سعة الصدر من سمات القادة والساسة المحنكين

رؤى من فكر الامام الشيرازي

شبكة النبأ: لم تكن قيادة الامم والشعوب، أمرا هيّنا على مر العصور، بل تتطلب القيادة سمات وصفات، لابد أن تتوفر في شخصية القائد أو الحاكم، فردا كان أو مجموعة، ولكن يبقى القائد الأول أو الأعلى، هو المسؤول الأهم عن الطرائق والوسائل والنتائج، التي تتمخض عنها أساليب الادارة والقيادة وتسيير أمور الناس كافة.

وقد أسهب المعنيون من الدارسين والمفكرين، في دراسة شخصية القائد او الحاكم، والصفات التي يجب أن تتوافر لديه، ومدى تأثير ضمورها أو ضعفها أو غياب بعضها، عن تشكيل الشخصية القيادية، الامر الذي يقود الى سوء كبير في ادارة شؤون الدولة، وهو ما ينعكس سلبا على حياة المجتمع بوضوح، كما تؤكد وقائع التأريخ والحاضر معا.

ومن بين الامور المهمة التي ينبغي على القائد السياسي أن يتحلى بها، هي سعة الصدر، وتعني أهمية أن يتحلى القائد بالقدرة على استيعاب الرعية، وردود أفعالهم وتوجهاتهم، مهما تباينت أو تنوعّت، وكلما كان القائد قادرا على استيعاب الجميع، والتعامل معهم بتروٍ وحكمة، كلما كان أقرب الى تأييدهم ومسندتهم له.

يقول الامام الراحل، آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، بهذا الصدد في كتابه القيّم الموسوم بـ (السبيل الى إنهاض المسلمين):

(على الحاكم أن تكون له سعة الصدر، فإن من لايتحلى بسعة الصدر في الدولة الاستشارية لا يصل إلى الحكم، وفي الدولة الانقلابية والوراثية، إذا وصل ضيق الصدر إلى الحكم فسرعان ما ينفض الناس من حوله، وأحياناً يحاربونه بقوة السلاح إلى أن يسقطوه، ويجعلوا مكانه غيره).

وهكذا فإن سعة الصدر، تشكل إحدى أهم مقومات الحاكم الديمقراطي، أما الافتقار الى سعة الصدر، فتعني فرض الرأي الواحد على الجميع، ومن ثم فرض المسار الواحد في السياسة، والفكر، والاعلام، والتعليم وكل ميادين الحياة، وهذا ما يعطي انطباعا واضحا، على دكتاتورية القائد او الحاكم، الامر الذي يعجّل بسقوطه الحتمي، بسبب عدم قدرته ونظامه السياسي، على استيعاب الجميع، وفق منهج متحرر، يسمح بتلاقح الافكار والآراء، ويشيع نوعا من القبول، والتسامح، والتعددية التي تحفظ الحاكم ونظامة، بسبب تمتعه بسعة الصدر التي تدل على التعامل مع الجميع واستيعابهم بتروٍ وحكمة، ولا تتحدد سعة الصدر في مجال بعينه، بل هي منهج حياتي عام يشمل معظم جوانب الحياة.

في هذا الخصوص، يؤكد الامام الشيرازي بكتابه نفسه على أن:

(المراد بسعة الصدر، السعة في الأمور كلها، لا في الأمور المالية فحسب، فيغطي على السيئة، ويبذل مكان البذل، ويعطي الآخرين حقوقهم، ولا يحسد، ولا يظهر شماتة، وإلى غير ذلك، وأحياناً ترى أحدهم يصل إلى الحكم ويستولي على بلاد عريضة، ثم يأبى أن يكون زميله في مكانة مرموقة، تنفيذاً لحقد قديم وحسد سابق، بل أحياناً يبخل حتى عن قبر محترم لإنسان كبير لا يليق به إلاّ مثل ذلك القبر!. ولا يظن ضيق الصدر أن الأمر يمر بسلام، بل بالعكس يتراكم، وإذا بالتراكم يذهب بالدولة والسمعة إلى الأبد).

هكذا يمكن للاستبداد أن يطيح بالحاكم، وكل ما يتبعه من مؤسسات، او شخصيات، مهما كان بناؤها قويا ومتينا، لأن الانفراد والاستبداد وتلاشي سعة الصدر، كلها أسباب تتفاعل شيئا فشيئا، لتؤدي الى ثورة او انتفاضة جماهيرية، تطيح بالحاكم المستبد، ولعل الحاضر يشير الى هذا الامر بوضوح، من خلال ما يحدث الآن، في دول عربية واسلامية، سقط فيها حكامها بسبب تفردهم بالسلطة، ونسيانهم لمصالح شعوبهم، لذا يؤكد الامام الشيرازي على هذا جانب قائلا في كتابه نفسه:

(على الحاكم أن يكون صحيح العمل إلى أبعد حد، وفياً بالمواعيد والعهود، فلا يكون غادراً ولا ماكراً ولا خادعاً، ولا متآمراً ضد الناس، فإن بعضهم يظهر نفسه بمظهر المسالم المحب للخير، ثم يتآمر مع بعض أعوانه ضد الناس، يريد بذلك أن يجمع بين نظافة مظهره وبين أن يصل إلى مآربه).

فكلما كان الحاكم حريصا على شعبه، ومؤمنا بحقوقه، ومحافظا على حرياته، كلما كان أقرب لهم واكثر تأييدا ومساندة من قبلهم، والعكس يحدث تماما، كما أن الحاكم من خلال اجهزته وافراد حكومته، هو المعني الاول بالحفاظ على كرامة الناس، واموالهم، واعراضهم وما شابه، إذ يقول الامام الشيرازي بهذا الصدد:

(إن سمعة الناس، وأموالهم، وأعراضهم، وحقوقهم، ومساكنهم، كلها محترمة، وكل تعد بغير حق على أحدها علامة الحقد والجهل ونحوهما).

ولذلك من أهم مسؤوليات القائد، هي حماية حرمة الناس في جميع مجالات الحياة، وهذا يتطلب سعة الصدر، التي أكد عليها الامام الشيرازي، وبغيابها يتحول الحاكم الى فرد أناني، لا يعرف سوى مصالحه، ولا يسعى الى أمر يهم الناس، بل يضع مصالحه الفردية والعائلية والحزبية، في مقدمة المصالح، وهذا ما يعجّل بإسقاط الحكام من هذا النوع، وهناك حكام وقادة، لا يترددون من استخدام كل الاساليب المعيبة والمرفوضة، كالكذب، والغش، والخداع، وما شابه من سلوكيات شائنة، من اجل تحقيق اطماعهم واهدافهم على حساب الشعب، لكن الامر المؤكد أن هذه الاعمال، هي التي تعجّل بسقوط مثل هؤلاء الحكام من عروشهم.

يقول الامام الشيرازي بكتابه نفسه في هذا الخصوص:

(إن البشر لا يبنى على الكيد والخداع ونقض العهد، ولذا نرى في التاريخ، إن كل من ارتكب ذلك سقطت دولته وظهرت سوءته، ووقع فيما زعم أنه فر منه، بل في أسوأ، - كالمستجير من الرمضاء بالنار-).

وطالما أن الحاكم بشر حاله حال الآخرين، فإنه ينبغي أن يتحلى بالقيم الانسانية التي ترفع من شأنه بين شعبه، ولعل سعة الصدر التي اكد عليها الامام الشيرازي، هي الحل الامثل للقادة والحكام كأفراد، والحكومات كجماعات، لأن الصدر القيادي الذي يتسع للجميع، يعني إشاعة التحرر والتسامح والتنوع والتعددية، وهذه العلامة من أهم علامات المجتمع الناجح شعبا وحكومة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 25/نيسان/2011 - 22/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م