ازمة الامن الغذائي وخطر المجاعات القادمة

باسم حسين الزيدي

شبكة النبأ: تشير احدث التقارير الصادرة من المنظمات العالمية التي تعنى بشؤون الغذاء وموارده كمنظمة الاغذية والزراعة التابعة للامم المتحدة، الى وجود مشاكل حقيقة في توفير الغذاء، فضلاً عن ارتفاع الاسعار للمواد الغذائية وبصورة قياسية.

لقد ادت العديد من العوامل الى بروز هذه الازمة التي تهدد الامن الغذائي وتنذر بكارثة بشرية اذا لم يتم تدارك الامر ومعالجة الازمة بشكل حقيقي، ولعل ابرز هذه العوامل يتجلى في التغيرات المناخية التي طرأت على الكرة الارضية وادت الى حدوث الزلازل والفيضانات والاحتباس الحراري الذي انعكس سلباً على كمية الانتاج وجودة.

اضافة الى ذلك فالعديد من الدول تستخدم المنتجات الزراعية لاستخراج الوقود منه، فالولايات المتحدة الامريكية وحدها تستخدم في العام الواحد ما يكفي كغذاء لقرابة نصف مليار انسان ولسنة كاملة، وكذالك المضاربة في الاسعار وقلة المعروض وزيادة الطلب والازمة الاقتصادية العالمية وغيرها من العوامل الاخرى ادت الى ارتفاع غير مسبوق في الاسعار ودقت ناقوس الخطر.

ارتفاع قياسي في الاسعار

فقد بلغت الاسعار العالمية للمواد الغذائية مستويات قياسية في الاونة الاخيرة بينما يمكن ان يؤدي ارتفاع اسعار النفط بسبب الازمة الليبية الى جعل الوضع اكثر صعوبة، وكشف مؤشر منظمة الاغذية والزراعة التابعة للامم المتحدة (فاو) في روما ان الاسعار العالمية للمواد الغذائية سجلت رقما قياسيا جديدا للشهر الثامن على التوالي، وقالت المنظمة في بيان لها ان الاسعار ارتفعت بنسبة 2،2 بالمئة على ما كانت في كانون الثاني/يناير وبلغت 236 نقطة في المؤشر الذي وضعته الفاو التي اوضحت انه "اعلى مستوى منذ ان بدأت قياس اسعار المواد الغذائية في 1990"، وصرح مدير ادارة التجارة والاسواق في الفاو ديفيد هالام ان "الارتفاع غير المتوقع في اسعار النفط يمكن ان يفاقم الوضع الهش اصلا في اسواق المواد الغذائية"، واضاف المسؤول نفسه ان "هذا يعزز القلق من آفاق اسعار المواد الغذائية بينما موسم البذار على وسك ان يبدأ في بعض المناطق الزراعية". بحسب فرانس برس.

وسجلت اسعار النفط في نيويورك ارتفاع كبيرا بينما تتواصل المواجهات بين المعارضة والسلطة في ليبي، وبحسب مؤشر الفاو فقد ارتفعت اسعار كل المنتجات "وخصوصا منتجات الالبان والحبوب"، باستثناء السكر، وارتفع مؤشر الفاو للحبوب الذي يشمل اسعار المواد الغذائية الاساسية الرئيسية وخصوصا القمح والارز والشعير، 3،7 بالمئة الى 254 نقطة وهو اعلى مستوى منذ تموز/يوليو 2008، ويثير ارتفاع اسعار المواد الغذائية الذي بدأ صيف 2010 مخاوف من "ثورات جوع" مثل تلك التي شهدتها دول افريقية عدة في 2008 وكذلك هايتي والفيليبين بعدما سجلت اسعار الحبوب مستويات تاريخية، وقالت الفاو انها تتوقع "حدوث فارق بين العرض والطلب العالمي للحبوب في 2010-2011".

وحذرت المنظمة الدولية من انه "في مواجهة زيادة الطلب وتراجع انتاج الحبوب العالمي في 2010، نتوقع انخفاضا كبيرا في مخزونات الحبوب العالمية بسبب تراجع كميات القمح والحبوب الثانوية"، وذكرت بان "الاسعار العالمية للحبوب شدت ارتفاعا كبيرا وزادت سبعين بالمئة على الاقل منذ شباط/فبراير 2010"، وتفيد التقديرات للفاو ان "انتاج الحبوب العالمي في 2010 اكبر بثمانية ملايين طن مما كان متوقعا في كانون الاول/ديسمبر الماضي لكنه اقل من انتاج 2009".وقالت المنظمة ان التقديرات المتعلقة "باستهلاك الحبوب في 2010-2011 رفعت 18 مليون طن منذ كانون الاول/ديسمبر"، خصوصا بسبب "الاستخدام المتزايد للشعير من اجل انتاج الايتانول في الولايات المتحدة".

تنافس السيارات مع البشر على الغذاء

من جهة اخرى تسجل أسعار القمح أرقاما قياسية في المملكة المتحدة منذ بداية العام الجديد، وتتفجر مظاهرات الجوع عبر الجزائر وغيره، كما تستورد روسيا الحبوب لاستخدامها علفا لقطعان الماشية لديها حتى يبدأ موسم الرعي، وتصارع الهند معدلات تضخم سنوية في أسعار الغذاء بعد أن بلغت هذه 18% لتطلق شرارة الاحتجاجات، بينما تتطلع الصين للخارج لشراء كميات هائلة من القمح والذرة، خلال ذلك تحجز الحكومة المكسيكية طلبات شراء مستقبلية من الذرة لتتجنب صعودا لا يمكن لجمه في أسعار خبز التورتيل، وكانت منظمة الغذاء التابعة للأمم المتحدة، الفاو قد أعلنت عن صعود مؤشر أسعار الغذاء في شهر ديسمبر لمستويات قياسية، وبينما كان الطقس سببا لصعود أسعار السلع المفاجئ في السنوات الماضية، يكمن السبب في توجهات طرفي معادلة الوفرة والطلب، في دفع الأسعار نحو الصعود، فمن جانب الطلب، يتهم النمو السكاني الكبير وزيادة الثروة واستخدام الحبوب لتوليد وقود حيوي للسيارات، بصعود الأسعار.

ومن جانب الوفرة هناك تآكل التربة واستنفاذ الأحواض المائية الباطنية وخسارة المحاصيل في استخدامات غير زراعية ونقل المياه إلى المدن، فضلا عن استنفاذ ذروة ناتج المحاصيل في الدول المتقدمة، كما أن التغير المناخي ساهم في توليد موجات حر قضت على المحاصيل وذوبان الجبال الثلجية، ويبدو أن التوجهات المرتبطة بالطقس ستجعل من أزمة الغذاء أشد استفحالا في المستقبل، على الأقل هناك بارقة من الأخبار الطيبة على جانب الطلب. فقد انخفض نمو سكان العالم لأقل من 1.2% في العام الفائت، بعدما صعد لمستوى 2% في عام 1970، ولا نزال نرى قدوم 80 مليون نسمة كل عام، اليوم مثلا،  سيزيد عدد الأفواه على المائدة حوالي 219000، وسترحب بالعديد منهم أطباق خاوية. وغدا سيضاف 219000 لعدد الأفواه أيضا.

وعلى هذا المنوال وبهذه الوتيرة للنمو الهائل لأعداد البشر، سيزداد الضغط على المزارعين وحدود الإنتاج الزراعي لكوكب الأرض والموارد المائية، وبعيدا عن نمو السكان، هناك حوالي 3 مليارات شخص يتربعون في أعلى سلسلة الطعام ليتناولوا كميات أكبر من الطعام المنتج من اللحوم من مواشي ودواجن التي تستهلك كميات كبيرة من الحبوب، ولم يسبق أن شهد العالم ارتفاعا مماثلا في استهلاك اللحوم والحليب والبيض في الدول  سريعة النمو، ويبلغ استهلاك اللحوم الإجمالي في الصين ضعف استهلاك الولايات المتحدة، أما ثالث مصدر رئيسي لنمو الطلب فهو استخدام المحاصيل لإنتاج وقود للسيارات، ففي الولايات المتحدة التي حصدت 416 ملايين طنا من الحبوب عام 2009، ذهب ربعها، أي حوالي 119 مليون طنا لمصافي الإيثانول لإنتاج وقود للسيارات، وتكفي تلك الكمية لإطعام 350 مليون شخص لسنة كاملة، يرسخ الاستثمار الهائل للولايات المتحدة في معامل تصفية الإيثانول لتنافس مباشر بين السيارات والناس على محاصيل الحبوب في العالم. 

وفي أوروبا حيث تعمل معظم أساطيل السيارات على وقود الديزل، هناك طلب متنامي لزيوت الديزل النباتية خاصة من زيت النخيل وزيت اللفت، ويستحوذ الطلب على محاصيل الزيوت تلك على الأراضي الزراعية المخصصة لمحاصيل الغذاء كما أن تدفع إلى إزالة الغابات المطيرة في أندونيسيا وماليزيا لصالح مزارع إنتاج زيوت النخيل، حيث يولد اجتماع تأثيرات هذه العوامل الثلاثة لنمو الطلب تأثيرا مذهلا، فهناك نموا مضاعفا لاستهلاك الحبوب عالميا من 21 مليون طن في السنة ما بين عامي 1999- 2005    إلى 41 مليون طن سنويا بين عامي 2005 و2010. وتعزى كل هذه القفزة الكبيرة لفورة الاستثمار في مصافي الإيثانول في الولايات المتحدة بين عامي 2006 و 2008، وبينما تضاعف نمو الطلب على الحبوب سنويا كانت تبرز قيود جديدة على جانب التزويد إلى جانب القيود القائمة مثل اشتداد تآكل التربة، تخسر ثلث مساحة الأراضي المزروعة في العالم تربتها السطحية بوتيرة أسرع من تشكل تربة جديدة بالعوامل الطبيعية، وبالتالي تتلاشى إنتاجيتها الأصلية، تتقلص الأراضي المروية في الشرق الأوسط وخاصة في السعودية وسوريا والعراق، واليمن. بحسب رويترز.

ففي السعودية التي كانت تعتمد كليا على المياه الباطنية التي نفذت حاليا لتنفيذ اعتماد ذاتي في إنتاج القمح، فإن تلك الزراعة تتلاشى بسرعة، وبين عامي 2007 و2010، انخفض انتاج السعودية بأكثر من الثلثين، ومن المرجح أن يتوقف كليا إنتاج القمح بحلول العام 2012 لتعتمد السعودية كليا على القمح المستورد، تعد الدول العربية في الشرق الأوسط أولى المناطق الجغرافية التي تتسبب فيها ندرة المياه بتخفيض للمحاصيل، ولكن مخاطر الضخ الجائر من المياه الجوفية بدأ يؤدي إلى أزمات في الهند  والصين، في الولايات المتحدة التي تعد من كبار منتجي القمح، تتقلص المساحات الزراعية الرئيسية في ولايات مثل كاليفورنيا وتكساس، توجه آخر يبطئ نمو محاصيل الحبوب وهو خسارة الأراضي الزراعية لأغرض التطوير والإنشاءات الصناعية وحتى شق الطرق والمواقف كما يحدث في كاليفورنيا وحوض نهر النيل في مصر، كما هو حال الدول ذات الكثافة السكانية العالية والتي بدأت بالتحول إلى الإنتاج الصناعي الذي يقضي على الأراضي الزراعية مثل الهند والصين.

ففي العام 2011 يتوقع أن ترتفع مبيعات السيارات في الصين إلى 20 مليون وهو رقم قياسي بالنسبة لأي بلد في العالم، وهناك قاعدة معروفة في الولايات المتحدة وهي أنه مع إضافة  كل 5 ملايين سيارة لأساطيل السيارات في البلد فستخسر الأراضي الزراعية حوالي مليون فدان لشق الطرقات لاحتواء السيارات الجديدة، ان المدن سريعة النمو تتنافس أيضا مع المزارعين على مياه الري مثل دول الشرق الأوسط فإن تحويل المياه إلى المدن يعني توفر كميات أقل من مياه الري لإنتاج الأرضي الزراعية وإنتاج الغذاء.

الى ذلك كشفت المؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق في السعودية، أن المملكة سترفع مخزون القمح ليغطي احتياجات سنة كاملة بدلاً من ستة أشهر، قال المدير العام للمؤسسة "وليد الخريجي "إن السعودية سترفع مخزون القمح بعد توصية من مجلس الشورى"، وواجهت المملكة صعوبات مثل سائر دول الخليج عندما قفزت أسعار الغذاء العالمية في عام 2008 وهو ما جعل تكلفة وارداتها ترتفع، ومنذ ذلك الحين سعت إلى استئجار وشراء أراض زراعية في بلدان نامية لتعزيز الأمن الغذائي، وقال "الخريجي" "إن مخزون القمح الحالي يبلغ 1.4 مليون طن، وسيضاف إليه 700 ألف طن بحلول أبريل/نيسان"، وأضاف "إن المملكة تعمل على زيادة الإنتاج المحلي للأعلاف".

جاءت هذه التصريحات بعدما قال مسؤولون في الغرفة التجارية "إن على السعودية أن ترفع مخزونها الاستراتيجي من مواد غذائية مثل القمح لتجنب أثر ارتفاع أسعار السلع الأساسية عالمياً"، وقالت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "الفاو" في وقت سابق من الشهر الجاري، إن أسعار الغذاء سجلت مستوى قياسياً مرتفعاً في الشهر الماضي يتجاوز مستويات 2008.

التغير المناخي والوقود العضوي

من جهة اخرى قالت الامم المتحدة ان التغيرات المناخية التي جاءت بالفيضانات والجفاف وزراعة الوقود العضوي والسياسات الوطنية لحماية الاسواق المحلية قد تدفع أسعار الغذاء للارتفاع وتهدد الامن الغذائي على المدى البعيد، وأصبح ارتفاع اسعار الغذاء وتقلباتها من أكبر المخاوف التي تحدق بالعالم خاصة فيما يتعلق باثارة الاحتجاجات التي أطاحت بالرئيسين التونسي والمصري، وشوهدت تأثيرات ذلك في شمال افريقيا والشرق الاوسط من الجزائر الى اليمن، وقالت منظمة الاغذية والزراعة التابعة للامم المتحدة (فاو) ان فترات تقلبات الاسعار ليست جديدة على القطاع الزراعي لكن صدمات الاسعار في الفترة الاخيرة الناتجة عن أحوال مناخية بالغة الحدة أو افراط في زراعة الحبوب التي تنتج الطاقة أثارت قلقا كبيرا.

وقالت المنظمة في تقريرها عن حالة الغذاء والزراعة "هناك مخاوف من تفاقم تقلبات الاسعار"، وأضافت أن التأثير المتزايد لاسواق السلع "وسياسة وقف تصدير المنتجات الزراعية التي تسبب تأثيرا عكسيا والتي تأتي استجابة (لارتفاع الاسعار) قد تفاقم من الاضطرابات في الاسواق العالمية وتهدد الامن الغذائي العالمي"، وحذرت المنظمة ومقرها روما بالفعل الدول المنتجة للغذاء من فرض قيود على التصدير لحماية اسواقها المحلية مع ارتفاع اسعار الغذاء بدرجة أكبر فوق مستوياتها التي أثارت احتجاجات دامية في عامي 2007-2008، وقال كوستاس ستاميوليس مدير التنمية الزراعية في الوحدة الاقتصادية للفاو ان تراجع معدل المخزونات الى الاستهلاك من الحبوب الرئيسية مثل القمح والذرة يثير القلق.

وأضاف "مع ارتفاع الاسعار تحاول الحكومات وغيرها للسحب من مخزوناتها للتخفيف من أثر نقص الامدادات، وهذا من العوامل التي تؤدي الى ارتفاع الاسعار وإذا حدثت صدمة سعرية اخرى في وقت قريب للغاية في الصين مثلا فان الصدمة ستقع في حين تكون المخزونات منخفضة"، وبلغت أسعار الغذاء ارتفاعات قياسية في فبراير شباط وقالت الفاو الاسبوع الماضي ان أي ارتفاعات أخرى في أسعار النفط وتكديس المخزونات من جانب المستوردين الحريصين على التحسب لاي اضطرابات ستضر باسواق الحبوب المضطربة بالفعل، ومن المتوقع ان ترتفع أسعار الغذاء على مدى السنوات العشر المقبلة وأن تظل عند مستويات فوق ما كانت عليه في العقد الماضي.

الى ذلك قال فيكتور زوبكوف نائب رئيس الوزراء الروسي ان روسيا قد تمد الحظر المفروض على صادراتها من الحبوب حتى نهاية العام في ظل المخاوف من ارتفاع أسعار الغذاء ونقص الحبوب التي تستخدم علفا للماشية، وقال زوبكوف للصحفيين "نعمل في ظل توقعات محتملة تتضمن ابقاء الحظر قائما حتى نهاية العام"، وأضاف "نري ما يحدث في أسواق الغذاء ولا نرى أي تحسن"، وفي محاولة لتفادي الاستيراد وتقييد تضخم أسعار الغذاء بعد موجة جفاف كارثية العام الماضي حظرت روسيا تصدير الحبوب حتى الاول من يوليو تموز وقال مسؤولون حكوميون انهم سيقررون ما اذا كانوا سيمدون الحظر عندما تتضح التوقعات بشأن المحصول الجديد.

وفي الوقت نفسه فان أسعار الغذاء تدفع أسعار المستهلكين نحو نمو سريع تباطأ في فبراير شباط الماضي فقط مع تدخل رئيس الوزراء فلاديمير بوتين في أسعار الوقود، وبوجه عام ارتفعت الاسعار بالفعل 3.2 في المئة حتى الان هذا العام. بحسب رويترز.

دول تعاني الازمات

الى ذلك فقد يحتاج شخص واحد من بين كل ثلاثة أشخاص في الصومال إلى مساعدات إنسانية مع تأثر معظم أنحاء البلاد بأزمة مياه حادة - مرتبطة بظاهرة النينيا ووسط استمرار النزاع المسلح، ونتيجة لذلك، ارتفعت أسعار الحبوب والمياه في العديد من المناطق.

وفي ذكر بعض الحقائق والأرقام المتعلقة بهذه الأزمة والتي تم استقاؤها من تقرير وحدة تحليل الأمن الغذائي والتغذية التابعة لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، حيث يبلغ عدد سكان الصومال 7.5 مليون نسمة، 2.4 مليون منهم بحاجة لمساعدات إنسانية، بزيادة قدرها 20 بالمائة مقارنة بعددهم قبل ستة أشهر، منهم 1.46 مليون نسمة من سكان المناطق الوسطى والجنوبية (حيث الحصول على المساعدات الإنسانية محدود) نزحوا بسبب النزاع، و940،000 من السكان يعيشون في حالة أزمة غذائية حادة ويعانون من ضيق سبل الرزق، و535،000 من السكان يعيشون في حالة طوارئ إنسانية (غير قادرين على الحصول على 2،100 سعر حراري يومياً، من بين معايير أخرى)، وحوالي 45،000 من الرعاة يعتبرون من المعدمين، بزيادة قدرها 7 بالمائة، و241،000 طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء تغذية حاد (بزيادة قدرها 7 بالمائة عن عددهم قبل ستة أشهر)، وفي الجنوب، يعادل ذلك 20 بالمائة من جميع الأطفال دون سن الخامسة، أما في جميع أنحاء الصومال فيبلغ معدل سوء التغذية الحاد 16 بالمائة، ان 57،000 من هؤلاء يعانون من سوء تغذية شديد– واحد من كل 23 طفلاً دون سن الخامسة في الجنوب، و4 بالمائة على الصعيد القومي، بزيادة قدرها 31 بالمائة مقارنة بعددهم قبل ستة أشهر، 75 بالمائة من الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد يعيشون في المناطق الجنوبية،20 بالمائة من ناتج محاصيل الحبوب الزراعية العادية يتم إنتاجها في المناطق الزراعية الرعوية والقريبة من النهر في جنوب الصومال مما أدى إلى ارتفاع عدد الأشخاص الذين يعيشون في أزمة في تلك المناطق بحوالي 70،000 شخص ليصل عددهم إلى 440،000 شخص. أما بالنسبة لإنتاج المحاصيل في موسم دير فكان الأقل منذ عام 1995. بحسب ايرين.

كما لوحظ انخفاض يتراوح ما بين 33 إلى 47 بالمائة في أسعار الماشية في جميع المناطق الجنوبية منذ ديسمبر 2010، ومنذ عام 2009، ارتفعت أسعار الحد الأدنى من المواد الغذائية وغير الغذائية للأسرة بنحو 32 بالمائة في الجنوب، وقد انخفضت تلك التكلفة بنسبة 12 بالمائة في المناطق الشمالية الغربية بفضل المحصول الوفير في عام 2010.

الى ذلك يعتزم العراق المستورد الرئيسي للقمح اطلاق برنامج للري بتكلفة 700 مليون دولار هذا العام في اطار خطة لزياة انتاج القمح بأكثر من 60 بالمئة الى ثلاثة ملايين طن سنوي، وكان السخط الشعبي من ارتفاع أسعار الغذاء عنصرا حاسما ضمن مجموعة المشكلات التي أدت الى الاطاحة برئيسي مصر وتونس ويزيد الان من وطأة الضغوط على العراق وبلدان عربية أخرى، ويستهلك العراقيون وعددهم نحو 30 مليون نسمة 4.5 مليون طن على الاقل من القمح سنويا ويذهب معظم ما يستورده العراق من القمح والارز الى برنامج ضخم لتقنين حصص الغذاء، وأنتج العراق 1.86 مليون طن من القمح العام الماضي.

وقال نائب وزير الزراعة غازي العبودي ان الخطة التي تنفذ على مدار ثماني سنوات تشمل اقامة شبكات للري لمليوني فدان واضافة 1.87 مليون فدان من الاراضي المزروعة بالقمح، وأضاف في مقابلة مع رويترز أن المشروع سيبدأ في الربع الاخير من العام الحالي وان من المتوقع أن يبلغ انتاج القمح ثلاثة ملايين طن بحلول 2019. وقال ان المشروع يستهدف المساعدة في خفض كمية المياه المستخدمة في الري، وقبل عقود كان العراق منتجا رئيسيا للحبوب لكن سنوات من الحرب والعقوبات والاهمال أضرت كثيرا بقطاع الزراعة، كما تأثر الانتاج بالنقص المزمن في المياه والجفاف الحاد في السنوات القليلة الماضية، وقال العبودي ان الوزراة خصصت 40 مليار دينار (34 مليون دولار) لشراء أجهزة ري بالرش للمشروع وانها وافقت مؤخرا على تنظيم مناقصة لشراء نحو 500 شبكة ري من شركات اوروبية وأمريكية. بحسب رويترز.

ويشكو العراق من ان السدود الكهرومائية والري في تركيا وايران وسوريا قلص تدفق المياه من نهري دجلة والفرات، ويعد الاستثمار في البنية التحتية المتهالكة مثل مضخات المياه أمرا حيويا لقطاعي الزراعة والنفط فضلا عن الجهود الاكبر لاعادة الاعمار بعد ثماني سنوات من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة، وقال العبودي انه لتشجيع الاستثمارات في الزراعة اقامت الحكومة صندوقا بقيمة 500 مليون دولار سنويا من ميزانية الحكومة المركزية لتقديم قروض ميسرة دون فائدة للمزارعين والمستثمرين، وأضاف أن صندوق المبادرة الزراعية يركز على كل المحاصيل لكن الاولوية للمحاصيل الاستراتيجية مثل القمح والارز، وقال العبودي انه جرى تخصيص 84 مليار دينار هذا العام لمنح قروض بدون فوائد الى أصحاب مزارع الدواجن والمستثمرين الذين يتطلعون الى تطوير قطاع الزراعة، والزراعة أكبر قطاع للتوظيف في العراق لكنها تخلفت كثيرا وراء قطاع النفط المهم من حيث الانتاج الاقتصادي ولا تشهد سوى قدر يسير من الاستثمارات.

من جهتها أظهرت بيانات عن تراجع التضخم في الامارات العربية المتحدة الى 1.6 بالمئة على أساس سنوي في يناير كانون الثاني وانخفاضا مفاجئا في تكاليف الغذاء مما ساعد على دفع أسعار المستهلكين للانخفاض للشهر الثاني على التوالي، واقترب نمو أسعار المستهلكين في ثالث أكبر بلد مصدر للنفط في العالم قريبا من واحد بالمئة معظم فترات 2010 مع تأثر اقبال البنوك على الاقراض جراء متاعب الشركات شبه الحكومية لدبي ومع استمرار ضعف القطاع العقاري الذي كان مزدهرا يوم، وبلغ معدل التضخم 1.7 بالمئة في ديسمبر كانون الاول و0.9 بالمئة لعام 2010 بأكمله وهو أدنى مستوى سنوي منذ اندلاع حرب الخليج في 1990.

وفي يناير تراجعت تكاليف المعيشة في البلد عضو منظمة أوبك 0.3 بالمئة على أساس شهري وهو نفس التراجع المسجل في الشهر السابق حسبما أظهرت بيانات من المركز الوطني للاحصاء، وقال جياس جوكنت كبير الاقتصاديين في بنك أبوظبي الوطني "انه (تراجع أسعار الغذاء) مفاجئ بعض الشيء، وأيضا لان شريحة تضخم أسعار الغذاء في أبوظبي قد ارتفعت، وساهم ارتفاع أسعار المواد الغذائية لمستويات قياسية في تفجر انتفاضات شعبية في كثير من أنحاء العالم العربي وهو أيضا أحد العوامل الرئيسية هذا العام وراء التضخم في الخليج أكبر منطقة مصدرة للنفط في العالم، وتراجعت أسعار الغذاء التي تشكل 14 بالمئة من سلة التضخم الاماراتية 0.8 بالمئة في يناير بعد انخفاضها 1.6 بالمئة الشهر السابق بفعل انخفاض موسمي في أسعار الخضروات والاسماك والفاكهة حسبما قال مركز الاحصاء. بحسب رويترز.

وتراجعت أسعار الاسكان - التي لها أكبر وزن عند 39 بالمئة من سلة الاسعار - 5 ر0 بالمئة في يناير مع طرح وحدات جديدة في السوق العقارية. وبحسب البيانات استقرت تكاليف النقل دون تغيير على أساس شهري، ويتوقع المحللون زيادة الضغوط التضخمية هذا العام في الامارات التي لم تشهد احتجاجات مناهضة للحكومة على غرار ما يحدث في ليبيا والبحرين لكن الارتفاع لن يكون الى مستويات تبعث على القلق، وقال سايمون وليامز كبير الاقتصاديين لدى بنك اتش.اس.بي.سي في دبي "يوجد تحسن اقتصادي ومع ارتفاع تكاليف الاستيراد أتوقع زيادة التضخم في وقت لاحق هذا العام، "لكن الزيادات ستكون هامشية، فالنشاط الاقتصادي مازال ضعيفا جدا وسوق العمل شديدة الرخاوة والسوق العقارية ضعيفة جدا بحيث لا تتحمل زيادة أكبر في الاسعار."

اما وزير الاقتصاد سلطان بن سعيد المنصوري فقال في وقت سابق ان تضخم أسعار الغذاء لا يبعث على القلق بالنسبة للبلد الذي يستورد معظم حاجاته الغذائية وان التضخم سيبقى في حدود اثنين بالمئة هذا العام، وتوقع محللون استطلعت رويترز اراءهم في ديسمبر كانون الاول تسارع التضخم في الامارات الى 2.8 بالمئة هذا العام.

بداية الازمة

في سياق متصل يعتبر معظم الخبراء ارتفاع الأسعار ذروة مؤقتة، ولكن هناك بعض النقاش حول ما إذا كان ارتفاع أسعار المواد الغذائية قد وصل إلى المستوى الذي يمكن اعتباره معياراً للأزمة، كالذي سجل في يونيو 2008. وفي هذا الإطار، قال عبد الرضا عباسيان، أمين الفريق الحكومي الدولي المعني بالحبوب في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) أن "هذا الارتفاع هو صدمة أسعار، نحن لسنا في أزمة عالمية، فالإمدادات العالمية لم تنفذ"، وأضاف أن البلدان تواجه أزمة محتملة اعتماداً على ما إذا كانت تحتفظ بإمدادات وفيرة أو إذا كانت تملك القدرة المالية لاستيراد الغذاء، وكان مؤشر أسعار المواد الغذائية لشهر ديسمبر 2010 الصادر عن منظمة الفاو يزيد بمقدار واحد بالمائة عما كان عليه في يونيو 2008، ولكن أسعار الحبوب الأساسية كانت أقل بنسبة 13 بالمائة عن الذروة التي بلغتها في يونيو 2008، ولاحظ البنك الدولي في تحليل أجراه أن أسعار المواد الغذائية في ديسمبر 2010 كانت لا تزال تقل بنسبة ثمانية بالمائة عن ذروة 2008.

من جهته، قال روجر ويت، المتحدث باسم المفوضية الأوروبية لشؤون الزراعة أن "بعض السلع شحيحة في الأسواق، ومتوسط الأسعار أعلى بكثير من المعدلات الأخيرة، ولكنه لا يزال أقل من الارتفاعات التي شهدناها في 2008،" مستشهداً بإحصاءات البنك الدولي لإثبات وجهة نظره، وأضاف أن أرقام مؤشر الفاو لأسعار الغذاء في ديسمبر 2010، والتي أظهرت ارتفاعاً طفيفاً في الأسعار عما كانت عليه في يونيو 2008، "تعطي متوسط الوزن استناداً إلى صادرات البلدان النامية، ونتيجة لذلك، يعطي المؤشر وزناً أكبر للسكر والدهون النباتية، على سبيل المثال، التي أصبحت أسعارها السوقية مرتفعة بشكل استثنائي". بحسب ايرين.

كما تواجه البلدان أزمة محتملة اعتماداً على ما إذا كانت تحتفظ بإمدادات وفيرة أو إذا كانت تملك القدرة المالية لاستيراد الغذاء، وقال ديريك هيدي، الذي شارك في تأليف كتاب مع شنغن فين حول أزمة أسعار الغذاء في 2007/2008، أن البيئة العالمية الحالية مشابهة جداً لتلك الفترة. "يمكنني القول بأننا الآن في أزمة. فمؤشر الفاو لأسعار المواد الغذائية قد وصل إلى نفس المستوى الذي كان عليه في يونيو 2008، في حين أن مؤشر الفاو لأسعار الحبوب وصل إلى 85 بالمائة من مستوى الذروة الذي بلغه عام 2008. فقد وصلت أسعار السكر إلى ارتفاعات قياسية، وهناك أيضاً بعض الاتجاهات المقلقة لتضخم أسعار المواد الغذائية في العديد من البلدان النامية".

وعلق هيدي، الباحث في المعهد الدولي لبحوث سياسات الغذاء، قائلاً أن الزيادة الحالية "تمثل فقاعة صغيرة، فاستجابة العرض في مجال الزراعة بطيئة لأنها موسمية، والأمر يحتاج إلى محصول جيد واحد فقط في إحدى الدول المنتجة الرئيسية، مثل الولايات المتحدة، لجعل الأسعار تنهار مرة أخرى"، وفي تقريرها الذي صدر مؤخراً حول رصد أسعار الغذاء العالمية، قالت منظمة الفاو أن أسعار القمح والذرة في النصف الأول من يناير 2011 ظلت على مستوياتها العالية التي بلغتها في ديسمبر 2010.

اسباب ارتفاع الأسعار

من جهتهم يتفق الخبراء على أن الطقس كان عاملاً مهماً في ارتفاع الاسعار، فأسعار الحبوب وخاصة القمح، بدأت في الارتفاع في النصف الثاني من عام 2010، عندما أدى الجفاف الشديد والحرائق إلى انخفاض الإنتاج في روسيا وأوكرانيا، من أكبر منتجي القمح في العالم، وقد تسببت تلك الأخبار في رفع أسعار القمح في بعض البلدان بنسبة 45 بالمائة، ووصلت إلى 80 بالمائة في بلدان أخرى خلال النصف الثاني من عام 2010. وتعرضت كندا، وهي منتج آخر رئيسي للقمح، لطقس سيئ للغاية، كما أضاف حظر التصدير الذي فرضته روسيا مزيداً من الزخم.

من جهته أشار هيدي إلى أن الأزمة المالية العالمية كانت سبباً آخر "دفع عدداً من الحكومات وخاصة الولايات المتحدة لضخ الأموال في اقتصاداتها وخفض أسعار الفائدة، وتوفر هذه العوامل، جنباً إلى جنب مع الضعف الشديد للدولار الأمريكي، بيئة تفضي إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، بما في ذلك ارتفاع أسعار النفط، الذي يؤثر أيضاً على عملية إنتاج الغذاء من خلال التأثير على تكاليف الإنتاج والنقل"، وأضاف هيدي وويت (من المفوضية الأوروبية) إلى القائمة استخدام المحاصيل الغذائية في إنتاج الوقود الحيوي. بحسب ايرين.

"وثمة عامل رئيسي آخر ألا وهو المضاربة، التي أبرزها تضاعف سعر القمح في العالم في غضون أسبوعين خلال شهر أغسطس الماضي [2010]، على خلفية توقعات ضعف المحصول في أوكرانيا وروسيا"، وهناك المزيد من الأنباء السيئة المتصلة بالطقس، إذ قال تقرير الفاو حول مراقبة الأسعار العالمية أن القمح ظل باهظ الثمن في يناير 2011، لأن استمرار هطول الأمطار والفيضانات يعرقلان صادرات أستراليا، وهي منتج رئيسي آخر، كما ساهمت ظروف الجفاف في بعض مناطق زراعة القمح بالولايات المتحدة أيضاً في ارتفاع الأسعار، وحافظ الطقس الجاف في الأرجنتين، وانخفاض الحجم المقدر من محصول الذرة في الولايات المتحدة، على ارتفاع أسعار المواد الغذائية الرئيسية، ولكن التقرير لاحظ  أن الحصاد الجيد من الأرز قد أدى إلى انخفاض طفيف في الأسعار، التي ارتفعت بشكل معتدل في الأشهر القليلة الماضية.

تأثير الأسعار على البلدان النامية

حيث اكد عباسيان أنه لحسن الحظ، شهدت معظم البلدان النامية مواسم حصاد جيدة ولم تتأثر بارتفاع الأسعار العالمية، مضيفاً أن "الناس ينظرون إلى الأثر في عدد قليل من البلدان، ويميلون إلى تجاهل 60 أو 70 دولة لم تتأثر، ثم يطلقون على الوضع وصف أزمة"، وعلى الرغم من أن ارتفاع الأسعار العالمية استغرق بعض الوقت للوصول إلى الأسواق المحلية، إلا أنه قد كان للظروف المحلية أكبر الأثر في تحديد تأثيره، وقال البنك الدولي في تحليله أن ارتفاع أسعار القمح قد انتقل بالفعل إلى بعض البلدان النامية، حيث "سجلت أسعار دقيق القمح نمواً كبيراً خلال الفترة من يوليو إلى أكتوبر [2010] في قيرغيزستان (35 ٪)، وموريتانيا (21 ٪)، وأفغانستان (18 ٪)، والسودان (17 ٪)، وأرمينيا (13 ٪)، وأذربيجان (12 ٪)، وباكستان (11 ٪)، وبوليفيا (11 ٪)".

وقال تقرير الفاو حول مراقبة الأسعار العالمية أن سعر القمح قد قفز بنسبة 20 بالمائة، وزاد سعر الخبز بأكثر من خمسة بالمائة في غضون شهر في ديسمبر 2010 في هيرات، ثالث أكبر مدينة في أفغانستان، ويمكن تفسير الارتفاع الحاد في أسعار دقيق القمح جزئياً بارتفاع تكاليف الوقود، وأشار تحليل البنك الدولي إلى أن أفغانستان تفتقر إلى القدرة على طحن القمح وتستورد الطحين من باكستان وكازاخستان المجاورتين، ولاحظ هيدي تفاوتاً كبيراً في مقدار استيراد البلدان النامية، وأن بعض الدول استفادت من ضعف الدولار، وقد أصدر البنك الدولي تحذيراً لحكومات مصر والأردن ولبنان، التي تعتمد اعتماداً كبيراً على واردات القمح، في الوقت الذي تتم فيه حماية المستهلكين عن طريق دعم الأسعار وتتحمل الحكومات العبء الأكبر من التكاليف المرتفعة. بحسب ايرين.

كما يستورد اليمن 82 بالمائة من احتياجاته ولذلك كان "معرضاً للخطر بشكل خاص"، فهذا البلد يضم "احتياطي من القمح يعادل أقل من شهر قياساً بمتوسط الاستهلاك الشهري لهذه السلعة ومحدودية الموارد المالية"، وفقاً للبنك الدولي الذي أضاف أن "زيادة أسعار القمح بنسبة 50 بالمائة ستترجم إلى زيادة في فاتورة الاستيراد بما يقرب من 1 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، أو أكثر من 20 بالمائة من احتياطي النقد الأجنبي"، ومن المتوقع أن تنتج المغرب وتونس كميات أقل من الحبوب وقد كانتا من الدول المعرضة للخطر أيض، ومن المتوقع أن يضاعف المغرب انفاقه على دعم المواد الغذائية والوقود بينما تشهد تونس اضطرابات في الوقت الراهن، فجرتها جزئياً الظروف المعيشية السيئة.

في المقابل، أدت مواسم حصاد الذرة الجيدة في بلدان مثل كينيا إلى خفض الأسعار، ولكن انخفاض إنتاج الأرز في فيتنام جعل هذا الغذاء الأساسي أكثر تكلفة، وعندما ترتفع الأسعار، تكون الضحية الأولى هي نوعية الغذاء الجيدة، ففي دراسة استقصائية شملت 20،000 أسرة في أفغانستان خلال أزمة أسعار الغذاء 2007/2008، وجد البنك الدولي أن معظم الأسر ضحت بالتنوع في نظامها الغذائي وانتقلت من الأطعمة الغنية بالمغذيات مثل اللحوم والفواكه والخضروات إلى المواد الأساسية مثل القمح لمواجهة زيادة التكاليف، وأثناء "مقايضة الجودة بالكمية"، حصلت الأسر الريفية الصغيرة على كميات أقل من السعرات الحرارية، في حين كانت الأسر في المناطق الحضرية قادرة على تحمل صدمة خفض السعرات الحرارية عن طريق خفض استهلاكها من الأطعمة الغنية بالمغذيات بشكل أكبر.

من جهته يقترح هيدي، الباحث في المعهد الدولي لبحوث سياسات الغذاء الإفراج عن مخزونات الحبوب وخفض التعريفات الجمركية على السلع الغذائية المستوردة، "وفي بعض الحالات، يمكن أن تستخدم البلدان سياسات أسعار الصرف للتخفيف من التأثير"، ولا يحبذ معظم الخبراء فرض حظر على الصادرات، لأن ذلك يؤدي في العادة إلى تفاقم الوضع، وقال عباسيان المسؤول بالفاو أن البلدان التي تحتاج إلى الاستيراد يمكن أن تتفاوض على شروط أفضل، ودعا جميع الخبراء إلى توسيع نطاق شبكات الأمان والإنتاج في البلدان القادرة على ذلك، كحلول طويلة الأجل.

هل سيستمر الارتفاع

حيث يبدو أن هذا هو الواقع، فقد درس هيدي وفين في كتابهما توقعات أسعار المواد الغذائية التي أعدتها وزارة الزراعة الأمريكية، وتلك التي أعدت بالاشتراك بين منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في الميدان الاقتصادي، والتي توقعت ارتفاع أسعار التوازن - نتاج عوامل العرض والطلب المعتادة مثل النمو السكاني والاقتصادي، واتجاهات أسعار النفط واستخدام الوقود الحيوي - على مدى السنوات العشر المقبلة، وأضاف هيدي أنه "بمجرد ارتفاع أسعار التوازن فعلياً، سيكون هناك احتمال أكبر لظهور عوامل قصيرة الأجل تحث على تقلبات هائلة على المدى القصير، لأن الأسواق تعاني من نقص بالفعل"، وهناك مثال جيد يوضح ذلك - وهو كيفية تسبب رذاذ ضئيل في فيضان في منطقة تشهد هطول أمطار غزيرة لفترة من الوقت لأن الأرض مشبعة بالفعل، وقال هيدي أن حالة مماثلة حدثت بعد أزمة أسعار المواد الغذائية عام 1974. "فقد كانت الأسعار أعلى طوال العقد التالي تقريباً، ولكن كان هناك أيضاً المزيد من التقلبات".

الى ذلك قال رئيس منظمة الامم المتحدة للاغذية والزراعة (الفاو) ان ارتفاع أسعار الغذاء العالمية يزيد مخاطر حدوث أزمة غذاء جديدة مثل التي عصفت بالدول النامية في 2007 و2008، وقال جاك ضيوف المدير العام للمنظمة خلال زيارة لدولة الامارات العربية المتحدة ان ارتفاع أسعار النفط والتراجع السريع لمخزونات الحبوب العالمية في الاونة الاخيرة يثير شبح العودة الى أزمة امدادات، وقال "الاسعار المرتفعة تبعث على القلق ونحن نسحب سريعا من المخزونات، حذرنا لسنوات من أن المطلوب هو زيادة الانتاجية والاستثمار في الزراعة، وفي فبراير شباط الماضي ارتفع مؤشر الامم المتحدة لاسعار الغذاء للشهر الثامن على التوالي الى أعلى مستوياته منذ عام 1990 عندما بدأ تسجيل المؤشر، وارتفعت أسعار جميع السلع الاولية باستثناء السكر الشهر الماضي.

وقال ضيوف ان المخزونات العالمية من الحبوب كانت حتى الاشهر الاخيرة عند مستويات أفضل بكثير مما كانت عليه عندما نشبت أزمة عامي 2007 و2008، وفي يوليو تموز الماضي كان مستوى المخزون صحيا عند 100 مليون طن أعلى منه خلال تلك الازمة ولكن النمو الاقتصادي السريع في الدول النامية وعودة النمو للاقتصاديات الصناعية الكبرى قاد تراجعه من جديد، واشترى عدد من الدول في شمال أفريقيا والشرق الاوسط كميات كبيرة من الحبوب لتفادي نوعية الاضطرابات التي أججها ارتفاع أسعار الغذاء والتي اطاحت برئيسي تونس ومصر، وتسعى كوريا الجنوبية لتكوين احتياطي استراتيجي من الحبوب وتخطط لشراء شحنات من الذرة والمواد الغذائية الاساسية الاخرى لتنضم لجهود مماثلة في دول اسيوية اخرى يقلقها ارتفاع أسعار الغذاء والاضطرابات الاجتماعية. بحسب رويترز.

وقال ضيوف ان الارتفاع الاخير في أسعار النفط الذي اقترب من 120 دولارا للبرميل في اواخر فبراير شباط يسهم في ارتفاع اسعار الغذاء مما قد يحد من قدرة الدول النامية على تغطية احتياجاتها من الواردات ويرفع تكلفة النقل والمدخلات الزراعية، وكانت المنظمة قد نصحت الدول المتقدمة باعادة النظر في استراتيجيات الوقود الحيوي التي تنطوي على دعم كبير منذ ان تم سحب 120 مليون طن من الحبوب من الاستهلاك البشري لتحويلها الى وقود، وقال ضيوف "نصحنا الدول الاعضاء باعادة النظر في هذه السياسات، الاعتماد على الطاقة المتجددة بصورة أكبر لا يعني انتاج المزيد من الوقود الحيوي."

وتابع أن الدول المتقدمة خصصت 13 مليار دولار سنويا لدعم وتشجيع انتاج الوقود الحيوي. وفي الولايات المتحدة هبطت مخزونات الذرة مقتربة من أدنى مستوياتها في 15 عاما مع استخدام مزيد من المحصول في انتاج الايثانول، وذكر ان تفادي تجدد ازمة الغذاء يتوقف على حجم المحصول في موسم الحصاد المقبل فضلا عن تاثير النمو الاقتصادي على الطلب ولكنه أضاف أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والنفط قد يكون له تأثير ضار على النمو، وتابع أن من السابق لاوانه تحديد ما اذا كان الزلزال وامواج المد الاخيرة في اليابان سيؤثر على الامداد والطلب العالمي على المنتجات الزراعية.

مساعدات مالية

على الرغم من أن قرار سوريا بدفع مبالغ نقدية لآلاف الأسر الفقيرة وخفض بعض الضرائب قد يساعد في الحد من انعدام الأمن الغذائي وارتفاع معدلات الفقر في البلاد، إلا أن الكثير من الأشخاص ما زالوا لا يملكون ما يكفيهم من طعام، ففي 13 فبراير، بدأ الصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية، وهو صندوق جديد تم إنشاؤه في يناير الماضي لمساعدة 420،000 أسرة فقيرة، بدفع المبالغ الأولى من المساعدات، وقد قامت الحكومة بعدها بيومين بتخفيض الرسوم الجمركية على عدد من المواد الغذائية شملت الأرز والشاي والحليب المجفف والقهوة والموز. كما قامت أيضاً بتخفيض رسم الانفاق الاستهلاكي على الزيت النباتي والسمن والبن غير المحمص والسكر.

وبعد وقت قصير من الإطاحة بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي في 14 يناير، أعلنت الحكومة أيضاً عن زيادة دعم وقود التدفئة بنسبة 72 بالمائة لموظفي القطاع العام، وقال أرنه أوسهاوج، خبير الأمن الغذائي والتغذية في جامعة أكيرسهيوس بالنرويج، أن "مناطق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كانت تقليدياً تتمتع بأمن غذائي نسبي، ولكن إنتاج العديد من البلدان انخفض الآن وأصبحت تعتمد على الواردات التي تخضع لتقلبات الأسعار"، وقد بدأ هذا في التأثير أيضاً على الناس الأكثر ثراءً، فقد وجد مؤشر الضعف الغذائي الذي يصدره بيت الاستثمار الياباني (نومورا) أنه يتم إنفاق 47.7 بالمائة من دخل الأسرة في المتوسط في سوريا على الغذاء.

وقال أوسهاوج "عندما ينفق الناس الكثير من دخلهم على الغذاء يمكن للاختلاف الطفيف في الأسعار أن يغير قدرتهم على تناول ما يكفي من الطعام لتجنب الجوع"، وتواجه سوريا تناقصاً في احتياطيات النفط ونمواً في عدد السكان وهو ما يحد من خياراته، كما ترتفع أسعار الغذاء في نفس الوقت الذي انخفض فيه عدد السلع المدعومة مثل الوقود، وقال أحد الرعاة على مشارف دمشق "من الصعب جداً الوفاء باحتياجاتنا، فبالكاد نستطيع تحمل تكلفة السلع الأساسية كالسكر والخبز والشاي"، وفي عام 2005 توصل تقرير صادر عن الأمم المتحدة إلى أن 30 بالمائة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر ومن بين هؤلاء 11.4 بالمائة دون مستوى الكفاف، وكانت موجة الجفاف مدمرة حيث وضعت أعباءً إضافية على كاهل الأسر السورية، وقد قام البعض بهجر قراهم في الشرق والشمال الشرقي

وقد تدهور الوضع منذ ذلك الحين، ويرجع ذلك جزئياً إلى سنوات عديدة من الجفاف، ففي تقرير صدر عن الأمم المتحدة، أشارت تقديرات أوليفر دي شاتر، مقرر لجنة الحق في الغذاء إلى أن عدد الناس الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي قد يصل إلى 3.7 مليون شخص، وأشار شاتر إلى أنه "منذ عام 2006، عانت البلاد من أربع موجات متتالية من الجفاف. وكانت موجة الجفاف خلال 2007-2008 مدمرة على وجه الخصوص حيث وضعت أعباءً إضافية على كاهل البلاد"، وعلى الرغم من أن هطول الأمطار في عام 2009 و2010 كان أكثر من السنوات الثلاث الماضية، إلا أن توزيعها كان متردياً. فبينما كان التأثير على المراعي إيجابياً، فشل إنتاج المحاصيل في المناطق التي تعتمد على مياه الأمطار في المناطق المناخية الزراعية الأكثر ضعفاً. بحسب ايرين.

وأضاف شاتر أن الجفاف في الإقليم الشمالي الشرقي أسفر عن خسائر كبيرة وخاصة في محافظات الحسكة ودير الزور والرقة، وفي يناير، تم تمديد خطة الاستجابة الطارئة للجفاف التي ينفذها برنامج الأغذية العالمي والحكومة حتى مايو بسبب استمرار مشكلة انعدام الأمن الغذائي، وقالت المتحدثة الرسمية باسم برنامج الأغذية العالمي في سوريا سيلي موزاميل أن "هناك حالة من انعدام الأمن الغذائي في المناطق المتضررة من الجفاف"، وأضافت قائلة "تظهر أحدث تقييماتنا أن 25 بالمائة من سكان الريف في خمس محافظات شملتها الدراسة يواجهون انعدام الأمن الغذائي"، وقد تفاقم الوضع بسبب مرض الصدأ الأصفر والأحوال الجوية المناوءة، وهو ما أدى إلى خفض المنتجات الزراعية، ودفع سوريا إلى التحول إلى الواردات. وطبقاً لأرقام وزارة الزراعة، فإن غلة القمح والشعير والقطن قد انخفضت العام الماضي بنسبة 17 و20 و28 بالمائة على التوالي.

وقال الخبراء أن الموقف قد يؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي المزمن ويمكن أن يؤثر على الاقتصاد أيض، وأضاف أوسهاوج أن "سوء التغذية وضعف التعلم هما فقط اثنان من العواقب المحتملة، فقد أظهرت الأبحاث أن انعدام الأمن الغذائي يرتبط بصورة مباشرة بانخفاض الناتج المحلي الإجمالي للبلاد"، وقد حذر صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي من أن دول الشرق الأوسط ستحتاج إلى التركيز على النمو الشامل والمساعدات التي تستهدف الفقراء، وقال مسعود أحمد مدير قسم الشرق الأوسط وأسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي أن السلطات في المنطقة أعلنت عن زيادة في الإنفاق بنسبة 3 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي منذ بدء الاضطرابات الأخيرة، ولكنه أكد على أهمية أن تكون تلك الجهود مستدامة، حيث قال أنه "يجب تحسين شبكات الأمان الموجودة حالياً وتحديثها من أجل معالجة القيود المالية دون الحاجة إلى خفض النفقات الهامة الأخرى".

 وقالت المنظمات الإنسانية أن هناك حاجة إلى المزيد من الأموال لمعالجة مسألة الأمن الغذائي في سوري، ولكن المناشدة الطارئة التي أطلقها برنامج الأغذية العالمي لم تتمكن من جمع الأموال المطلوبة وقد أدى العجز في التمويل العام الماضي إلى توزيع الغذاء على 215،000 شخص فقط من بين المستفيدين المستهدفين البالغ عددهم 300،000 شخص، كما تم تقديم المكملات الغذائية لحوالي 2،000 طفل لمنع توقف نموهم، ويقول الخبراء أنه قد يكون من الضروري أيضاً استهداف التدخلات بطريقة أفضل، حيث قال أوسهاوج "نحن بحاجة إلى إعادة التفكير في دعم التنمية بصورة عامة، كما أن هناك حاجة إلى التركيز بشكل أكبر على احتياجات الناس بدلاً من التركيز على ما يرغب السياسيون القيام به"، والبطالة أيضاً هي من القضايا التي تحتاج سوريا إلى معالجته، ففي حين تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن نسبة البطالة تبلغ 11 إلى 12 بالمائة، يقول المحللون الاقتصاديون المستقلون أن نسبة البطالة تبلغ 20 بالمائة، كما يعتقد أن عدد الوظائف الشاغرة الجديدة لا يواكب الطلب المتزايد على الوظائف.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 7/نيسان/2011 - 3/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م