رياح التغيير هل تستثني بلدا؟

لطيف القصاب/مركز المستقبل للدراسات والبحوث

غالبية السياسيين المشاركين في الحكم داخل العراق تكاد تتفق تصريحاتهم العلنية بشان مدى تأثر العراق بموجات التغيير السياسية التي اجتاحت بلدين عربيين حتى الان هما تونس ومصر، فهؤلاء يجمعون على القول بان المظاهرات العراقية المقبلة لن تتعدى حاجز المطالبة بتحسين الخدمات وتوفير ظروف معاشية افضل لعامة المواطنين، وبحسب تسريبات من مقربين لبعض هؤلاء المسؤولين فان ما يقولونه علنا وامام الملا مختلف الى حد بعيد عما يتداولونه في جلساتهم الخاصة، وينقل البعض اخبارا لا يُعرف مدى دقتها تصور حالة الرعب الهائلة التي تكتنف حياة قسم من كبار المسؤولين خاصة من يستميتون في الفترة الحالية بإشاعة جو اعلامي يفيد باستحالة ان يطالب المواطنون بإسقاط نظام انتخبوه للتو، وانهم يمكنهم فعل ذلك بعد سنوات معدودة!

قليلون هم من خرجوا في تصريحات تخالف هذا السياق مهددين بحدوث تغيير في العراق مماثل لما حدث في تلك الدولتين، ولكن حتى هؤلاء المغردون خارج السرب انما تسوقهم الى انتهاج مثل هذا التصرف رغبة عارمة بالدعاية الشخصية، ونزعة عقلية تكتفي بالتهرب من تحمل ولو جزء بسيطا من المسؤولية، في وقت يلقون به بالعبء كاملا على عاتق الاخرين من زملائهم، تماما كما فعل كل من زين العابدين بن علي ومحمد حسني مبارك ومحافظ واسط في لحظاتهم الاخيرة.

وكما يبدو بوضوح ايضا، فان دعاة هذين الرأيين المختلفين يتفادون النظر بعين واقعية الى ما ستؤول اليه الاحداث في العراق. فالاعتقاد باستنساخ التجربتين التونسية او المصرية على الارض العراقية لا يستند في الواقع على مقارنة موضوعية تأخذ بنظر الاعتبار طبيعة الانظمة العربية المستبدة التي كانت تحكم كلا من مصر وتونس وطبيعة النظام السياسي العراقي الحالي وكون الاخير مستندا الى دستور دائم وانتخابات استطاعت ان تحظى بدرجة مقبولة من الاعتراف الداخلي والخارجي مع وجود امل دائم بالتغيير الايجابي عبر صناديق الاقتراع، في حين ان الدستور المصري، وكذلك التونسي ليسا سوى بنود قانونية كانت مفروضة على الشعبين بقوة السلطة الرسمية الصارمة تشرعن بعض احكامها الفساد السياسي كتأبيد الحكم في شخصية الحزب الحاكم مثل ما هو الحال في الدستور المصري على سبيل المثال.

 بالاضافة الى ان السجل الانتخابي في كل من تونس ومصر كان سجلا حافلا بالإقصاء والتزييف، واخر الادلة على هذه الحقيقة ما جرى في انتخابات مجلس الشعب المصري المنحل مؤخرا والتي حاز الحزب الحاكم فيها انذاك على اكثر من 98% من نسبة المقاعد في سيناريو يعيد للاذهان صور اكثر الانظمة المستبدة استهتارا بعقول مواطنيها.

وعلى الجهة الاخرى فان تعامل المسؤولين العراقيين مع الاحداث التي ستشهدها الساحة العراقية في قابل الايام بدفع من شريحة الشباب المفتونة بحركة التغيير الدولية والمطالبة بتحويل الديمقراطية الى مكاسب اجتماعية ملموسة والمدعومة بقوى سياسية متضررة (انتخابيا او سياسيا) يستدعي تركيزا شديدا من لدن هؤلاء المسؤولين يبعدهم عن حالات التباهي بكونهم منتخبين شعبيا اذ ان الغالبية العظمى منهم جاءت ببركات بضعة اشخاص هم رؤساء القوائم، ويدعوهم الى التفكير الجدي بمآل الامور وامكانية الاطاحة بهيبة الدولة بدفع من قوى معادية للتجربة العراقية الجديدة داخل وخارج البلاد.

ان على الجهات الماسكة بزمام الحكم في الدولة العراقية عدم تضييع الوقت قبل الاستجابة مسبقا لأهداف حركة الاحتجاج الجماهيري التي لا يتوقع ان يرتفع سقف المطالب فيها الى ما هو اكثر من اصلاح النظام السياسي الحالي خصوصا اذا ما جاءت مبادرة الاستجابة الحكومية والبرلمانية في وقت مبكر، واستطاع القائمون على ادارة الدولة ان يديروا الازمة بنجاح وان يتفاعلوا مع مطالب الجماهير المشروعة ومنها:

1- الغاء مبدأ المحاصصة في الحياة السياسية، وابطال جميع الهيئات السياسية التي انشأت وفقا لهذا المبدأ.

2- عدم التعدي على الحقوق الفردية والحريات العامة ومراعاة كون العراق دولة مدنية تعددية.

3- تثبيت توقيتات دستورية ملزمة تحدد بفترات غير قابلة للتمديد مواعيد الانتخابات والمصادقة عليها وتشكيل الحكومة مكتملة والانتهاء من اقرار الموازنة في موعد غير قابل للتغيير واحترام الدستور كوثيقة عليا لايمكن التجاوز او الالتفاف على بنودها وفقراتها، وكذلك عدم تطويع الدستور بحسب مصالح الكتل.

4- تحديد الفترات الرئاسية جميعها بمدتين رئاستين غير قابلتين للتجديد، على ان يشمل ذلك التحديد ايضا رئاسة مجلس القضاء الاعلى.

5- تحريم اقرار القوانين في مجلس النواب على شكل صفقات سياسية.

6- اقرار قانون جديد للانتخابات وقانون جديد للمحكمة الاتحادية العليا وقانون جديد للاحزاب تتولى صياغتها جهات حقوقية مستقلة.

7- اعتماد معياري الكفاءة والنزاهة حصرا في شاغلي المناصب الحكومية على ان لا يتصادم ذلك مع احكام الدستور.

8- تقليل الفوارق الطبقية بين الموظفين الحكوميين بنسب معلنة وبأرقام دقيقة لاسيما بين ذوي الدرجات العليا والخاصة وبين عموم افراد الشعب وعلى راسهم فئة المتقاعدين قبل عام 2006 ودعم الشرائح الفقيرة ببرامج حكومية فورية.

9- تجريم التستر على متعاطي الفساد وتفعيل قانون من اين لك هذا، خصوصا مع قيام بعض المسؤولين والكتل السياسية بحماية الفاسدين.

10- تفعيل مبدأ اللامركزية بالنسبة للمحافظات غير المنضوية بإقليم.

ان التعهد بالاستجابة العاجلة لهذه المطالب سيكون عامل امتصاص مهم لنقمة المواطنين الغاضبين، وبدونها فمن الممكن جدا ان يتحول شعار المتظاهرين الى ما هو اكبر من مجرد اصلاح النظام السياسي، ومن المناسب ايضا تذكير السلطات بضرورة استبعاد خيار النزول الى الشارع للتصدي لحركة المحتجين، سواء من خلال التصدي لها امنيا او تحديها بمظاهرات مضادة، اذ انها لو فعلت ذلك فلن يكون امامها الا الخروج بهزيمة نكراء من الميدان، وبهزيمتها سيخسر العراقيون الكثير بكل تأكيد وستعود الامور الى مربع الفوضى الاول.

* مركز المستقبل للدراسات والبحوث

http://mcsr.net

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 21/شباط/2011 - 17/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م