الثورات بين مزاعم الغرب وادعاءات الانتهازيين

خليل الفائزي

نحن المدنيون لقد خدعنا ومنذ عقود وحتى الان بشعارات الحكام والزعماء وتصورنا من انهم أناس لهم قلوب وعقول ومشاعر مثلنا وانهم لا يصدرون بتاتا أوامر بقتل المدنيين او ارتكاب المجازر البشعة ضد العزل وان كل حاكم وزعيم على الأقل لا يقتل اي شخص من أبناء بلده ولا يصدر أوامر القتل لناقديه اولا يعين مسئولين متعطشين لدماء الناس ومتخصصين بقمع المواطنين وحائزين على شهادات عليا وخبرات واسعة في مجال القتل والاغتصاب ولتعذيب خاصة وان القوانين التشريعية والقضائية المدنية تؤكد انه لا فرق بين القاتل والمصدر لقرار او المحرض على القتل، فجميعهم مجرمون من وجهة نظر القانون ولا بد من الاقتصاص منهم ومحاكمتهم على كل روح زهقت في المجتمع وعلى كل طلقة أطلقت نحو المدنيين وكل تفاهة وعمل مشين قاموا به ضد إرادة المواطنين.

التطورات المتسارعة الأخيرة التي اندلعت في المنطقة من انتفاضة تونس الى ثورة الشعب في ليبيا مرورا بالبحرين ومصر واليمن ودول أخرى اثبت للجميع من ان معظم حكام وزعماء المنطقة هم مجرمو حرب ومن أقسى المستبدين والطغاة وانهم كانوا قد ارتكبوا جرائم ومجازر بشعة طيلة العقود الماضية في المعتقلات والسجون وأنواع التصفيات الجسدية وقتل المجتمعات سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وان إعلامهم المضلل كان يصور لنا من ان هؤلاء أشبه بملائكة يمشون على الأرض وان التاريخ حجز لهم صفحات منقوشة بالذهب وان الشعوب سوف تبني التماثيل وتشيد الصروح لهم تمجيدا وتخليدا لذكراهم ولكن رأينا كيف فضح الله من خلال خلقه البسطاء من الشباب المحرومين هؤلاء الطغاة الذين ان بنيت لهم ولأسلافهم الأصنام والتماثيل فسوف تحطمها الجماهير المنتفضة وستحول صروحهم وقبورهم الى مراحيض عامة ودورات للمياه نظرا لبشاعة الجرائم التي اقترفوها ضد الإنسانية وانتقالهم الى نار الآخرة قبل نار الدنيا ولهيب انتقام الشعوب.

 اليوم يرتكب الطاغية السفاح حاكم ليبيا قذاف الحقد والسفالة والدماء جرائم ضد البشرية لم يسجلها التاريخ حتى في عهد فرعون وهتلر لان اي من الطغاة والمجرمين السفاحين على مدى التاريخ لم يرتكب اي مجازر ضد أبناء شعبهم بل ضد شعوب وملل أخرى لكن أمثال القذافي ارتكبوا هذه المجازر والجرائم ضد شعوبهم وبمساندة مرتزقة وسفاحين من دول أخرى وهذا الأمر يؤكد مدى حقارة وتفاهة هؤلاء الحكام الذين لابد من تطهير الأرض منهم وأمثالهم خاصة وانهم توعدوا علانية كل الجماهير المنتفضة والمحتجة على عروشهم وطغيانهم بالقتل الجماعي والتطهير الشامل، حسب قولهم.

 ومن المستغرب جدا ان الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا التي تتباكى من خلال إعلامها ومؤسساتهم على مرض فيل في كينيا او مقتل ضفادع في المكسيك وتلوث طيور النورس في جزر الكاريبي لم تهتز مشاعرها حيال آلاف من القتلى في اي من دول المنطقة بل خرج زعماء ومسئولو هذه الدول علينا بالتصريحات التالية:

* الرئيس باراك اوباما فاق من نومه مبكرا صباح اليوم وأعرب وهو يتثاءب عن قلقه البالغ حيال ما يجرى من تطورات خطيرة في ليبيا دول أخرى في المنطقة!

* الوزيرة كيلنتون نصحت حكام المنطقة بعدم ممارسة العنف والتحلي بالصبر لان الصبر مفتاح الفرج!

*وزارة خارجية أمريكا وعدت بدعم المعترضين من خلال الإبقاء على صفحة لها في موقع التواصل الاجتماعي!

*زعماء دول أوروبية نصحوا القذافي وحكام آخرين بضبط النفس. وقال رئيس الوزراء الإيطالي برلوسكوني لا نريد إزعاج القذافي لانه عزيز علينا كلنا نحن حكام الدول الأوروبية!

* الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمؤسسات الدولية الأخرى نددت بالعنف في هذه الدول وطالبت بالتهدئة الفورية!.

اننا لا نعلم بالخطوات التالية التي قد يتخذها لاحقا مجلس الأمن الدولي او المجتمع الغربي ضد مجازر القذافي ومن على شاكلته من الحكام ولكن حتى اليوم نؤكد من هذه المواقف أثبتت للجميع من ان الأجانب مهما كانوا ومهما فعلوا لا يفكرون سوى بمصالحهم وبالنفط والغاز فقط الذي تنهبه شركاتهم وتبيع بالمقابل لحكام المنطقة الأسلحة الفتاكة والأجهزة القمعية التي كتب عليها عبارة : مخصصة لقتل شعوبكم ومحرمة ضد المحتلين وناهبي ثروات الدول.

 الدول الغربية بما فيها اليابان والدول الصناعية الكبرى مثل روسيا استغلت حماقة وعمالة حكام المنطقة لتصدر لهم طيلة العقود الماضية مختلف أسلحة قتل المدنيين وأجهزة متطورة جدا للتجسس على حياة المواطنين وأنواع أساليب انتقاص الحريات الشخصية، وهاهو الغرب والمجتمع الدولي المزعوم يثبتان للجميع مرة اخرى عدم اكتراثهما بموضوع حقوق الإنسان والمجازر التي ترتكب يوميا في الدول الغنية بالنفط والغاز حتى لا تتعرض مصالح الغرب والدول الناهبة للخطر وتضيع منها عقود شركات النفط والمشاريع الكبرى او تقع مصائر وقرارات هذه الدول بيد الشعوب المنتفضة.

 دولة مثل ليبيا تعرضت للمقاطعة والضغوط الدولية لاكثر من عقد من الزمن ولم يتمكن نظام القذافي في تلك الفترة حتى من تحليق طائرة حربية واحدة في الجو لانه لم يدفع منذ البداية التعويض المالي عن الجريمة التي اقترفها بإسقاط طائرة بان امريكن فوق لوكربي، ولكن نرى اليوم ان الغرب ومعه المجتمع الغربي ومجلس الأمن الدولي ومن المؤسف جدا يسمحون وبكل صلافة لهذا النظام وغيره من أنظمة المنطقة المستبدة بارتكاب ابشع الجرائم ضد البشرية وقصف المدنيين بالطائرات الحربية والمدافع والدبابات وبالقنابل الانشطارية والحارقة المحرمة دوليا والتي كانت إسرائيل وحدها من بين دول العالم قد استخدمتها في حربها ضد غزة، وسط إصرار وتحدي القذافي لشعبه وللمجتمع الدولي من خلال تهديد الجميع بالإبادة والدمار على غرار ما فعلته إسرائيل ودول مجرمة بقوله، انه استخدمت حتى الآن جزءا قليلا فقط من الأسلحة الفتاكة وسوف اقتل كل الليبيين بأسلحة اكثر فتكا إذا واصل الثوار الانتفاضة ضد سلطتي لاني زعيم ثوري (انا ربكم الأعلى) وليس رئيسا للجمهورية حتى أتنحى او استقيل!.

 هذا هو حال وحقيقة حكام وزعماء المنطقة الذين خدعنا بهم بواسطة الإعلاميين والسياسيين الذين كذبوا علينا نحن الشعوب المغلوب على أمرها منذ عدة عقود وحتى الان ويحاول هؤلاء المخادعون والمطبلون للنظام الذين كنا نصفهم دوما بقرود السلطة ومهرجي الأنظمة والحكام خدعنا وضحكوا علينا مرة أخرى من خلال مصادرة نتائج ومصائر الانتفاضات والثورات حيث ركب معظم هؤلاء الموجة وهيئوا أنفسهم للبقاء في مناصبهم بل والتمدد عموديا نحو الأعلى لنيل أهم المراكز والأكثر منفعة لهم ليحفظوا مصالحهم المادية والفئوية من خلال النفاق الإعلامي والسياسي الذي هو سمة بارزة وماركة مسجلة عالميا على جباههم.

لقد رأينا جيدا في تونس ومصر والبحرين والأردن ودول أخرى تشهد انتفاضات او تكاد تشتعل فيها الثورات الاجتماعية كيف هرول قادة الأحزاب والمنظمات السياسية لإطاعة قرارات القادة العسكريين او الذين استبدلهم النظام بوجوه أخرى للتفاوض مع المنتفضين بحجة الاستماع الى الاعتراضات والقبول بجزء من الإصلاحات دون تغيير الحكام ولا أسس وأركان النظام ولا حتى الإطاحة بالحزب الحاكم الذي سرعان ما غير اسمه وشعاره من حزب الرئيس الى حزب الشعب واستغل حفنة من الوجوه المعروفة على نطاق الفن والسينما والإعلام ليطهر نفسه من الذنوب السابقة ويخدعوننا هؤلاء جميعهم بالزعم من انهم صحيح كانوا عملاء للنظام السابق اوانهم شاركوا في قتل الأبرياء المنتفضين ونهب المال العام وتكديس الثراء غير المشروع لكنهم كانوا مجبرين على ذلك وان قلوبهم كانت دوما مع إرادة الجماهير، وهاهم يطالبون الآن ليس لعدم محاكمتهم او إرجاع ما نهبوه من قوت الشعوب بل يصرون على تقسيم الغنائم وحصولهم على حصة الأسد من حصة الثورات، كما يفعل الآن كذلك معارضو بعض أنظمة المنطقة من سكنة القصور ورواد الملاهي والنوادي الليلية ومفسري القنوات الأجنبية ومن الإعلاميين والسياسيين التافهين والمنصهرين في ملذات الغرب من الذين لا دخل ولا دور لهم بإشعال ودعم اي من الانتفاضات في المنطقة حتى بمقدار ذرة ولم يساهموا حتى بقشة في الحركات الأخيرة للشعوب وان كل ما يهدف اليه هؤلاء العودة الى بلدانهم بعد انتصار الثورات وتحقق إرادة الانتفاضات ليخدعوا الجميع من انهم كانوا وراء كل الانتفاضات وانهم من قادة الثوار والحركات الانتفاضية وان أصواتهم وأقلامهم كانت اكثر قوة وفاعلية من مدافع ورصاص الأنظمة المستبدة!.

اننا دعاة إرساء أركان الأنظمة والحكومات غير العسكرية وغير التوريثية وغير المحتكرة للسلطة لا نطالب بالانتقام العشوائي او تغيير كافة الإعلاميين والسياسيين او حل الأحزاب او تصفية ما تبقوا من زعماء الأنظمة او عدم القبول بالحكام الحاليين لان مثل هذه القرارات هي عائدة للجماهير التي انتفضت او تريد الانتفاضة والاستمرار بها حتى تحقق جميع مطالبها، لكننا نقول من ان الزعماء الذين حكموا عدة عقود بلدانهم بالحديد والنار او المخادعة والتزوير لماذا لم يبادروا بإجراء أي تغييرات وإصلاحات واقعية طيلة الفترة السابقة وهل من المعقول انهم أفاقوا من نومهم فجأة وسمعوا اعن طيب خاطر أصوات شعوبهم ويريدون الان الإصلاح والتغيير الواقعي كما زعم ابن الطاغية في ليبيا الذي هدد الشعب بقبول ما اسماه نظام الجماهيرية الثانية او الإبادة الجماعية. يا ترى ماذا جنى الشعب من الجماهيرية الأولى لكي يوافق على الجماهيرية الثانية ويقبل بها؟.

وفي دول أخرى ادعى المستبدون في الحكم والمحتكرون للسلطة انهم سيقومون بالإصلاحات مستقبلا شريطة ان يوقف الثوار انتفاضتهم ويرجعون الى بيوتهم، وبمعنى اخر يقول لهم الحكام: ارجعوا الى نقطة الصفر وابقوا في أماكنكم لكي أرسل لكم غدا قوى الأمن والعسكريين الموالين للنظام ليعتقلونكم وثم يعلقوا المشانق في الساحات العامة ليعدموا جميع المنتفضين او على الأقل يقصد الحكام: ان ما نهبناه حتى الان هو عشرات المليارات ولابد من جمع وزيادة هذا المال والبحث عن مكان آمن وهادئ للعيش والإقامة لا تستطيع الحكومات القادمة من ملاحقتنا قانونيا لمحاكمتنا او مصادرة وإرجاع الأموال المسروقة من جيوب الشعوب.

ونحن بدورنا كنا قد اقترحنا على هؤلاء الحكام الهروب سريعا والإقامة في قبرص التي يصدر من هذه الجزيرة الى العالم افخر أنواع الحمير والبغال وأكثرها أصالة ونسبا وتحملا للصعاب والمشقات!.

قبل 30 عاما أقنعتنا جميع الدول الغربية والصناعية الكبرى ان لديها تقنية متقدمة جدا حيث تستطيع الأقمار الاصطناعية الجاسوسية من التقاط صور من الجو لمعرفة أدق التفاصيل وقراءة حتى أرقام لوحات السيارات التي تنقل الزعماء والمسئولين في اي من دول العالم وان أجهزة التجسس هذه تعرف وتكشف ما يدور من حديث وأفعال في غرف نوم كبار المسئولين او أي شخص المراد رصده وملاحقته. اليوم وبعد مرور ثلاثة عقود من هذه التقنية لابد من انها أضحت اكثر تطورا ووصولها الى تصوير الأقمار الجاسوسية من الجو حتى بيوت العناكب والنمل في الغابات، فكيف يريد منا الغرب ان نقبل بزعمه اليوم من انه لا يستطيع تأييد ما يجري من مجازر وجرائم ضد الإنسانية في العديد من دول المنطقة والعالم اوانه لم يتمكن من تأكيد هذه المجازر من مصادر مستقلة وانه غير قادر إيقاف هذه المجازر او نقل صورها وحقائقها الى مجلس الأمن الدولي!.

في الغرب وأيضا في العديد من دول المنطقة هناك يوم يسمى يوم الطيور بهدف الحفاظ على حياة الطيور البرية وتمهيد الأجواء والظروف لحماية الطيور من الكوارث والانقراض او ظلم الإنسان والطبيعة. ولكننا لم نسمع بتاتا بوجود يوم او حتى ساعة واحدة مخصصة لاحترام الإنسان وحفظ كرامته أرادته وفكره واقتراحاته على الأقل لانه اشرف المخلوقات ومن اللازم والضروري الاستماع لصوته والدفاع عن حقوقه ومنع حكام وزعماء الدول في الوقت الراهن من ارتكاب المجازر وابشع أنواع القتل والإرهاب ضد الإنسان خاصة وان الكثير من الحكام والزعماء وأعوانهم هم من الذين يفتقدون للذات البشرية وليست فيهم خصلة وذرة من الإنسانية وانهم قطعا أشرس من اي حيوان مفترس وأسوء بالتعامل مع الناس حتى من ابشع المجرمين والطغاة والمستبدين على مدى التاريخ والعصور.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 28/شباط/2011 - 24/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م