حركات الاصلاح بين التخطيط الدكتاتوري والاستشاري

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

شبكة النبأ: يهتم الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في عدد من مؤلفاته، بقضية الاصلاح ودورها في تجديد دماء الشعوب، ودفعها خطوات مهمة الى الامام، في طريق التطور والازدهار، وهذا الاهتمام بالاصلاح، ينبع من أهمية الاصلاح في تنظيم الطاقات الشعبية، والمساعدة على ظهور الابداعات وتواصلها في ميادين الحياة كافة، وبعكسه، أي حين تقف الحكومات بالضد من عمليات الاصلاح، فإنها ستواجة العواقب الوخيمة، التي لابد أن تهز عروشها في يوم ما، كما يحدث هذه الايام في الشرق الاوسط، حيث تشتعل الانتفاضات وتنمو حركات الاصلاح، في دول كثيرة كتونس ومصر، وعدد آخر من الدول العربية والاسلامية.

وقد تنبّأ الامام الشيرازي، بما يحصل الآن في هذه المنطقة، قبل عقود في كتاباته التي خصصها لقضية الاصلاح، كما نقرأ في كتابه الثمين (الفقه الاجتماع) المكوّن من جزئين، حيث يتطرق (رحمه الله) الى الاصلاح بنوع من التفصيل، ويبيّن أسبابه وطرقه ووسائله، وفوائده للشعوب ايضا، وقد اشترط الامام الشيرازي، عدة مقدمات تمهّد الطريق أمام الحركات الاصلاحية، كما نقرأ ذلك، في الجزء الثاني من كتاب (الفقه الاجتماع)، إن (الحركة الإصلاحية لا تكون إلا بمقدمات هي:

1 ـ التجدد في جانب من جوانب الحياة.

2 ـ تأخر الجوانب الأخرى من الحياة، مثل حصول التعلم للرجال، والتأخر في هذا الباب للنساء مثلاً.

3 ـ الفكر في لزوم تجديد الاجتماع بكون المرأة كالرجل في العلم.

4 ـ تفهم أنه كيف يمكن التجديد في هذا الجانب المتأخر حتى يتلون الاجتماع بلون واحد ينتشل عن الفرقة وعن كونه ذا لونين؟

5 ـ تهيئة الأسباب اللازمة لمثل هذا الإصلاح).

إن هذه المقدمات وغيرها، لابد أن تتوافر للحركة الاصلاحية، فحين تغض الحكومات طرفها عن مصالح الشعب وحقوقهم، في التطور والتعليم والتقدم العلمي والتقني، لمجاراة العصر، فلابد أن تتبلور الحركات، التي تطالب بالعصرنة، وتجاوز حالات الجمود والتخلف، لكن الحكومات المستبدة، غالبا ما تقف بوجه الحركات الاصلاحية، لأنها تزيد الوعي لدى الشعوب، وزيادة الوعي تعني تهديدا للسلطة ورموزها، لهذا ينشأ الصراع الدائم، بين الحكومة الدكتاتورية وبين الشعب المتطلع للتحرر.

ويؤكد الامام الشيرازي، أن الاصلاح لابد أن يتحلى بالتجديد والمغايرة، عمّا هو قارّ وساكن، كالسياسات الاحادية المتقولبة والمنكفئة على نفسها، خوفا من التجديد، إذ يقول سماحته في هذا الصدد بكتابه المذكور نفسه: (لا يخفى، أنه ليس المراد بالإصلاح الإطار الواحد، بل يشمل التجديد وإن اختلفت أطره).

وطالما أن الاصلاح يعني تثوير التطلع الشعبي الى التغيير الأفضل، فإن الحكومات السلطوية، لا ترضى بذلك ولا تسمح به، كونه يشكل تهديدا، لوجودها وبقائها على سدة الحكم، ولهذا كانت الحكومات الفردية ولا تزال، تقارع التطلعات الاصلاحية، وتحاول تعويقها بأقصى ما تستطيع، وهو ما يحدث الآن على أرض الواقع المستعرّ في معظم بلدان الشرق الاوسط، وكلنا تابعنا سلسلة التنازلات التي قدمها المخلوع زين في تونس وحسني في مصر، من اجل اجهاض الحركة الشعبية، وخوفا من الانقلاب الشعبي على النظام السياسي، وهو ما حصل فعلا في هاتين الدولتين، إذ يقول الامام الشيرازي بهذا الخصوص:

(وقد كانت الحكومات تقف في العصور السابقة أمام الحركات الإصلاحية إما لأجل أن الحركة تأخذ من الحكومة بعض امتيازاتها، وإما لأجل أن الحركة تريد سحب المال ونحوه من الحكومة، ولم تكن الحكومة تسمح بحركة الإصلاح إلا إذا خافت الانقلاب أو نحو ذلك).

ويرى الإمام الشيرازي، أن الاصلاح لا يمكن أن يُنجز بصيغ عشوائية، بل لابد أن يكون الاصلاح مدروسا ومخططا له، ولهذا تساور الشعب التونسي والمصري الآن، مخاوف من سرقة الثورة وجهود المنتفضين، في حالة ركوب الموجة من قبل الانتهازيين الباحثين عن السلطة والمناصب، لهذا تزايدت دعوات التنبيه الشعبي للجميع خوفا من ضياع ما تحقق من منجز سياسي واصلاحي كبير، ولا يمكن أن تصل الجماهير الى بغيتها من دون تخطيط سليم، وهذا ما يؤكده الامام الشيرازي قائلا:

(الإصلاح يكون بالهندسة الاجتماعية، أي التخطيط الاجتماعي برسم خريطة عامة للبلاد في الحال الحاضر، وخريطة أخرى للبلاد في المستقبل مما ينبغي أن تكون البلاد عليها).

ويقدم الامام الشيرازي في كتابه مفاضلة بين أشكال التخطيط، ويؤكد أن هناك تخطيطا ذا اتجاهين، الاول دكتاتوري والثاني إستشاري (ديمقراطي)، ويضع سماحته نقاطا تقارن بين الاتجاهين كما نقرأ في الكتاب نفسه، إن (الأمر في التخطيط دائر بين:

1 ـ التخطيط الديكتاتوري، حيث تخطط الدولة وتسلب الناس حرياتهم لأجل تنفيذ ذلك المخطط، وهذا النوع من المخطط يسير سيراً حسناً حسب إرادة الدولة، لكن فيه نقصان:

أ ـ أنه يجعل الإنسان حيواناً، فيفقد الإنسان إنسانيته

ب ـ تقدم مثل هذا التخطيط لا يكون عميقاً ذا كيف حسن، وإن كان ذا كم حسن.

2 ـ التخطيط الاستشاري بأن تخطط الدولة وتجعل الأمر بيد الناس مع إشراف الدولة على عدم الإجحاف، وعلى سد الفراغات إن بقي في التخطيط فراغ.

والحاصل: أن الإنسان وحريته هما المحور لا التخطيط حتى يكون الإنسان ضحيته).

وهكذا لابد أن يكون الاصلاح، والتخطيط المسبق له، في خدمة الشعب، وهو الامر الذي ينبغي أن تتنبه له الشعوب المنتفضة في الشرق، وقياداتها التي لابد لها من تفويت الفرصة، على الانتهازيين الذين يتربصون الفرص، لسرقة تضحيات الشعوب الجسام.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 21/شباط/2011 - 17/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م