صفات حكام تجنن وتهبل

وألقاب إعلاميين بحجم الزبل!

خليل الفائزي

نحن معشر الإعلاميين مدمنون على الإنترنت ومتابعة الأخبار والأحداث ونغور يوميا عدة ساعات نبحث في أعماق المواقع السياسية والخبرية ونقلب القنوات الفضائية من (بي بي سي) الى الجزيرة والحرة و(سي ان ان) مرورا بالعالم والعربية التي أصبحت هذه الأيام كلها توائم وأخوات ونسخة طبق الأصل عن بعضها البعض بعدما صارت تقتبس الأخبار وتستنسخ التقارير المشابهة ولم نسمع من هذه القنوات خلال الأيام الماضية اي خبر او تقرير يسعد قلوب الشعوب المنتفضة على سبيل المثل سقوط نظام او رحيل زعيم طواعية من هؤلاء الحكام الجاثمين قسرا وزورا على كاهل الأمم والجماهير وقد كنا قد اقترحنا عليهم المكوث ولو لفترة في متحف الشمع الدولية لانهم والحق يقال رغم أنوفنا قادة مناضلون! وحكام قديرون! وزعماء منتخبون! سيكتب عنهم التاريخ بصفحات ملطخة بالدموع والدماء والنعال والحذاء! عما قاموا به من مقاومة رائعة لشعوبهم والتنكيل بالأبرياء وقمع الجماهير المسالمة بالأسلحة الفتاكة والتصاقهم بلاصق مزدوج رهيب بمقاعد القدرة والسلطة الى مدى الحياة حتى وان كورت الشمس وزلزلت الأرض ودمرت البلدان وما فيها من بشر وكائنات حية من اجل بقاء الحاكم في منصبه وسلطته.

وها هو القذافي قاتل شعب ليبيا يقدم خدمة لا مثيل لها لنظرائه من الحكام والأنظمة المستبدة من خلال بقائه في رأس النظام العسكري غير الشرعي والاستمرار بذبح الناس بواسطة كتائب مرتزقته الذين استأجرهم من دول أفريقية وانه الان يمنح اكبر فرصة ذهبية لامثاله من الحكام الطغاة والمحتكرين للسلطة قسرا وبهتانا منذ عدة عقود وهم بدورهم يكتسبون التجارب والدروس من القذافي في كيفية البقاء اكثر في السلطة وعدم تلبية مطالب الجماهير وإرادة المواطنين وهم يصرون علانية على ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية ويسخرون من تهديد المجتمع الدولي لهم بمحاكمتهم في المحكمة الجنائية الدولية لسبب بسيط وهوان عدد مجرمي الحرب وقتلة البشر صار بالآلاف خلال بضع أسابيع فقط وإذا أرادت تلك المحكمة محاكمتهم على طريقتها فان الأمر سوف يتطلب قطعا عدة قرون من الزمن!.

ومع هذه فقد مللنا أخبار (البريقه) و(مصراته) وحفظنا شرق وغرب ليبيا بالانج والسانتي!. في الصباح نفرح بانتصار الثوار في هذه المناطق ونتوق لوصولهم قريبا الى باب العزيزية لكن القنوات الفضائية تعود بعد ساعات لتحزننا بسقوط البريقه وقصف مصراته واجدابيا بيد كتائب قائد الجماجم ، والغرب الزاعم بانه المدافع عن الإنسانية من جهته مستمر بالقصف العشوائي دون جدوى ولا نتائج بل والانكى يخبرنا الإعلام الغربي مرات ومرات بقصف مواقع الثوار وبيوت المدنيين بدلا من مواقع وأسلحة كتائب القذافي وبالطبع عن طريق الخطأ المقصود!

وفي اليمن الذي حوله بن صالح الى التعيس ودول مماثلة يتكرر نفس السيناريو ونسمع نفس الاسطوانة اليومية: المزيد من القتلى والجرحى برصاص حكام الأنظمة الذين يعشقون شعوبهم الى حد الاستعانة بمرتزقة دول أخرى لقتل أبناء بلدانهم وجلدتهم تحت شعار تطبيق ميثاق الدفاع الأخوي والقومي المشترك!، والجميع ونحن منهم صرنا مجرد متفرجين ونحفظ على ظهر قلوبنا ونقول الغيب مسبقا عما ستخبرنا به القنوات الفضائية الإقليمية والدولية من تقارير وأخبار أصبحت تضجرنا وتأخذ وقتنا اكثر من اي عمل هام لدينا!

ولكن لكوننا مدمني أخبار وتقارير نصّر على تقليب صفحات الإنترنت والبحث شوقا في المواقع الأخبارية والقنوات الفضائية الكثيرة بعددها وتنوع مذيعيها والخجلة بفحواها والمختزلة بمحتواها، وأخيرا يستقر رأينا للتوقف والاستماع بإصغاء فوق العادة للإعلامي والصحفي الزميل (م.ح.ه) عبر قناة الجزيرة ونهدر اكثر من ساعة من وقتنا ومعنا المشاهدون لمعرفة وإتقان جملة مفيدة او معلومة هامة تخرج من فم هذا الإعلامي البارز دون جدوى، ربما لأننا أميون سياسيا ولا نفقه ما يقوله أستاذنا الكريم في الإعلام عن الثورات والانقلابات التي ندرك بعد حين إنها لا تخص الوقت الراهن بل تلك التي عاشها الإعلامي الكبير قبل نصف قرن او اكثر!.

ونستمع من قناة العربية ونحن نقلب القنوات بشغف للبحث عن تقرير او خبر او تحليل او بارقة قول تلهمنا لنقتبس منها جوهر مقالنا المقبل، الى قول محاور قناة العربية وهو يقدم شخصا من دولة في المنطقة نعته بالخبير الاستراتيجي والباحث العالمي لشئون الشرق الأدنى والأوسط والأقصى وجبال الألب والبحر الأسود وخبايا سور الصين الأستاذ الفيلسوف (ا.م.ش.و) وسأله عن نظرته الاستراتيجية والمعمقة عما يجري في المنطقة وهل يا ترى ستنجح الانتفاضات في ليبيا واليمن والدول الأخرى التي تشهد اعتراضات جماهيرية ويصفها الحكام بمؤامرات خبيثة ومخططات أجنبية ضدهم؟ فيرّد هذا الخبير الاستراتيجي بكل حزم واختزال: نعم اعتقد ذلك!! واكد هذا الخبير العالمي للمشاهدين ان محاور العربية اسقط سهونا عنه لقب اخر وهو انه مستشار مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية والاستراتيجية والعسكرية والأبحاث النووية والتحقيقات السرية!. ويواصل محاور العربية بطرح سؤال آخر على الخبير الاستراتيجي .. الخ حول وجهة نظره بان هذه الانتفاضات هل تستمر وما هي مصيرها في المدى البعيد؟. ويرّد الخبير بجهالة وفخر وهو يتثاءب: اعتقد ذلك!!. ويختم محاور العربية حديثه الشيق والهام هذا ويقدم شكره الجزيل والعميق للخبير الاستراتيجي المزعوم الذي أتحفنا بعلمه ومعلوماته المؤثرة والمصيرية التي سوف تغير ملامح ومصير الانتفاضات في المنطقة!.

 صح النوم يا الخبير الاستراتيجي العالمي! الانتفاضات والثورات في بلدان المنطقة مضى على اندلاعها عدة أسابيع وقطعا سوف تنتصر وتسقط هيبة كافة الحكام المستبدين وفي فترة قياسية جدا ولا نشك في ذلك بتاتا رغم أنوف جميع الحاقدين والمشككين، وأنت تقول: اعتقد ذلك!.

مثل هذه المواقف الإعلامية التافهة ومهازل القنوات الفضائية البارزة نسمعها من قنوات مشابهة أخرى التي تقيم الندوات وتشرف على مؤتمرات سياسية وتخصص ملايين الدولارات للبث الفضائي من سائر دول العالم لنسمع ونشاهد خبراء أجانب وعرب يتحفوننا بتصريحاتهم وتحاليلهم وتوقعاتهم التي طالما أثارت في الجميع السخرية والاستهزاء خاصة وان عناوين وألقاب هؤلاء تتراوح وتمتد ما بين باحث استراتيجي وأستاذ جامعي ومتخصص في شئون الشرق الأدنى والأوسط والأقصى الى جانب مسئولين ومتحدثين بالعشرات باسم وزارة خارجية لدولة واحدة والأمن القومي ومستشارون ومراقبون ومطلعون وأخصائيون في كل شاردة وواردة الذين حقا ان أسماءهم تهبل الناس وعدد وصفات الإعلاميين والمستشارين والمراقبين والمتخصصين في شئون المنطقة والعالم صارت اليوم بعدد مكبات وأكياس القمامة والزبالة!.

 سؤال بسيط نطرحه هنا ونطالب ونصر بالرد عليه من هؤلاء: يا ترى من أعطاكم عنوان او صفة او تسمية مثل الخبير الاستراتيجي العالمي او الباحث الإقليمي في شئون الشرق الأوسط او المستشار الدولي لقضايا المنطقة والعالم وغيرها من عشرات الألقاب والصفات التي يطلقها أشخاص عاديون جدا على أنفسهم ، وقسما نحن نعرفهم جيدا لا يفهمون بأي تطورات ولا شئون ولا قضايا سياسية واستراتيجية الا بعد حدوثها او اقتباسها من مصادر أخرى، وهل هناك مثلا جهة قانونية او جامعة دولية او مؤسسة عالمية معروفة ومعتبرة منحتهم مثل هذه الألقاب والصفات أم انهم اخترعوها لانفسهم واوهموا القراء والمشاهدين بها؟، وهذا بحد ذاته عمل غير أخلاقي وغير قانوني خاصة واننا ومعظم الناس من المطلعين على بعض التطورات والأحداث ونعرفهم بالاسم والصورة ولنا دراية نسبية بسوابقهم وارتباطاتهم مع الأنظمة والأجهزة الأمنية والاستخباراتية وأكثرهم من المرتادين والمتسولين على السفارات الأجنبية وغالبيتهم من الجهلة المنافقين إعلاميا وسياسيا وهم بيادق وأعمدة الأنظمة المستبدة ولكنهم يغيرون جلودهم وأقلامهم وألسنتهم عشية انتصار اي انتفاضة شعبية. وانهم لا نبالغ ان قلنا يبيعون دينهم ودنياهم وشرفهم وعزة أوطانهم لمجرد اي تعامل مع دبلوماسي هامشي او توجه لهم دعوة لزيارة سياحية لدولة مستضيفة!.

الى جانب هؤلاء الإعلاميين المأجورين وما يسمون أنفسهم زيفا بالخبراء الإستراتيجيين الدوليين هناك الكثير من قادة وزعماء وحكام المنطقة ان لم نقل جميعهم على شاكلة هؤلاء حيث يوهمنا إعلامهم المضلل من ان الزعيم او الحاكم الفلاني سوف يلقي قريبا جدا (خلال ايام او ساعات) خطابا هاما للأمة والجماهير وان خطابه هذا سوف يغير معالم الدنيا وسيكون وقعه أقوى من سونامي إندونيسيا وزلزال اليابان وان كلمته التاريخية لا مثيل لها على مر العصور والأزمان!. ونحن السذج والبسطاء من الناس ننتظر بكل صبر وشغف ونسكت الجميع من حولنا لسماع هذا الخطاب التاريخي وعيوننا شاخصة وأفكارنا مذهولة!، وعندما نسمع الخطاب ونقرأه عدة مرات نراه ليس خطابا عاديا جدا فحسب بل مكررا ومملا وسخيفا أحيانا ويدفعنا الى حد التقيؤ من كثر الأكاذيب والمزاعم فيه لا لشيء سوى ان هؤلاء الحكام تافهون ومخادعون ولا مكانة لهم بين الجماهير والأمم، وخير دليل على ذلك نشير هنا الى واحد منهم وهم معمر القذافي الذي أطلق على نفسه وعلى مر اكثر من 4 عقود شتى الألقاب والصفات زاعما انه ابسط واقل شانا من اي شخص في ليبيا والعالم ولكن رأينا كيف انقلب واستكبر على شعبه وقتل خيرة أبناء ليبيا ويتم الأطفال ورمّل النساء من اجل سلطته وأمواله الطائلة التي سرقها هو وأسرته من قوت الشعب الليبي الفقير والمحروم.

وهناك أيضا حاكم عربي امّي يطلق على نفسه لقب خادم الحرمين الشريفين، وهذا يعني بكل بساطة انه يخدم بيت الله الحرام في مكة ومسجد الرسول في المدينة ومن المفترض ان هذا الحاكم او الخادم كما يزعم ان لا يكذب ولا يشرب الخمر ولا يقتل النفس المحرمة ولا يأمر بقمع اي من عباد الله مهما كانت الدوافع والمبررات، لكنه وكما يعلم القاصي والداني والذكي والغبي من خلق الله انه عميل بارز ومن الدرجة الممتازة لأمريكا عدوة الله ومذلة المسلمين وقاتلة شعوب المنطقة وناهبة لثرواتها، وهو يفتخر بتعاونه السري والعلني مع الصهاينة في إسرائيل والعالم وعدم إطلاق رصاصة واحدة حتى ولو مطاطية او من رشاش ماء على إسرائيل وعدم إرساله لجندي واحد لمقاتلتها او قمع الصهاينة والتصدي لهم في اي من بقاع الأرض التي نهبوها او احتلوها وعدم مطالبة وتحدي إسرائيل بإعادة اي من الجزر التي اغتصبتها من شبه الجزيرة العربية في العقود الماضية.

 خادم الحرمين هذا رأيناه ورآه العالم كله عبر قناة الجزيرة القطرية كيف ظل يهز كؤوس الخمر ويشربها علانية مع سيده جورج بوش الابن على هامش مؤتمر نيويورك وهو المؤتمر الذي منح فيه خادم الحرمين 300 مليار دولار من أموال المسلمين وفقراء شبه الجزيرة العربية الى أسياده الغربيين بعد الأزمة الاقتصادية التي عصفت بأمريكا والغرب عام 2008.

وهناك أيضا بعض الحكام والمسئولين بالله العظيم نخجل ان نذكر أسماءهم او نشير الى ألقابهم وصفاتهم التي هم من اخترعها وأطلقوها على أنفسهم وهي الألقاب والصفات التي لم يطلق اي أحد من الناس او المقربين على الأنبياء والرسل خاصة البني محمد (ص) والنبي عيسى (ع) والنبي موسى (ع) على أنفسهم حيث أطلق عليهم اقصى حد صفات مثل حبيب الله وروح الله وكليم الله، الا ان بعض الحكام والزعماء في الوقت الراهن وبالرغم من انهم لا يملكون ذرة واحدة من مكانة اي الأنبياء والرسل والأولياء والأوصياء، الا انهم يطلقون على أنفسهم صفات نعوذ بالله وكأنهم على مستوى واحد من الخالق عز وجل اوانهم أنبياء ورسل جدد الى البشرية خلافاً للحقيقة القائلة بانتهاء عهد بعث الأنبياء والرسل للبشر.

المطلوب الآن من كافة الإعلاميين والسياسيين الشرفاء والمستقلين وضع حد لاي نوع من النفاق والتملق وعدم إطلاق اي صفة او لقب لا يليق بأي من الحكام والزعماء وحتى الكتاب والباحثين والإعلاميين بل وفضح حقيقة هؤلاء وسلب منهم الألقاب والأسماء المزيفة وغير الواقعية التي أطلقوها على أنفسهم في الفترة الماضية لان عهد النفاق الإعلامي قد انتهى ولا مكانة لاي من الحكام المستبدين برأيهم وموقفهم، وعلى الجميع من الان وصاعداً مخاطبة كل الحكام والمسئولين والإعلاميين وغيرهم بأسمائهم فقط او إضافة صفة السيد او الاخ او المحترم امام أسمائهم وألقابهم، ونعتقد بل ونجزم هنا ان صفة الملك او الأمير او العظيم او غيرها من الصفات مثل فخامة او عظمة او سيادة او سمو هي صفات غير صحيحة وغير واقعية لان بعضها تخص ذات الله تعالى وبعضها الآخر مثل الملوك والأمراء أطلقها الاستعمار البريطاني على حكام المنطقة او ألقابا منحتهم إياها ملكة بريطانيا او الدول المستعمرة للمنطقة قبل عدة عقود مضت وهي ألقابا قطعا مرفوضة ومدانة شرعاً وقانونياً وجماهيرياً.

 نعتقد ان على الجميع التحلي بالشجاعة والنبل والبساطة والعمل لخدمة الشعوب وقول الحق وليس التفاخر بألقاب وصفات لا تغني ولا تسمن ولا تخدم اي من خلق الله.

* صحفي وإعلامي-السويد

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 18/نيسان/2011 - 14/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م