البحرين ستبقى بلداً للتنوع والتعايش

مرتضى بدر

عرفت البحرين تاريخياً بملتقى الحضارات والثقافات، حيث عاش سكانها بمختلف مكوناته المذهبية والعرقية والقبلية في أمن وسلام. هذا التعدد الثقافي أعطى للبحرين ميزات المجتمع التسامحي.

لا يعني هذا عدم وجود أصوات شاذة سعت دوماً للسير عكس التيار، وتتمنى أن نتراجع ونخسر هذا المكسب الحضاري بجعل المجتمع البحريني مجتمعاً ذي لون واحد وثقافة واحدة.

 في خضم الأزمة السياسية التي تعيشها البحرين هذه الأيام، وما تركت من إفرازات أليمة – قتلى وجرحى- وتداعيات سلبية على النسيج الاجتماعي، تكشّفت لنا بعض الوجوه بعد أن تساقطت عنها الأقنعة المزيفة وبانت معادنها.

ربما الكثير منا قد سمع الخطابات النارية لبعض النواب السابقين والحاليين، ودورهم في تحريض الشباب، وإشعالهم روح الحماسة والكراهية في نفوسهم! كنا نتوقع من بعض هؤلاء أن يقوموا بدور الإطفائي، لكنهم للأسف انجرفوا مع التيار المتطرف قولاً وفعلاً، فقاموا بسكب الزيت على النار ومارسوا الشحن الطائفي، وسعوا لجرّ البلاد والعباد لفتنة؛ بغية تحريف الأنظار عن جوهر الخلاف السياسي بين المعارضة والنظام.

 على سبيل المثال، وصف أحد الأعضاء في المجلس النيابي المواطنين العجم بالمجوس، وطعن في شرفهم، وشكك في ولائهم لوطنهم البحرين (التصريح بالصوت والصورة موجود على يوتيوب). وفي لقاء تلفزيوني آخر مع قناة (سكوب) فقدت إحدى عضوات مجلس الشورى بوصلتها، فتطرّفت حتى وصل بها الأمر أن اتهمت المعارضة بتنفيذ أجندة خارجية!! وقد ذكرت اسم ناشط سياسي من دون أن تقدم أي دليل على اتهامها .. وهكذا، والحبل على الجرّار.

المؤسف أن الاحتقان والاضطراب السياسي الذي يشهده الشارع البحريني قد أصاب بعض النواب والشوريين والكتّاب بهلوسة جعلتهم يتخبطون، فبدل أن يكظموا غيظهم، ويلجموا عنان غضبهم، ويسعوا نحو التهدئة، نراهم قد استسلموا لعواطفهم الملتهبة متناسين القسم الذي أقسموا عليه في المجلس التشريعي، فضربوا بالقيم والوحدة الوطنية عرض الحائط حتى وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم.

 فيا ترى ماذا كنا نتوقع من الشباب المنتمي لتيار 14 فبراير والجمعيات السياسية، وتجمع الوحدة الوطنية، والشريحة الصامتة، من كل تلك التصريحات الاستفزازية؟! كنت أشفق لحال هؤلاء، الذين وصلوا  إلى درجة من الهستيرية، حيث كانوا يطالبون الشباب بالاستنفار والاستعداد والتخندق في خندق المواجهة! وكأننا في حرب أهلية أعاذنا الله من شرّها.

وبدوري أضمّ صوتي إلى صوت الزميل (محمد العثمان)، الذي خاطب أحد هؤلاء (الثائرين) في مقاله الذي نشر على صفحة (البلاد) يوم الأحد الماضي، حيث قال له بلغة فصيحة: “إليك يا طائفي أقول: لست رومانسياً حالماً، ولكني لست كائناً طائفياً في هذا الوطن، لن أقبل أن أكون معول هدم لهذا النسيج الاجتماعي الذي عشنا فيه سنين طويلة، لن أقبل إقصاء الآخرين، ولن أخونهم.. ولن أحفر بيدي قبر السلم الأهلي العام، ولن أحامي وأدافع عن الفاسد مهما كان مذهبه أو لأية طائفة ينتمي”.

 أشكر الزميل على موقفه الوطني. باعتقادي، إننا في أحوج ما نكون إلى صوت العقل والحكمة، وإلى الأقلام الحرّة التي تعمل على لمّ الجراح واللحمة الوطنية، كما أعتقد جازماً أن سفينة الوطن التي تتعرض للأمواج الهائجة سوف تصل بإذن الله إلى ساحل النجاة بأمن وأمان، وستبقى البحرين بشعبها بلد التنوع والتعايش، وبعزيمة أبنائها سوف تمر سحابة الفتنة الطائفية، وتعيد مكوناتها المذهبية والعرقية في العيش بمحبة وسلام وأمان.

 اللهم آمنّا في أوطاننا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا، ووحدّ كلمتنا، وقرّب بين قلوبنا .. آمين رب العالمين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 21/آذار/2011 - 15/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م