إقليم كوردستان ومشروع التوريث السياسي!

مير ئاكره يي

منذ البداية تجذرت في غالبية الأحزاب السياسية الكوردية في إقليم كوردستان الجنوبي، وبمختلف مناهلها الفكرية ومصادرها الأيديولوجية أحد أبرز التناقضات السلبية والإشكاليات الهامة وهي ؛ إشكالية الرئاسة ومعضلة تداولها بشكل سليم وسلس وفق مقتضيات الديمقراطية ومفاهيمها وشروطها، لأن إحدى أهم ميزات الديمقراطية وشروطها هي التداول في الحكم والرئاسة سواء كان على مستوى سلطة سياسية رسمية معترف بها دوليا، أو على مستوى حزب مازال في طور النضال للوصول الى أهدافه الاستراتيجية والغائية.

هذا بالرغم من الإدّعاءات الكثيرة والشعارات المستمرة لتلكم الأحزاب السياسية الكوردية للديمقراطية والعدالة والحرية والمساواة وحقوق الأفراد والأعضاء والشعب الكوردي عموما. لكن الحقائق والوقائع التأريخية المدعمة بالدلائل والإثباتات القاطعة لهذه الأحزاب، في الماضي والحاضر أثبتت عدم صدقية ومصداقية الإدعاءات والمزاعم المذكورة للأحزاب السياسية الكوردية في إقليم كوردستان، وإنها كذلك لم تكن إلاّ شعارات فضفاضة خالية من التطبيق العملي والتجسيد الحي. لذا فإنها بعيدة عن واقع الديمقراطية وجوهرها ومبادئها والعدالة الاجتماعية كبعد كوردستان عن المريخ !.

ولا فرق فيما ورد توا بين الأحزاب السياسية الكوردية التي تأسست في أربعينيات القرن الماضي، أوما تلاه في حقبه المتتالية الأخرى، حيث أكثرية هذه الأحزاب، وبخاصة الأساسية والقوية منها تعاني نفس التناقض والإشكالية. وعليه فإنه يبدو للمتابع المحايد والمراقب المستقل لمسيرة الأحزاب السياسية الكوردية في إقليم كوردستان، ولكيفية عمل مسؤليها وكوادرها، في مجالات التثقيف والإعداد والتوعية، في دوائرها التنظيمية والحزبية يتضح له بوضوح جليّ لا لبس فيه ؛ إن عملية التثقيف والإعداد والتوعية كانت تتم، وعلى عمد بصورة مقلوبة ومعكوسة، وأيضا كانت – وما تزال بطبيعة الحال – تتم بصورة ناقصة ومبتسرة ومختزلة. وذلك كله لأجل تثبيت وتعزيز وتأسيس الشخصنة المافوقية والولاءات الشخصية والأسرية والعشائرية.

ومن هنا بالضبط، ومن هكذا نشاطات سقيمة وأجواء مرضية [بفتح الميم والراء] ينشأ التقديس فالتأليه للقادة والأبطال، حيث تنسج وتحاك حولهم الهالات والأساطير كما يقول بذلك علماء الاجتماع والتاريخ. ومن هنا أيضا نشأت وتنشأ عملية التوريث السياسي للحكم والزعامة، لأنه – بحسب هذا الفهم الشللي السقيم – لايوجد في الأمة من يماثل حضرة القائد، أو نجله على مستوى العقل والفهم والدراية والسياسة والعلم والمعرفة، هذا بالاضافة أن لهم أفضلية كبرى ومكانة ما فوقية لا يصل إليها أحد من أبناء الرعية (!) مهما إمتلك المؤهلات العلمية والمعرفية والعقلية والمعلوماتية العالية !.

علما إن هذه الظاهرة السلبية موجودة بقوة في بلدان كثيرة أخرى مثل ؛ سوريا، العراق، مصر، ليبيا، اليمن، ايران، تركيا وتونس وغيرها. على هذا نجد إن غالبية شعوب هذه البلدان بسبب غياب العدالة الاجتماعية والمساواة وتداول الحكم والرئاسة [الديمقراطية] فقد نفضت عنها غبار الذل والاذلال والاستعباد والغفوة، ثم بعدها ثارت عقب إستعادة وعيها المستلب والمسلوب عنها على رؤسائها وسلطاتها وسلطانهم الاستبدادي الدكتاتوري النهبي الجائر.

وقد كان هؤلاء الرؤساء، ومازال أكثرهم يحتكرون الحكم والسلطة والزعامة والثروات الوطنية لهم ولأسرهم ولحواشيهم، أو لمن طاف حولهم وسبّح بحمدهم وقدّس مقامهم تقديسا. وهذا بالرغم من مرور عقود طويلة على إستقلال تلكم البلدان سياسيا وجغرافيا عن الاستعمار. والسبب إن الأحزاب السياسية وسلطات الحكم في هذه البلدان نشرت منذ بداياتها ثقافة سقيمة ومفاهيم ذات دلالات خضوعية – إخضاعية وتوعية سلبية في مجتمعاتها بين المواطنين. وقد تفلح هذه الثقافة السقيمة السخيفة، وهذه التوعية الشللية المخدرة لبعض من الفترات الزمنية، لكنها ستهوى في النهاية من عليائها الى الدرك الأسفل لأنها متناقضة جملة وتفصيلا مع السنن الكونية وتغييراتها، وبفعل صحوة الشعوب وثوراتها المنادية والهادفة الى المساواة والعز والكرامة والانسانية، حيث هي العدالة الاجتماعية والتبادل القسطي للحكم والرئاسة والتوزيع العادل للثروات الوطنية !.

وفي هذا الصدد سأعرض الأمثلة الدامغة لصحة ماذكر حتى الآن في هذه المقالة:

1-/ الحزب الديمقراطي الكوردستاني: يعتبر هذا الحزب من أقدم الأحزاب السياسية في إقليم كوردستان. إذ إنه تأسس عام [1946]، من قبل عدد من الشخصيات الكوردية المناضلة، وفي مقدمتهم الزعيم الكوردي المعروف مصطفى البارزاني. كما هو معلوم للجميع فإن هذا الحزب منذ تأسيسه قبل خمسة وستين سنة فإن رئاسته باتت محصورة حصرا في عشيرة واحدة، وفي أسرة واحدة فقط. وفي هذا الحزب المنعوت ب[الديمقراطي] جرى ومازال تجري فيه عملية التوريث لرئاسته الحزبية لنجل رئيسه الحالي السيد مسعود بارزاني السيد مسرور بارزاني. وللعلم إن هذه الحصرية للرئاسة الحزبية للحزب [الديمقراطي] الكوردستاني غير مقتصرة على هذا الحزب فقط، بل إنها إمتدت لأجل العوامل المذكورة في هذا المقال الى الاقليم لتشمله كله. إذن، أين الديمقراطية، وأين صدقيتها ومصداقيتها وفاعليتها وتجسيدها العملي وتطبيقها على أرض الواقع في تأريخ وقاموس الحزب [الديمقراطي] الكوردستاني !.

2-/ الاتحاد الوطني الكوردستاني: تأسس هذا الحزب من قبل عدد من الشخصيات الكوردية المناضلة عام [1976]، وفي مقدمتهم السيد جلال الطالباني. يلاحظ، وكما هو معلوم فإنه منذ خمسة وثلاثين سنة خلت إن السيد جلال الطالباني هو الرئيس الأوحد للاتحاد الوطني الكوردستاني وأمينه العام والى يومنا هذا. وهذا بالرغم من إدعاءات السيد الطالباني بالديمقراطية والاشتراكية والتقدمية وما الى ذلك من الشعارات على مستوى الألفاظ والظواهر فقط لا التطبيق والتفعيل !.

3-/ الاتحاد الاسلامي الكوردستاني: تأسس هذا الحزب عام [1988] من قبل الاخوان المسلمين الكورد في إقليم كوردستان، وفي مقدمتهم السيد صلاح الدين بهاء الدين. لكن هذا الحزب منذ التأسيس ولحد اليوم فإن السيد صلاح الدين هو الرئيس. إذن، أين الديمقراطية والعدالة والشورى المُلزمة الاسلامية في الاتحاد الاسلامي الكوردستاني. وإن نفس الأمر ينسحب وينطبق بالتأكيد على الجماعة الاسلامية الكوردستانية برئاسة السيد علي بابير، وعلى الحركة الاسلامية الكوردية برئاسة السيد علي عبدالعزيز !.

إن ما ورد حتى الآن هو بيان لحقيقة وواقع الأحزاب السياسية الكوردستانية في إقليم كوردستان من ناحية الحكم والرئاسة، ومن ناحية نظرتهم ومدى إعتقادهم بالديمقراطية، وبخاصة الحزبين الديمقراطي والاتحاد الكوردستانيين اللذين يحتكران السلطة مناصفة. وفي هذا لا أعتقد بأن أيّ حزب سياسي من الأحزاب السياسية الكوردية المذكورة تتمكن من إنكار ما تم تسطيره وتوضيحه بالأدلة الساطعة والشواهد الدامغة في هذا المقال.

بناء على ما جاء ذكره حت الآن، ولأجل أسباب أخرى تجدّدت الحرب الداخلية الكوردية – الكوردية المؤسفة بين أصحاب السلطة التناصفية في إقليم كوردستان عام [1994] التي إستمرت حتى عام 1998، حيث توقفت بالضغوط المباشرة للولايات المتحدة الأمريكية. لكن الحزبان بعد هذه الأحداث المأساوية رجعا ثانية الى الاتفاق على السلطة التناصفية لهم.

 هذه الصيغة من الحكم قد فشلت منذ البداية وحتى اليوم من تأمين العدالة الاجتماعية وتطبيق مفاهيم الديمقراطية، ومن تفعيل نظامها المؤسساتي في أنحاء الاقليم كله. لهذا يلاحظ إنتشار الفساد الاداري والسياسي والمالي والمحسوبية والمنسوبية وغيرها من إفرازات السلطة التناصفية وغير الديمقراطية في إقليم كوردستان.

وعليه أتصور أنه لا حل إلاّ بالتغيير والاصلاح والتجديد للأوضاع القائمة في إقليم كوردستان، وذلك عن طريق إنتفاضة شعبية جماهيرية سلمية وحضارية ضاغطة ومؤثرة لتقويم الأوضاع وتغييرها نحو التأسيس لحكم قائم على العدل الاجتماعي والديمقراطية والتبادل السلمي للحكم والرئاسة. أما حالات الترقيع والمسكنات فإنها غير مجدية، وإنها غير ناجعة ولا ناجحة على الاطلاق، و[ولتعلمن نبأه بعد حين] !!!.

* كاتب بالشؤون الاسلامية والكوردستانية

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 12/آذار/2011 - 6/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م