حدود ولاية الفقيه

الشيخ فاضل الصفّار

لا يخفى أن التشريع له بعدان: بعد تشريعي وبعد تطبيقي، والمقصود من الأول هو تشريع القوانين وتأسيس الأحكام بحسب ما يراه الفقيه من المصالح ومقتضيات الضرورات، وأما الثاني فالمقصود منه إرجاع الفروع إلى كلياتها، وتطبيق الأحكام العامة على مصاديقها، وإدخال الموضوعات المستجدة والحوادث الواقعة تحت كبرياتها الكلية التي أسستها الشريعة وقامت عليها الأدلة الأربعة وفروعها.

وولاية الفقيه لا تشمل الأول، بل تختص بالثاني، فالفقيه الجامع للشرائط مطبق للكليات على مصاديقها، ومجر للأحكام على مواردها الخارجية، مثل: تطبيق الأحكام في شؤون مرور السيارات أو أنظمة الطائرات والقطارات، وكيفية السفر والإقامة، وانظمة الاعلام وتشكيل الاحزاب والتجمعات، ومناهج الجامعات وشؤون الشباب والأطفال والرياضة وهكذا، فإن الفقيه لا يؤسس أحكاماً في تدبير أمور الدولة والمجتمع في مثل هذه الشؤون وغيرها من مجالات الحياة، وإنما يرجع موضوعاتها إلى الأحكام الكلية التي أسستها الشريعة، فليس للفقيه ولاية على التشريع، وجعل الأحكام بحسب رأيه واجتهاده الخاص، سواء كانت الواقعة فيها نص خاص أو عام؛ بداهة حرمة الاجتهاد في مقابل النص، وبطلان ما ينشأ منه؛ لأنه تشريع محرم بالأدلة الأربعة كما حقق في محله، وإنما للفقيه الاجتهاد في تطبيق الأحكام لا تشريعها في مختلف الموارد والمجالات كما أجمعت عليه الطائفة الإمامية خلافاً للعامة، حيث أخذوا فيها بالقياس والاستحسان والاجتهاد بمعناه الخاص، ووضعوا فيها أحكاماً بآرائهم زعماً منهم أن ما لا نص فيه لا حكم واقعي له، فلا مناص إلا عن تشريع حكم فيها إما بقياسها على غيرها من أحكام الشرع، وإما بالبحث والفحص عن المصالح والمفاسد فحكموا فيها بالمصالح المرسلة أو الاستحسانات، فما ظنوا فيها المصلحة أوجبوه، وما ظنوا فيه المفسدة حرموه، مع أن النصوص القرآنية نهت عن العمل بالظن صريحاً كما في قوله سبحانه وتعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا}[1] ومن الواضح أن الظن من غير المعلوم الذي نهي عن اقتفائه.

وكذا قوله سبحانه وتعالى: {اجتنبوا كثيراً من الظن إن الظن لا يغني من الحق شيئاً}[2] إلى غير ذلك من الأدلة التي تحرم العمل بالظنون والاستحسانات والقياسات والمصالح المرسلة التي تبيح التشريع في مقابل تشريعات الباري عزوجل.

وأما أصحابنا الإمامية رضوان الله تعالى عليهم فقد قالوا بأنه ليس هناك واقعة لا دليل عليها، ولا يوجد موضوع خال عن حكم شرعي، فإن الدين قد كمل بأصوله وفروعه، بحيث لم يبق محل لتشريع أحد أبداً.

نعم، هذه الأحكام التي شرعتها الشريعة وردت بعضها في نصوص خاصة، كحرمة الخمر والزنا والسرقة والقمار، ووجوب العمل لأجل حفظ الحياة والإنفاق وحفظ الكرامة، وأخرى في ضمن أحكام كلية وقواعد عامة كقوله سبحانه وتعالى: {أحل الله البيع} [3] الشامل لكل أنواع البيوع إلا ما أخرجه الدليل، وكقوله سبحانه وتعالى: {أوفوا بالعقود} [4]. و «لا ضرر ولا ضرار» [5] و{ما جعل عليكم في الدين من حرج}[6] إلى غير ذلك من القواعد العامة الكلية التي وصلت إلينا من طريق الكتاب والسنة والإجماع والعقل، والموارد التي لم يصل إلينا فيها حكم لا يعني خلو الواقعة منه، بل لها حكم في الواقع ولكن لم يصل إلينا الدليل عليه بسبب الموانع، أو قصور الأفهام عن الوصول إليه؛ ولذا على المجتهد الجد والجهد في الوصول إليه، وإن يئس عن الوصول إلى بعضها أحياناً فإنما يأخذ بما هو وظيفة الشاك من الأصول العملية التي وضعها الشارع، أو استقل بحكمها العقل المؤيّد من قبل الشارع.

وهذه الأصول جامعة وشاملة لجميع الموارد المشكوكة بما لا تبقي مورداً من الموارد الواقعة بالفعل أو الحادثة في المستقبل إلا وتشملها الأصول العملية، والمقصود من الأصول العملية هي الاستصحاب والاحتياط والتخيير والبراءة؛ ولتوضيح ذلك نقول من باب المثال: لو أرادت الدولة عقد معاهدة مع بعض الدول لبيع النفط مثلاً أو المعادن، أو أرادت أن تضع خطة خمسية أو عشرية للتنمية، وهكذا، فهذه الموارد قد يكون لها حكم سابق معلوم والآن أصبح مشكوك البقاء فنجري فيه الاستصحاب للحالة السابقة المعلومة من الحكم؛ وذلك لأن الشريعة منعت الناس من أن ينقضوا الأحكام المتيقنة بالشكوك والأوهام، حيث ورد عنهم (عليهم السلام) «فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً» [7] فنمتثل الدليل الشرعي الدال على إبقاء الشيء المشكوك على حالته السابقة المعلومة، وتارة نعلم بوجود الحكم الشرعي ولكن لا نعلم بحصول امتثاله، فعلينا في هذه الصورة ان نعمل بما يوجب لنا العلم بامتثال التكليف، وهو مجرى الاحتياط، كما لو كان الدخول في بعض العقود التجارية فيه ضرر على استقلال البلد، كشراء الأغذية والأسلحة مثلاً، ولكن لانعلم هل شراء الأغذية هو الذي يسبب ذلك او الاسلحة، أو نعلم بان التعامل مع إحدى الدولتين يسبب ذلك، ولكن لانعلم هل هذه الدولة او تلك، فمقتضى الاحتياط في هذه الصورة هو اجتناب كلا العقدين واجتناب التعامل مع كلا الدولتين ؛ لانه الطريق الوحيد لاجتناب الوقوع في الحرمة والضرر، وأما لو كنا نعلم بوجوب الحكم والتكليف لدار الأمر بين احتمالين:

أحدهما: الوجوب، كالدخول في عقد لشراء الأدوية لإنقاذ حياة المرضى والمحتاجين من المواطنين.

ثانيهما: الحرمة، لجهة احتمال استلزامه التبعية وفقدان الاستقلال، وهنا فإننا إن لم نحرز أحد الطرفين الأكثر أهمية أو الأكثر ضرراً، أو لم نتمكن من الجمع بينهما بالشراء من دولة ثالثة لا يوجد فيها احتمال الضرر، فالتخيير بينهما هو الحل؛ لحكم العقل بأصالة التخيير في مثل هذه الصورة بلا بدية الإقدام على أحدهما، وإلا أخذنا بالأهم أو بالتعاقد مع الدولة الثالثة، وهذا ما يؤمن لنا المصلحة ويدفع عنا الضرر.

وأما لو كان أصل وجود الحكم الشرعي غير معلوم فنعمل بأًصالة البراءة والحل؛ لتنصيص الشارع المقدس لنا بجواز العمل بذلك ما دمنا لا نعلم بوجود التكليف، حيث ورد عنه J «وضع عن أمتي تسعة أشياء» ومنها: «ما لا يعلمون»[8] و«كل شيء يكون فيه حرام وحلال فهو لك حلال أبداً حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه» [9] وغيرها من النصوص[10].

 فعلى هذا لايوجد فراغ قانوني في فقه أهل البيت (عليهم السلام)، بل جميع ما تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة سواء في حياتهم الفردية أو الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية المادية أو المعنوية فقد ورد فيه حكم إلهي وتشريع إسلامي، فلا فراغ ولاخلاء أصلاً، وبذلك لايبقى محل للفراغ في التشريع حتى يزعم بأن الشريعة قد نقصت من هذه الجهة، أو هناك فراغات في الأحكام الشرعية يمكن أن يمليها الفقهاء، وعليه فالذي ثبت بحسب مقتضى الأدلة للفقهاء أمران:

الأول: بذل الوسع لاستنباط هذه الأحكام من أدلتها التفصيلية.

الثاني: تطبيق هذه الأحكام الكلية على مصاديقها، وتنفيذها في الخارج، والأول هو الإفتاء، والثاني في شؤون الولاية والحكومة، ويدل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع والعقل.

أما الكتاب فآيات منها قوله تعالى:{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} [11] والآية صريحة في كمال الدين وعدم خلو وقائعه من الأحكام اللازمة، وقد ورد في تفسير الآية الشريفة عن مولانا الرضا (عليه السلام) قوله: «وأمر الإمام من تمام الدين، ولم يمض صلى الله عليه وآله حتى بين لأمته معالم دينهم، وأوضح لهم سبيلهم، وما ترك شيئاً تحتاج إليه الأمة الاّ بينه، فمن زعم أن الله عزوجل لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله، ومن رد كتاب الله فهو كافر» [12] أي كافر عملي على بعض الوجوه وعقيدي على بعض الوجوه.

والحاصل: فكما أنه لم يجعل أمر الإمامة بأيدي الناس وهي من أصول الدين، فكذا أمر الأحكام والتشريعات في الفروع، وإلا لم يكن الدين كاملاً، وكمال الدين يشمل كماله في الأصول والفروع.

ومنها قوله تعالى:{ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء}[13] والآية ظاهرة في أن الأشياء التي لها صلة بالحياة الإنسانية في مختلف جوانبها مذكورة في كتاب الله في عمومه أو خصوصه، وقد ورد في تفسير الآية أحاديث كثيرة تؤكد هذا المعنى، إلى غير ذلك من الآيات التي لا يسعنا المجال للتعرض لها.

وأما السنة فأحاديث كثيرة دالة على أن كل ما تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة مبينة في الشريعة المقدسة حتى أرش الخدش، وقد عقد لها المرحوم الكليني رضوان الله عليه في كتابه الكافي باباً مستقلاً أورد فيه عدة روايات في هذا المجال.[14]

وفي البحار عن عمر بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «إن الله تبارك وتعالى لم يدع شيئاً تحتاج إليه الأمة إلا أنزله في كتابه، وبينه لرسوله J» [15].

وفي رواية حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:«ليس من شيء إلا في الكتاب والسنة». [16]

ولعل من أوضح ما ورد في هذا المجال ــ ما ورد في نهج البلاغة في ذم اختلاف العلماء في الفتيا وذم أهل الرأي والقياس القائلين بخلو الوقائع عن الأحكام الشرعية ورجوعهم في ذلك إلى الظنون الخاصة ــ ما نصه: «ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه، ثم ترد القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله، ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوب آراءهم جميعاً، وإلههم واحد، ونبيهم واحد، وكتابهم واحد، أفأمرهم الله سبحانه بالاختلاف فأطاعوه، أم نهاهم عنه فعصوه، أم أنزل الله ديناً ناقصاً فاستعان بهم على إتمامه، أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى، أم أنزل الله ديناً تاماً فقصر الرسول J عن تبليغه وأدائه والله سبحانه يقول: {ما فرطنا في الكتاب من شيء}[17] و{فيه تبيان لكل شيء}» [18] دلالة الجميع على المطلوب واضحة، ولعل مما يعضده ما في رواية الحسين بن أبي العلاء. قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «ومصحف فاطمة ما أزعم أن فيه قرآناً، وفيه ما يحتاج الناس الينا ولا نحتاج إلى أحد، حتى فيه الجلدة ونصف الجلدة وربع الجلدة وأرش الخدش». [19]

وأيضاً ما رواه في الكافي عن الصيرفي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن عندنا ما لا نحتاج معه إلى الناس، وإن الناس ليحتاجون إلينا، وإن عندنا كتاباً إملاء رسول الله J وخط علي (عليه السلام)،صحيفة فيها كل حلال وحرام». [20]

وفي رواية حمران بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام): «لو ولينا الناس لحكمنا بما أنزل الله»[21].

وفي رواية محمد بن مسلم: «أن علياً (عليه السلام) كتب العلم كلّه، القضاء والفرائض، فلو ظهر أمرنا لم يكن شيء إلا فيه سنة نمضيها» [22] إلى غير ذلك مما ورد في هذا المعنى [23]وأما الإجماع فواضح.

وأما العقل فلأن القول بالفراغ التشريعي يستلزم التصويب، وقد أجمع الأصحاب على بطلان التصويب؛ لما فيه من خلو الواقعة عن الحكم المشترك بين العالم والجاهل، فالقول بالتصويب يستلزم التناقض؛ لاستلزامه القول باختلاف الحكم في الواقعة الواحدة على بعض الوجوه، بل أن يكون الواقع على طبق رأي المجتهد، وحيث يتعدد الرأي يتعدد الواقع على بعض الوجوه الأخرى، كما يستلزم الهرج والمرج واختلال النظام؛ لإمكان اختلاف الفقهاء في الرأي الواحد والواقعة الواحدة.

هذا وقد أجمع أصحابنا على أن المجتهد إن أصاب الحكم الواقعي فهو مصيب، وإن لم يصبه فهو مخطىء ولكنه معذور؛ لاعتماده على الدليل والحجة، فإذا اختلفت الأقوال كان الصحيح من بينها قولا واحدا، وهو ما وافق حكم الله الواقعي، وأما الباقي فخطأ، ومن هنا يسمون بالمخطئة، خلافاً للعامة حيث قالوا بإصابة الجميع للواقع إذا كان ذلك فيما لا نص فيه، وكان حكم كل واحد منهم على وفق اجتهاده، أي الاجتهاد بالمعنى الخاص الناشىء من الاستحسان أو القياس أو المصالح المرسلة؛ نظراً الى اعتقادهم بإمكان خلو الواقعة من الحكم، ومن هنا يسمون بالمصوبة لتبعية واقع الشيء لما أدى إليه الطريق المعتبر أو رأي الفقيه، لكنك عرفت بطلانه عقلاً وشرعاً. [24]

وكيف كان، فإن ما تقدم ينادي بأعلى صوته بأن الفراغ التشريعي غير صحيح، وأن أحكام الشرع وقوانينه متكفلة بجميع الأمور التي تقع محلاً لحاجة الإنسان في مختلف مجالات الحياة، وعلى الفقيه أن يبذل وسعه لاستنباطها من أدلتها التفصيلية.

وعليه فإن ولاية الفقيه لاتعني الولاية على تشريع الأحكام، بل هو من قبيل حكم الحاكم الراجع إلى تطبيق العناوين الأولية أو الثانوية على مصاديقها، ثم الحكم على وفقها لتنفيذ هذه الأحكام في مواردها حسب الضرورات والأدلة الثانوية التي هي الأخرى أحكام كلية أسسها الشارع لمراعاة المصالح والأهم والمهم والتسهيل على العباد ودفع الأضرار وغير ذلك، وهذا غير التصويب أو الاجتهاد في مقابل النص كما هو واضح.

وقد تحصل مما تقدم أمور:

الأول: أنه لا معنى للتشريع وجعل القانون فيما ورد فيه حكم في الشريعة المقدسة؛ لأنه اجتهاد في مقابل النص.

الثاني: التشريع فيما لا نص فيه مختص بمذاهب العامة، وأما أصحابنا الإمامية فهم معتقدون بعدم وجود الفراغ في التشريع حتى يمكن أن يتصدى له الفقيه ويملأه، بل جميع ما تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة مبينة في الأحكام الجزئية أو القواعد الكلية والأصول الواردة في الكتاب والسنة، ووظيفة الفقيه هو بذل الجهد واستنباط هذه الأحكام من أدلتها، فإن وصل إلى الحكم الواقعي كان هو المطلوب، وهو المنجز، وإن لم يصل إلى الحكم الواقعي فيعمل بمقتضى الأحكام الظاهرية المقررة للجاهل، ولولا ذلك لكانت الشريعة ناقصة ومحتاجة في تكميلها الى عقول الرجال، وهذا ما نص الكتاب والسنة على بطلانه [25].

الثالث: أن التقنين والتشريع مختص بالباري عز وجل كما قال سبحانه وتعالى: {إن الحكم إلا لله} [26] وقال تبارك وتعالى: {ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي} [27] وهو بديهي؛ لكون تشريع الأحكام يختص بالشارع، كما لا يقع طبق الحكمة إلا إذا كان من قبله سبحانه؛ لكون التشريع مطابقا للتكوين، وهو الذي خلق التكوين وهندس فروعه، فهو العالم بالمصالح والمفاسد وما يحتاج إليه خلقه في الحال والمستقبل.

وأما الفقهاء فلا علم لهم بذلك، ولا يصلون إلى درك الملاكات والمصالح الواقعية. نعم التقنين بمعنى تطبيق الأحكام على مصاديقها وإرجاع الفروع إلى الكليات فهو مهمة الفقهاء جامعي الشرائط.

الولاية على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

لا شك في وجوبهما، بل وجوبهما في الجملة من ضروريات الدين، وقد ورد التصريح بذلك في الكتاب والسنة المتواترة، والقيام بهما له مراتب ثلاث: المرتبة الأولى بالقلب، والثانية باللسان، والثالثة باليد، وقد صرح بعضهم بأن وجوب إنكار الأول غير مشروط بشيء، ومعناه أن وجوب الآخرين مشروط بالشروط الأربع التي ذكروها، وهو العلم بالمنكر والمعروف، واحتمال التأثير، وكون الفاعل مصراً على الاستمرار، والأمن من الضرر، على تفصيل مذكور في محله.[28]

أما المرتبة الأولى والثانية فواضحتان من حيث كيفية العمل، وأما في نحو الوجوب فقد اتفقوا على أن الأولى واجبة عيناً، واما الثانية فقد اختلفوا فيها إلى قولين، قول بالعين وآخر بالكفاية، وأما الثالثة فقد اتفقوا فيها على الكفاية،[29] وأما العمل فله مراتب:

الأولى: أن يعمل المعروف ويترك المنكر، بحيث يكون سبباً لدعوة غيره إلى ذلك تعليماً أو تحريضاً أو اقتداءً، وهو ما تشمله أدلة القدوة والدعوة بغير الألسنة أيضاً، وهذا هو الأصل الذي ينبغي أن يراعى أولاً من فعل المعروف ودفع المنكر.

الثانية: الضرب من دون جرح.

الثالثة: الضرب مع الجرح إذا لم يكن الضرر مقصوداً، بأن يكون من قبيل المدافعة والممانعة التي قد يتولد منها الضرر.

الرابعة: الضرب مع الجرح وإن كان الضرر مقصوداً.

الخامسة: الإنكار باليد ولو بالقتل.

إذا عرفت ذلك فالكلام فيها تارة يكون في أصل الوجوب، وأخرى في ترتبها الطولي ووجوب الاقتصار على الأيسر فالأيسر مهما أمكن، وتارة في اشتراط إذن الإمام (عليه السلام) في المراتب الأربع الأخيرة؛ لكون الأولى منها مشمولة بلزوم العمل باحكام الله من جهة أنه فرض عين على الجميع من دون حاجة إلى الاستئذان.

قال صاحب الجواهر (قدس سره): من أعظم أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأعلاها وأتقنها وأشدها تأثيراً خصوصاً بالنسبة إلى رؤساء الدين أن يلبس رداء المعروف واجبه ومندوبه، ويترك رداء المنكر محرمه ومكروهه، ويستكمل نفسه بالأخلاق الكريمة، وينزهها عن الأخلاق الذميمة، فإن ذلك منه سبب تام لفعل الناس المعروف ونزعهم المنكر، خصوصاً إذا أكمل ذلك بالمواعظ الحسنة المرغبة والمرهبة، فإن لكل مقام مقالاً، ولكل داء دواء، وطب النفوس والعقول أشد من طب الأبدان بمراتب كثيرة، وحينئذ يكون قد جاء بأعلى أفراد الأمر بالمعروف. نسأل الله التوفيق لهذه المراتب [30] وقريب منه في مهذب الأحكام [31] والفقه.[32]

وأما العمل بالمراتب الأربع المشروطة بإذن الإمام (عليه السلام) في زمن الحضور هل يشترط فيها إذن الفقيه الجامع للشرائط في زمن الغيبة؟ احتمالات، بل أقوال، وقبل بيان الحال لابأس بذكر بعض الروايات.

منها: ما رواه جابر عن الإمام الباقر (عليه السلام) في حديث قال: «فانكروا بقلوبكم، والفظوا بألسنتكم، وصكوا بها جباههم، ولا تخافوا في الله لومة لائم، فإن اتعظوا وإلى الحق رجعوا فلا سبيل عليهم، إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق، أولئك لهم عذاب أليم، هنالك فجاهدوهم بأبدانكم، وابغضوهم بقلوبكم»[33] ومحل الشاهد قوله (عليه السلام): «صكوا بها جباههم» وقوله (عليه السلام): «جاهدوهم بأبدانكم» فإنه كناية عن الضرب والجرح ونحوهما.

ومنها: ما ورد في النهج نقلا عمّا رواه الطبري مرسلاً في تأريخه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى حيث قال: إني سمعت علياً (عليه السلام) يقول يوم لقينا أهل الشام - أي في واقعة صفين -: «أيها المؤمنون، إنه من رأى عدواناً يعمل به ومنكراً يدعى إليه فأنكره بقلبه فقد سلم وبرئ، ومن أنكره بلسانه فقد أجر، وهو أفضل من صاحبه، ومن أنكره بالسيف لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الظالمين هي السفلى فذلك الذي أصاب سبيل الهدى، وقام على الطريق، ونور في قلبه اليقين» [34] ورواه ابن فتّال في روضة الواعظين مرسلاً. [35]

ومنها: ما عن أبي حجيفة قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: «أول ما تغلبون عليه من الجهاد الجهاد بأيديكم، ثم بألسنتكم، ثم بقلوبكم، فمن لم يعرف بقلبه معروفاً ولم ينكر منكراً، قلب فجعل أعلاه أسفله، وأسفله أعلاه»[36] بناءً على إنكار انصراف الحرب إلى الجهاد باليد أو السيف من الروايتين.

هذا وضعف إسناد المرسلة بالإرسال أو الجهالة غير مضر بعد تضافر مضمونها وعمل الأصحاب بهما، بل لعل الاستدلال على مضمونها بدليل العقل يعضدها، مضافاً إلى الروايات الأخرى التي ربما تورث في مجموعها وثاقة الصدور الذي عده المتأخرون ملاكاً لاعتبار الخبر[37]هذا وظاهر الشيخ[38](قدس سره)والعلامة[39] والشهيدين[40] قدست أسرارهم وغيرهم استقلال العقل بوجوبهما، خلافاً للمحقق الثاني[41] وفخر المحققين قدس سرهما[42] بل لعل المنسوب إلى جمهور المتكلمين والفقهاء عدم استقلاله به، والقول بوجوبهما بحكم الشرع فقط.

قال الشهيدان قدس سرهما في اللمعة وشرحها: وهما واجبان عقلاً في أصح القولين نقلاً وإجماعاً [43].

وقال في المختلف بعد نفي الخلاف عن وجوبهما: إنما الخلاف في مقامين: الأول هل هما واجبان عقلاً أو سمعاً؟ فقال السيد المرتضى وأبو الصلاح والأكثر بالثاني، وقواه الشيخ (قدس سره) في كتاب الاقتصاد، ثم عدل إلى اختياره الأول، والأقرب ما اختاره الشيخ، والأول قول ابن إدريس. [44]

والظاهر أن وجوبهما في الجملة بحكم العقل مما لا سبيل إلى إنكاره، وقد أرشدنا الإمام الباقر (عليه السلام) إلى دليله العقلي فيما روي عنه: « أن الأمر بالمعروف سبيل الأنبياء ومنهاج الصلحاء، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض، وتأمن المذاهب، وتحل المكاسب، وترد المظالم، وتعمر الأرض، وينتصف من الأعداء، ويستقيم الأمر» [45].

والمستفاد منها أن تركهما يؤدي إلى فساد المجتمع، وإشاعة الفحشاء والمنكر، فيجبان أيضاً من باب المقدمة للواجب التي يحكم العقل بوجوبها، وربما يمكن الاستدلال له بوجوه أخر.

منها: أن يقال: إن بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقام الدين والدنيا، فلو لم يقل بالوجوب لأمكن تركه. وترك الأمر الذي به تقام الفرائض ويحفظ الدين والدنيا فيه احتمال، بل القطع بالعقاب، فيستقل العقل بوجوبه.

ومنها: أن يقال: إن اللطف واجب بمقتضى قواعد العدل، والمراد به المقرب إلى الطاعة والمبعد عن المعصية، وحيث إن العباد بحاجة إلى مذكر ومنذر لاقتضاء طبائعهم وضرورات معائشهم الفتور عن الطاعة والانقياد وجب بمقتضى الحكمة جعل التكليف فيهما تحقيقاً لغرض التكليف، وتقريباً للعباد من الطاعة، وإيصالاً لهم إلى المصالح، وإبعاداً من المضار، فتأمل.

ومنها: أن يقال: إنها مقدمة لاستقامة الفرائض المعلوم حسنها، إما بمناط حسن الإطاعة، وإما بمناط الحسن الذاتي الداعي إلى الأمر بها بناء على مسلك العدلية، أو بناء على كون الواجبات الشرعية ألطافاً في الواجبات العقلية، وإما بملاحظة كونها مقدمة لحفظ النظام وعدم اختلاله.

ولعل هذا منشأ قول البعض بأن من وجوه وجوب القضاء الحافظ للنظام عقلاً وجوب الأمر بالمعروف، فيكشف ذلك عن دخل الأمرين معاً في شؤون حفظ النظام التي منها جعل القضاء وتشريعه بين الناس، فيدل على جعل الولاية أيضاً؛ لوحدة الملاك والغرض، فتأمل.

إن قلت: أو ليس المقصود من تشريع الشرائع تتميم النفوس ودعوتها إلى فعل المعروف وترك المنكر اختياراً، وقيام الناس بالقسط والعدل؟ إذاً فما فائدة الدعوة للمعروف والنهي عن المنكر في القهر والإجبار والضرب؟

فإنه يمكن أن يقال فيه بأن العمل بهذه الوظيفة وإن أدى إلى الإجبار في جملة من الموارد بالنسبة إلى بعض الناس إلا أنه ضروري؛ لكون ذلك مقتضى الالتزام دفعاً للفوضى والهرج والمرج واختلال النظام، مضافاً إلى أن من التزم بشيء التزم بلوازمه كما جرت عليه سيرة العقلاء في المدح والذم، وإلا هل يقال لمن التزم تولي الوظيفة الحكومية أن لايلتزم بضوابطها وقوانينها؟ وكذا من التزم بالمواطنة في بلد أن لايلتزم بقوانينها. هذا أولاً.

وثانياً: أن ذلك مقتضى التقويم وأداء المسؤولية في حفظ الحقوق من النفوس والعقول والأعراض والأموال والدين، فمثل فاعل المنكر مثل الذي يرش سماً في المجتمع، أو ينشر بينهم المرض والوباء، والفرق بينهما أن هذا في الماديات وذاك في المعنويات، فهل يقال لمن يفعل ذلك أنه حر؟ وما فائدة منعه أو حصره في المستشفى جبراً وقهراً؟

 ثالثاً: أن ما يفعله فاعل المنكر عدوان وتجاوز على الآخرين، ولا إشكال في لزوم الدفاع ورفع العدوان أو دفعه، ومن الواضح أنه ينبغي أن يكون الدفاع رادعاً، وإلا كان لغواً، فإن أمكن بالإقناع فهو المقدم كما عرفت، وهو مقتضى الجمع بين أدلة الحرية وأدلة الدفاع ورفع المنكر، وإلا كان بواسطة القوة بأنحائها وأصنافها ومراتبها وشروطها.

رابعاً: أن إجبار فاعل المنكر عن الارتداع لطف بالنسبة إلى غيره ممن يعيش في المجتمع، فإن نشر آثار الفساد وإشاعة الفحشاء مضافاً إلى أضراره الكبيرة التي يسببها للغير يوجب تغيير النفوس وشقاءها، خصوصاً الضعيفة، فمنع الناس من الوقوع فيه مصلحة ولطف ورحمة، بل هو لطف في حق فاعله ايضا في الحال وفي الوقائع المستقبلة، فيكون من قبيل اجراء الحدود والتعزيرات التي لا يمكن إنكار تأثيرها في تربية النفوس وردعها عن العصيان؛ ولهذا قامت الحياة البشرية على جملة من القوانين الرادعة للتهذيب والتأديب وقطع سبيل الفساد.

 نعم ينبغي مراعاة الأهم في أسلوب الردع وحجمه وكيفيته، وهذا هو المستفاد من إطلاق الآيات والروايات وظاهر كلماتهم، بل الاجماع المحكي[46]، كما هو المأنوس بمذاق الشرع وكمال رفقه في الامور؛ بداهة ان المراد من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر البعث والحمل على ذلك بايجاد المعروف خارجا والتجنب عن المنكر كذلك، وذلك لايحصل الا بمثل ما ذكرنا.

وعليه فلا يجوز الضرب والجرح أو الكسر والقتل في كل مورد من موارد ترك المعروف وفعل المنكر، بل لا بد من ملاحظة الأهم والمهم، ومن هنا يظهر وجوب مراعاة الأيسر فالأيسر، فما دامت المواعظ الحسنة مؤثرة لا يجوز الإنكار بالكلمات الخشنة وما فيه هتك وتحقير وإيذاء، فان كفت هذه لا تصل النوبة إلى الضرب، وهكذا الحال في الإقدام على الجرح أو الكسر أو القتل، ويتفاوت ذلك بحسب الأشخاص والمقامات والظروف والأحوال والشرائط المحيطة بالقضايا؛ إذ إن الأمر والنهي لا يخضع إلى ضابطة واحدة في كل القضايا، وإنما تلحظ الأمور بظروفها، والدليل عليه ما عرفت من التزاحم بين أدلة وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأدلة حرمة الإيذاء والضرر وما أشبه، واللازم الأخذ بالأهم، وكذا بالأيسر ثم الأيسر، كما هو مقتضى سيرة العقلاء والجمع بين الادلة.

مضافاً إلى ما يظهر من الآية الشريفة في قتال الباغين. قال عز وجل: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله}[47] حيث تدرجت في بيان المعالجة من الإصلاح الى الاقتتال، وجعلت الغاية الافاءة والرجوع الى امر الله سبحانه لاغيره من الغايات، وكذا ما يظهر من بعض الروايات السابقة الظاهرة في الترتب.

 نعم، لا إشكال في أنه يشترط في إجراء ذلك إذن الإمام، وهو اختيار جمع، فعن الشيخ(قدس سره) في النهاية: أن الأمر بالمعروف باليد بمعنى حمل الناس عليه بالتأديب والردع، أما القتل والضرب من الجراحات فهو لا يجوز إلا بإذن سلطان الوقت المنصوب للرئاسة العامة[48]، ويظهر من المحقق الحلي(قدس سره)اختياره في النكت[49]،

وحكاه العلامة(قدس سره)في المختلف عن سلار وابن البراج قدس سرهما[50]، والمراد باليد في الاخبار هو الجري العملي على المعروف ليتأسى به الناس.

هذا وقد يفصل بعضهم بين الضرب وغيره بدعوى جوازه بدون اشتراط اذنه، بخلاف الجرح والقتل، وقد حكي ذلك عن السيد المرتضى(قدس سره)[51]، بل هو ظاهر المحقق (قدس سره) في الشرايع[52]، والعلامة(قدس سره)في المختلف[53]، وفخر المحققين(قدس سره) في الايضاح[54]، والشهيد(قدس سره)في الدروس[55]، وفي مجمع الفائدة والبرهان: هو المشهور[56]، وعن الاقتصاد الظهور من شيوخنا الامامية ان هذا الجنس من الانكار لايكون الا للائمة (عليهم السلام) او لمن يأذن له الامام (عليه السلام) فيه[57]، ولعل من هنا نسبه السيد السبزواري(قدس سره)الى الاجماع[58].

هذا ويظهر من الشهيد الثاني(قدس سره) في الروضة، بل هو صريحة في المسالك التفصيل بين الجرح والقتل؛ لعموم الاوامر واطلاقها[59]. خرج عنه القتل لانصراف العمومات عنه، وقد اختاره السيد الاستاذ أعلى الله مقامه مع تخصيصه بالجراح الكثيرة كقطع الاعضاء ونحوه، واما الجراح الخفيفة المستلزمة عرفا للنهي عن المنكر فلا يشترط فيها الاذن. نعم ينبغي ان يكون الفاعل عالما بموازين الامور، خصوصا في مثل هذه الازمنة التي ربما يكون فساد النهي اكثر اذا كان الناهي غير حازم[60].

والظاهر أن القول الاول هو الأقوى؛ لما يترتب على إجازة ذلك من دون اذن الامام من المفاسد العظيمة التي قد توجب اختلال النظام والهرج والمرج، لا سيما إذا كان فيهم جهال لا يقفون على شيء، ولا يدرون مواقع الأمور ومقاديرها؛ إذ الجاهل إما مفرط أو مفرط، فإعطاء هذه الأمور بأيديهم قد يستلزم الوقوع في الضرر الأكثر، ونقض الغرض، وقد ورد في الرواية الشريفة: «فيكون ما يفسده بجهله أكثر مما يصلحه»[61] بل قد يكون تدخل أحد الناس في ذلك سبباً لإعمال البغضاء والشحناء عن هذا الطريق، فيستلزم الحكم الشرعي والالتزام به حرجاً وضرراً شديدين، وهذا يتناقض مع الادلة الشرعية الرافعة للضرر والحرج في الدين، كما أن ذلك يفتح الباب واسعاً لوقوع المقاصد السيئة تحت عنوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، خصوصاً عند بعض المغرضين الذين يستفيدون من مثل هذه الفرص. فلا بد إذاً في جميع ذلك من الاستئذان من ولي الأمر، وهذا هو مقتضى سيرة المتشرعة، بل والعقلاء ؛ لكونه من الأمور التي تقف على إذن الحاكم في المجتمعات البشرية، فتأمل.

ومن ذلك يعرف عدم الإطلاق في الآيات والروايات؛ لوجود هذه القرينة المانعة منه، خصوصاً مع ملاحظة العناوين الثانوية، فهو نظير إجراء الحدود والتعزيرات التي هي من وظائف الحاكم الشرعي، وإجراؤها من بعض الوجوه من مصاديق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قد لا يخفى على المتأمل، وقد تحصل من جميع ذلك أن الأظهر بحسب القرائن العقلية والنقلية عدم جواز شيء من هذه المراتب الأخيرة بغير إذن الإمام (عليه السلام) أو نائبه الخاص أو العام.

وربما يعضد ذلك الاتفاق على ان اقامة الحدود والتعزيرات من وظائف الامام (عليه السلام) او من نصبه، او مشروطة باذنهما، وبضميمة ان الامر والنهي في بعض وجوههما من مصاديق ذلك، اما لكون النسبة بينهما العموم من وجه، بدعوى خروج مثل النهي عن الغناء والغيبة عن الحدود والتعزيرات، وخروج مثل اقامة التعزير على الصبي مع كونه غير مكلف، او البالغ الجاهل بالحكم او الموضوع اذا راى الحاكم مصلحة فيه، او التعزير ببعض الضغوط ونحوها مع عدم انطباق عنوان المنكر عليه، بناء على اشتراط صدقه بالعلم والعمد، او لكونها العموم المطلق، بتقريب ان كل حد اوتعزير مصداق للنهي باليد، فيشترط فيهما مايشترط فيه. ولعل هذا مايستفاد من كلمات جمع، ففي الوسائل عن الشيخ المفيد (قدس سره) في المقنعة: فاما اقامة الحدود فهو الى سلطان الاسلام المنصوب من قبل الله، وهم ائمة الهدى من آل محمد (عليهم السلام)، ومن نصبوه لذلك من الامراء والحكام، وقد فوضوا النظر فيه الى فقهاء شيعتهم مع الامكان.[62]

وحكى العلامة (قدس سره)في المختلف عن سلار(قدس سره) قوله: فأما القتل والجرح في الإنكار فإلى السلطان ومن يأمره، فإن تعذر الأمر لمانع فقد فوضوا (عليهم السلام) إلى الفقهاء إقامة الحدود والأحكام بين الناس بعد أن لا يتعدوا واجباً، ولا يتجاوزوا حداً، وأمر عامة الشيعة بمعاونة الفقهاء على ذلك ما استقاموا على الطريقة.[63] وقربه مستدلاً عليه؛ لان تعطيل الحدود يفضي الى ارتكاب المحارم وانتشار المفاسد، وذلك امر مطلوب الترك في نظر الشارع، والنصوص العامة في اقامة الحدود وغيرها.[64]

وفي المسالك نسبه الى الشيخين قدس سرهما وجماعة من الاصحاب، وايده برواية عمر بن حنظلة بتقريب: ان اقامة الحدود ضرب من الحكم، وفيه مصلحة كلية ولطف في ترك المحارم وحسم لانتشار المفاسد،[65] وفي الجواهر نسبه الى المشهور،[66] وفي المهذب: بل المجمع عليه،[67] لاطلاقات الادلة، كرواية بن حنظلة ورواية ابي خديحة والتوقيع الوارد عن الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف؛ اذ المنساق منها ان الشؤون الدينية التي فوضت الى الامام (عليه السلام) ويجوز له (عليه السلام) ايكالها الى غيره، قد فوضها الى نوابه الخاصين والعامين على اختلاف المرتبة، بل ان مقتضى العرف والعادة عند جميع اهل المذاهب والاديان ان يكون لعالمهم القائم مقام امامهم ونبيهم جميع ماكان للامام والنبي (عليهم السلام)من الشؤون الدينية والمناصب، الا ماخرج بالدليل، اما لعدم المقتضي او لوجود المانع، وهو كذلك في عموم بني البشر بالنسبة لنواب رؤسائهم وائمتهم لاقتضاء العقل والضرورة له.

واما النصوص المشتملة على ان الحدود للامام (عليه السلام) التي ربما يستظهر منها الاختصاص به (عليه السلام) فمحمولة على الجعل الاولي؛ بداهة انها مجعولة اليه اولاً، ثم هو (عليه السلام) يجعلها لمن يقوم مقامه في العلم والعمل والفتوى والقضاء ونحوها، ولعل من هنا قال في الجواهر: ان المسالة من الواضحات التي لاتحتاج الى ادلة[68]،واتفقت كلمتهم على وجوب مساعدة الناس لهم على اقامة ذلك؛ لكونه من مصاديق الاعانة على البر والتقوى،[69] وربما نجمع بين ماذكرناه وبين مايظهر من كلمات البعض من اختصاص اقامة الحد بالامام (عليه السلام)، أو من نصبه كما في النهاية،[70] والسرائر[71] والشرائع،[72] وظاهر غيرها[73]، بحمل التنصيب على العموم الشامل للفقيه الجامع للشرائط اوبالاولوية المستفادة من ذهابهم الى جواز اقامة الانسان الحد على ولده واهله ومماليكه في صورة قصور أئمة الحق؛ بداهة أن الفقيه أعلم وأعرف في ذلك، او من جهة وحدة الملاك او وحدة الغرض بضميمة عمومات النهي عن المنكر، فتأمل.

في الولاية على الاموال

يراد بالاموال هنا الحقوق الشرعية ومصارفها، ولاكلام في جواز دفع ذلك إلى الحاكم الشرعي في عصر الغيبة، وإنما الكلام في وجوبه مطلقاً، فيجب فيه المبادرة، أو عدمه مطلقاً، أو الوجوب حين الطلب. اختارالاخير جمع من فقهائنا قديماً وحديثاً، والكلام فيه تارة في الزكاة وتارة في الخمس.

الولاية على مصارف الزكاة

 أما في الزكاة فقد قال الشهيد الثاني (قدس سره) في الروضة: يجب دفعها إلى الإمام (عليه السلام) مع الطلب بنفسه أو بساعيه؛ لوجوب طاعته مطلقا. قيل: وكذا يجب دفعها إلى الفقيه الشرعي في حال الغيبة لو طلبها بنفسه أو وكيله؛ لأنه نائب الإمام كالساعي، بل أقوى... ودفعها إليهم ابتداءً من غير طلب أفضل من تفريقها بنفسه؛ لأنهم أبصر بمواقعها، وأخبر بمواضعها. وقيل ـ والقائل المفيد والتقي:[74] يجب دفعها ابتداءً إلى الإمام أو نائبه، ومع الغيبة إلى الفقيه المأمون[75].

وفي التهذيب: ولان الفقيه اعرف بمواضعها[76]، وفي الشرايع: لانه أبصر،[77] وهو ظاهر العلامة وولدهقدس سرهما،[78] وعلله في الرياض استنادا الى بعض الاخبار،[79] كما حكاه عن الحلبي والقاضي وابن زهرةقدست اسرارهم[80]، ولعل وجهه ان ايجاب الاخذ على النبي والائمة(عليهم السلام)المستفاد من مثل قوله سبحانه: {خذ من اموالهم صدقة}[81] يستلزم ايجاب الدفع على اصحاب الزكاة، وبما ان الفقيه الجامع نائب عنهم(عليهم السلام) جرى الحكم فيه ايضا، فيجب الدفع اليه؛ لكون النائب كالمنوب، فتأمل.

ولعل من هنا اختاره في الجواهر ونسبه الى عدم الخلاف، مستدلاله بعموم نيابته في جميع ماكان للامام؛ لاطلاق ادلة حكومته المستفادة من مثل التوقيع الشريف.[82]

وفي العروة الوثقى: لو طلبها الفقيه على وجه الإيجاب بأن يكون هناك ما يقتضي وجوب صرفها في مصرف بحسب الخصوصيات الموجبة لذلك شرعاً وكان مقلداً له يجب عليه الدفع إليه من حيث إنه تكليفه الشرعي،[83] وقد ارتضى ذلك جمع من المحشين كالشيخ عبد الكريم الحائري، والسادة الاعاظم ابي الحسن الاصفهاني وعبد الهادي الشيرازي واحمد الخنساري والخوئي والفيروزابادي، والمشايخ الاكارم كاشف الغطاء وآل ياسين والجواهري قدست اسرارهم، كما قد يظهر من عدم تعليقهم عليها. نعم ذهب الميرزا النائيني(قدس سره)الى الوجوب مطلقا،[84] كما عمم السيدان الكلبيكاني والشيرازي قدس سرهما الوجوب الى غير المقلد إذا كان الطلب على وجه الحكم لا الفتوى.[85]

وعلله في الفقه بان الظاهر من أدلة النيابة أعم من ذلك، بل للفقيه الأمر والنهي على طبق المصالح العامة والخاصة مطلقا؛ ولذا أطلق شيخنا المرتضى قده حيث قال: ولو طلبها الفقيه فمقتضى أدلة النيابة وجوب الدفع؛ لأن منعه رد عليه، والراد عليه راد على الله تعالى كما في مقبولة ابن حنظلة، ولقوله (عليه السلام) في التوقيع الشريف الوارد في وجوب الرجوع في الوقائع الحادثة إلى رواة الأحاديث. قال: «فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله» ولغير ذلك من أدلة النيابة[86]، وبهذا يظهر أن فتوى العروة بأفضلية الدفع إلى الفقيه مع الطلب لم يعلم له وجه تام.

 هذا وقد فصل السيد البروجردي (قدس سره)بين طلب الفقيه للزكاة اذا كان على وجه الفتوى وبين طلبه إذا كان على وجه الحكم، فذهب إلى الظهور في وجوب الدفع في الصورة الثانية، سواء كان مقلداً أم لا [87].

ولعل وجهه أن الفتوى لا يلزم العمل بها إلا على المقلد، وأما الحكم فيجب العمل به على الجميع، وهو ما اختاره السيد السبزواري (قدس سره) أيضاً في مهذب الأحكام، قال: إن الطلب إما من الإمام (عليه السلام) أو من الحاكم الشرعي في زمن الغيبة، أو من الفقيه بنفسه، ويجب الدفع في الأول، وكذا في الثاني يجب إنفاذ حكمه إن كان بنحو الحكم، ويجب على مقلديه إن كان بنحو الفتوى، ولا يجب شيء في غير ذلك للاصل، وعموم ما دل على ولاية المالك [88].

 لكن الظاهر إمكان المناقشة فيه، لما عرفت من عموم أدلة النيابة، فالعامي يجب عليه إطاعة الفقيه في شؤون الدين او مايرجع اليها؛ لكونه نزل منزلة المعصوم (عليه السلام) إلا ما أخرجه الدليل، كما هو المستفاد من مثل قولهم (عليهم السلام): اني قد جعلته عليكم حاكما» [89] فإن إطلاق جعل الحكومة يشمل جميع لوازمها وملزوماتها العرفية، كالولاية وشؤونها، وكذا التوقيع المبارك: «فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله»[90] فإن إطلاق الحجية يقتضي التنزيل من كل جهة، كما أن إطلاق الحوادث يشمل جميع الحوادث التي تحتاج إليها الأمة في شؤونهم الدينية والدنيوية التي يرجع فيها المرؤوس إلى الرئيس، بل المنساق مما دل على حكومته وولايته ونصبه عنه(عليه السلام) هو نصبه في كل مايرجع فيه النوع الى رئيسهم بالفطرة.

ولعل من هنا قال السيد(قدس سره): ان حكم الصدقات الواجبة ومصرفها ايضا مما يرجع فيه الناس بفطرتهم الى رؤساء مذهبهم، فتشملها جميع تلك الادلة... كما ان الاهتمام باموال الفقراء وجمعها من الاغنياء وصرفها في مصارفها من اهم الامور، لابد وان يهتم بها الشرع، ويصح دعوى ان ذلك هو المتيقن من مجموع الادلة، بل اضاف ان لنا ان نقول: ان الادلة ظاهرة في العموم الاماخرج بالدليل، والا يلزم الالقاء في الحيرة في هذا الامر العام البلوى للامة في الشريعة الابدية.[91]

 هذا والمحكي عن أكثر فقهاء العامة إيجاب الدفع إلى الأمراء وإن علم عدم صرفها في محالها، ورووا ذلك عن سعد بن مالك وأبي سعيد الخدري وعبد الله بن عمر وأبي هريرة وعائشة والحسن البصري وعامر الشعبي وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير والشافعي وابي ثور وغيرهم حتى حكي عن بعضهم أنه سئل عن الزكاة فقال: «ادفعوها إلى الأمراء ولو أكلوا بها لحوم الحيات»[92] وفيه مالايخفى من الاشكال عقلا وشرعاً، ثم إن الظاهر أنه لم يرد في المسألة نص خاص يعين كيفية الأداء، بل المستفاد من كلماتهم في المقام استنادهم في جواز دفع الزكاة أو وجوبه الى أمور:

الأول: كون الفقيه أعرف بمواضع الصرف وموارده، كما صرح به غير واحد على ماعرفت، وفيه روايات:

 منها: رواية الصادق(عليه السلام): «الامام اعلم يضعها حيث يشاء، او يصنع فيها مايرى»[93] بضميمة عموم النيابة او وحدة الملاك بفهم عدم الخصوصية او عدم فهم الخصوصية، والظاهر أن هذا الاستدلال أعم؛ لأن مجرد كون الفقيه أعرف بذلك لا يدل على وجوب الدفع إليه، بل ولا على جوازه، إلا أن يكون الفقيه وكيلاً عن المالك، مضافاً إلى أنه لا يختص الحكم به، بل بكل عارف بمصارفها ولو تقليداً، وربما بعض الناس من المقلدين أيضاً يعرفون موارد الصرف او اكثر بخبرويتهم.

الثاني: أولوية الفقيه من الساعي، حيث يجب الدفع إليه إذا طلبها، وربما يقال فيه ما حكي عن الأصفهاني(قدس سره)من أن الساعي إنما يبلغ أمر الإمام (عليه السلام)، فإطاعته إطاعة الإمام (عليه السلام)، بخلاف الفقيه، ولا يجدي كونه أعلى رتبة ومنصبا منه، ولم يعلم امر منهم صلوات الله عليهم باطاعة الفقيه في كل شيء.[94]

فاللازم إثبات عموم ولاية الفقيه في هذا الأمر أولاً حتى يمكن أن نقول: هو أفضل من الساعي فيشمله حكمه، فمجرد كون الفقيه أعلى رتبة من الساعي لا يفيد شيئاً بعد كون يد الساعي يد الإمام المعصوم (عليه السلام) بالتنصيب الخاص، بخلاف الفقيه الذي ينصب بالتنصيب العام. وفيه ماتقدم من عموم النيابه واطلاق ادلة الحكومة والتنزيل المقامي في الحجية المنساق منه شموله لكل ماله في الشرع مدخلية حكما او موضوعا. ومن هنا قال في الجواهر: يمكن تحصيل الاجماع عليه من الفقهاء، فانهم لايزالون يذكرون ولايته في مقامات عديدة لادليل عليها سوى الاطلاق الذي ذكرناه،[95] وما نحن فيه منه، فتأمل.

الثالث: تحصيل الإجماع عليه كما عرفته من الجواهر، ولكن قد يقال فيه أنه من قبيل الإجماع على القاعدة، بناء على كونه مستفادا من إطلاق التوقيع الشريف وشبهه، وإلا فالمسألة خلافية ذات أقوال متعددة، وربما بلغت الأقوال فيها إلى أكثر من ثلاثة، وبالتالي فهي ليست إجماعية من ناحية الصغرى، فضلا عن كونه مدركيا او محتملها.

الرابع: أن الفقيه نائب عام عن الإمام (عليه السلام) بأمثال هذه الأمور، ووكيل عن الفقراء، وربما يعضد هذا بعض المؤيدات؛ وذلك لأن المستفاد من أدلة تشريع الزكاة أنها إنما شرعت لسد حاجة الفقراء ودفع الشدة عنهم، مضافاً إلى تأمين حوائج الدولة الإسلامية، بل ودفع النوائب عن الفقراء أيضاً من حوائج الحكومة العادلة المنصوبة لإقامة العدل كما لا يخفى عن الخبير، ولعل من أقوى الشواهد عليه المصارف التي نص عليها كتاب الله عز وجل التي منها سهم العاملين عليها، وهم عمال الصدقات، وفي المصباح: الساعون في تحصيلها وتحصينها باخذ وكتابة وحساب وحفظ ونحو ذلك[96] وهذا ينطبق على موظفي الحكومة الاسلامية والمأمورين من قبلها لاجل ذلك.

 وكذا سهم المؤلفة قلوبهم الذين يؤلفهم الحاكم ويجذبهم إلى موافقة المسلمين، بل يستفيد من قواهم في مقابل الأعداء، ويجعلهم ضمن القوى التي تحمي الدولة الإسلامية، كما ورد في تاريخه J من إعطاء المؤلفة قلوبهم من أهل مكة أو غيرها، وفي اختصاصه بالكفار او العدم قولان[97].

وأوضح من ذلك سهم سبيل الله سبحانه، والقدر المتيقن من مصرفه هو الجهاد على قول[98]. وفي مجمع البيان: بلا خلاف ويدخل فيه عند اصحابنا جميع مصالح المسلمين،[99] وفي السرائر: جميع ابواب البر والقرب الى الله تعالى[100] وعن الشهيد(قدس سره) في اللمعة: هو القرب كلها. وفي الروضة: لان سبيل الله لغة الطريق اليه، المراد هنا الطريق الى رضوانه وثوابه؛ لاستحالة التحيز عليه، فيدخل فيه كل ماكان وصله الى ذلك، كعمارة المساجد ومعونة المحتاجين واصلاح ذات البين واقامة نظام العلم والدين.[101] وفي المصباح: نسب هذا القول الى الاكثر، بل المشهور، واختاره عامة المتاخرين، وعن الخلاف والغنية الاجماع عليه[102].

وعلى القولين فان الجنود والعساكر تكون تحت مراقبة الحكومة، ولو قلنا بان مفهومه عام لكل خير فيه منفعه عامة لكان ايضا من الامور الراجعة الى الحكومة قبل غيرها؛ لانها المعدة لمثل هذه الامور كما لايخفى، بل قد عرفت ان سهم الفقراء والمساكين ذريعة لاقامة العدل، واحق الناس به هي الحكومة.

ومن هنا يظهر ان الزكاة في الحقيقة من مصادر بيت المال، فإن الحكومة لا تقوم إلا ببيت المال لمصارفها وحل مشاكلها، وبيت المال يحتاج إلى رفد، ولعل حكم بعض العامة بوجوب دفعها إلى الأمراء وإن لم يصرفوها في مصارفها مأخوذ من ملاحظة ماهية الزكاة ومحتواها وإن وقعوا في الخطأ من حيث توهم كون الدفع إليهم موضوعياً مع أنه طريقيٌ، فإذا علم بعدم صرفهم إياها في مصارفها او كانوا غير مؤهلين للمقام فلا بد من منعها منهم.

هذا والمستفاد من شان نزول آيات الزكاة في المدينة عندما اقام J الحكومة الإسلامية،[103] وكذا مما ورد في آداب المصدق وأنه إذا أتى صاحب المال يقول لهم: «ياعباد الله ارسلني اليكم ولي الله لآخذ منكم حق الله في اموالكم، فهل لله في اموالكم من حق فتؤدون الى وليه؟»[104]،أن الحكومة هي أولى بصرفها في مواردها الخاصة، خصوصاً عند الطلب للوجوه المتقدمة.

وبالتالي فإن المصرف إذا دار بين أن تحل به مشاكل المجتمع أو تحل به مشكلة لشخص واحد او اشخاص ويدور الأمر بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة فمقتضى بناء العقلاء وسيرتهم ـ بل لعله المستفاد من مجموع الأدلة ـ تقديم المصلحة العامة؛ لكونها أهم من المصلحة الخاصة. هذا ما يرتبط بالزكاة.

الولاية على مصارف الخمس

وأما الخمس فهو أوضح حالاً من الزكاة؛ ولذا عرف بينهم عدم جواز تصدي صاحب الخمس لصرفه، خصوصاً بالنسبة إلى سهم الإمام (عليه السلام)، بل حكى صاحب الجواهر(قدس سره)عن العلامة المجلسي (قدس سره): ان اكثر العلماء قد صرحوا بأن صاحب الخمس لو تولى دفع حصة الإمام (عليه السلام) لم تبرأ ذمته، بل يجب دفعها إلى الحاكم، وظني أن هذا الحكم جار في جميع الخمس.[105]

وعن المحقق(قدس سره)في الشرايع يجب ان يتولى صرف حصة الامام(عليه السلام)من اليه الحكم بحق النيابة،[106] والمراد من الحاكم الفقيه الجامع للشرائط.

وقال العلامة (قدس سره) في المختلف في كتاب الزكاة والخمس: اختلف علماؤنا في مستحق الامام(عليه السلام) في حال الغيبة من الاخماس والانفال وغيرهاـ الى ان قال ـ: وهل يجوز قسمته في المحاويج من الذرية كما ذهب إليه جماعة من علمائنا؟ الأقرب ذلك إذا ثبت هذا، فإن المتولي لتفريق ما يخصه (عليه السلام) في محاويج الذرية من إليه الحكم عن الغائب (عليه السلام)؛ لأنه قضاء حق عليه كما يقضى عن الغائب، وهو الفقيه المامون الجامع لشرائط الفتوى والحكم، فإن تولى ذلك غيره كان ضامناً.[107]

وفي الرياض: نسبه الى اكثر المتاخرين،[108] بل حكي عن الشهيد الثاني(قدس سره) اجماع القائلين بوجوب الصرف للاصناف على الضمان،[109] ولعله مستظهر من عبارته في المسالك[110]

وفي العروة: لابد من الايصال اليه او الدفع الى المستحقين باذنه في سهم الامام(عليه السلام)، واحتاط لذلك في سهم السادة ايضا، وعلله بانه اعرف بمواقعه والمرجحات التي ينبغي ملاحظتها،[111] وقد اقر الفتوى جمع من المحشين كما يظهر من عدم التعليق عليها.

وفي المهذب: لانه من اقرب طرق احراز رضاه(عليه السلام) في التصرف في حقه(عليه السلام)، بل لايحرز رضاه الا بذلك.[112] وفي شرح التبصرة: علله بانه من شؤون الرئيس ولازمه رجوع الامر في زمان الغيبة الى الفقيه لعدم احتمال رئاسة احد في زمان الغيبة غيره.[113]

وفي المستمسك: ان عزل الحاكم الشرعي عن الولاية عليه[114] يؤدي الى ضياع الزعامة الدينية والاحتفاظ بها من اهم الواجبات الدينية؛ لان بها نظام الدين، وبها قوام المذهب، وبها تحفظ الحقوق لاهلها، ولولاها لاختل امر الدين والدنيا.[115]

هذا ويظهر من بعض الفقهاء وجوب دفع الخمس إلى الفقيه الأعلم، مثل: الشيخ كاشف الغطاء (قدس سره) في كتابه الفردوس الأعلى، حيث قال: أما الدليل على لزوم إعطاء سهم الإمام (عليه السلام) للمجتهد فإنه يكفي فيه كون المجتهد هو الوكيل العام للإمام (عليه السلام)، فهو مال لغائب يجب دفعه إلى وكيله؛ ولا أقل من أنه هو القدر المتيقن لبراءة الذمة فيجب، والواجب دفعه إلى الأعلم، فكما يجب تقليد الأعلم كذلك يجب دفع الحق.[116]

 لكنك عرفت من اطلاق النصوص والفتاوى عدم الوجوب؛ اذ يكفي فيه احراز رضاه (عليه السلام). نعم ينبغي احراز الرضا الاكبر والاشد للارتكاز العقلائي القائم على لزوم مراعاة الاهم فالاهم في الطاعة والانقياد، ولعله لاجله احتاط جمع من الفقهاء باستئذان الفقيه حتى في صرف سهم غير الامام(عليه السلام) او دفعه اليه؛ بداهة ان المصلحة النوعية للامة اكبر واهم من المصلحة الخاصة.

وعليه فان مقتضى أصالة عدم جواز التصرف في مال الغير إلا بالرضا وأصالة عدم ولاية المالك على الإفراز وقاعدة الاشتغال تعين الايصال الى الفقيه او استئذانه؛ لأن حصول العلم برضاه في التصرف في ماله (عليه السلام) من دون مراجعة من نصبهم وكلاء مشكل، بل منعه بعضهم.

 فمقتضى قاعدة الاشتغال هو عدم فراغ الذمة إلا بذلك، وربما يمكن دعوى بناء العقلاء عليه أيضاً بتقريب: أنهم إذا لم يتمكنوا من الرجوع إلى المنوب عنه فيما يتعلق به يرجعون بفطرتهم إلى نائبه الذي نصبه ليحكي أقواله، ويتبع أفعاله، ويكون حجة على الخلق. هذا مضافا الى امكان القول بلزوم ايصاله اليه بالعناوين الاخرى، كمجهول المالك او مال الغائب، فانهما يرجعان الى الحاكم الشرعي، والاول منهما اعم من المالك المجهول أو المعلوم الذي لا يمكن الوصول إليه عادة، بل لو قلنا بعدم وجوب الرجوع إلى الحاكم الشرعي في مطلق مجهول المالك لقلنا به في خصوص المقام؛ لخصوصية فيه دون سائر أقسامه.

وكيف كان، فإن من مجموع كلمات الأصحاب يستظهر لزوم دفع سهم الإمام (عليه السلام)إلى الحاكم الشرعي، وكذا لزوم دفع حق السادة أيضاً، أو يكون بإذنه لكونه الأعرف بموارد صرفه؛ ولانه القدر المتيقن في احراز رضا صاحب المال(عليه السلام)، ودعوى العلم برضاه(عليه السلام) ولو بدون إذن الفقيه أو بدون مصرفه مشكل جداً، لا يجترىء عليه الخبير، ولعل هذا هو مراد صاحب الرياض قده حيث قال: إن مباشرة الفقيه أوفق بالأصول.[117]

هذا ولعل من الموارد التي يحرز فيها رضا المعصوم (عليه السلام) كما هو المستفاد من الأدلة هي موارد اقامة الحكومة الاسلامية العادلة، وإلا ففي نشر العلم وتبليغ الإسلام وإدارة الحوزات العلمية وحفظ ضعفاء الشيعة وتكميل سهم الأصناف وغير ذلك، ولا يمكن تعطيل جميع ذلك في غيبته عجل الله تعالى فرجه الشريف؛ للقطع بالمخالفة او احتمالها الكبير المنجز، بداهة أن رضاه(عليه السلام) يتعلق بهذه الأمور، بل لو كان هو ـ أرواحنا فداه ـ حاضراً لكانت من اولويات المصارف عنده للعلم الضروري القائم على لزوم اقامة الدين وترويج الاحكام وهداية الخلق الى سبيل الحق، وهي من اهم وظائف الامام (عليه السلام) واسماها.

ومن الواضح ان المتكفل لهذا الصرف الذي يحرز فيه رضاه في زمن غيبته هو الفقيه الجامع للشرائط؛ لما عرفت من أدلة ووجوه؛ ولذا قال السيد الاستاذ(قدس سره) تعليقا على احتياط صاحب العروة المتقدم: لو كان هناك احتياط لزم كونه في الصرف في المشاريع الدينية؛ لأنها الأقرب إلى رضا الإمام (عليه السلام)، خصوصاً في مثل هذا الزمان الذي انطمست فيه معالم الإسلام، وسادت أنظمة الكفر، وقد كان النبي والإمام أمير المؤمنين عليهما الصلاة والسلام يقسمان حقهما على المسلمين[118].

ولذا ذهب (قدس سره) إلى عدم لزوم إفراز السهمين ـ سهم السادة وسهم الإمام(عليه السلام) ـ في مصارف الخمس، وقال: إن الإمام يأخذ الخمس كله، ويصرفه في المصارف المذكورة، فكذلك يكون حال الفقيه، فلا يحتاج إلى إفراز حصة الإمام وحصة السادة وتخصيص كل بمصرف حتى لا يجوز إعطاء نصف السادة لغيرهم أو لسائر الأمور التي يجوز صرف سهم الإمام (عليه السلام) فيه، كالمشاريع الدينية؛ ولذلك كان النبي J والإمام لا يفرزان الحصتين، بل يبذلانهما جميعاً في مطلق الجيش والفقراء وما أشبه، وهذا هو الذي كان يفعله بعض الفقهاء المعاصرين من عدم الإفراز خلافاً لجمع آخر، منهم الوالد (قدس سره)، حيث كان يحتاط بشدة في إيصال حق السادة إليهم، وحق الإمام إلى طلاب العلوم الدينية الذين يحرز رضا الإمام (عليه السلام) فيهم، أو الفقير المضطر، أو المشروع الديني الذي هو مورد ضرورة ولزوم.[119]

وبذلك يظهر أن الأقوال الأخرى في تعيين مصارف الخمس في زمن الغيبة في غير ماذكرنا لم يستظهر لها وجه قوي، كالقول بإباحتها للشيعة في زمن الغيبة كما عن جمع من الفقهاء والمحدثين،[120] أو القول بوجوب عزله وإيداعه والوصية به عند ظهور امارات الموت، وهكذا حتى يصل الى صاحب الامر عجل الله تعالى فرجه الشريف كما عن جمع من المتقدمين،[121] أو القول بوجوب دفنه؛ لان الارضين تخرج كنوزها عند قيام القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف، وانه عليه السلام اذا قام دله الله سبحانه على الكنوز فيأخذها من كل مكان.[122] نقل هذين القولين جمع من اعاظم الاصحاب من غير تصريح بالقائل،[123] وفي الجواهر لم اعرف قائله بالخصوص،[124] ويظهر من المختلف وجود القائل بالاول، وحكى عن ابن البراج(قدس سره)مايظهر منه وجود القائل بالثاني ايضا،[125] ويقابل ذلك القول بصرفه في المحتاجين مباشرة كما عن جمع، منهم المحقق(قدس سره) في الشرائع،[126] والعلامة (قدس سره)في المختلف،[127] ونسب الى المشهور بين المتأخرين،[128] وفي الرياض: لاخلاف فيه اجده الا من نادر من القدماء،[129] أو القول بالتخيير بين الإيداع والدفن كما عن النهاية[130]،أو التخيير بين الحفظ والإيصاء والقسمة بين المحتاجين من الذرية الطيبة أو الصرف إلى فقراء الشيعة مطلقاً، كما حكاه في الجواهر عن القواعد،[131] فكل ذلك مخدوش بمخالفته لقاعدة الاحتياط وكونه تصرفا في حق الغير دون اذن منه، بل وبعضه مخالف لاصول المذهب،[132] وبعضه مستلزم للتبذير والاتلاف ونحوها من العناوين المحرمة.

في أولوية تصدي الفقيه للسلطة

عرفت مما ذكرنا أنه يمكن القول بأنه لو قامت الدولة الإسلامية العادلة كان الفقيه الجامع للشرائط المتصدي لها أولى من غيره بحصة الإمام (عليه السلام)؛ لأن المفروض أن مصرف هذه الأموال في الواقع هو إقامة هذا الأمر، وكذلك إذا كان الفقيه متصديا ً للحوزات العلمية ومتكفلاً بشؤونها وقائماً على المشاريع الدينية كان أولى به من غيره، وكذا إذا كان مدبراً لغير ذلك مما يهتم به الإمام (عليه السلام) في نشر الإسلام وعلومه في أقطار الأرض عامة، والدفاع عن المسلمين وعزتهم وشبابهم ومناهجهم، ومما ذكرنا يظهر الحال في الأوقاف العامة، وأن الفقيه هو المتصرف فيها عند فقد المتولي الخاص، بل له نصب المتولي للأوقاف التي لا متولي لها، أو جعل الناظر على المتولي إذا خاف من خيانته؛ لعموم أدلة الولاية، وليست ملك الأوقاف أولى من الأخماس والزكوات التي عرفت حالها.

حكم ما اذا تعدد الفقهاء المتصدون

المعروف المشهور قديماً وحديثاً عدم انحصار الفقاهة في فقيه واحد، بل تعددها في كل عصر في أكثر من فقيه، فكيف تعالج مسألة التصدي للحكومة والدولة وتولي أمور المسلمين وتدبيرها؟ الاحتمالات هنا عديدة، وأهمها ثلاثة:

الأول: أن نقول بأن الولاية ثابتة لهم بالعموم الأفرادي، فكل واحد من الفقهاء له هذا الحق بالفعل، ولا تتوقف فعليته على أمر آخر وراء كونه فقيهاً جامعاً للشرائط، وربما يقال: ان الذي استقرت عليه سيرة العلماء العاملين والسلف الصالح قديماً وحديثاً هو هذا الاحتمال، بمعنى ثبوت الولاية لكل واحد بالفعل مستقلاً، ويمكن ان يستشهد لذلك بسيرة العلماء الكبار عند بسط يد بعضهم في بعض الأقطار، كالعلامة المجلسي والخاجة الطوسي والمحقق الكركي والميرزا الشيرازي وغيرهم قدست اسرارهم، حيث كانوا يقيمون حدود الله سبحانه، وينفذون الأحكام الإسلامية من غير توقف على رأي الآخرين في البلد وخارج البلد، ومن دون توقف على انتخاب الأمة أو رأيها.

الثاني: أن يقال بأنها ثابتة لهم بالفعل بعنوان العام المجموعي، فالمجموع من حيث المجموع لهم هذا الحق، ولا بد حينئذ من التشاور والتعاضد مع بعضهم حين التنفيذ جمعا بين الحقوق.

الثالث: أن يقال بأنها ثابتة لهم جميعاً، ولكن تعيين الحاكم والحكومة يتم بواسطة الانتخاب على نحو أن تكون الولاية بنحو المقتضي والانتخاب يوصلها إلى مرحلة الفعلية، أو يكون الانتخاب شرطاً والولاية مشروطة، أوتكون الولاية مجرد ترشيح والانتخاب تعيين على تفصيل سنتعرض إليه إن شاء الله تعالى.

وعليه فإن على هذا الاحتمال تكون أدلة الولاية مرشحة للفقيه الجامع للشرائط، وللأمة الاختيار، او معينة وللامة الترجيح بين المتكافئين جمعاً بين أدلة الولاية للفقيه وأدلة السلطنة الشخصية على النفوس والأموال، وقد يورد عليه وعلى الاحتمال الأول باستلزامه الهرج والمرج ونقض الغرض؛ لكون الغرض الأعلى من الحكومة هو حفظ النظام وبسط العدل، ولكن ثبوت الولاية الفعلية لكل واحد من الفقهاء مع اختلاف الأنظار والأفكار والاتجاهات يؤدي إلى اختلال النظام.

وربما يورد على الثاني بأنه لم يقل به أحد؛ لاستلزامه انقسام الولاية على المجموع انقسام الحق على أصحابه، وهذا خلاف المستظهر من أدلة الولاية، مضافاً إلى أنه غير قابل للتطبيق إلا إذا قلنا بثبوت الولاية للمقام والمنصب لا للأشخاص، كمجلس الرئاسة أو القيادة، وهذا بعيد، بل مخالف لظواهر الأدلة.

وربما يورد على الثالث بأنه مخالف لسيرة أصحابنا؛ إذ لم نسمع من أحدهم الرجوع إلى الانتخاب في إثبات الفقيه الحاكم أو تعيينه، فإن الانتخاب أمر نشأ في القرون الأخيرة، ومأخوذ من بلاد الغرب، وليس له في أخبارنا عين ولا أثر، ولا يوجد في تاريخ الإسلام. نعم كان الانتخاب طريقاً وحيداً لتصدي بعض الحكام الأوائل كما في قضية السقيفة، مع انه لم يكن انتخاباً موضوعا، وعلى فرضه فليس من قبل الناس جميعاً، ولا بأهل البلد، ولا بانتخاب جميع أهل الحل والعقد، بل كان انتخاب جماعة خاصة يسمون بالشورى عندهم، وهم جماعة من الصحابة توافقوا على غرض، وحضروا في السقيفة، ونصبوا الحاكم، وقد انتج ذلك للمسلمين حكومة بعد رسول الله.

وعليه فانه لامناص من القول بان التصدي وظيفة الفقيه الجامع للشرائط، فان كان واحدا او تصدى لها واحد فيها، ولو تعدد لزم القول بالشورى حينئذ؛ لحكومة ادلتها على ادلة الولاية على تفصيل ستعرفه، وبه يجمع بين الادلة والحقوق. نعم رضا الناس واختيارهم شرط في منجزية حكومتهم ووجوب الطاعة والاتباع فيما يتعلق بشؤون الدولة والحكم، ومعه ترتفع المحاذير المذكورة، واما ماقيل من عدم الدليل على الانتخاب ففيه:

أولا: انه من القضايا التي قياساتها معها لابتنائها على البديهة العقلية لدى تعارض المتكافئين او المتعارضين مع عدم قابلية المحل الا لاحدهما، كما تشهد له السيرة العقلانية غير المردوعة في مثله، ومعه لاحاجة لبيان من الشارع الا على نحو الارشاد.

ثانيا: قد وردت الاخبار المتضافرة الدالة بالمطابقة او بالتضمن او الالتزام على لزوم اختيار الناس لانفسهم اماما حاكما.

منها: ماعن اميرالمؤمنين (عليه السلام) في جواب لمعاوية بعد مقتل عثمان:«والواجب في حكم الله وحكم الاسلام على المسلمين بعدما يموت امامهم او يقتل ـ ضالا كان او مهتديا، مظلوما كان او ظالما، حلال الدم او حرام الدم ـ ان لايعملوا عملا، ولايحدثوا حدثا، ولايقدموا رجلا، ولايبدؤوا بشيء قبل ان يختاروا لانفسهم اماما عفيفا عالما ورعا عارفا بالقضاء والسنة، يجمع امرهم، ويحكم بينهم، وياخذ للمظلوم من الظالم حقه».[133]

ومنها: قوله:«هذا اول من ينبغي ان يفعلوه ان يختاروا اماما يجمع امرهم ـ ان كانت الخيرة لهم ـ ويتابعوه ويطيعوه».[134]

ومنها: قوله:«وكان من اختاروه وبايعوه بيعته بيعة هدى، وكان اماما واجبا على الناس طاعته ونصرته، فقد تشاوروا في واختاروني باجماع منهم».[135]

ومنها: مافي نهج البلاغة: وانما الشورى للمهاجرين والانصار، فان اجتمعوا على رجل وسموه اماما كان ذلك لله رضا، فان خرج عن امرهم خارج بطعن او بدعة ردوه الى ماخرج منه، فان ابى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين وولاة الله ماتولى».[136]

ومنها: المفهوم التضمني او الالتزامي المستفاد من مثل رواية عبد الله بن ابي يعفور عن الصادق (عليه السلام):«ثلاثة لايقبل الله لهم صلاة... ورجل ام قوما وهم له كارهون»[137] إما للملازمة الظاهرة بين طاعة الامام وبين رضا الناس بامامته اولان تصديه للامامة برضاهم يكون من مصاديق طاعته. نعم يخرج الامام المعصوم(عليه السلام) عن اختيار الناس لمكان العصمة والمقامات الالهية التي يتعذر وصول الناس اليها، فيكون التنصيب بالنص، وعلى هذا تحمل الادلة النافية لاختيار الناس ورضاهم في تعيين الامام، واما غيره فتشمله عمومات الشورى والاختيار والسلطنة، وعليه يحمل الاستدلال الوارد عن سعد بن عبد الله القمي، عن مولانا صاحب الامر عجل الله فرجه الشريف. قال: سالت القائم(عليه السلام) في حجر ابيه، فقلت: اخبرني يامولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار امام لانفسهم؟ قال:«مصلح او مفسد؟» قلت: مصلح. قال:«هل يجوز ان تقع خيرتهم على المفسد بعد ان لايعلم احد مايخطر ببال غيره من صلاح او فساد؟» قلت: بلى. قال:«فهي العلة ايدتها لك ببرهان، يقبل ذلك عقلك؟ قلت: نعم»[138].

ومن وجه التعليل يفهم ان العصمة مانعة من الاختيار والانتخاب وليست نافية؛ للمقتضي في الحاكم، فتدل عليه في صورة عدمها، وهذا هو المستفاد من متواتر الادلة.[139]

ثالثا: سلّمنا، ولكن يكفي في ذلك ادلة الشورى المتضافرة في الكتاب والسنة، فانها بحسب معناها اللغوي[140] وظهورها العرفي وواقعها العملي تتضمن الاختيار بعدها، بل هذا مايقوم له الاستدلال العقلي دفعا للغوية او نقض الغرض، فتأمل.

ومما تقدم يعرف أن معالجة الامر في صورة تعدد الفقهاء تدور بين احتمالات ثلاثة:

الأول: أن نقول بحكومة الشورى بينهم جمعاً بين أدلتها وأدلة الولاية، والحكم يرجع حينئذ إلى الشورى؛ لحكومتها على أدلة التقليد ونحوه، كما هو الشأن في الحكم في مقابل الفتوى إذا أصدرها الفقيه، فتأمل.

الثاني: أن نقول: يتولى الولاية أحد الفقهاء، وحينئذ إما يقال بارتفاع المقتضي في تصدي الآخرين لعدم قابلية المحل، أو يكون توليها من أحدهم مانعاً من تصدي غيرهم دفعاً للفساد، أو يكون مسقطاً للوجوب عنهم لجهة كفاية المتصدي، وهذه كلها باطلة. أما الثاني فلأن منع الفقيه لغيره من التصدي أو ما أشبه ذلك باطل عقلاً، وحرام شرعاً؛ لكونه استبداداً. والأول والثالث باطلان لكونهما لا دليل عليهما، بل الدليل على خلافهما.

الثالث: أن نأخذ بالمرجحات بينهم، فنرجح أحد الفقهاء على الآخرين؛ لكونه من صغريات باب التكافؤ والتعادل، فنعمل بحسب معادلات اللابدية العقلية استئناساً بباب التعادل والتراجيح، حيث رجحت بعض الأطراف على غيرها في صورة التكافؤ، وربما يعضده ما ورد في باب قاضي التحكيم في مقبولة عمر بن حنظلة[141]، بناء على كونها ناظرة إلى مرجحات قاضي التحكيم، بل ويمكن الاستدلال له بأنه من قبيل دوران الأمر بين التعيين والتخيير؛ إذ لا بد من الأخذ بالتعيين وهو صاحب المرجح، وعلى كل حال نختار من توفرت فيه المزايا المرجحة.

إن قلت: ما هو المعيار في تشخيص المرجحات؟ ومن هو المرجع في ذلك؟.

نقول: المرجع فيه هم أهل الخبرة كما في غيره من أبواب الفقه، سواء كان المرجح الأعلمية، أو الإدارة وحسن التدبير، أو الشجاعة، أو كثرة المقلدين والأتباع، أو غيرها من ملاكات عقلائية وشرعية، فأهل الخبرة هم المرجع في تعيين من هو الأصلح بين الفقهاء الصالحين، ولو فرض فرضاً نادراً أو محالاً عادياً تساويهما من جميع الجهات، أو بالتعادل بعد الكسر والانكسار لتوفر بعض المزايا في فقيه وبعض المزايا في فقيه آخر بما يوجب تردد أهل الخبرة في التعيين وعدم تفضيل أحدهما على الآخر، فيمكن الرجوع حينئذ إلى القرعة لكونها لكل أمر مشكل، لكن الإنصاف أن هذا فرض نادر ولا يوجد له مصداق عادة، فضلاً عن أن القرعة بناء على طريقيتها لحسم مادة النزاع هي الأخرى كالانتخاب، بل أضعف حالاً منه، لابتناء الانتخاب على رضا الناس وانتخابهم دون القرعة.

وكيف كان، فالمسألة ترجع إلى احتمالات ثلاثة، ولا يبعد قوة ثبوت الولاية للجميع بنحو التساوي؛ لشمول الأدلة لكل فقيه جامع للشرائط، ومقتضى الحل في مقام التطبيق والعمل هو الشورى جمعاً بين أدلة الولاية وأدلة التقليد وأدلة الشورى على تفصيل سنتعرض إليه إن شاء الله في بحث مستقل.

في الجمع بين ولاية الفقيه وأصالة عدم ولاية أحد على أحد

قالوا: إن الأصل عدم ولاية أحد على أحد وعدم نفوذ حكمه فيه، فإن أفراد الناس بحسب الطبع خلقوا أحراراً مستقلين، وهم بحسب الخلقة والفطرة مسلطون على أنفسهم وعلى ما اكتسبوه من أموالهم بإعمال الفكر وصرف القوى، فالتصرف في شؤونهم وأموالهم والتحميل عليهم من دون رضاهم ظلم وتعد عليهم، وكون أفراد الناس بحسب الاستعداد والفعلية مختلفين في العقل والعلم والفضائل والأموال والطاقات ونحوها لا يوجب ولاية بعضهم على بعض وتسلطه عليه ولزوم تسليم هذا البعض له، وقد أيد ذلك ما ورد في الروايات الشريفة.

منها: كتاب مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) لابنه الحسن(عليه السلام): «ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً»[142] الدال على أن الإنسان بمقتضى الأصل الأولي حر ولا سيادة لأحد عليه.

ومنها: ما ورد عنه(عليه السلام): «أيها الناس، إن آدم لم يلد عبداً ولا أمة، وإن الناس كلهم أحرار، ولكن الله خول بعضكم بعضاً»[143] والتخويل غير السيادة كما هو واضح لتضمنه رضا المخول إلى المخول، بخلاف السيادة وولاية الفقيه على ما عرفته مما تقدم. هذا ما ذكروه في مقام تأسيس الأصل في مسألة الولاية، ولكن يمكن المناقشة فيه من جهات ثلاث عقلية وشرعية وعقلائية.

أما الجهة العقلية فيمكن تقريبها ببيانين:

الأول: يتوقف على مقدمتين:

إحداهما: أن العقل والوجدان يحكمان بمالكية الخالق المكون لكل شيء في الوجود وعالميته بكل ما يصلحه ويوصله إلى أغراضه المادية والمعنوية.

أزمّة الأمـور طراً بيـده*****والكلّ مستمدة من مدده[144].

والإنسان لا يخرج عن هذه القاعدة، فأمر تكوينه وتنميته وتربيته وهدايته كلها بيد الله عز وجل، كما أن نظامه وقانونه وكيفية تكامله وتعامله مع الأشياء وتعيين وظائفه وأدواره كلها بيد الله عز وجل، والإنسان في قباله مهما بلغ من العلم والمعرفة عاجز قاصر عن أن يحيط بطبائع الأشياء ولطائف وجودها ومصالح نفسه في النشأتين، فلله الخلق والأمر، وله أن يأمر بما يراه صلاحاً، وينهى عما يراه ضرراً وفساداً، وعلى الإنسان أن يخضع لله وللشريعة الإلهية بقوانينها العادلة الحكيمة في شتى مراحل حياته. هذا ما يحكم به العقل. قال عز وجل: {إن الحكم إلاّ لله يقصّ الحقّ وهو خير الفاصلين}[145] وقال عز وجل: {ثمّ ردوا إلى الله مولاهم الحقّ ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين}[146] وقال تبارك وتعالى: {أم اتّخذوا من دونه أولياء فالله هو الوليّ وهو يحي الموتى وهو على كلّ شي‏ء قدير وما اختلفتم فيه من شي‏ء فحكمه إِلَى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب}[147] وقال عز وجل: {فالحكم لله العلي الكبير}[148] إلى غير ذلك من الآيات والروايات الدالة على الحصر في ذلك.

ولا يخفى أن أحكامه عز وجل إنما تصل إلينا بالوحي إلى رسله وأنبيائه(عليهم السلام)، فيجب علينا إطاعتهم بما أنهم وسائط أمره ومبلغو رسالاته، ولكن إطاعتهم من هذه الجهة ليست أمراً وراء إطاعة الله عز وجل أو في عرضه، وإنما في طوله، والأوامر الواردة بلزوم إطاعتهم ليست مولوية، بل إرشادية إلى حكم العقل القاضي بلزوم إطاعة المولى الخالق والعالم بكل شيء، وبكل مصالح البشر، فيحكم العقل بلزوم إطاعة الرسول وإطاعة الإمام وإطاعة الفقيه الجامع للشرائط أيضاً فيما بيّن وبلّغ عن أحكام الله عز وجل مع اختلاف المراتب والصلاحيات.

ثانيهما: أن الإنسان مدني بالطبع، ولا يتيسر له إدامة حياته إلا في ظل التعاون والاجتماع، ولازم الاجتماع غالباً التضاد في الأهواء والتضارب والصراع، فلا محالة يحتاج إلى نظم وقوانين تحدد الحريات، وتراعي مصالح الجميع، وإلى حاكم ينفذ هذه القوانين، ويدبر الأمور، ويرفع المظالم، وواضح أن الحكومة لا تتم ولا تستقر إلا بإطاعة المجتمع للحاكم، فيحكم العقل بوجوب إطاعته، فتجب الإطاعة بحكم العقل ولا سيما إذا باشروا تعيينه وعاهدوه على ذلك؛ إذ الفطرة حاكمة بلزوم الوفاء بالعهد، فيتنازل الإنسان عن قدر من سلطنته وسيادته لأجل ضمان هذه السيادة في مجالات أخرى بنسبة أعلى وأشمل وأقوى وأهم وأكبر، كما قالوه في ضرورة السلطة وحاجة المجتمع إلى الدولة في قبال الحرية الشخصية، وهذا ما يستقل بحكمه العقل.

ويتحصل من ذلك: حكومة العقل بلزوم التنازل عن قدر من السيادة لأجل تحصيلها وضمانها؛ لتوقفها على ما يتنازل عنه منها، فتدخل موضوعاً في باب الأهم والمهم الذي يحكم العقل بلزوم العمل به، ومعه يرتفع التنافي المذكور موضوعاً لاختلاف الرتبة، أو حكماً لمنجزية أحد التكليفين وبقاء الآخر، أو انسحابه الى رتبة الإنشاء، فتأمل.

الثاني: وحاصله أن الأصل وإن كان عدم ولاية أحد على أحد، لكن يمكن أن يقال في قبال ذلك ان حكم العقل إطاعة الله وإطاعة المرشد الصادق وتعظيم المنعم المحسن وإطاعة الحاكم العادل الحافظ لمصالح المجتمع. كلها أصول حاكمة على ذلك الأصل، وما نحن فيه من صغرياتها؛ بداهة أن المخلوقات طرّاً – وخصوصاً الإنسان أشرفها وأكرمها وأعقلها بكل تفاصيل وجودها أصلاً ووصفاً - هي مخلوقات لله سبحانه، وخاضعة له في كل هوياتها وتفاصيل وجودها، وهو عز وجل المالك لها، وولي عليها تكويناً وذاتاً، ومقتضى الولاية الذاتية والملكية التكوينية وجوب التسليم له ولأوامره عز وجل، وحرمة مخالفته تشريعاً، ولازم ذلك وجوب التسليم والانقياد في قبال جميع الولايات المجعولة من قبله سبحانه في مراتبها وحدودها من ولاية الأنبياء والأئمة(عليهم السلام)، ثم الحكام الفقهاء، ثم الوالدين والمنعم والمرشد، فإن الجميع يرجع إلى ولاية الله وإطاعته عقلاً.

وعليه فإن إطاعة الولي هو إطاعة لله سبحانه، وكما أنه لاسلطنة للإنسان في قبال أوامره سبحانه كذا في أوامر من نصبه وجعله ولياً وإن اختلفت الرتبة. نعم تبقى الموارد التي لاولاية للفقيه فيها مشمولة بسلطنة الإنسان، فتأمل.

وأما الجهة الشرعية فهي المستفادة من متضافر الآيات والروايات. قال سبحانه: {ما آتاكم الرّسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}[149] ومن الواضح أن بحسب تسلسل الرتب والتنصيب للإمامة مما أتانا بها النبيJ، كما أن ولاية الفقيه مما جاءنا بها النبي بالواسطة، وقال سبحانه: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً}[150] وقال عز وجل: {أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم}[151] ومقتضى الإيمان والتسليم هو الرضا بكل ما أراده الله وأمر به، ومما أراده الله سبحانه هو تنصيب الرسل والأنبياء ثم الأئمة(عليهم السلام)، ثم الفقهاء بحسب الموازين والشرائط والأدلة الخاصة في مظانها، وهذا الأصل الشرعي في تنصيب الفقيه حاكم ومقدم على الأصل العقلي النافي للولاية، وإلا كان التشريع هنا لغوياً، فتأمل.

وأما الجهة العقلائية فهي المستفادة من سيرتهم الممضاة من قبل الشارع في مثل هذه الموارد؛ إذ لا شك أن قانون السلطنة يثبت لكل إنسان سيادة على نفسه وشؤونه الخاصة والعامة، ومن شؤون هذه السيادة حق الإنسان في أن يتنازل عن حقه في السيادة أو حريته إذا رأى المصلحة في ذلك لمصالحه الأهم، أو يرضى بسيادة غيره عليه لوثاقته بحكمة من يسلم له أمره وإيمانه بصدقه وعلمه وتحقيقه لأهدافه وأغراضه، وهذا ما قامت عليه سيرة العقلاء في مختلف مجالاتهم الحيوية، وهو المشهود في مثل تسليم الناس شؤونهم العامة والخاصة أحياناً لزعماء الدول وقادتها وقادة الجيوش وأساتذة الجامعات والأطباء والمهندسين وقرارات المجالس الوطنية وغيرها، وبهذا نجمع بين دليل السلطنة والولاية؛ إذ بعد التفات الناس إلى الفقيه الجامع للشرائط وصفاته النفسية العالية من العلم والعدالة والتقوى والصدق والإخلاص والنزاهة يسلمون له طواعية ورغبة منهم تجليلاً للعلم، وانقياداً لكمالاته الذاتية، أو حفاظاً على مصالحهم، فيثبت أن طاعة الفقيه والالتزام بولايته هو التزام بالسلطنة الذاتية بلا تعارض أو تناف بينهما.

وعليه فما ذكروه من أصالة عدم ولاية أحد على أحد إما ناظر إلى مقتضى الأصل الأولي بغض النظر عن الأصل الشرعي أو ناظر إلى الشؤون الشخصية الخاصة بين الناس أنفسهم، وليس بين السلطنة الذاتية وبين سلطنة الباري عز وجل وولايته وما يتفرع منها من ولايات ومراتب، كولايات الأنبياء والأئمة والفقهاء، أو هو ناظر إلى سلطنة الإنسان على نفسه بمقتضى حياته الأولية وشؤونه الشخصية.

وأما الولاية فناظرة إلى الشؤون العامة والاجتماعية في الدولة، فبناء على هذا يختص الأصل المذكور بالشؤون الشخصية، ولا يجري في الشؤون العامة، كشؤون الدولة وتنصيب الحكام وما أشبه ذلك.

* فصل من كتاب فقه الدولة

وهو بحث مقارن في الدولة ونظام الحكم على ضوء الكتاب والسنة والأنظمة الوضعية

** استاذ البحث الخارج في حوزة كربلاء المقدسة

*** للاطلاع على فصول الكتاب الاخرى

http://www.annabaa.org/news/maqalat/writeres/fadelalsafar.htm

 ...........................................................

[1] سورة الإسراء: الآية 36.

[2] سورة الحجرات: الآية 12.

[3] سورة البقرة: الآية 275.

[4] سورة المائدة: الآية 1.

[5] الفقيه: ج4 ص243 ح777.

[6] سورة الحج: الآية 78.

[7] التهذيب: ج1 ص421 ــ 422 ح1335؛ الاستبصار: ج1 ص183 ح641.

[8] انظر الفقيه: ح1 ص36 ح132 وفيه:قال النبي J:وضع عن أمتي تسعة أشياء، السهو، والخطأ،والنسيان،وما أكرهوا عليه، وما لايعلمون، وما لايطيقون،والطيرة،والحسد،والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق الإنسان بشفة وفي الخصال: ج1 ص417 ح9 رفع بدلاً من وضع.

[9] الوسائل: ج24 ص236 ح30425 باب 64 من أبواب الأطعمة المحرمة.

[10] انظر الوسائل: ج8 ص248 ح10558؛ باب 30 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة؛ عوالي اللآلي: ج3 ص465 ح15.

[11] سورة المائدة: الآية 3.

[12] عيون أخبار الرضا: ج1 ص217 ح1.

[13] سورة النحل: الآية 89.

[14] انظر الكافي: ج1 ص239 ــ 242.

[15] البحار:ج89 ص84 ــ ح16.

[16] البحار: ج2 ص175 ح17.

[17] سورة الانعام: الآية 38.

[18] نهج البلاغة: ص60-61 الخطبة 18.

[19] الكافي: ج1، ص240 ح3.

[20] الكافي: ج1 241-242 ح6.

[21] البحار:ج26 ص22-23 ح12.

[22] المصدر نفسه: ج26 ص23 ح13.

[23] انظر البحار: ج26 ص18-66.

[24] انظر تفصيل ذلك في أجود التقريرات: ج3 ص116- 117؛ كفاية الأصول: ج3 ص154-165 ؛ الاصول: ج2 ص52-54؛ الاصول العامة للفقه المقارن: ص595-602.

[25] قال تعالى: {قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون} سورة يونس: الآية 59، وفي مناظرات الإمام الصادق عليه السلام مع أبي حنيفة وغيره من القائلين بالقياس والافتاء بالرأي قوله (عليه السلام): اتق الله ولاتقس الدين برأيك حلية الأولياء: ج3 ص197، وقوله (عليه السلام): فدعوا الرأي والقياس، فإن دين الله لم يوضع على القياس انظر البحار: ج2 ص286 ح3 وص287 ح4. والمراد بالقياس هو الاخذ بالاستحسانات العقلية والآراء المستندة الى الشخص لا الكتاب والسنة.

[26] سورة يوسف: الآية 40 والآية 67.

[27] سورة النجم: الآية 3-4.

[28] انظر النهاية ونكتها: ج2 ص15.

[29] انظر الفقهكتاب الجهاد: ج48 ص168-169.

[30] الجواهر:ج21 ص382.

[31] مهذب الأحكام: ج15 ص226.

[32] انظر الفقه كتاب الجهاد: ج48 ص157-167.

[33] الوسائل: ج16 ص131 ح21162 باب 3 من أبواب الأمر والنهي.

[34] نهج البلاغة: ص541 قصار الحكم 373 ؛الوسائل؛ج16 ص133 ح21169باب 3 من أبواب الأمر والنهي

[35] روضة الواعظين: ص399.

[36] نهج البلاغة: ص542 الحكمة 375.

[37] انظر الكافي: ج1 ص55-60 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

[38] النهاية ونكتها:ج2 ص14-15.

[39] المختلف: ج4 ص471 مسألة 83.

[40] الدروس: ج2 ص47؛ مسالك الأفهام: ج3 ص100.

[41] شرائع الاسلام: ج1 ص267.

[42] ايضاح الفوائد: ج1 ص397 -398.

[43] انظر الروضة البهية: ج2 ص409-410.

[44] المختلف: ج4 ص471 مسألة 83.

[45] الكافي: ج5 ص56 ح1.

[46] انظر مهذب الاحكام: ج15 ص224.

[47] سورة الحجرات: الاية9.

[48] النهاية ونكتها: ج2 ص15 – 16.

[49] المصدر نفسه.

[50] انظر المختلف: ج4 ص475 - 476 مسألة 86.

[51] انظر المختلف: ج4 ص475 مسألة 86.

[52] شرائع الاسلام: القسم الاول ص268.

[53] المختلف: ج4 ص476 مسألة 86.

[54] ايضاح الفوائد: ج1 ص398 – 399.

[55] الدروس: ج2 ص47.

[56] مجمع الفائدة والبرهان: ج7 ص542.

[57] انظر الجواهر: ج21 ص373.

[58] مهذب الاحكام: ج15 ص225 ؛ وانظر مجمع الفائدة والبرهان: ج7 ص542 ؛ الجواهر: ج21 ص383 ؛ شرح تبصرة المتعلمين: ج4 ص459 – 460 ؛ الفقه كتاب الجهاد: ج48 ص200.

[59] الروضة البهية: ج2 ص416 – 417 ؛ مسالك الافهام: ج3 ص104 – 105.

[60] انظر الفقه كتاب الجهاد:ج48 ص201.

[61] البحار: ج2 ص84 ح10، وعن مولانا الجواد (عليه السلام): من عمل على غير علم ما افسد اكثر مما يصلح البحار: ج75 ص364 ح5.

[62] الوسائل: ج28 ص 49- 50 ح 34187 باب 28 من ابواب مقدمات الحدود واحكامها العامة.

[63] المختلف: ج4 ص478 مسالة 88.

[64] المصدر نفسه: ص478 - 479 مسالة 88.

[65] مسالك الافهام: ج3 ص 107 – 108.

[66] الجواهر: ج 21 ص 394.

[67] مهذب الاحكام: ج15 ص 227.

[68] الجواهر: ج21 ص 397.

[69] انظر مهذب الاحكام: ج15 ص227 هامش 26؛ السرائر: ج2 ص24؛شرائع الاسلام: القسم الاول ص269؛ المختلف: ج4 ص478 مسألة 88 ؛ الجواهر: ج21 ص394 ؛ شرح تبصرة المتعلمين: ج4 ص464.

[70] النهاية ونكتها: ج2 ص16.

[71] السرائر: ج2 ص24.

[72] شرائع الاسلام: القسم الاول ص268.

[73] انظر مجمع الفائدة والبرهان: ج7 ص546 – 547.

[74] في حاشية الروضة: هو الشيخ تقي الدين بن نجم الدين الحلبي، كان معاصرا للشيخ الطوسي، قرأ عليه وعلى السيد المرتضى رضوان الله عليهم اجمعين، وصفه الشهيد الثانيQ بقوله: الشيخ الفقيه السعيد خليفة المرتضى في البلاد الحلبية. انظر الروضة البهية: ج2 ص53 حاشية 5.

[75] الروضة البهية: ج2 ص53.

[76] التهذيب: ج4 ص90 باب 28 وجوب اخراج الزكاة الى الامام.

[77] شرائع الاسلام: القسم الاول ص129 – 130.

[78] انظر ايضاح الفوائد: ج1 ص206.

[79] الرياض: ج5 ص175 – 176 و ص221 – 222.

[80] المصدر نفسه: ص176.

[81] سورة التوبة: الاية 103.

[82] انظر الجواهر: ج15 ص421 – 422 بتصرف.

[83] العروة الوثقى: ج2 ص214.

[84] انظر العروة الوثقى: ج4 ص139.

[85] العروة الوثقى: ج2 ص214 هامش 2 و 3.

[86] الفقه كتاب الزكاة: ج31 ص308.

[87] العروة الوثقى: ج4 ص139.

[88]مهذب الاحكام: ج11 ص251.

[89] الوسائل: ج27 ص137 ح33416 باب 11 من ابواب صفات القاضي.

[90] الوسائل: ج27 ص140 ح33424 باب 11 من ابواب صفات القاضي.

[91] مهذب الاحكام: ج11 ص251.

[92] انظر الجواهر: ج15 ص419.

[93] التهذيب: ج4 ص88 ح260 ؛ الوسائل: ج9 ص360 ح12236 باب 15 من ابواب زكاة الفطرة.

[94] انظر الجواهر: ج15 ص422.

[95] الجواهر: ج15 ص422.

[96] مصباح الفقيه: ج13 ص530.

[97] انظر مجمع الفائدة والبرهان: ج4 ص158 – 159.

[98] انظر السرائر: ج1 ص458.

[99] مجمع البيان: ج5 ص42 ذيل الاية 58 – 59 من سورة التوبة.

[100] السرائر: ج1 ص457 – 458.

[101] الروضة البهية: ج2 ص49.

[102] مصباح الفقيه: ج13 ص574 ؛ وانظر مجمع الفائدة والبرهان: ج4 ص164.

[103] انظر مجمع البيان: ج5 ص40 ذيل الاية 58 – 59 من سورة التوبة.

[104] الكافي: ج3 ص536 وج1 ص540 ح8 ؛ وانظر الوسائل: ج9 ص312 ح12102 باب55 من ابواب المستحقين للزكاة.

[105] الجواهر: ج16 ص178.

[106] شرائع الاسلام: القسم الاول ص143.

[107] المختلف: ج3 ص217 – 225 مسالة 166.

[108] الرياض: ج5 ص277.

[109] انظر الجواهر: ج16 ص178 بتصرف.

[110] انظر مسالك الافهام: ج1 ص476.

[111] العروة الوثقى: ج2 ص267.

[112] مهذب الاحكام: ج11 ص473 بتصرف.

[113] شرح تبصرة المتعلمين: ج3 ص111.

[114] اي الخمس.

[115] مستمسك العروة الوثقى: ج9 ص584.

[116] الفردوس الاعلى: ص81.

[117] الرياض: ج5 ص277.

[118] الفقه كتاب الخمس: ج33 ص435.

[119] الفقه كتاب الخمس: ج33 ص 436 – 437.

[120] انظر الجواهر: ج16 ص156؛ مصباح الفقاهة: ج14 ص273.

[121] انظر السرائر: ج1 ص 498.

[122] المبسوط: ج1 ص 264 ؛السرائر: ج1 ص 498 ؛ شرائع الاسلام: القسم الاول ص 143 ؛ المختلف: ج3 ص 219 المسالة 166.

[123] المختلف: ج3 ص 217 المسالة 166.

[124] الجواهر: ج16 ص 165.

[125] المختلف: ج3 ص 217 – 220.

[126] شرائع الاسلام: القسم الاول ص 143.

[127] المختلف: ج3 ص224 المسالة 166.

[128] الروضة البهية: ج2 ص 79.

[129] الرياض: ج5 ص 269.

[130] النهاية ونكتها: ج1 ص453.

[131] انظر الجواهر: ج16 ص174.

[132] انظر السرائر: ج1 ص498.

[133] كتاب سليم بن قيس الهلالي: ج2 ص752.

[134] المصدر نفسه: ص752 – 753.

[135] المصدر نفسه: ص753.

[136] نهج البلاغة: ص367 الكتاب 6.

[137] الاماليللشيخ المفيد: ص173 ح2 ؛ الاماليللشيخ الطوسي: ص196.

[138] الاحتجاج: ج2 ص273 ؛ وانظر البحار: ج23 ص68 ح3.

[139] انظر كتاب سليم بن قيس الهلالي: ج2 ص752 – 753 ؛ البحار: ج23 ص66 – 75 باب ان الامامة لاتكون الا بالنص.

[140] انظر مجمع البحرين: ج3 ص354 شور؛ مفردات الفاظ القران الكريم: ص470 شور؛ لسان العرب: ج4 ص437 شور.

[141] الوسائل: ج27 ص136-137ح33416 باب 11 من أبواب صفات القاضي؛ الكافي: ج1 ص67 ح10.

[142] نهج البلاغة: ص401 الكتاب 31.

[143] الكافي: ج8 ص69 ح26.

[144] شرح المنظومة: ص18

[145] سورة الأنعام: الآية 57.

[146] سورة الانعام: الاية 62.

[147] سورة الشورى: الاية 9- 10.

[148]غافر: الآية 12.

[149] سورة الحشر: الآية 7.

[150] سورة النساء: الآية 65.

[151] سورة النساء: الآية 59.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 12/نيسان/2011 - 8/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م