هذه الجهات والوسائل التي أسقطت الطغاة

لعناية الأنظمة المستبدة

خليل الفائزي

يختلف الخبراء والمراقبون والمستشارون بشأن الجهات والأجهزة والوسائل والطرق التي أسقطت الأنظمة المستبدة وأجبرت حكام مستبدين مثل بن علي (تونس) وحسني مبارك (مصر) التخلي عن الرئاسة والهروب من غضب الجماهير.

 نظام القذافي الذي حكم ليبيا بقوة السلاح والقمع والإرهاب اكثر من أربعة عقود وتصور انه سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه وسوف تخلد ذكراه لقرون قادمة وعلى أعتاب سقوط نظامه واندثاره الى الأبد اتهم أجهزة إعلام مناوئة لاسيما قناة الجزيرة القطرية من انها وراء زعزعة قدرته وان أنصاره ظلوا يهتفون " يا جزيرة يا حقيرة، الرئيس مانبو غيره!"

 وحتى ان نجل القذافي انفق في يوم واحد مئات ملايين الدولارات لشراء ذمم أجهزة إعلام عربية وعالمية لتحسين صورة نظام أبيه القمعي دون جدوى.

 أنظمة عربية نفطية لاتزال تتصور من ان مواقع التواصل الاجتماعي مثل "فيس بوك وتوتير ويوتيوب" وراء إسقاط نظام مبارك وتهديد هذه الأنظمة بالسقوط وحتى ان صحف أمريكية كشفت النقاب مؤخراً من ان ملك النظام السعودي اقترح دفع 150 مليار دولار لشراء موقع "فيس بوك" ومنع التواصل الاجتماعي والسياسي بين أبناء الجزيرة العربية وإبعاد اي تهديد لزعزعة الأنظمة النفطية التي حكمت شعوبها بقرارات بريطانية وأمريكية سافرة بعد اكتشاف النفط في المنطقة وتحويل قطاع الطرق وزعماء القبائل البدوية الى ملوك وأمراء وحكام على اهمد دول في منطقة في الشرق الأوسط دون إرادة من كافة شعوب المنطقة.

 وفي تونس لازال المعارضون والمحتجون يعتقدون من ان ظاهرة الاعتراض الشعبي وإحراق الشاب الشهيد محمد البوعزيزي نفسه وراء اندلاع انتفاضة تونس وما تبعها من انتفاضات لازالت تجتاح معظم الدول العربية، وان موقع "يوتيوب" لعب دوراً بارزاً في عرض ونشر الجرائم البشعة التي ارتكبها نظام بن علي ضد الشعب التونسي.

 وفي الأردن تعتقد أجهزة النظام الملكي من ان جماعة "الإخوان المسلمين" وراء اندلاع الاعتراضات الخجولة التي تنطلق كل شهر مرة واحدة على ابعد تقدير ويطلق فيها المشاركون والمحتجون الشعارات والهتافات ضد الوزراء والمسئولين فقط ويشيدون من شدة هلعهم وخوفهم دوما بالملك الشاب ويؤكدون انه على رأس أسياد زعماء المعارضة في الأردن ورمزها المدعو ليث شبيلات!.

 وفي دول اخرى مثل البحرين يزعم البعض من ان سبب المعضلة هو رئيس الوزراء فقط ولابد من إسقاط الحكومة دون الإساءة لموقع ومكانة ملك جزيرة البحرين.

 وفي العراق ودول زعم المسئولون من ان "الإرهابيين" وراء الاعتراضات التي اندلعت على خلفية شيوع الفقر والحرمان والطائفية وعدم كفاءة بعض المسئولين وتفشي الغلاء والرشوة الفساد وزيادة عدد ناهبي أموال الدولة والشعب وانعدام كامل لكافة الخدمات الحكومية مثل الماء والسكن والعيش الكريم وهي الخدمات التي كانت قائمة ومهيأة للناس قبل عدة آلاف عام ومنقوشة على جداريات كافة الإمبراطوريات والحضارات التي كانت قائمة في المنطقة لاسيما في العراق بلد المدنية والحضارة والتاريخ العريق.

 وفي اليمن اتهم نظام علي عبد الله صالح القمعي والبوليسي والطائفي ما وصفهم المنشقين والخارجين عن القانون للسعي للإطاحة بنظامه وقال بالحرف الواحد : ان دولاً في المنطقة لها اجندة ومصالح خفية للإطاحة بنظامي الديمقراطي!.

 ومنعاً لاندلاع انتفاضات وثورات في دول أخرى مثل سوريا والجزائر والمغرب ومعظم الدول العربية والإسلامية، أقدمت الأنظمة الحاكمة في هذه الدول وخشية على عروشها ومصالحها الفئوية قطع او تقليص الإنترنت وإغلاق مواقع التواصل الاجتماعي وبث التشويش المصحوب بأشعة مسرطنة على القنوات الفضائية فيما اتهمت أجهزة إعلام حكومية ما أسمتها بالمعارضة المناوئة في الخارج على تحريض الرأي العام للقيام بانتفاضات جماهيرية للإطاحة بالأنظمة، وشملت مثل هذه الاتهامات ايضاً دولاً وجهات أجنبية مثل أمريكا وبريطانيا وإسرائيل بالتآمر على دول في المنطقة لتهديدها وإشعال نار الثورات الشعبية ضدها،كما قال الطاغية في اليمن من ان الانتفاضات الجماهيرية التي شهدتها الدول العربية تم التخطيط لها في البيت الأبيض الأمريكي ونفذها الموساد الإسرائيلي!.

 وعلى هذا الأساس يمكن تلخيص الجهات والوسائل المسئولة عن انتفاضات المنطقة كالتالي:

- الاعتراض على الفقر وإحراق النفس والانتحار الفردي لإيصال رسالة الى المسئولين

- الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي مثل "فيس بوك"

- جهات مناوئة او دول أجنبية معادية.

- أجهزة إعلام إقليمية ودولية وخاصة الفضائيات.

- أحزاب داخلية او شخصيات وتجمعات في الخارج خاصة في أوروبا وأمريكا.

ومن اجل إيضاح صحة او سقم مثل هذه الادعاءات والتفاسير المطروحة بشأن دوافع وأسباب اندلاع الانتفاضات في المنطقة، نبدأ من الأحزاب الداخلية والشخصيات المناوئة في خارج البلاد ونقول: ان هذه الأحزاب ومنذ عقود مضت كانت موجودة على الساحة على شكل حالتين، اما انها مهمشة وملاحقة ومحدودة النشاط السياسي والاجتماعي اوانها كانت تساوم الأنظمة وتدافع عنها بهدف الحصول على مزايا وإمكانيات لها ومعظم هذه الأحزاب لم تشارك اساساً في اي من الانتفاضات التي اندلعت في دول المنطقة بل التحقت بحركة الشعوب بعد ايام من بدء الاعتراضات وبعض من هذه الأحزاب كانت تساوم رأس النظام حتى آخر لحظة من حياته كما رأينا كيف هرول قادة الأحزاب المصرية لتبويس ولعق حذاء نائب الرئيس عمر سليمان للحصول على فرص في عمليات نهب ما تبقى من أموال الدولة والنظام، ولكن كان الوضع مختلفاً تماماً في البحرين حيث ساهمت الأحزاب والتجمعات الدينية السياسية والاجتماعية في تنظيم الاعتراضات ورفض المساومة مع النظام الحاكم والإصرار على مطالب وإرادة غالبية الشعب.

وعليه يمكن القول من ان كل دولة لها ظروفها الخاصة وأحزابها السياسية الفاعلة او المساومة وان هذه الأحزاب قد تساهم في تفعيل الاعتراضات الجماهيرية، وقد تقف عثرة في طريق نجاح الانتفاضات من خلال المساومة مع الأنظمة المستبدة.

اما بشأن الشخصيات السياسية المعارضة للنظام في الخارج وأكثرها عادة مستقرة في أوروبا وأمريكا، فهذه الشخصيات ايضاً يمكن تقسيمها الى فاعلة او مستغلة للانتفاضات الشعبية في دول المنطقة، فبعض منها قد ساهم اعلامياً وسياسياً وربما مادياً ايضاً في تحشيد الدعم اللازم للاعتراضات الجماهيرية التي حدثت في العديد من الدول العربية الأخيرة في الأسابيع الماضية الا ان غالبية ما تبقى من هذه الشخصيات هي استغلالية وهامشية ومواقفها وتصريحاتها تبعث على السخرية والاستهزاء خاصة ما يتعلق باللقاءات والتصريحات التي تجري ويدلي بها هؤلاء مع القنوات الفضائية التي لا تعد ولا تحصى هذه الأيام، فمثلاً يسأل المحاور لقناة إخبارية المسئول الحزب الفلاني او المعارض العلاني عن آخر التقارير عن الوضع في مصر او ليبيا او اليمن او اية دولة شهدت وتشهد اعتراضات جماهيرية، فيرد هذا المسئول الحزبي او المعارض الفلاني بقوله المثير للسخرية وهو جالس في لندن او واشنطن ووراؤه صورة ساعة (بك بن) او البيت الأبيض ويقول: نعم نحن الان نخوض مواجهات ومعارك عنيفة مع قوات النظام..!. وينعق معارض آخر: الشعب يسير وراءنا ونحن في مقدمة المحتجين!، ومعارض آخر ينهق : انها ثورتنا.. انها انتفاضتنا.. انها حركتنا التي أشعلت نار غضب الجماهير في ارض..!.

اما فيما يتعلق بأجهزة الإعلام الدولية والإقليمية ولاسيما الفضائيات، فقطعاً دورها كان بارزاً ومشهودا في اي انتفاضة حدثت حتى الان، ولكن من المؤسف جداً ان معظم هذه الفضائيات ليست مهنية وليست حيادية وكانت ولازالت تطبق شبه مؤامرة او شبه خطة لانجاح بعض الاجندات السياسية، فمثلاً ركزت هذه الفضائيات وبشكل منظم ومدروس ومشترك على الانتفاضات في تونس ومصر وليبيا وهمشت الحركة الجماهيرية في اليمن وتجاهلت بالكامل الاعتراضات الشعبية في البحرين والأردن وكافة الدول الأخرى التي شهدت اعتراضات واسعة النطاق او حركات جماهيرية لو تم تسليط الأضواء الإعلامية عليها لتحولت الى انتفاضات عارمة في غضون عدة ايام فقط.

بالتأكيد انه ليس من حقنا محاسبة القنوات الفضائية على تقصيرها في التعامل غير السوي وغير الحيادي والانتقائي المتعمد مع انتفاضات الشعوب لان الأطراف التي تديرها لها مصالحها السياسية والإعلامية الخاصة بها، ولكن من واجبنا تقديم اقتراحات لسائر الفضائيات الأخرى التي على الأقل مدافعة عن كافة الانتفاضات اوانها مستقلة كما تزعم ان تبادر برفع كفاءة كوادرها الصحفية والإعلامية وان تنشط من أخبارها وتقاريرها وتغطيتها للأحداث الساخنة وليس ان تعرض لنا هذه الفضائيات وفي غمرة تصاعد تطورات الانتفاضات الجماهيرية، المسلسلات العربية المملة او البرامج العادية والإعلانات عن الحفاظات والشامبو مزيل الشعر عن الأماكن الحساسة!.

ومع هذا نؤكد للجميع من دور جميع الفضائيات في الانتفاضات ليس دوراً مصيرياً او حاسماً لان بعض الأنظمة المستبدة نجحت لفترة زمنية مع قطع بث هذه الفضائيات او مارست عليها التشويش المركز الا ان الانتفاضات والاعتراضات لم تتوقف بل استمرت واتسعت ونجحت في نيل أهدافها ولو بتأخير عدة ايام وأسابيع والمهم ان هذه الانتفاضات قد استطاعت مواجهة الأنظمة المستبدة وإيصال صوتها الى الداخل والخارج حتى دون مساعدة او تركيز إعلامي من الفضائيات المغرضة او الانتقائية في نقل الأحداث والتطورات، وفيما يتعلق بالجهات المناوئة او الدول الأجنبية المعادية فقطعاً هذه الجهات والدول تقف مهما كانت وحصل ضد إرادة الشعوب وتعادي الانتفاضات والثورات الجماهيرية، ومن السخرية جداً نرى ونسمع مثلاً ان إدارة البيت الأبيض (اوباما) او دول أوروبية تدافع عن انتفاضات بعض الشعوب وتدين عملاءها السابقين كما رأينا إزاء التطورات في مصر وتونس وليبيا ودول اخرى، وسبب ذلك بسيط جداً وهوان الدول الأجنبية وعندما ترى وتدرك ان سفينة نظام عميلها باتت على وشك الغرق وان الزعيم او الرئيس في الدولة التي تتعرض لانتفاضة جارفة صار وسط العاصفة الهوجاء وانه سيندثر قريبا في مستنقع مزبلة التاريخ، تسارع الدول الأجنبية الى تغيير موقفها والتشدق بأنها تدافع عن حقوق الشعوب المنتفضة بل وتعرض ايضاً المساعدة والدعم الشامل للإجهاز على ما تبقى من أركان النظام المستبد وتتباكى زيفاً عن انتهاك حقوق الإنسان وضياع إرادة الشعوب في حين ان تلك الدول وحتى الأمس القريب لم تكن تكترث لا بحقوق الإنسان ولا بإرادة الشعوب ولا بدماء ضحايا الانتفاضات الأبرياء بل كان ولازال هدفها ومبغاها هو الدفاع عن مصالحها ونهب النفط والعائدات الأخرى التي تسرقها علانية من الشعوب وبيع الأنظمة الفاسدة والطاغية شتى أسلحة قمع ودمار وقتل المزيد من المواطنين والمعارضين.

اما فيما يخص الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي فقد أثبتت فاعليتها فقط في الدول التي لا تفرض فلترة شاملة على الإنترنت والأنظمة التي ترى العلم والتقدم ونضج فكر المواطنين اكبر خطر يهدد كيانها وسلطتها الفاسدة والمتخلفة وعمل المواطنون على مواجهة القيود المفروضة على الإنترنت بشتى الطرق والأساليب لإيصال صوتهم للداخل والخارج، ومع هذا فقد استطاعت الشعوب التي تريد الحياة الكريمة ونبذ الذل والحفاظ على الكرامة والدفاع عن حقوقها ومكافحة الفساد في السلطة منع الأنظمة المستبدة من الاستمرار باحتكار السلطة وإجبار كافة المسئولين القبول بالمساواة مع ابسط أبناء الشعب وتحسين الوضع الاجتماعي والمعيشي والحيلولة دون تمكن اي حكومة من إذلال شعبها بواسطة رفع أسعار الخدمات الحكومية والمواد الغذائية، وضرورة ان يكون لجميع المواطنين تامين صحي واجتماعي لمدى الحياة والقبول بمشاركة المؤسسات المدنية في تقرير مصير الدولة وإلزام كافة القوى العسكرية والأمنية بعدم التدخل في اي من السلطات التلوث ونشر حرية الصحافة والإعلام والدفاع عن حقوق الإنسان ومساواة المرأة والرجل أمام القانون وعدم تقسيم أبناء الشعب الواحد الى موالين ومعارضين للسلطة وضرورة توزيع عائدات البلاد والثروات بشكل عادل على الجميع دون تمييز او تفضيل فئة خاصة على كافة أبناء الشعب، استطاعت الجماهير المنتفضة وسوف تتمكن سائر الشعوب الأخرى من تحقيق الكثير من أهدافها المرجوة وجعل الحكام والزعماء وكافة أمام مفترق طريقين لا غيرهما، اما ان يختاروا الانصياع لارادة ومطالب الجماهير فورا او يتم ضربهم بالحجارة وسحقهم بالأحذية، وإلقاؤهم في مزبلة التاريخ.

* صحفي وإعلامي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 8/آذار/2011 - 2/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م