جميع الأنظمة يجب ان تركع لارادة الشعوب

خليل الفائزي

يقال ان عمدة (مختار) قرية كان يخطب بناس بسطاء، فأراد ان يثبت مدى فهمه بالشرع، فحذرهم من انه في حالة تعرض اي من سجاد او أثاث البيت الى نجاسة أطفال فيجب فوراً تمزيق رقعة السجاد او الأثاث وإلقاؤها في المزبلة بدلاً من شطفها بالماء. وعندما عاد هذا العمدة الى بيته فرأى ان زوجته قد مزقت الكثير من أثاث وبساط البيت، فاستشاط غضباً وقال لها: يا بنت الحلال، التحذير الذي قلته كان للآخرين وليس لنا، لأنني دخلت في تجارة مع أشخاص لبيع السجاد والأثاث!.

 هذه الحالة تنطبق تماماً على معظم دول المنطقة التي صارت تخشى وصول أشبه بالانتفاضة التونسية اليها وتدعي الان من ان الانتفاضات في العالم لا تخصها وهي ليست معنية فيها ولا يمكن للشعوب في هذه البلدان القيام باي اعتراضات ضد أنظمتها لانها منزهة عن الأخطاء وغير مقبول وقوع اي ثورة في هذه الدول والمحتجون والمنتفضون سيواجهون بالحديد والنار وستقمعون فورا.

 ما هذه الادعاءات الفارغة وما هذا الهراء الأجوف بشأن أحقية بعض الشعوب الانتفاضة والاعتراض في بلد ولا يحق للشعوب أخرى القيام باي اعتراضات او تقديم اي اقتراحات في بلدان مشابهة لتونس ومصر وليبيا خاصة وان أساليب تلك الأنظمة أسوء من أساليب نظام القذافي الإرهابي والقمعي، ولا ثبات زيف الذين يميزون حق الاعتراض والنقد بين دولة وأخرى نقول اولاً:

 ان من حق اي شعب القيام بمسيرات اعتراضية وقتما يشاء وكيفما يريد في إطار النهج الحضاري السلمي، وهذا الحق هو ملك قانوني لغالبية الشعب ان شاء او أبى النظام وليس من حق النظام مهما كانت دوافعه وتبريراته ان يقف ضد هذه الاعتراضات والمسيرات او عدم السماح لها، خاصة إذا اختارت غالبية الشعب نقطة معينة من العاصمة اواي مدينة او قضاء وقرية وجعل من هذه النقطة مكاناً للاعتراض ومنبراً لعرض وجهات نظره وطرح مواقف الجماهير بكل حرية على شكل شعارات او هتافات واعتراضات سلمية حتى وان تضمنت الاعتراضات هتافات وشعارات تطالب الحكومات بالسقوط والرؤساء بالتنحي فهذا حق مطلق وأكيد للجميع فإذا سقطت الحكومة وتنحى الرئيس فمن حقه وأنصاره لاحقا التجمهر في تلك النقطة وإبداء النقد والاعتراضات شريطة ان تكون سلمية وهذا هو المعنى الحقيقي للحرية والديمقراطية واحترام الرأي الآخر، وبعبارة أوضح ان الجماهير لم تعد من اليوم كما كان تتصور الأنظمة المستبدة مجرد قطيع من الحمير والغنم ينساق ويتجه نحو المكان الذي يعيينه ويحدده الحكام والرؤساء كيفما شاءوا وحسب رغباتهم فقط.

 ثانياً: وفقاً للعدالة والقانون لا يحق للنظام الحاكم كان من يكن قمع هذه المسيرات او الوقوف عقبة في طريق الاعتراضات الجماهيرية او إرعاب المشاركين فيها وبث الخوف وإطلاق التهديدات قبل البدء بها او حتى تسيير مسيرات حكومية مؤيدة للنظام، لان مثل المسيرات المدعومة حكوميا هي في الواقع غير قانونية وغير شرعية لانها تقام بدعم مالي كبير من النظام ويشارك فيها فقط المنتفعون من النظام وأسرهم ولدينا أدلة ووثائق دامغة تؤكد من ان جميع المشاركين في المسيرات الحكومية يحصلون على مزايا مالية ومادية كبيرة من النظام، وفي بعض الدول تضاعف رواتب المشاركين في المسيرات الحكومية ويمنح لهم النظام القطع الذهبية وبطاقات خاصة للشراء والتسوق مجاناً من المؤسسات والمتاجر الحكومية بالإضافة الى توزيع صناديق العصائر والحلويات ومساحيق غسل الملابس وحفاظات الاطفال و..!.

 ثالثاً: من واجب النظام الحفاظ على أمن المسيرات الاعتراضية وان يتعهد بعدم تعرض اي من الناقدين والمعارضين لاي أفعال سوء واعتداءات همجية من جانب مرتزقة السلطة من حملة الأسلحة والهراوات الذين اذا قيل لهم ان دولة أجنبية تنوي الهجوم على البلاد وهي تريد احتلاله فيفر هارباً الى خارج البلاد او يختبأ في جحر له خشية من ان يصاب او يتأذى او تضيع أمواله وممتلكاته، ولكن اذا أراد جاره او أخوه او ابن بلده ومدينته وابن دينه وابن قوميته ان ينتقد الحكومة او يعترض على مساوئ أساليب المسئولين، فانه يهب مسرعاً حاملاً الهراوة والبندقية لقتل جاره او أخاه وابن بلده تحت شعار الدفاع عن رئيس النظام الطاغية والحكومة الفاشلة حتى وان كان الرئيس على خطأ وأساليبه أسوء من تعامل فرعون مع قومه وخصومه.

 قسماً بالله اننا نرى ونسمع عن إجراءات همجية وأساليب قمعية ومواقف إرهابية يقوم بها أنصار ومرتزقة بعض الأنظمة والحكومات في المنطقة ضد شعوبهم هي أسوء بكثير من أساليب هتلر والكيان الصهيوني، وحتى ان بعض زعماء المنطقة مارسوا القتل الجماعي وإبادة المواطنين واغتصاب وتصفية المعارضين والناقدين والمطالبين بحقهم ووصفهم بالكلاب والقطط والجرذان، بل وهدد الكثير من هؤلاء الزعماء بقصف مواطنيهم بالأسلحة المحرمة دولياً وإبادة أكثرية أبناء الشعب حفاظا على مصالح ومواقف وإرادة شخص واحد في رأس السلطة، وقطعاً ان هؤلاء تنطبق عليهم الآية الكريمة: أبى واستكبر..

 وعليه فاننا لا نستثني اي من الزعماء والمسئولين من ضرورة الركوع لارادة الشعوب والانصياع والطاعة الكاملة لمطالب الجماهير لانها دوماً على حق والحكام والزعماء غالبا على خطأ، وان يد الله مع الجماعة وأمرهم شورى بينهم.. ولا يحق لاي شخص في عصرنا الراهن الاستبداد برأيه او فرض حكمه على الأكثرية بالقوة والإرعاب مهما كانت التبريرات ومهما كانت مزاعمه لانها مجرد أوهام وأكاذيب اختلقها هو والمطبلون والمهرجون له ولا يقبل بأساليبه وقراراته الشرع والعقل والقانون، وعلى هؤلاء ان يتخلوا فوراً من الاستمرار بخدعهم وافتراءاتهم وان لا يستكبروا على الجماهير وان يروا أنفسهم على مستوى واحد مع ابسط شخص في مجتمعاتهم وان يتأسوا بأخلاق الأنبياء والرسل الحميدة في التعامل مع خلق الله وليس بأفعال وأساليب الطغاة امثال نمرود وفرعون القمعية والاستعلائية.

 أسئلة بسيطة نطرحها على هؤلاء الحكام والمسئولين المتفرعنين الذين لا يقبلون باي نقد او اعتراض او حتى نصيحة من شعوبهم ومن الخيريين. يا ترى هل الذي يطالب بتحسين الخدمات العامة وهم محروم من حق الإنارة والماء والعيش الكريم والوظيفة المحترمة والتامين الاجتماعي، هو مجرم وإرهابي ويعمل على زعزعة البلاد؟.

 هل الذي يعترض على نهب أموال الشعب وعائدات البلاد ويطالب بمحاكمة المفسدين والمرتشين وعدم الأكفاء من المسئولين، يخطط للإطاحة بالحكومة ويستحق القمع والاعتقال والسجن؟.

 هل الذي يعترض على تزوير الانتخابات ويطالب بضرورة إشراف جهة نزيهة ومستقلة على فرز الأصوات، هو عميل لأمريكا ولإسرائيل ولابد من قمعه وقتله او حرمانه من كافة حقوق المواطنة والتضييق عليه وعلى أسرته الى يوم الدين؟.

 هل الذي يندد بتدخل المؤسسات العسكرية في شئون الحكومة ومصادرة العسكريين والأمنيين الأميين كافة حقوق المواطنين ويهددون الشعب بالعقاب دوماً بالأسلحة الفتاكة، هو شخص غير وطني اولا دين ولا قومية له اوانه ينفذ مخطط معاد للبلاد ولابد من اعتقاله ومحاكمته بشتى التهم والافتراءات؟.

 هل الذي يرفض نظام توريث الحكم وأنظمة "انا ربكم الأعلى" والحكام الذين عينوا أنفسهم بأنفسهم زعماء لمدى الحياة دون إرادة واقعية من جانب غالبية المواطنين وانعدام أرضية شفافة لاي انتخابات نزيهة، اوان يتحكم شخص واحد بمصير أمة كاملة دون وجود اي قانون او دستور اواي مؤسسة تعترض على سلوكه او حتى تنتقد مواقفه وأساليبه، او ان هذا الشخص هو بيده مصير كافة أركان الدولة ومؤسساته دون رادع، يكون قد وقف ضد القانون وانتهاك الشرع والدستور ولابد من محاكمته بلائحة من الاتهامات لو قرأت ضده لن تنتهي الا بعد ايام او أسابيع؟.

 هل علينا نحن دعاة إرساء المجتمع المدني ان نصدق من ان هؤلاء الحكام والزعماء زهاد ويعملون لخدمة الناس فقط وليس لديهم اي صفحات سوداء في مجال القمع والقتل وحقوق الإنسان ولم ينهبوا اي درهم او دينار واحد من المال العام، كما صدقنا في السابق فقر وإخلاص الرئيس السوداني عمر البشير الذي اتضح في النهاية ان لديه حساب خاص من عشرات الحسابات السرية فيه 18 مليار دولار في سويسرا. والشحاذ الفقير لله حسني مبارك وأسرته، حيث كشف النقاب مؤخرا من ان ثروتهم تصل الى 40 مليار دولار على اقل تقدير، والقذافي الزاهد الجماهيري الذي كان يزعم ان ليس له بيت ملكاً له وليس عنده ارض او عقار ويركب سيارة "التوك توك" التي سعرها 200 دولار، ثم اتضح بعد تجميد احد حساباته في لندن وفيه 24 مليار دولار وعشرات الحسابات الأخرى في إيطاليا وسويسرا، ان زهده ومزاعمه من انه زعيم فقير يحكم ولا يملك مجرد أكاذيب جوفاء.

 اننا وجميع دعاة إرساء المجتمعات المدنية في الدول العربية والإسلامية ومنذ عدة أعوام وسنظل نعارض بقاء او استمرار الأنظمة العسكرية والأنظمة التي يبقى حكامها في رأس السلطة والحكومة اكثر من 5 أعوام متتالية لان عهد الأنظمة المستبدة والمحتكرة للسلطة قد انتهى واندثر ولا يمكن لاي شخص عادي مهما كانت مواقفه ومناهجه وأفكاره وأساليبه ان ينفع المجتمع لفترة طويلة جداً دون ان يحقق اي إنجازات واقعية لصالح الناس والمجتمع، وخير دليل على ذلك ان القذافي حاول استبدال الكتب السماوية بكاتبه الأخضر الذي هو خليط من الاشتراكية والشيوعية والرأسمالية وفي فصله الأخير يبشر القذافي أنصاره من انه اكتشف في النهاية أمرا مهما للغاية للعالم وهو ان المرأة أنثى والرجل ذكر!.

 وهذا النهج والأسلوب والفكر لا ينطبق على القذافي وحده بل على معظم الحكام والزعماء والمسئولين الذي يوعدون المواطنين بشعاراتهم البراقة وأحاديثهم المنمقة ولكنهم يعجزون او بالأحرى لا يرغبون حتى تامين الخدمات العامة للمجتمع التي هي ابسط حقوق المواطنة للجماهير ويكدسون الأموال الطائلة ويذلون شعوبهم برفع أسعار المواد الغذائية والأساسية وينهبون او يبذرون المال العام بذرائع ومزاعم مختلفة ويجعلون الناس يضجرون ويملون حتى من الاستمرار في حياتهم العادية، وعندما ينتفض المواطنون او يشعر الحكام من ان غضب الجماهير قد يندلع قريباً، يبادرون بتوزيع جزء من الأموال التي يكدسوها ويعطون الوعود بالإصلاح والتغيير وحتى انهم يبدون استعداداً للإطاحة ببعض رموز الحكومة والنظام حفاظاً على عروشهم ومصالحهم مع احتفاظهم سرا وعلانية بقدراتهم العسكرية والأمنية القمعية.

 اننا ومن باب "النصيحة بجمل" وقطعاً لا نريد من هؤلاء الحكام والزعماء لا ناقة ولا جمل، بل نطالبهم بتغيير مواقفهم وإصلاح سياستهم وإرجاع جميع الأموال التي سرقوها ونهبها أنجالهم وذويهم وأنصارهم طيلة الأعوام والعقود الماضية ومحاسبة المفسدين والجناة والمخطئين في النظام والحكومة وليس الاكتفاء نتبادل الأدوار في الحكومة والنظام او نقل وزير من وزارة الى أخرى.

 ومن الضروري احترام حقوق النقاد والمعارضين وحقوق الإنسان والمساواة بين الجميع وتوزيع العائدات بشكل عادل وعلى كل المواطنين المحرومين دون تمييز وإيجاد ضمان اجتماعي واقعي لكافة أبناء الشعب والسماح للهاربين واللاجئين السياسيين والناقدين غير المقترفين لجرائم القتل والنهب العودة لبلدانهم وإنهاء حالات احتكار السلطة وقمع الصحافة ومصادرة الحريات والعمل على تأسيس مراكز مدنية تكون منطلقاً ومنبراً لانعكاس وطرح وجهات نظر واقتراحات كافة شرائح المجتمع في جميع المجالات وكذلك تعيين منطقة خاصة او ساحة عامة تكون محمية بكافة السبل الأمنية لعرض وجهات نظر المحتجين والمعارضين والسماح لإقامة المسيرات والتجمعات والاعتراضات فيها دون قيود او مضايقات او ملاحقات أمنية تعسفية، وغير ذلك فليعلم جميع الزعماء والحكام من ان العام الحالي هو عام الانتفاضات المتسلسلة وعام سقوط اعتى الأنظمة الدكتاتورية والطاغية وان ثورات الشعوب الاعتراضية كاسحة وجارفة ومستمرة ولا يمكن لاي نظام مهما كانت قدرته العسكرية وسلطته البوليسية والأمنية القمعية الوقوف أمام غضب الجماهير وإرادة الشعوب الباحثة عن عزتها وكرامتها والمطالبة بحقوقها المشروعة.

* صحفي وإعلامي-السويد

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 3/آذار/2011 - 27/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م