الصداقات الهشة والتحالفات المزيفة

د. خليل الفائزي

منذ عدة أعوام ودعاة إرساء المجتمعات المدنية في الدول العربية والإسلامية يؤكدون من ان جميع تحالفات الدول الغربية وغير الغربية مع دول المنطقة وكذلك صداقات دول المنطقة مع بعضها البعض بشكل جماعي او ثنائي او ثلاثي او سداسي هي صداقات هشة وتحالفات جوفاء وليس هناك ـ مع الأسف الشديد ـ اي صداقة واقعية بين دولة وأخرى والتحالفات القائمة الآن وسابقا جلاتينية غير متماسكة وان الصداقات والتحالفات الواقعية والأساسية والمستدامة قائمة فقط بين الشعوب والجماهير بالرغم من ان بعض الجماعات والفئات والأحزاب تحاول الإساءة لمثل هذه التحالفات والصداقات من خلال إثارة الخلافات السياسية والطائفية او القومية التي من الضروري التغطية وعدم الإصرار عليها حفاظاً على وحدة الجماهير وتحالف الشعوب لمواجهة الأنظمة المستبدة والقوى الطامعة ودول الاحتلال.

وعلى مدى عقود مضت خدعنا الإعلام الرسمي الموجه لبعض الأنظمة وبعض المهرجين الإعلاميين من انه يمكن إيجاد تحالفات بين دول المنطقة من خلال تأسيس ما تسمى الجامعة العربية التي خدمت وتخدم من المؤسف الأنظمة والحكومات ولا تعير أهمية بتاتاً لرأي الشعوب ولا تقف الى جانب الجماهير في محنتها وأزمتها بل وقفت وتقف دوما ضد إرادتها وخير دليل على ذلك ان هذه المنظمة وقفت الى جانب كافة الرؤساء والزعماء الذين سحقوا بأحذية الشعوب واضطروا الى التنحي او الهروب من بلدانهم خشية من انتفاضات الشعوب، ولم تصدر الجامعة العربية حتى الان اي بيان ولو شكلي حتى الآن لصالح اي انتفاضة شعبية اندلعت واستمرت في بلدان المنطقة.

 وأسست أنظمة المنطقة طيلة الأعوام الماضية الكثير من التحالفات والمجالس والاتحادات للحفاظ على مصالح قادتها والوقوف ضد إرادة الجماهير، وأبرمت هذه الأنظمة العشرات من الاتفاقيات العسكرية مع الأجانب الطامعين لإرعاب الشعوب وشراء وتخزين الأسلحة التي كتب عليها هذه العبارة بخط عريض" الأسلحة هذه مخصصة لقمع الشعوب فقط وليس من حق الأنظمة الاستفادة منها ضد إسرائيل او الدفاع عن عزة البلدان والأوطان".

وفي هذه الفترة خدعنا ايضاً السياسيون والإعلاميون خاصة عملاء السفارات والشحاذون من الدبلوماسيين بشتى أسمائهم وأشكالهم والذين يبيعون شرفهم الذاتي وعزة بلادهم مقابل عشاء فاخر يقام بمناسبة عيد وطني لاي نظام في المنطقة او دولة أجنبية، خدعونا هؤلاء من خلال الزعم عبر تصريحاتهم ومقالاتهم من انه يمكن التحالف بين أنظمة المنطقة اووجود تحالف مثلاً بين آل سعود ونظام بن صالح، وبين مجلس التعاون مع نظام مبارك (مصر) او نظام الأسد (سوريا)، وبين دول شمال أفريقيا (ليبيا) القذافي والجزائر والمغرب وتونس (بن علي)، اوبين إيران مع نظام آل سعود او مع نظام بن خليفة حاكم البحرين وقد وصف المهرجون الإعلاميون في بعض الاحيان مثل هذه التحالفات (بين الأنظمة بالطبع) من انه أشبه بجناحي طائر العنقاء جناحه الأيمن إيران وجناحه الأيسر نظام آل سعود او آل خليفة اوال نهيان ويزعم هؤلاء المهرجون في سيرك الإعلام والصحافة بوجود تحالف مزعوم بين قطر وإيران او سوريا وإيران وحتى الزعم من ان تركيا العسكرية والعلمانية تمثل السند القوي والمتين للدول العربية في حين ان الجميع يدرك زيف مثل هذه المزاعم لان قطر مثلا تنهب غاز ايران ورأينا كيف تبددت الصدقات المزعومة بين إيران ودول مجلس التعاون في ليلة واحدة اثر الاتهامات الأخيرة المتبادلة بين الطرفين وان تركيا الحليف المزعوم لدول المنطقة تبيع أمها وأباها من اجل المال والمصالح المادية وانها كالمنشار تنهب مصالح كافة الدول والشعوب على الطالع والنازل ولها علاقات وتعاون مع إسرائيل أوثق من تحالف وتعاون قطر او أمريكا مع الكيان الصهيوني.

وخدعونا ايضاً طيلة الفترة الماضية من ان المجمع الديني العالمي للوحدة الفلانية او الشيخ المناضل العلاني يقفان على مسافة واحدة من جميع الشعوب والطوائف وانهما لا يفرقان بين اتباع هذا المذهب وذاك لانهما يمثل رمز الوحدة المذهبية والتعاضد الديني بين مؤسسات الأنظمة على اختلاف مناهجها وأفكارها!، لكن رأينا هذا الشيخ العلاني ومن على شاكلته كيف دافعوا عن انتفاضات الشعوب في مصر وتونس وسوريا وليبيا من اجل مصالح أسيادهم الفئوية والطائفية الضيقة، وأدانوا علانية انتفاضة الجماهير في كافة مجلس التعاون وأعطوا الحق لآل سعود خليفة ولآل نهيان وال ثاني باجتياح دولة عربية وقتل الأبرياء والعزل والمسالمين في البحرين لان الشيوخ أصحاب الطاقيات المصرية والكوفيات الحمراء او ناصعة البياض من ماركات بريطانية يحصلون على ملايين الدولارات من أسيادهم من أعضاء أسر ال سعود وآل ثاني حلفاء أمريكا وإسرائيل للدفاع فقط وفقط عن مصالح الحكام وما أسمتهم بريطانيا العظمى سابقا بالملوك والأمراء.

نتساءل: اي مذهب او فكر او نهج يزعم اتباعه انهم الأكثر التزاماً وايماناً وأسوة بالسلف الصالح، يدافعون فيه عن الحكام المستبدين ويبررون قتل الناس العاديين ويرجحون رخاء الدنيا وأموال الحكام الفانيين على حقوق الجماهير وجنة الخلد وعاقبة الأخيار والصالحين؟. واي مذهب او فكر او نهج هذا يبرر قتل الأبرياء والعزل والمعترضين سلميا في دولة عربية ومسلمة ويعطي الحق للمرتزقة والأجلاف بسفك ونزف دماء النساء والشيوخ والشباب والأطفال في بلد صغير مثل البحرين التي احتلت مؤخرا من جانب ال سعود وال نهيان وال ثاني في حين ان إعلام هذه الأطراف تدعي دفاعها المضني والواجب عن انتفاضات المنطقة وثورة الشعوب وحقوق العرب والمسلمين؟.

ليعلم أمثال هؤلاء من أصحاب الأفكار والمواقف والمناهج الانحرافية والضالة او ذات النظرة الضيقة ان النصر هو دوماً ومؤكداً للجماهير والحق الى جانب الشعوب كافة ان كانوا في المنطقة او آسيا او أفريقيا او أمريكا اوفي اي مكان آخر ولا فرق بين انتفاضة المواطنين في سوريا او الأردن او ليبيا او البحرين او اليمن او مصر اواي بقعة أخرى، وعلى الأحرار والأخيار دعم كافة الانتفاضات والحركات الجماهيرية دون تمييز سياسي او ترجيح فئوي ولا يحق لأي شخص ان يزعم انه يمثل فكر او نهج او طائفة ان يمارس سياسة انتقاء دعم الانتفاضات او التمييز بينها او الانحياز لنظام مستبد والوقوف ضد إرادة شعب جريح وضعيف من اجل المصالح الفئوية والمادية، ومثل هؤلاء الأشخاص الذين يزعمون انهم يمثلون فئة دينية او طائفة خاصة هم في الواقع عبدة عطاء الأنظمة والحكام، والمهرولون وراء الدرهم والدينار وسيحرقون قطعاً بنار غضب الشعوب قبل نار جهنم وبئس المصير وان إسقاط هؤلاء المنافقين هو حق أولى حتى من إسقاط الحكام الطغاة.

نحن دعاة إرساء المجتمعات المدنية في الوقت الذي نعارض فيه سياسة الأنظمة التوريثية ولا نقبل باي شكل من الأشكال وجود اي نظام اوحاكم عسكري في اي دولة اوفي الحكومة، نعارض ايضاً إخضاع المراكز الدينية والمراجع المذهبية ومسئولي مدارس الفقه الى قرار وسلطة الحكام والأنظمة، ونعتقد انه يجب ان تكون هذه المراكز والمراجع والمدارس مستقلة بالكامل وتعتمد على ذاتها في المسائل الدينية والدنيوية والمادية، ونستغرب إخضاع مثل هذه المراكز والمراجع والمدارس والمساجد الى سلطة الحكام وإرادة المسئولين السياسيين في العديد من دول المنطقة وحتى ان نظاماً مستبداً مثل نظام بن علي (تونس) كان لا يسمح لدخول عباد الله الى المساجد الا بواسطة نظام البطاقات الذكية والمراقبة إلكترونيا!، وكذلك فعل نظام مبارك بشكل أشبه لذلك حيث انحسر دخول المساجد على المسننين والطاعنين في العمر دون اعتراض واقعي من جانب الشيخ العلاني والمجمع الطائفي العالمي ومن على شاكلتهم الذين أصبح طول ألسنتهم بالأمتار عشية سقوط مثل الأنظمة المستبد وتحلوا بالشجاعة بعد انتفاضات الشعوب وركبوا الموجة على ظهور المواطنين لتحقيق مآربهم الشخصية او بالأحرى مخططات أسيادهم من الحكام الذين اشتروا مواقفهم وألسنتهم بالبترودولارات.

 دعاة إرساء المجتمعات المدنية قطعاً لا يعرفون لغة النفاق والتملق والرياء ويقولون للأسود اسود وللأبيض ابيض دون تردد ولا خوف وانهم يرون هذه الحقيقة أوضح من الشمس وهي ان جميع أنظمة الجمهوريات المزيفة التي بنيت على أساس الانقلابات العسكرية غير القانونية واستمرت بتزوير جميع الانتخابات وتطبيق النظام الوراثي غير الدستوري وتأسيس قوات عسكرية وأمنية هائلة لقمع الجماهير سوف تسقط الواحدة تلو الأخرى كما تسقط التفاحات الفاسدة من شجرة الأوطان الطاهرة والنقية من اي خبث وفساد، وكذلك سوف تسقط الأنظمة التوريثية والملوك والأمراء الذين سمى الاستعمار البريطاني أسلافهم بالملوك والأمراء وولاهم قسرا وبهتانا على دول المنطقة لضمان نهب النفط والغاز وخيرات الشعوب العربية والإسلامية، ونؤكد بشكل قطعي ان سراب وحلم اعتماد هذه الأنظمة المستبدة على القوى الأجنبية التي لها قواعد وقوات تحتل غالبية دول المنطقة سوف يتبدد قريباً لان الأجانب وكعادتهم المعروفة يتخلون سريعاً عن اعز حلفائهم في الأوقات العصيبة ويرمونهم في المزبلة كما يرمى المنديل.

 وخير دليل على ذلك ان أمريكا وإسرائيل تخلتا بكل سهولة عن عميلهما في مصر (مبارك) وان الدول الأجنبية بالأساس تدافع فقط عن مصالحها المادية وتنظر الى ملك آل سعود على انه برميل نفط وترى شيخ قطر انه دبة (أنبوبة) غاز!.

 ولإثبات زيف التحالفات الإقليمية المزعومة نشير هنا الى بعض منها:

 - بالرغم من ان جميع الدول النفطية العربية محتلة بشكل شبه رسمي من جانب أمريكا وبريطانيا الا ان هناك خلافات تندلع بين فينة وأخرى بين هذه الدول، فقد هددت قطر باحتلال البحرين اثر نزاعهما على جزيرة مساحتها عدة أمتار مربعة ولولا تدخل المحكمة الدولية لكانت الحرب هي الحد الفاصل بينهما. وهناك خلافات شديدة على عائدات وحقول النفط والغاز بين قطر وإيران ونظام ال سعود الذي له خلافات حدودية حادة مع اليمن وطالما هدد هذا النظام باحتلال شمال اليمن وهناك خلافات ايضاً بين سلطنة عمان والإمارات واعتقلت السلطنة مؤخرا خلية إماراتية كانت تخطط لقلب نظام الحكم في عمان. وهناك ايضاً خلافات بين إيران والإمارات بشأن الجزر الثلاث بالرغم من هالة حجم التجارة الواسعة بينهما وعندما اندلعت خلافات بين آل سعود وآل نهيان هدد آل سعود بالتحالف مع إيران لإزالة حكم نظام آل نهيان من الوجود نهائيا. فعن اي صداقات حميمة وتحالفات شقيقة كان إعلام المنطقة الرسمي والمهرجون الصحفيون يتحدثون عنها بين دول وأنظمة المنطقة ؟!.

- كانت أنظمة المنطقة تعتمد على قدرة وسلطة نظام مبارك بشكل كبير وتقدم له سنوياً مليارات دولار مساعدات ومنح مختلفة لابقاء التحاف قائما بين هذه الأطراف والدفاع عن السلام المزعوم مع إسرائيل والدول العربية ويتم دفع إتاوات باهظة الثمن لأمريكا لضمان بقاء سلطة الحكام المستبدين الا ان هذه الأنظمة ومن خلال إعلامها الموجه والخبيث أحيانا ساهمت بإسقاط نظام مبارك وهذا الإعلام لا زال يهدد العديد من أنظمة المنطقة بالسقوط من اجل توسيع نفوذ آل سعود وآل ثاني في كافة الدول، لذلك نرى ان هناك تنافساً محموماً بين "الجزيرة والعربية" وفي بعض الأحيان وصل هذا التنافس الى حد الصراع وتكسير العظام وتبادل الاتهامات للأجانب والعمالة لإسرائيل في حين ان هذين النظامين هما على مستوى واحد من العمالة لأمريكا ولإسرائيل.

- في اطار ما يسمى التحالف الثوري بين الحكومة الإيرانية ونظام القذافي استثمر هذا النظام عشرات مليار دولار في مشاريع داخل إيران فيما كان لإيران شركات كبرى تعمل في مجال التنقيب عن النفط وإنتاجه ولم يعلم أحد عن هذا التعاون غير المعلن عنه الا بعد الأحداث الأخيرة وإجلاء إيران مئات خبرائها في مجال النفط بواسطة سفن خاصة، وعندما اقتربت انتفاضة الشعب الليبي من الانتصار بادرت الحكومة الإيرانية بسحب خبراءها من ليبيا وتذكرت بعد مرور اكثر من 33 عاماً من ان لإيران شخص محترم وعالم ديني قدير اسمه الإمام موسى الصدر اختطفه نظام القذافي الإرهابي وسجنه ظالما ولا يعرف مصيره بالتحديد منذ عام 1978.

- عندما كان ملك آل سعود او أمير قطر يزوران دمشق كان كل منهما يعانق الرئيس الأسد وكأنهما زوجان عاشقان في شهر العسل وكانا دوماً يقضيان زيارة التحالف في ربوع لبنان وكأنهما أولياء على لبنان وأوصياء على أبناء شعبه وأحزابه، ولكن مع اندلاع أول شرارة للانتفاضة في مدينة درعا السورية انقلب آل سعود وآل ثاني على نظام الأسد واتهماه فورا بالطائفية والعداء لفئة مذهبية خاصة. ومثل هذه المواقف اتخذت مع الأردن واليمن وأنظمة أخرى. ونحمد الله ان خلافات الأنظمة وانشغالها بالانتفاضات والاعتراضات الداخلية انطبق عليها الدعاء المستجاب (اللهم اشغل الظالمين بالظالمين) واجبرها تقليص دعمها للإرهاب المنظم وتم تسجيل انحسار إرسال الإرهابيين الوهابيين والتكفيريين من شبه الجزيرة ومصر وليبيا والجزائر والسودان والأردن خلال الأسابيع الماضية الى العراق حيث كان جميع هؤلاء يشاركون في مؤامرة قتل الشعب العراقي الأعزل ويبررون بأفعالهم الهمجية والمعادية للإنسانية بقاء قوات الاحتلال في هذا البلد من خلال زعزعة الأمن في العراق.

- وفي عدوان إسرائيل الأخير على غزة لاحظنا تحالف معظم أنظمة المنطقة مع إسرائيل وانبطحت علانية لمخططات أمريكا التوسعية، وكذلك فعلت هذه الأنظمة مع العراق وتكالبت عليه كما تتكالب الذئاب الجائعة على فريسة ضعيفة، وخلاف ذلك فقد بقت الشعوب متكاتفة في السراء والضراء ومتحالفة ضد إسرائيل وتقف بوجه أمريكا الطامعة وتعارض نهب الأجانب لخيرات البلدان وترسل دماءها وقوتها وكل ما تملك الى شعوب منكوبة تتعرض للحروب والكوارث، وعليه هل نعتمد من الان وصاعداً على تحالفات هشة وجوفاء للأنظمة الحاكمة ام نثق فقط بصداقات الشعوب وتحالفات الجماهير التي ترقي بعزتها وتغطي بأخلاقها وتتجاوز بتضحياتها على الخلافات الفئوية والمناهج القومية والمواقف السياسية الضيقة للأنظمة الحاكمة؟.

* صحفي وإعلامي- السويد

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 6/نيسان/2011 - 2/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م