كفاحكم لم يذهب ولن يذهب هدراً

رامي الغف*

التدهور الخطير في الأراضي الفلسطينية المحتلة هو الأمر الواقع الحالي الذي لا يمكن لأحد إنكاره أو التغاضي عنه.

وهذا التدهور المتواصل الذي يرتقي إلى درجة الإجرام، ينذر بأوخم العواقب على مستقبل الأمن والإستقرار والسلام ليس في منطقة الشرق الاوسط وحدها، ولكن في العالم بأسره وعلى وجه الخصوص في أوروبا التي تلاصق المنطقة وترتبط بها وتتأثر إيجابا أو سلبا بكل ما يحدث فيها، وما تشهده من جرائم وأحداث وقصف همجي ودما وحصار جائر على شعب أعزل يريد الحرية والاستقرار والسلام العادل.

من هنا كان لابد من التحرك على المستوى العالمي لإحتواء الموقف الإجرامي التصاعدي الإسرائيلي، ومنع تدهوه أكثر مما هو عليه الآن.. وبذل الجهود المكثفة لإنقاذ عمليه السلام المتوقفة أصلا والتي دخلت بالفعل في مأزق كبير جدا، أو بالأحرى في نفق مظلم حالك السواد.. وفي مواجهه فشل مجلس الأمن في التوصل الى اتفاق بشان حماية شعب فلسطين.

صحيح أن الحجر رغم ضالته في يد صاحب الحق يزلزل في كثير من الأحيان كيان الجندي الصهيوني الذي لا يقهر، والمدجج بأعتى أنواع السلاح المتطور والتكنولوجيا الحديثة (وخالي الوفاض من العقيدة) ليؤكد إنه ليس لهذا السلاح الحق في هذه الأرض المقدسة، وصحيح أن موازين القوى بين الفلسطينيين وبين الإسرائيليين غير متكافئة، فهناك فرق شاسع بين الحجر في يد الثائر الفلسطيني المدافع عن أرضه وعرضه ووجوده، وبين كل الأسلحة التقليدية وغير التقليدية في يد الجندي الصهيوني الغاصب والمحتل..، إلا أن النوازع العدوانية الصهيونية لإرتكاب أبشع المجازر والجرائم ضد جماهير شعب فلسطين المجاهد والصبور قد فاقت كل الحدود، كما أن الإجراءات الإسرائيلية التعسفية التي تهدف إلى خنق شعب فلسطين الأبى والقضاء عليه وتصفيه إنتفاضته وثورته المباركة العارمة وكوادره الميدانية، أصبحت من الخطورة بحيث لا يمكن السكوت عليها لا عربيا ولا إسلاميا بأي حال من الأحوال!!

إذن فالمطلوب اليوم عربيا وإسلاميا - أمران لا ثالث لهما، أولا: التساؤل بحماسه ومسؤولية أما آن لهذا الإجرام أن ينتهي ويندثر؟؟ وثانيا: وضع حد وفوري لقصف مدننا وقرانا ومحافظاتنا ووقف الإعتداءات المتصاعدة على جماهير فلسطين وفك الحصار الغاشم المفروض عليه منذ سنوات، تنفيذا للقرارات الدولية والأممية.

فإذا كانت الأمم المتحدة بصفة عامة ومجلس الأمن بصفة خاصة لم يتخذا خطوة جديه وقوية لإنقاذ شعب فلسطين المرابط على ترابه والذي يواجه أبشع عمليه إبادة عرقيه عرفها التاريخ على يد العنصرية الصهيونية الفاشية، ولا يزالان مع الأسف مكتفين ببعض القرارات التي لم تجد آليه للتنفيذ ولا آذان صاغية منتبهه، فإن ذلك لا يعني إطلاقا الإكتفاء بتلك البيانات والقرارات المجمدة.. أو حتى ما يصدر - على إستحياء في كثير من الأحيان من بعض الدول الشقيقة أو الصديقة بشجب أو بإدانة أو إستنكار للجرائم والمجازر الإسرائيلية، لكن الواجب أصبح يقتضي بإلحاح تحركا شعبيا وجماهيريا عربيا وإسلاميا فاعلا ومؤثرا.. ليس فقط لدى المنظمات الدولية.. ولكن لدى كل الدول المختلفة لدفعها لإتخاذ مواقف واضحة أكثر إيجابيه تشعر معها إسرائيل أن جرائمها النكراء التي ترتكبها ضد شعب فلسطين الأعزل سوف يكلفها غاليا وغاليا جدا، وإنها لن تمر بدون عقاب حاسم ورادع.. ولن تحقق لها في النهاية أي مردود إيجابي على الإطلاق!!

وإذا كان مجلس الأمن الدولي قد فشل تماما في التوصل إلي قرار جريء يحمي الفلسطينيين من هذه المجازر والصلف الإسرائيلي فيجب أن ينقل الموضوع إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بصرف النظر عما يمكن أن يقال بأن القرار من الجمعية العامة ليس بقوة القرار من مجلس الأمن.

فالسوابق تؤكد أن قرارات مجلس الأمن التي لا تجد آلية لتنفيذها ولا تختلف كثيرا في تأثيرها عن قرارات الجمعية العامة التي تقف بجانب قرارات الأمم المتحدة.. ولكنها في المحصلة الأخيرة قرارات للشرعية الدولية والأممية، بإدانة إسرائيل وحكامها على جرائمهم ومجازرهم المتواصلة، ومطالبتهم دوليا بوقف تلك الجرائم والمجازر والإعتداءات حتى ولو عارضتها أو رفضتها حكومة بنيامين نتنياهو كما رفضت من قبل جميع قرارات مجلس الأمن من كثرتها.

كل ما تقدم يمكننا القول أن إسرائيل وحكومتها ما زالت مستغرقة في عالم الوهم الصهيوني، فشعب فلسطين ليس مجموعات سكانية هامشية يمكن مسحها أو سحقها عن الخارطة الجيوسياسية، برغبة من مقاولين حروب مغرورين، امثال شارون وباراك وشامير ونتنياهو واولمرت وموفاز واشكنازي وأن في فلسطين المحتلة مجتمعا وطنيا متوقدا لا يكل أو يمل ولا يتوانى عن تقديم روحه من أجل تحقيق اهدافه المشروعة الوطنية، ورغم أن المعركة مع بنيامين نتياهو وحكومته حبيسه دائرة الوهم الصهيوني التي ترمي إلى تركيع الفلسطينيين ومصادرة حقهم التاريخي ما زالت طويلة، فإن التاريخ سيثبت أن كفاح الفلسطينيين المرير ضد أبشع إحتلال عرفته البشرية لم يذهب ولن يذهب هدرا، وإن النظرية السوداوية العقيمة التي يتبناها نتنياهو وحكومته غير موجودة إلا على صفحات كتب الأساطير اليهودية التي إندثرت منذ آلاف السنين في هوة الماضي السحيق.

أخيرا وليس بأخر.. إن السلام هو هدف يجب ألا يغيب عن أنظار الجميع، وبدون سلام حقيقي وعادل لا يمكن أن يكون هناك أمن أو إستقرار، لا لإسرائيل ولا لإية دولة من دول الجوار مهما كانت مدعومة من الدول العظمى.

والسلام الذي نعنيه - بطبيعة الحال - هو السلام الشامل والعادل والكامل القائم على قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية ومبدأ الأرض مقابل السلام.

* كاتب وصحفي فلسطيني

عضو الإتحاد العربي للإعلام الإلكتروني

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 6/آذار/2011 - 30/ربيع الأول/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م