هورا، أنظمة المنطقة دخلت الحرب ضد إسرائيل!

د. الفائزي

صباح كل يوم نفتح نحن المدنيون قنوات الفضائيات الإخبارية العربية والأجنبية لنطلع على أخبار هذه الأمة ونتابع التقارير المصورة المتعلقة بالانتفاضات والاعتراضات في المنطقة وكلنا أمل ان نرى رئيس نظام واحد شريف من أنظمة الدول العربية والإسلامية يتنحى عن طيب خاطر ويترك السلطة دون مقتل المئات من الأبرياء والعزل من المعترضين خاصة وان طبعنا نحن من مؤيدي إرساء المجتمعات المدنية نخشى ونغضب لإسالة دم شاب اواي إنسان دون ذنب، ليس لأننا جبناء أولا نستطيع رؤية الدماء المهدرة هذه الأيام في دول المنطقة بل لأننا ملتزمون ومؤمنون بالحديث القدسي الذي ينص على ان (عرش الله يهتز غضبا في حالة إسالة قطرة دم واحدة دون ذنب) فما بالك ان قطرات دماء الأبرياء التي تهز عرش الأرض والسماء تسال هذه الأيام كالأنهار مدرارا ولا تجفن عين اي من زعماء المنطقة ولا يتثاءب حتى!.

 وكل ذلك بالطبع من اجل مقعد (كرسي) ومصالح حاكم او مسئول في نظام لا قيمة له عند الله وخلقه قدر ومكانة قشة او بعوضة. ورحم الله ذلك القائد التاريخي الذي قال لأنصاره الذين يصرون عليه بتمسكه للحكم والدخول في حرب مع منافسيه من اجل الخلافة: والله يا قوم ان قيمة الحكم وكرسي الخلافة عندي اتفه من عفطة تيس!

وعودة لموضوع الانتفاضات في المنطقة والاعتراضات التي نشهدها الان وفي آن واحد على الأقل في سبع دول في المنطقة. فقد رأينا بعض لفضائيات تنقل صورا حية عن توجه مئات من المدرعات والدبابات في عاصمة البحرين المنامة الى الشوارع. وفي مصر كانت طائرات الطنطاوي أف 16 الأمريكية المخصصة للحروب الشرسة تحوم فوق رؤوس المعترضين المدنيين في ميدان التحرير وتكسر حاجز الصوت وكأنها في مواجهة شاملة مع الأعداء والغزاة.

وفي أفغانستان فجّر البعض أنفسهم بأحزمة ناسفة واتضح بعد ذلك مقتل المئات من الأفغان الأبرياء وليس الأجانب المحتلين. وفي الجزائر انزل النظام الحاكم بكامل القوات المسلحة المخصصة أساسا للدفاع عن ثغور البلاد لمنع اعتراضات آلاف فقط من المدنيين كانوا ينوون التجمهر في أحد ميادين العاصمة تأسيا بالمنتفضين في القاهرة. وفي تونس اعد النظام السابق والحالي أيضا خطة لتجير مئات السيارات المفخخة لقتل الأبرياء وإثارة الفوضى بهدف خلق حالة من اليأس ودعوة بن علي للعودة مجددا الى البلاد.

وفي اليمن دفع نظام علي عبدالله المستبد بقوى الأمن وأعضاء الحزب الحاكم والمرتزقة الى الشوارع حاملين معهم العصي والسيوف والخناجر والبنادق لإرعاب المعترضين من الذين يطالبون بالإصلاح والتغيير وإنهاء التوريث واحتكار السلطة في الجمهورية اليمنية. وفي ليبيا التي تسمى زيفا وبهتانا الجماهيرية الشعبية الاشتراكية العظمى فتح نظام القذافي الذي يحكم البلاد اكثر من 40 عاما دون انتخابات ودون إرادة من الجماهير النار على المعترضين والمطالبين بالتغيير.

وفي العراق البلد النفطي الذي تفوق ثرواته الطبيعية اكثر من اي بلد نفطي من دول المنطقة تعاملت قوى الأمن المدعومة بقوات لاحتلال مع الفقراء (الذين يعيشون في أوضاع مأساوية أسوأ من فقراء الهند وبنغلادش) والمحرومين من ابسط الخدمات الاجتماعية بكل قسوة وإذلال في هذا البلد النفطي الذي هو ثالث بلد نفطي من حيث الاحتياطي والإنتاج.

وفي إيران لا يزال النظام يتعامل بكل شدة ودون رأفة مع أنصار القوى الإصلاحية ويدفع كل يوم بمئات آلاف من قوى الأمن والتعبئة المسلحة الى الشوارع لمواجهة بضع آلاف من المعارضين، حسب قول أجهزة إعلام الحكومة. وفي دول أخرى يقال انها جهزت نفسها عسكريا وأمنيا بكافة المعدات والأسلحة التي استوردت خصيصا من ألمانيا واليابان وبريطانيا (الدول التي ترفع شعار التحضر وتنادي بعدم قمع المدنيين!) لمواجهة الأحداث والتطورات التي يمكن ان تحدث بشكل فجائي في اي بلد، وأعلن عن تعاقد الكثير من أنظمة المنطقة مع دول مصدرة للسلاح مثل أمريكا وفرنسا وروسيا لشراء احدث المقاتلات والمروحيات القتالية والأجهزة والعتاد بمليارات الدولارات.

وأصدرت بعض أنظمة هذه الدول بيانات بهذا المعنى: ان عملاء من إسرائيل وغرباء ( ربما جاءوا من المريخ وزحل) تغلغلوا في بلادنا وقد اصدر الحاكم الفلاني ابن الفلاني المعظم الذي هو أيضا القائد العام للقوات المسلحة قرارا بتصفية وقتل جميع هؤلاء العملاء والغرباء تطبيقا للشرع والدستور وتنازلا لارادة الشعب والأجانب المقيمين! وان كل ما يقال من ان مئات وآلاف من القتلى والجرحى الذين سقطوا برصاص وقنابل قوى الأمن والقوات المسلحة الحكومية هم من أبناء الشعب والمواطنين العاديين مجرد خدع وأكاذيب تروجها أجهزة الصهيونية الحاقدة والإمبريالية العالمية وبعض دول المنطقة!

وتصورنا نحن والكثير منا ان هذه الأنظمة ربما أعدت نفسها حقا لطرد الأجانب المحتلين رسميا لاكثر البلدان العربية والإسلامية والناهبين لثروات وخيرات الشعوب او بهدف مواجهة إسرائيل وتحرير فلسطين التي كانت في السابق مقسمة على اثنين (إسرائيل والفلسطينيين) وأضحت اليوم مقسمة على ثلاثة. وإسرائيل (المحتلة) والضفة (عباس) والقطاع (حماس).

على اي حال اثلج قادة الدول العربية والإسلامية قلوبنا من خلال شراء كل هذه الأسلحة والمعدات من جيوب الشعوب وتجهيز نفسها بعشرات ملايين من القوات المسلحة التي تحصل في بعض الدول على اكثر من نصف ميزانية الدولة التي من المفترض ان تنفق على إزالة كل أنواع الفقر والحرمان وعلى المشاريع الإنمائية والعمرانية، واعتقدنا ان اليوم الموعود قد حان ودقت ساعة الصفر وهاهي الأنظمة العربية والإسلامية تعد نفسها للدفاع عن شرفها وتحرر أراضيها التي اغتصبت مثل فتاة يافعة بريئة من قبل إسرائيل وبمساعدة (القوادة) السابقة بريطانيا والحالية أمريكا.

وكما يقول المثل الشعبي (لوكنت امرأة لأطلقت زغروطه ـ هلهوله!) احتفاء بقرار قادة الدول العربية والإسلامية النشامى والأبطال لمواجهة إسرائيل اواتخاذ قرار طرد الأجانب المحتلين، وكنا نعد أنفسنا كما يفعل شعراء البلاط والمهرجين الإعلاميين عبيد وخدام الحكام، من خلال كتابة الأشعار و(الهوسات) الشعبية لهؤلاء القادة المتحدين في سلوكهم وأفعالهم في مجال تجهيز القوات المسلحة وكلاب الأمن البوليسية بكافة الأجهزة العسكرية والقمعية، ولكن سرعان ما أفقنا من حلمنا الجميل هذا مع إطلاق جنود باكستانيين وبنغلادشيين وأجانب يخدمون في القوات المسلحة البحرينية القذائف الحربية المروعة على ميدان اللؤلؤة وسط المنامة واتضح ان فيه عشرات آلاف من المعتصمين الذين كانوا يغطون في النوم في الساعة الثالثة فجرا.

الحصيلة الأولية العشرات من القتلى والمئات من الجرحى الأبرياء والعزل من البحرينيين أصحاب الأرض الأصليين. ويخرج علينا وزير خارجية نظام الحاكم في البحرين يبشر الأسرة الحاكمة وقادة المنطقة بانتصار القوات المسلحة الملكية على الشعب في البحرين ويقول نصا: كان من الواجب الوطني قتل المعتصمين والمعترضين حفاظا على وحدة وأمن ومصلحة البلد (في الواقع مصلحة النظام الحاكم). والأكثر سخرية في هذا السياق يعرض علينا التلفزيون الحكومي صورا لسيوف وسكاكين ويقول: بهذه الأسلحة أرادوا إسقاط النظام الملكي والغدر بنا فغدرنا بهم وردينا عليهم سريعا ودون رحمة بالقنابل والدبابات والطائرات!. وسارع النظام غير البحريني الحاكم في البحرين الذي ادعى الانتصار الوهمي على الشعب بدعوة من على شاكلته في الدول الأخرى للاجتماع في المنامة لإنقاذه وتخليصه من غضب أصحاب الأرض الأصليين وكأن لسان حاله يقول لهم: إذا غرقت فلن اغرق وحدي، بل سوف أسحبكم معي الى قاع البحر!

وفي ليبيا التي يدعي نظامها من ان كل شئ ملك للجماهير وكان القذافي قد اصدر قرارا بخلع كل أبواب الوزارات الحكومية والسفارات الليبية لكي يدخل المواطنون مباشرة دون عقبات وموانع على المسئولين بزعمه انهم خدم لدى الجماهير، رأينا كيف خلع هذا النظام الإنسانية والرحمة من رأسه الأجوف وبادر فورا وبلا تأخير بقتل المواطنين العزل دون رأفة وبالعشرات يوميا لمجرد انهم طالبوا بإطلاق سراح السجناء السياسيين ورددوا شعار المصريين المعروف: الشعب يريد إسقاط النظام!

وفي الجزائر كما هو الحال في الأردن وسوريا ودول أخرى أثبتت هذه الأنظمة عدم دخولها في مواجهة لا مع أمريكا ولا إسرائيل بل انها تخطط وتركز فقط وفقط على مواجهة الشعوب وشن حروب مفتوحة عليها وان القوات المسلحة وعناصر الأمن والقوات الخاصة وقوات محاربة الإرهاب والحرس الجمهوري والحرس الملكي والقوات الشعبية وقوات الدرك والحدود وقوات الشرطة والمرور وحتى قوات الكشافة والإطفاء والإنقاذ الوطني من وقوع الكوارث الطبيعية التي أعدتها الأنظمة العربية والإسلامية وأنفقت عليها سنويا المليارات من جيوب الشعوب، أعدّت بالأساس وخصيصا لمواجهة الشعوب وقمع المواطنين والدفاع عن المصالح المادية والفئوية للحاكم والمسئولين من ناهبي ثروات الجماهير ولا نستثني من هؤلاء الحكام والمسئولين في المنطقة اي أحد منهم خاصة أولئك الحكام الذين يستبدون في مناصبهم اكثر من 10 أعوام لانهم خانوا الأمانة ونكثوا بعهودهم للناس ونافقوا عليه واستغبوا الشعب وضحكوا على الناس او هكذا تصورا من خلال احتكار السلطة والاستبداد في الرأي والحكم لعدة عقود خلت، ولكن قسما بالله لوسمح للمواطنين لساعة حرة واحدة للنزول للشوارع دون قمعهم او قتلهم، لرأى وسمع جميع الحكام صرخات الإطاحة بهم وهتافات التبرؤ منهم وشعارات السخط ومدى غضب الجماهير عليهم وانه لا مكانة لهم بين 95 بالمئة من الجماهير وحتى من اقرب الأشخاص لهم اذا كان هؤلاء غير منتفعين ماديا بالكامل من أركان النظام.

ومع هذا وحتى وان لم تتحقق إرادة الجماهير بإسقاط الأنظمة المستبدة وإنهاء احتار سلطتهم الدكتاتورية في الوقت الراهن، فليعلم هؤلاء إننا نعيش اليوم في عالم اليقظة الفكرية ونضج العقول وتنور المواقف واتضاح الحقائق وعصر الإنترنت. فقد سقطت ورقة التوت عن عرى الحكام المستبدين واتضح للجميع مدى حقدهم لشعوبهم واستبدادهم في الرأي والموقف وان مصلحتهم المادية فوق الجميع حتى فوق الشرع والدستور وان لا نهج ولا هدف لهم سوى حفظ أنفسهم وحماية تيجانهم وعروشهم والتلذذ بقتل وإذلال خلق الله ولا يرف لهم جفن حتى في حالة قتل الآلاف او مئات آلاف من الأبرياء غير الموالين لهم خلافا لارادة الله وسنّة الكون، ومع هذا فقد سقطت قدسيتهم المزعومة اليوم وتبددت مكانتهم التي كانوا يتفاخرون بها وسلبت منهم بالتأكيد حالة توريث الحكم لأنجالهم خشية وهلعا من غضب الجماهير وتأسيا من تجارب أسلافهم من الحكام ومن على شاكلتهم الذين سقطوا وضربوا بالأحذية خلال أيام فقط من بدأ وانتصار انتفاضات الجماهير الغاضبة في تونس ومصر.

 قسما بالله ان الصور والمشاهد التي نراها الان من التعامل الدموي والقمعي والاستبدادي الذي تمارسه الأنظمة العربية والإسلامية مع شعوبها في الوقت الراهن من خلال القتل بالقنابل والرصاص الفتاك وتحليق الطائرات الحربية والمقاتلات النفاذة وإنزال الدبابات والمدرعات الى الشوارع لمواجهة الاعتراضات السلمية والانتفاضات العفوية التي تطالب بالإصلاح والتغيير، لم نشهده ولم نسمع به حتى من تعامل أسوء الأنظمة المستبدة وأكثرها قمعا على مدى التاريخ بل وان أساليب إسرائيل مع الفلسطينيين هي اشرف وأنبل واكثر رحمة من أساليب الأنظمة العربية والإسلامية وقمعها لشعوبها لا سيما وان إسرائيل التي نصفها بالعنصرية والوحشية كانت ولازالت تستخدم الرصاص المطاطي فقط في إطلاق النار على الفلسطينيين المنتفضين لمنع وقوع المجازر في حين تستخدم كلاب الأنظمة البوليسية والعناصر العسكرية والأمنية في الدول العربية والإسلامية الرصاص الحي والقنابل والقذائف والطائرات وشتى أنواع الأسلحة الحربية والفتاكة والمخصصة أساسا للحروب التقليدية لقتل المزيد من أبناء الشعب لمجرد انهم معترضون او يطالبون بإنهاء حالات احتكار السلطة والاستبداد والكبت ومصادرة الحريات، مما جعل الكثير من الناس في الأوطان العربية والإسلامية يتمنون لوكان أنظمتهم مثل إسرائيل تحتل بلدانهم وتطلق الرصاص المطاطي عليهم بدلا من ممارسات وإجراءات الأنظمة العربية والإسلامية الإجرامية المصرّة والراغبة بقتل العشرات من الأبرياء والعزل يوميا وربما بالمئات قريبا في هذه البلدان وعلى مدى عدة أسابيع متتالية، في حين إننا لم نسمع ومنذ اكثر من عام عن جرائم ارتكبتها حكومة إسرائيل ضد الفلسطينيين وليس ضد مواطنيها على الأقل بعد ضرب غزة وحتى الان سوى هذا الخبر الذي تناقلته أجهزة إعلام الدول العربية والإسلامية نصا بالأمس: بعد مرور اكثر من عام على توقف المجازر الصهيونية ضد الفلسطينيين أعلن في القطاع عن مقتل 3 من الصيادين الفلسطينيين في البحر بشكل غير متعمد على يد القوات الإسرائيلية!.

فهل يتجرأ اي نظام عربي وإسلامي الاعتراف من انه قتل أبناء شعبه ولوعن طريق الخطأ او حتى الاعتراف بارتكاب كل هذه الجرائم التي نشاهدها ونسمعها ضد المعترضين والمنتفضين على يد عناصر أمنية غير مسئولة وغير ممتثلة لأوامر وقرارات الحكام والمسئولين ام اننا سنظل نسمع الذرائع والتبريرات بإصرار الأنظمة المستبدة على قتل الأبرياء والعزل واتهامهم من انهم كفرة وفجرة وخارجون عن القانون وعملاء لإسرائيل اوانهم جاءوا من زحل والمريخ.

واكثر سخرية في هذا سياق المهازل الإعلامية لهذه الأنظمة المشتركة والمتشابهة بقمع المعارضين والمنتفضين ان الحكومة الإيرانية وعلى لسان قائد قوات الباسيج الحكومية المسلحة اتهم مؤخرا دولا عربية لاسيما النفطية بتحريض المعارضة الإصلاحية لمواجهة الباسيج بهدف إثارة الفتنة والشغب في إيران، وفي اللحظة ذاتها أعلن مسئولو النظام الحاكم في البحرين من ان النظام الإيراني وراء تحريض الشعب البحريني وإنزاله للشوارع بهدف استبدال النظام الملكي بنظام جمهوري ديني على غرار النظام الإيراني!

* إعلامي وصحفي-السويد

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 22/شباط/2011 - 18/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م