الشِيّعَةُ فِي قَفَصِ الاتِّهَام

تركة التاريخ السلطوي

محمدّ جواد سنبه

توطئة لابدّ منها: يجب ان نضع نصب اعيننا اننا طلاب حقيقة، وهذه الغاية تجعلنا اسمى من أنْ نكون طائفيين، فهناك فرق واضح بين من يتخذ من التعصب الطائفي وسيلة لحفظ مصالحة الخاصة، وبين من يريد ان يحلل الأمور على ضوء معطيات الواقع ليشير الى مواقع الخلل والضعف، ليسهم في تصحيح الخلل او يشير اليه وذلك اضعف الايمان.

الشيّعة قسم من الأمّة الاسلاميّة، والأمّة الاسلاميّة تتكون من مذاهب فقهيّة متعددة، وشعوب من قوميات شتى ينتمون لأوطان مختلفة، والشيّعة جزء من هذا التنوّع. لقد تعرض الشيّعة، للكثير من الاضطهاد من قبل الحكام، الذين استشعروا الخطر على ملكهم إذا ما تمكّن الشيّعة من بسط افكارهم، في المجتمع الاسلامي عموماً والعربي خصوصاً. وظل الشيّعة على طول الخط يشكلّون حربة المعارضة والمقاومة المسلحة ضد الانظمة الطاغوتية، فدفع الشيّعة جرّاء ذلك ضرائب كثيرة، ادمت صفحات التاريخ ونزلت بهم نوازل عظيمة، ابتداءً من الدّولة الأمويّة والعباسيّة والمغوليّة والسلجوقيّة والمملوكيّة والعثمانيّة. وظلت تلاحقهم المأساة حتى في عصر التقدم والعولمة في وقتنا الحاضر.

وجرّاء معارضتهم لأنظمة الحكم الجائرة، التي تعاقبت على حكم المسلمين، بقى الشيعة رافعين لواء المقاومة ضدّها، والتاريخ سجل مئات الثورات الشيعيّة، بعد ثورة الامام الحسين عليه السلام. ولأجل مكافحة هذه الثورات الشيعيّة واسقاطها في نظر عامة المسلمين، لجأ حكام السلطة بتسخير اجهزتهم الدعائيّة والاعلاميّة، ورجال الدّين المنتمين لبلاط الحاكم المستبدّ، اللذين لعبوا دوراً مهماً في توظيف تفسير النصّ الديني، ليعطي لسلطة الحاكم الظالم الشرعيّة لحكم الأمّة، واعتبار الحاكم ولي الأمر الواجب طاعته، حتى لو كان فاسقاً. فشنّت حملات أُتّهِم فيها الشيّعة بدينهم وعقيدتهم وولائهم وانتمائهم وهويتهم ووطنيهم. وفي كل مرحلة تاريخيّة تَخترع لهم السلطة المعادية تهمة معيّنة، تتماشى مع متطلبات الظرف التاريخي لتلك المرحلة.

فمرّة هم رافضة، وأخرى هم من اتباع عقيدة اليهودي اليمني عبد الله بن سبأ. وأخرى هم باطنيّة العقيدة، خرّب عقيدتهم الشيخان المفيد والطوسي، بادخال عقائد المجوسيّة الفارسيّة في معتقداتهم. وأخرى هم خونة اتباع ابن العلقمي، الذي بسبب خيانته سقطت بغداد وانهارت الدولة العباسية عام 1258م. وأخرى هم كفرة قبوريون يعبدون الاشخاص والقبور والاحجار. وليس بعيداً من الآن كان صدام حسين يتهم من يعارضه من الشيّعة العرب العراقيين بأنّه مرتبط بإيران. حتى اصبح ارتباط الشيّعة العرب بإيران من المسلمات. وفي هذا الصدد كانت اجابة حسني مبارك في 8 نيسان2006 على السؤال: مدى التأثير الايراني في الوضع العراقي؟. فاجاب حسني: (بالقطع ايران لها ضلع في الشيعة (..) الشيعة 65 بالمئة من العراقيين وهناك شيّعة في كل هذه الدول وبنسب كبيرة والشيعة دائما ولاؤهم لايران. اغلبهم ولاؤهم لايران وليس لدولهم)(شبكة النبأ المعلوماتية 14 نيسان 2006).

ان هذا الصراع سيبقى بين الحكام المستبدين والشيّعة الى ماشاء الله. وبما أنّ السلطويين مستعدون دوماً لتطبيق مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، لذا سيبقى الصراع مستعراً بين الطرفين. وسيكون الموقف اكثر تعقيداً اذا عرفنا أنّ النظم العربيّة، تقف وراءها قوى عالميّة مختلفة، تديرها حسب مصالحها الاستراتيجيّة. بمعنى أنّ الامبرياليّة العالمية اصبحت مؤسسة تدير انظمة الحكم العربيّة، حسب مقتضيات مصالحها الاستعماريّة، واصبح الحاكم العربي يقدّم مصالح الدول الصانعة لعرشه، على مصالح شعبه المقهور بقوة الحديد والنار، حفاظاً على ديمومة ملكه. هذا الوضع استمر لعقود طويلة في الوطن العربي، وكلما مالت كفّة الحاكم استنصر الحاكم برجال الدين التابعين لبلاطه، لترجيح كفته على الثائرين ضدّ سلطته (وهم الشيّعة في اغلب الاحيان إنّ لم يكن في جميعها)، او الاستنصار بالقوى الاستعمارية عليهم. وعندما بدأت شرارة الشعوب الثائرة تحرق عروش الطواغيت العرب، الواحد تلو الآخر، تنصّل الأسياد عن دعم الحكّام العرب المأجورين، بحجة احترام ارادة تلك الشعوب. كما أنّ سرعة الأحداث شلّت حركة الأسياد وجعلتهم تحت تأثير صدمة الحدث.

كانت احداث البحرين في 16 شباط 2011، احدى حلقات مسلسل الخروج على السلطات. فأصبح دوار اللؤلؤة ساحة تحرير انطلقت منها الجماهير المنادية بالتغيير، والجميع يعلم ان المطالب كانت مشروعة. لكن سرعان ما استنصر نظام الحكم في البحرين بالورقة الطائفيّة، واطلقت التصريحات بأنّ الشيّعة يريدون قلب نظام الحكم البحريني، بتحريض من إيران وإسرائيل. وكأنّ عجلة التاريخ تعود، لتضع الشيّعة العرب البحرينيين بموضع الخونة لوطنهم.

 إنّ الشيّعة العرب جزء لا يتجزأ من لحمة الشعوب العربيّة، وإنّ وصمها بالخيانة يضرّ بمصالح الشعوب العربيّة، فعلى الشعوب العربيّة أنْ تدافع عن هذا الجزء من نسيجها الاجتماعي، بدلاً من أنْ تسمح بإعطاء الحرية للحاكم، ليُصنّف الشعب إلى طبقة موالية وطبقة خائنة. وعلى الشعوب العربية أنْ تعي بأنّ زرع الفتنة الطائفية، هي محاولات قام بها السلطويون في الماضي، وعليها أنْ لا تسمح باستغلال التنوع المجتمعي، ليكن سلاحاً بيد الحاكم والمستعمر.

وأودّ انْ أذكّر الجميع، بأّنّ الشيّعة العرب أيّنما كانوا، هم جزء من أوطانهم، وإنّ ولاءهم لها دون سواها. كما أنّ الشيّعة العرب يرتبطون مع بقية الشعوب العربيّة على حد سواء، برابطة الدّم والمصير العربي المشترك، وإنّ الوجودات العربيّة المشبوهة، التي عملت على تأسيس القواعد العسكرية الأطلسيّة والاسرائيليّة في بلدانهم، للاستقواء على شعوبهم مقابل العمالة لأعداء العقيدة الإسلامية وشعوبها، الأمر الذي جعل هذه القوى تنجح في زرع بذور الفتنة والتفرقة في قلوب العرب والمسلمين.

فأقول للحكّام العرب: كفى استخفافاً بعقول الشعوب، وأقول أيضاً للشعوب العربية والاسلاميّة: كفى جهلاً بالحقائق وسكوتاً على مظلوميّة اخوانكم الشيّعة. واذا كانت ثورات التحرير العربية انطلقت من عقالها، فنحن بانتظار انطلاق ثورة أخرى تكمل الثورات الأولى، لابل تزيد من قوّتها ومنعتها، وهي ثورة الوعي الفكري والثقافي العربي، لفهم متطلبات وحدة المواقف العربية، في مواجهة التحديات الكبرى التي تواجهها الثروات العربية واقتصاديات المنطقة. وأولى خطوات هذه الانطلاقة، تضامن الشعب العربي لإفشال الحملات الإعلامية، التي تقودها عشرات بل مئات من وسائل الإعلام المأجورة، المرئية والمقروءة والمسموعة، التي تموّل من أموال البترول العربي، وهذه الثروات ملك لشعوبها وليس لحكامها. هذه الحملات تحاول تهديم البنيّة الأساسيّة لمكونات الشعوب العربيّة والاسلاميّة وتجزئتها، بادعاء أنّ السنّة يمثلون خط الإسلام الصحيح، والشيّعة يمثلون الانحراف عن منهج الاسلام وعقيدته.

لا بدّ انّ أضع بعض الحقائق التي سجلها التاريخ امام انظار الجميع، معتمداً على دراسة بحثية جليلة، قام بها الاستاذ سليم الحسني في كتابه الموسوم بعنوان (دور علماء الشيعة في مواجهة الاستعمار)، حيث استعرضت الدراسة الكثير من المواقف الوطنيّة، التي قام بها الشيّعة العرب في العراق، لمناصرة اخوانهم العرب والمسلمين. وباختصار شديد أورد من هذه الدراسة القيمّة، رؤوس الاقلام التالية:

قررت الدول الاستعمارية تمزيق الدولة العثمانية فعقدت مؤتمر برلين في 20 تموز 1878م، فسيطرت فرنسا على تونس عام 1881م. وفي مطلع القرن التاسع عشر تم احتلال بريطانيا لمصر وطرابلس الغرب وبنغازي في ليبيا، كما احتلت القوات الروسية ايران. وفي خضم هذه الاحداث الكبيرة حدثت حركة جماهيرية شيعيّة في كربلاء والنجف والكاظمية، بقيادة علماء الشيّعة، لجمع التبرعات وتهيأت المجاهدين لطرد الغزاة من اراض المسلمين، وكان من هؤلاء العلماء الشيخ محمد باقر الشبيبي والشيخ علي الشرقي والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء وغيرهم من علماء وشعراء الشيّعة. وارسلت الهيئة العلمية في النجف السيد مسلم زوين وعزيز بك قائمقام النجف الى ليبيا، لدراسة امكانية الاشتراك في الجهاد، واصدر علماء الشيعة في النجف فتاواهم الى كافة المسلمين لجهاد المستعمرين في طرابلس الغرب وبقية المناطق الاسلامية الأخرى، حتى ان علماء الشيّعة توجهوا للصحافة التركيّة لنشر دعواتهم الجهادية على الملأ : (نطلب منكم اعلان حكمنا المتضمن وجوب الدفاع بصحفكم الى جميع المسلمين في شتى انحاء العالم ونعلمكم....).

 كما يجب ان تتذكر الشعوب العربيّة، أنّ الشيّعة العرب في العراق، هم الذي دافعو ببسالة الاحتلال الانكليزي لبلادهم عام 1914-1920. وأنّ لا ينسوا كذلك مواقف الشيّعة العرب في جنوب لبنان، اللذين يشكّلون رأس الحربة في خاصرة الكيان الصهيوني الغاصب.

ومن الخزي أنْ يسكت الأعم الأغلب من الشعوب العربية، عندما توجهت قوات درع الجزيرة لقمع المتظاهرين الشيّعة في البحرين.

* كاتب وباحث عراقي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 30/آذار/2011 - 24/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م