خطوات نحو مملكة دستورية في المغرب

مرتضى بدر

في المغرب العربي كما في المشرق مطالبات بإجراء تغييرات دستورية جذرية تتيح للشعوب المشاركة في صناعة القرار، وتمنع احتكار السلطة والثروة، وتحفظ للشعوب كرامتها، وتحسّن من أوضاعها المعيشية. في أول خطاب له إلى الشعب المغربي منذ تظاهرات 20 فبراير التي دعت إليها مجموعات شبابية على موقع (فيسبوك) والمطالبة بإصلاحات سياسية عميقة، ألقى العاهل المغربي الملك محمد السادس خطاباً مهماً مساء الأربعاء (9 مارس 2011)، وعد فيه بإجراء مراجعة دستورية شاملة تعزز التعددية السياسية وحقوق الإنسان والحريات في المغرب. وقال الملك إنه قرر إجراء “إصلاح دستوري شامل يهدف إلى تحديث وتأهيل هياكل الدولة”. وحدد الملك سبعة مرتكزات أساسية لإجراء الإصلاح الدستوري، منها: حكومة منتخبة تعبر عن الإرادة الشعبية، وتكريس تعيين الوزير الأول (رئيس الوزراء) من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات مجلس النواب وعلى أساس نتائجها، وإعطاء صلاحيات واسعة لرئيس وزراء منتخب، يتولى المسؤولية الكاملة على الحكومة والإدارة العمومية وقيادة وتنفيذ البرنامج الحكومي.

ومن المرتكزات الأخرى التي يشملها الإصلاح الدستوري التي كانت معرضة للانتقادات هي الصلاحيات البرلمانية. وأكد العاهل المغربي ان الدستور الجديد سينص على “برلمان نابع من انتخابات حرة ونزيهة، يتبوأ فيه مجلس النواب مكانة الصدارة، مع توسيع مجال القانون وتخويله اختصاصات جديدة كفيلة بنهوضه بمهامه التمثيلية والتشريعية والرقابية”.

 وحسبما جاء في خطاب الملك فإن الإصلاحات المرتقبة سوف تقوي من دور الأحزاب السياسية في نطاق تعددية حقيقية، وتكرّس مكانة المعارضة البرلمانية والمجتمع المدني، وتعزز حقوق الإنسان وحماية الحريات.

وكما هو معلوم فقد أجرى آخر تعديل على الدستور المغربي عام 1996، وكان ذلك أول خطوة نحو تحقيق الملكية الدستورية، إلا أن تمركز المال والثروة وبروز قوى متنفذة أضعف دور الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني في صناعة القرار.

نستشف من خطاب العاهل المغربي أنه قرر التنازل عن بعض صلاحياته إلى البرلمان والوزير الأول، وأنه بصدد إبرام عقد (ميثاق) جديد بين العرش والشعب، وهذا ما ورد في نهاية خطابه حين شدد على قدسية الثوابت، وعددها كالتالي: “الإسلام كدين للدولة الضامنة لحرية ممارسة الشعائر الدينية، وإمارة المؤمنين والنظام الملكي، والوحدة الوطنية والترابية، والخيار الديمقراطي، الضمان القوي والأساس المتين لتوافق تاريخي يشكل ميثاقاً جديداً بين العرش والشعب”.

ظهرت مواقف متباينة في الشارع المغربي على خطاب الملك المغربي، فبين من يوصف الخطوة الملكية بالتحول التاريخي في حياة المغرب، وآخر يراها منقوصة؛ ذلك لأن الملك لم يستجب لمطالب (حركة 20 فبراير) وأهمها حل البرلمان والحكومة، وإصدار قرارات عاجلة تحسّن من الظروف المعيشية، إضافة إلى عدم تحديد موعد زمني لإجراء استفتاء على مشروع الدستور الجديد. وفي المقابل يرى (سعد الدين العثماني) رئيس المجلس الوطني لحزب (العدالة والتنمية) المعارضة إن “الخطاب الملكي دشّن مرحلة مهمة في المغرب، وكان محط مطالبات بعض الأحزاب والنخب وشباب حركة 20 فبراير”. ونفس الموقف لحزب (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية - الائتلاف الحاكم) نجده على لسان (حسن طارق) عضو المكتب السياسي للحزب حين قال: إن “الخطاب يتجاوب مع مطالب القوى الديمقراطية والحركة الشبابية”، (نقلاً من صفحة إيلاف 10/3/2011).

الجدير بالذكر وبعد خروج تظاهرات ضخمة في خمسين مدينة مغربية في 20 فبراير، أصدرت الأحزاب السياسية بياناتها التضامنية والمؤيدة لحراك 20 فبراير. كما أن (جمعية رجال الأعمال) انضمت إلى المطالبين بضرورة تسريع وتيرة الإصلاحات السياسية والاقتصادية ومحاربة الفساد وتعزيز استقلالية القضاء.

اليوم مهما اختلفت الرؤى وتباينت المواقف من خطوة العاهل المغربي، من المؤكد أن المملكة المغربية سوف تخطو خطوات حثيثة نحو الإصلاح الشامل، الذي يعزز من خلاله الملكية الدستورية، ومبدأ التداول السلمي للسلطة، وقيام نظام ديمقراطي. هذه الاستحقاقات في معظمها هي رغبة جميع الشعوب العربية من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 28/آذار/2011 - 22/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م