والدار البيضاء ودمشق والجزائر وحلب وجدّة ومشهد وصنعاء وطرابلس الغرب)، و123 مدينة من الوزن المتوسط الصغير ستتنافس مع مدن عالمية ذات الوزن المتوسط الصغير السريعة النمو، خصوصاً في مناطق نامية (الصين والهند وأميركا اللاتينية).

ورجح أن تساهم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء معاً بخمسة في المئة من نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي ما بين عامي 2007 و2025، وستساهم مدن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحصة ثلاثة في المئة من هذا النمو، ومنطقة أفريقيا جنوب الصحراء باثنين في المئة. وتوقع أن يشكل سكان المنطقة المذكورة 12 في المئة من سكان العالم بحلول 2025، وأن تشكل الأسر ثمانية في المئة من المجموع العالمي للأسر، وتساهم في خمسة في المئة من نمو الإنفاق العالمي للأسر، وتوقع دوبز نمو الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة ككل "مستفيداً من ارتفاع أسعار النفط العالمية والإيرادات النفطية وانعكاسه على ارتفاع الطلب في قطاعات محلية أخرى"، أما اهم الدول المساهمة في هذا النمو، فهي السعودية والإمارات وقطر والكويت وإيران، التي ستشكل معاً اثنين في المئة من نمو الناتج المحلي للمنطقة، وتابع أن الدوحة ستحقق المرتبة الأولى من ناحية الناتج المحلي الإجمالي لمدن المنطقة بحلول 2025، الذي سيبلغ 250 بليون دولار، فتتفوق على مدينة دنفر الأميركية التي سيكون لديها ناتج يبلغ 220 بليون دولار مثلاً.

وأضاف أن الدوحة تملك نصيباً مرتفعاً للفرد من الناتج المحلي الإجمالي (من الأعلى عالمياً)، متوقعاً له أن يرتفع مع نمو في الناتج الإجمالي في قطر بأكثر من معدل سبعة في المئة سنوي، وستسجل الدوحة أعلى معدل نمو مركّب سنوي في الناتج المحلي الإجمالي بين "أكبر 20 مدينة في المنطقة لجهة حجم الناتج المحلي الإجمالي" لغاية عام 2025، يبلغ 7.8 في المئة، تليها بغداد بمعدل 7.1 في المئة، "إذ تشكل الدوحة وبغداد على حد سواء جزءاً من اقتصادات دول تتوقع لها مصادر أن تسجل نمواً سريعاً في الناتج المحلي الإجمالي، كونهما جزء رئيس من الاقتصاد الوطني، فنحو 85 في المئة من سكان قطر يقطنون في الدوحة مثلاً، وستكون أكبر مستفيد من النمو المحلي المسجل"، وستحقق مدينة الكويت نمواً بواقع 6.3 في المئة وبيروت (ستة في المئة) وأبو ظبي (5.7 في المئة) ودبي (5.8 في المئة) بفضل "تحسّن نوعي في الناتج المحلي الإجمالي للفرد وارتفاع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لبلدانها، كما أن بغداد والدوحة ودبي ستسجل نمواً سنوياً بنسبة ثلاثة في المئة في عدد السكان، ما سيساهم بقوة في نمو الناتج المحلي الإجمالي في هذه المدن"، وفقاً لدوبز.

وتبرز سبع مدن سعودية من بين أكبر 20 مدينة في المنطقة في الجدول المذكور، لتشكّل 35 في المئة منها، وهي الرياض فجدّة فمكة المكرّمة فالمدينة المنوّرة فالدمام فخميس مشيط فالهفوف، وعلّق دوبز أن "هذه المدن السعودية كانت تملك ناتجاً محلياً إجمالياً كبيراً نسبياً مقارنة بمدن أخرى في المنطقة عام 2007"، وعلى رغم عدم تحقيقها نمواً بوتيرة مماثلة لما حصل في مدن أخرى، كالدوحة، فهذه "البداية المتقدمة عن سواها تضمن للمدن السعودية أن تلعب دوراً بارزاً في النمو الاقتصادي للمنطقة"، وختم قائلاً إن النمو القوي المتوقع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سيساهم في تسليط الضوء على أهمية المنطقة للمسؤولين التنفيذيين الكبار في الشركات المتعددة الجنسية، فالزيادات الكبيرة المتوقعة في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ستجعل بعض مدن شرق الأوسط في مَرتبة مدن العالم المتطوّر، كما أن النمو القوي نسبياً في عدد السكان والأسر سيشكل مجموعة كبيرة من المستهلكين القادرين على الإنفاق بشكل أكبر بسبب ارتفاع دخلهم من ناحية، وتراجع عدد أعضاء الأسرة من ناحية أخرى.

لندن ملاذ الأثرياء العرب

حيث ارتفع عدد الأثرياء الذين يفكرون بالهجرة من الشرق الأوسط إلى بريطانيا بشكل ملفت للانتباه، وذلك بسبب عاملين اثنين، هما أعمال العنف التي تشهدها المنطقة جراء الثورات الشعبية، والتسهيل المدروس والمخطط له لقوانين الهجرة البريطانية لمن هم من أصحاب الملايين، فوفقا لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، وصل عدد المهتمين بالهجرة إلى بريطانيا من أثرياء الدول العربية، وخصوصا السعودية ومصر والبحرين، إلى "مستويات غير مسبوقة"، ونقل عن رئيسة قسم الهجرة في شركة "بي دبلو سي" للمحاماة، جوليا أونسلوكول، في بريطانيا قولها "إن هنالك ثمة زيادة كبيرة حقا في عدد الأشخاص المهتمين بالانتقال من الدول العربية إلى بريطانيا، وذلك منذ اندلاع موجة القلاقل في مصر في شهر يناير".

وأضافت الخبيرة القانونية قائلة، "لم أر مثل هكذا أمر من قبل قط في أوساط السعوديين، فالأشخاص الذين أتحدث إليهم قلقون حقا"، ونقل عن محامٍ آخر قوله إن أحد زبائنه السعوديين خاطبه مؤخرا قائل، "أود أن أقترع قبل أن أموت"، ويذكر أن "وصول هذا العدد من أثرياء العرب إلى بريطانيا، والتي تعاني منذ أكثر من عامين من أزمة اقتصادية خانقة مثل العديد من البلدان الأخرى، يشكِّل بلا شك مفاجئة سارة من مفاجآت الربيع العربي، وبالطبع لم تكن متوقَّعة من قبل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون "الراغب برؤية المزيد من فاحشي الثراء القادمين للاستثمار في بلاده"، وللتدليل على ترحيب حكومة كاميرون بقدوم أصحاب الملايين هؤلاء، فأن العديد من الخطط التي تعتزم وزارة الداخلية البريطانية إماطة اللثام عنها، وترمي لتخفيف القيود المفروضة على تأشيرات دخول المستثمرين إلى بريطانيا ابتداء من السادس من شهر أبريل.

ومن التسهيلات والاستثناءات التي اعلنت الحكومة البريطانية عنها لجذب المستثمرين الأغنياء اختصار الفترة التي يتعيَّن على المستثمر قضاؤها في البلاد للحصول على الإقامة والجنسية في حال بلغت استثمارته فيها حاجز الـ 10 مليون جنيه إسترليني (16 دولار أمريكي)، وأكدت كمال رحمان، وهي شريكة في إحدى الشركات القانونية المختصة بمتابعة ملفات ومعاملات الزبائن الأثرياء، أنها لمست أيضا زيادة ملحوظة في عدد الراغبين بالهجرة إلى بريطانيا من أثرياء العرب، "وذلك بسبب تخفيف القيود المفروضة على القوانين، ونتيجة لاضطراب الأوضاع السياسية في الشرق الأوسط"، وأضافت، "يشعر السعوديون عادة بالسعادة بالبقاء في بلادهم، لكننا نتلقى اتصالات من ثلاثة سعوديين في كل أسبوع ونصف، مقارنة باثنين آخرين (أي من جنسيات أخرى) منذ أن بدأنا هذا العمل لأول مرة".

وبالإضافة إلى الأثرياء من السعوديين، تقول رحمان إنها تتلقى استفسارات حول الهجرة أيضا من مصر وباكستان وروسيا وكازاخستان وماليزيا وفيتنام وأندونيسيا والصين، ويشير تقرير إلى أن 155 مستثمرا أجنبيا قد هاجروا إلى بريطانيا خلال العام الماضي، لكن الحكومة ترغب أن تضاعف العدد هذا العام، وذلك طمعا باجتذاب مئات الملايين من الجنيهات الإسترلينية إلى سوق الاستثمارات في البلاد، كما ويذكر "إن المستثمرين الأجانب الأثرياء، والمستعدين لإيداع مبلغ خمسة ملايين جنيه إسترليني (8 مليون دولار) في حساب في أحد المصارف البريطانية سيُمنحون حق الإقامة في بريطانيا لفترة غير محددة، وذلك بعد مضي ثلاث سنوات فقط على قدومهم إلى البلاد، أي أقل بسنتين مقارنة ببقية المهاجرين العاديين الآخرين"، أمَّا من يودِع مبلغ 10 ملايين جنيه إسترليني فأكثر، فسيكون بإمكانه الحصول على الإقامة الدائمة في بريطانيا حتى خلال عامين اثنين فقط. 

مدن العالم والاكتظاظ السكاني

من جهتها تشهد المدن الكبيرة في العالم اكتظاظا سكانيا خانق، ويتوقع الخبراء ان تزداد كثافة وأن يعيش نحو 70 بالمئة من سكان العالم في المدن بحلول العام 2050، ومن شأن ذلك أن يشكل عبئا كبيرا على البنى التحتية والبيئة، وتحديا كبيرا لمخططي المدن ومطوريها ورؤساء البلديات الذين اجتمعوا هذا الأسبوع في منتدى السوق الدولية للعاملين في مجال العقارات، بحثا عن افضل طريقة للمضي قدم، وقد قال رئيس بلدية لندن بوريس جونسون في اليوم الاول للمنتدى، ان "مستقبل العالم يكمن في المدن"، واضاف جونسون "علينا ان نستمر في محاولة اعادة القرية الى المدينة لأن هذا ما يريده البشر ويصبون اليه" مقتبسا كلام المهاتما غاندي الذي قال ان مستقبل الهند يكمن في قراها البالغ عددها سبعين الفا.

واشار جونسون "الناس يعمرون اطول ويحظون بتعليم افضل ويحققون إنتاجية أكبر في المدن"، في العام 1900، كان نحو 14 بالمئة من سكان العالم يعيشون في المدن، وبحلول العام 1950 ارتفعت هذه النسبة الى 30 بالمئة وهي تبلغ 50 بالمئة اليوم. وحاليا، يوجد اكثر من 400 مدينة يفوق عدد سكانها المليون، و19 مدينة تضم اكثر من 10 آلاف نسمة، حسبما قال روبرت بيتو، رئيس المؤسسة الملكية للمساحين القانونيين خلال مؤتمر في اطار منتدى السوق الدولية للعاملين في مجال العقارات، وسوف تسجل معظم هذه الطفرة في السنوات الاربعين المقبلة في مدن البلدان النامية مثل الصين والهند، في آسيا وأميركا اللاتينية وافريقيا، وكلها تنمو بسرعة كبيرة، حسبما قال توني لويد جونز، الاستاذ المحاضر في التخطيط الدولي والتنمية المستدامة في جامعة ويستمنستر في لندن.

وتتوقع دراسة حديثة اجرتها شركة "سيتي غروب" ونشرت في بريطانيا ان تكون لندن وشيكاغو وطوكيو ونيويورك ولوس انجليس وهونغ كونغ وساو باولو ومكسيكو سيتي وشنغهاي وبوينوس ايريس ومومباي وموسكو من بين المدن الكبرى التي ستكون اقتصاداتها الاسرع نموا بحلول منتصف العقد المقبل.اضاف بيتو "نشهد توسعا مدنيا كبيرا، وسيكون لذلك تأثير كبير على المجتمعات والمؤسسات التجارية والاقتصادات وخصوصا على بيئتنا"، غير أن هذا التمدن يزيد المخاطر نظرا الى كون الكثير من المدن الكبيرة موجودة في مناطق معرضة للزلازل والفيضانات، ومن المرجح ان يضخم التغيير المناخي هذه المخاطر، حسبما قال فواد بندمراد، رئيس مبادرة الظواهر الزلزالية والمدن الكبرى في الفيليبين، خلال احد مؤتمرات السوق الدولية للعاملين في مجال العقارات. بحسب فرانس برس.

واشار بنديمراد الى ان ثماني إلى عشر مدن كبرى في العالم معرضة بشكل دائم للزلازل بما فيها اسطنبول في تركي، من جهته، قال لويد جونز، "ان التنمية المستدامة والنقل واستخدام الطاقة ستكون من بين المسائل الاكثر اهمية بالنسبة الى المدن المكتظة خلال السنوات المقبلة"، وتابع "من الواضح انه مع ارتفاع سعر النفط، ستزداد الضغوط من اجل عدم الافراط في استهلاك الوقود والطاقة"، هذا يعني انه ينبغي على المدن ان تصبح اكثر فعالية في ما يتعلق بالبنى التحتية المرتبطة بالنقل، والاستثمارات في وسائل النقل العامة هي احدى الوسائل لتحقيق ذلك، وتتخذ بعض المدن خطوات في هذا الاتجاه، مثل لندن التي ستستضيف الالعاب الاولمبية في العام 2012 والتي تبني معابر جديدة للانهر تمهيدا لهذا الحدث.

ماليزيا تحاكي سنغافورة

من جهة اخرى فالجرافات والرافعات تعمل ليل نهار في جنوب ماليزيا لتشييد مدينة "إسكندر" العملاقة المبنية على طراز سنغافورة التي يثير نجاحها الاقتصادي أحلام دول آسيوية أخرى، حيث أزيلت مزارع النخيل المدر للزيت في حين سويت الهضاب وحفرت الأقنية، فهنا سوف تقوم بحلول العام 2025 مبان تجارية وأخرى سكنية فخمة بالإضافة إلى فنادق ومنتزهات ومساحات للترفيه ومستشفيات ومدارس دولية فضلا عن استديو سينمائي، باختصار، من المتوقع أن تأتي مدينة "إسكندر" شبيهة سنغافورة الحالية، لكنها سوف تمتد على مساحة 2217 كيلومترا مربعا أي ما يساوي ثلاثة أضعاف سنغافورة، وكانت ماليزيا قد أطلقت هذا المشروع الطموح في العام 2006، وتعتبر ماليزيا أحد أكثر البلدان تقدما في جنوب شرق آسيا، وهي تهدف إلى اللحاق بركب الأمم المتطورة بأسرع وقت ممكن.

وبدلا من أن تقدم نفسها كمنافسة لسنغافورة، تحاول مدينة "إسكندر" أن تلعب دورا تكامليا وأن تجذب المستثمرين الذين جمعوا ثرواتهم في المدينة المجاورة، ويؤكد إسماعيل إبراهيم مدير "إيردا" الهيئة المكلفة لتطوير مدينة "إسكندر" أن "البلدين اكتشفا أنهما بحاجة إلى بعضهما البعض بهدف خلق وفرة أكبر وتقاسمها بشكل أفضل"، ويضيف أن "المستثمرين ينظرون إلى المشروع إيجابيا، ويجدونه موثوقا"، ويشارك كيث مارتن البقية تفاؤلهم، ويقول مدير "غلوبال كابيتال أند ديفلوبمنت" "ثمة دفع حقيقي"، ويشدد مارتن على أن "مصلحتنا الاستراتيجية تقتضي ركوب موجة سنغافورة، لكن هذه المدينة بلغت ذروتها، وهي تفتقد للمساحة حتى تتوسع أكثر، والأسعار فيها ماضية بالارتفاع"، وكانت سنغافورة قد حققت النمو الأكبر في آسيا (زائد 14،7%) في العام 2010، بفضل نجاح صناعاتها ذات التقنيات العالية وقطاعها المالي بالإضافة إلى افتتاح كازينويين دفعا السياح على التوافد.

لكن سنغافورة التي تقوم على جزيرة، بدأت تشعر بضيق المساحة إذ يتوجب عليها إيواء سكانها البالغ عددهم خمسة ملايين بالإضافة إلى استمرارها في النمو، لذا تتطلع إلى جارتها التي كانت تربطها بها في الماضي علاقات متوترة بعد انفصالهما في العام 1965، لكن استلام الحكم من قبل جيل جديد من الحكام، سمح بتمتين العلاقات، والدولة الماليزية المعروفة تقليدا بتدخلها في الشؤون الاقتصادية، تسهم كثيرا في مشروع "إسكندر" الذي سوف يشمل جوهر باهرو ثاني مدن البلاد، فتقدم الدولة مساعدات كبيرة إلى المستثمرين الأجانب الذين سوف يسمح لهم بامتلاك نشاطهم المحلي كليا بالإضافة إلى توظيف عدد غير محدد من المدراء الأجانب، وفي نهاية العام 2010، كانت الاستثمارات الخاصة المعنية قد بلغت 69،5 مليار روبيه (23 مليار دولار)، أي أكثر ب 48% مما هو متوقع، 40% منها أجنبية، بحسب إسماعيل.

وتنوي جامعات أوروبية عدة افتتاح حرم لها في المدينة الجامعية "إيدوسيتي"، وعلى سبيل المثال جامعة نيوكاسل والمعهد التكنولوجي البحري في هولند، إلى ذلك تفتتح "لوغو" العلامة التجارية الشهيرة للألعاب في العام 2012 أول منتزه لها في آسيا "ليغولاند"، على مقربة من مستشفى خاص فخم تبلغ كلفة إنشائه 156 مليون دولار ومن استوديوهات شركة الإنتاج الآسيوية "باينوود"، لكن حي الأعمال في مدينة "إسكندر" لن يتضمن ناطحات سحاب كما هي الحال في نيويورك وهونغ كونغ، فقد "أعيد تصميم" المشروع الأولي على أثر أزمة 2008 لصالح أبنية أكثر تواضعا وذات علو متوسط، بحسب مارتن.

من جهة اخرى أظهر التقرير السنوي الذي تنشره مجلة إيكونميست أن مدينة فانكوفر الكندية هي أفضل مدن العالم في العيش الهانئ، حيث احتلت المدنية المركز الأول في قائمة المدن الأكثر ملائمة للسكن في العالم في خمس سنوات متتالية، جاءت ملبورن في أستراليا في المركز الثاني في قابلية العيش وفقا للتقرير هي تقييم لما تقدمه المدن من ظروف العيش المناسبة، لتستخدم هذه التقييمات في مجالات عديدة مثل تعويض الوافدين، وتقييم التطور إلخ، بمقياس من 1 إلى 100 حيث الرقم الأكبر هو الأفضل، أوضح التقرير أنه بعد التقييم الشامل لثلاثين عنصر من بينها الاستقرار الاجتماعي والصحة والثقافة والبيئة والتعليم والمنشآت الأساسية، أحرزت فانكوفر 98 نقطة وهي نفس النتيجة في السنة الماضية وبقيت محافظة على المركز الأول منذ عام 2007، وشملت القائمة 140 مدينة، وحلت في آخر التصنيف كل من المدن التالية كولمبو وداكار وطهران ودوالا وكراتشي والجزائر/ بينما حلت في ذيل القائمة كل من لاغوس وبور موريزبي وداكا ، وفي آخر تصنيف لأسوأ مدينة حلت مدينة هراري في زيمبابوي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 2/آيار/2011 - 29/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م