مجتمعاتنا العربية وطبائع الاستبداد

مرتضى بدر

يقول عبدالرحمن الكواكبي في كتابه (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) “إن الحكومة من أي نوع كانت لا تخرج عن وصف الاستبداد ما لم تكن تحت المراقبة الشديدة والاحتساب الذي لا تسامح فيه”. اليوم، وبعد أن تحركت موجات تسونامي الثورة من مدينة سيدي بوزيد وسط تونس ووصلت إلى الكثير من البلدان العربية، أفاقت الشعوب، وجعلتها تجاهر بحقوقها الأساسية من عيش كريم، وتوزيع عادل للثروة، وحكومات منتخبة تعمل تحت مجهر الشعوب.

 عام 2011 هو عام الشعوب العربية بامتياز، فقد استطاعت الحركات الاحتجاجية لهذه الشعوب بقيادة “شباب الفيسبوك” أن تسقط العديد من النظريات والمقولات والتحليلات من قاموس السياسة، منها على سبيل المثال: إن الشعوب العربية متشربة بطبائع الاستبداد، وأن هذه الشعوب لا تنفع معها غير العصا، وأخرى تقول إن الشعوب العربية غير مهيأة لممارسة الديمقراطية، ونظرية جديدة وردت على ألسن بعض زعماء العرب مؤخراً مفادها “أن البديل لاستبداد الأنظمة هو الاستبداد الديني”.

معظم الأنظمة العربية عملت طوال العقود الماضية على ترسيخ النظريات والمفاهيم الاستبدادية في أذهان شعوبها؛ وذلك من خلال نشرها للثقافة الصنمية، والصبر على الاستحقار والاستعباد والاستئثار بالسلطة وللثروة من قبل القلة القليلة المتسلطة على رقاب الشعوب، وإكراههم للخضوع للقائد الأوحد الذي يرى نفسه ظل الله في الأرض!! الأنظمة المستبدة أدخلت الثقافة الصنمية ضمن أدبياتها الرسمية، وعملت على ترويجها عبر وسائلها الإعلامية والكتب المدرسية.

 فما ورد على لسان الزعيم الأوحد مُعمر القذافي الذي عمّر أكثر من أربعين عاماً على عرش ليبيا من كلمات مهينة للشعب الليبي الثائر لهو مثال على مدى استخفاف الحكام بشعوبهم، ناهيك عن نهبهم لأموال وثروات هذه الشعوب. فماذا نقول لحكام يعتبرون أنفسهم ملائكة يمشون على الأرض وشعوبهم مجرد عبيد وجرذان؟!

 الكثير منا تابع أحداث ليبيا الشقيقة والخطابات النارية للقائد الملهم القذافي، والذي كان يقذف من خلالها شرارات الموت والفناء والإبادة تجاه شعبه. هذا الشعب الذي عانى الظلم والقهر طوال حكمه الاستبدادي الذي دام أكثر من أربعة عقود، فبينما كان شعبه يُقتَل على أيدي فلول من قواته الخاصة والمرتزقة والمليشيات التابعة للمؤتمرات الشعبية، كان الزعيم يظهر بطلّته البهية بين فينة وأخرى من خلال التلفاز ليرمي التهديد والوعيد، ويستغرق في مدح نفسه بصورة هزلية أضحكت الكثيرين، فمنها على سبيل المثال قوله: أنا الزعيم التاريخي لليبيا، وملك ملوك إفريقيا، وعميد حكام العرب، وصاحب الكتاب الأخضر.. ويستمر الزعيم في الثناء على نفسه، ويقول: القذافي يعني المجد، والثورة، والأمل، والتغيير. وقائمة طويلة من الأوصاف والألقاب نعجز عن ذكرها.

يعتبر القذافي اليوم خير مثال على العقلية الاستبدادية التي هيمنت ومازالت تهيمن على معظم الدول العربية. الممارسات الاستبدادية وتأثيراتها الثقافية قد أوقعت بشعوبنا في جحور التخلف والتبعية. وصدق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام حينما قال: “كما تكونوا يولى عليكم”.. نعم الشعوب التي تركن للسكون وللظلم تستحق أن يتولى عليها من يفتقدون للرحمة والإنسانية. لكن دوام الحال من المحال، فقد شاء القدر أن يستفيق الشعب الليبي، ويخرج عن صمته، ويكسر حاجز الخوف، ويثور على الطاغية وأولاده وزبانيته.

رأينا كيف حطم المتظاهرون تمثالا “للكتاب الأخضر” ومزقوا صور العقيد التي كانت منتشرة في الشوارع والميادين والإدارات والمقرات ما تسمى بالشعبية، لكن العقيد خرج عن إنسانيته وأمر بضرب الشعب الأعزل بالمدافع والطائرات. مجلس الأمن الدولي تدخل وأصدر بياناً اعتبر ما أقدم عليه القذافي وزمرته عملاً ضد الإنسانية ويعتبر جريمة، وطالب من محكمة الجنايات الدولية البدء بإجراء اعتقال هذه العصابة ومحاكمتها.

 نعم، هذه عاقبة الظلم والاستهتار والاستخفاف بعقول الشعوب. إن موجات تسونامي الشعوب التي انطلقت من تونس وامتدت إلى سائر البلدان العربية قد أثبتت أن أي حكم استبدادي مهما بلغت قوته وبطشه، ومهما عمل على نشر الثقافة الصنمية والتخويف سيبقى أوهن من بيت العنكبوت. كما كشفت حركة الجماهير العربية أن الخوف المفرط الذي دبّ في عروق الشعوب كان خوفاً زائفًا. اليوم دخلت شعوبنا في عمليات مخاض عسيرة قد تحدد مستقبلها وموقعها على خارطة العالم، فإما أن تخرج منها سالمة تنذر بقيام أنظمة وحكومات يكون للشعب كلمة الفصل فيها، أو أن تعود إلى المربع الأول وتحتدم الصراعات من جديد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 7/آذار/2011 - 1/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م