صورة الشخصية الإسرائيلية في الدراما العربية

" رأفت الهجان" نموذجا

عبد الكريم ابراهيم

المعروف عن العرب انصافهم لأعدائهم ؛ لان هذا الفعل ليس من باب تمجيد الاخرين، بل هو غايات معنوية يفتخر بها العربي؛ لانه تغلب على اعداء اقوياء وذي بأس، هذا دليل الشجاعة والقوة عنده، وهو مدعاة للفخر، حتى ان ابا تمام الشاعر العباسي المعروف افرد في حماسته، بابا اسماه (المنصفات) وهي قصائد قيلت في الخصوم والكيفية التي ابداها هؤلاء من شجاعة وباسلة.

ولكن اليوم اغلب كتاب العرب يعانون من عقدة عدم معرفة الخصم والاستهانة به، لدرجة وصفه ونعته باشياء متوهمة وبعيدة عن ارض الواقع، والدراما العربية من اهم الوسائل المضللة التي لعبت على رسم صورة مغايرة للشخصية اليهودية التاريخية، وانها على الغالب مرابية وتعاني من عيوب في الانف فضلا عن قصر القامة مع دقن امامي طويل، ربما يكون العربي اخد هذه الصورة من الكاتب الانكليزي شكسبير في مسرحيته "تاجر البندقية ".

اما الشخصية الإسرائيلية الجديدة نجدها بصورة واضحة في المسلسل العربي " رأفت الهجان " تأليف صالح مرسي واخراج يحيى العلمي وبطولة عدد كبير من الممثلين على رأسهم محمود عبد العزيز.

الشخصيات في هذا المسلسل نجدها تقسم الى انواع منها : القلقة التي لاتعرف ما تريد، همها الاول والاخير الحانات والبحث عن الملذات الذاتية، في حين نجد ضباط الجيش الإسرائيلي يملكون شخصيات ساذجة، تمتاز بالفطرة والبلادة وعدم امتلاكها القدرة على تحليل الامور!، اما النسوة الإسرائيليات فاغلبهن خائنات لازواجهن، يبحثن عن من يعطيهن المال، قد تكون شخصية ضابط المخابرات هي الاقوى بين هؤلاء، ورغم هذه القوة يمكن اختراقاها واحيانا شراء ذمتها من قبل الآخرين.

الصورة الواضحة التي رسمها مسلسل "رأفت الهجان " لطبقات المجتمع الإسرائيلي، بانه مفكك، تسوده العلاقات الشاذة مع وجود صراع بين السلطة العسكرية المتنفذة وبقية طبقات المجتمع الاخرى، فضلا عن مسألة الولاء لمن؟ هل للدولة العبرية ام للمؤسسة العسكرية؟ وكيف يمكن ان يتغير هذا الولاء بسرعة وشرائه بحفنة قليلة من الدولارات؟.

اذا كان بلد يعيش بهذه الصورة وتسوده الطبقية والنفعية من السهولة اختراقه وبدون صعوبات، لكن كيف انتصر على بعض جيوش العربية منذ التأسيس عام 1948؟ واغلب الدول العربية التي اشتركت في المواجهة هي ذاتها التي تدعي القومية العربية وتقاتل في سبيلها اليوم، كيف كانت المفاجأة في الضربة الاستباقية عام 1967التي كانت رائدها المعلومات الاستخبارية؟ وكيف غابت اجهزة المخابرات العربية وبتحديد المصرية منها على تحديد توقيت الضربة والحصول على المعلومات قبل هذا الوقت.

الحقيقة ان بعض العرب رسموا صورة للشخصية الإسرائيلية الجديدة من وجهتم الخاصة وزرعوها في ذهنية المتلقي العربي، بحيث جعل البعض يصدق اكذوبة (رأفت الهجان) الرجل الخارقة، فكان ثمن هذه الاستهانة المزيد من الهزائم وفقدان الاراضي العربية، لعدم واقعية العقلية العربية في التعامل مع العدو، والمشكلة الاخرى بعد كل الذي حدث ويحدث مازال البعض يردد النغمة القديمة ولايريد ان يعترف بالحقيقة المرة والتي هي خير من الخيال الكاذب.

 يجب ان تعترف ان العدو الإسرائيلي يملك من القدرات والامكانيات العسكرية والمخابراتية تجعلنا على اتم الاستعداد له، من اعادة رسم صورة جديدة لعلاقات العربية الإسرائيلية وعدم التفريط بالحقوق العربية المشروعة، وهذا يحتاج الى كتاب دراما يستطيعون ايصال فكرة وصورة واضحة عن ماهية هذا العدو وبدون تلاعب بالمشاعر لارضاء بعض النفوس المريضة.

الشخصية الإسرائيلية اليوم ليست كما يراها بعض العرب من خلال الدراما، بل هي شخصية عنيدة وتملك مقومات الخبث العالمي في الوصول الى اهدافها، وهذا يحتاج منا نحن العرب ان نكون بقدر المسؤولية ومعرفة امكانيات عدونا الحقيقية كي نستطيع مواجهه بالوسائل المتاحة، ويكفينا السبح في دنيا الاحلام التي جعلتنا نخسر الاراضي المقدسة وقبلها ثقتنا بانفسنا وهذه الاخيرة هي التي عبرها نعرف العدو قبل الصديق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 17/آذار/2011 - 11/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م