المولد النبوي الشريف وصورة الاسلام المشرقة

قبسات من أفكار المرجع الشيرازي

شبكة النبأ: عندما أرسل الله تعالى رسوله الاكرم (ص) الى أهل قريش والجزيرة، كان المجتمع آنذاك غائصا في الجهل والعصبية، وكانت ملامح الظلم سائدة، حيث القوي يسلب حق الضعيف، فلا سبيل للتراحم بين افراد المجتمع، ولعل ظاهرة الوأد المعروفة دليل واحد من بين آلاف الدلائل، على مدى التخلف والظلم الذي كان يتعامل به افراد المجتمع بعضه مع البعض الآخر.

وحين بُعث نبينا الأعظم ودعا اهل مكة الى الاسلام، ثارت عليه قيادات قريش، لأنها عرفت تهديد الاسلام المباشر لمصالحها، ومع ذلك تنامى الاسلام واشتدّ عوده وانتشرت قيمه ومبادئه بين المجتمع، فصار ارقى وأكثر تحضرا ورحمة وتعاونا، وازدهرت الحياة وسادت القيم الرائعة التي حكمت الحراك المجتمعي عموما وعاش المسلمون عصرهم الذهبي، عصر الاسلام الحقيقي في ظل قيادة الرسول الأكرم (ص)، لكن الامر لم يستمر بعد استشهاده (ص) حيث عانى المسلمون والعالم أجمع من المشاكل والمصاعب التي لا تحصى.

وفي هذا الصدد، قال سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كلمة له بمناسبة احياء مراسيم ذكرى المولد النبوي الشريف:

(أعزّيكم بمناسبة استشهاد نبي الإسلام صلى الله عليه وآله، وأعزّي كذلك المؤمنين والمؤمنات كافّة وجميع المسلمين في العالم، وكذلك جميع مستضعفي العالم الذين يتعرّضون لظلم الحكومات الجائرة. فمنذ استشهاد رسول الله صلى الله عليه وآله ابتلي العالم بالمشاكل، وأصيب الناس بالمصائب).

والسبب في المشكلات التي يعاني منها المسلمون والعالم أجمع، تعود الى انحرافهم عن جادة الصواب، ممثلة بانتهاج التعاليم الاسلامية السمحاء، حيث سادت الكثير من الافكار والسلوكيات السيئة، وأخطر ما فيها أن القائمين بها ينسبونها للاسلام فيعطون الآخرين صورة مشوهة عن الاسلام الذي نقل الانسان من الظلمات الى النور، حيث يقومون باسم الاسلام بعمليات القتل وسفك الدماء، مقدمين بذلك افكارا سوداء وافعالا اكثر سوادا لا تمت للاسلام بصلة، إذ قال سماحة المرجع الشيرازي في كلمته نفسها:

(هؤلاء المجرمون يقومون بغسل دماغ الشباب السذّج، فيفجّر بعضهم نفسه بحزام ناسف أو بسيارة مفخخة وسط جموع الأبرياء من المؤمنين والمؤمنات، ومن النساء والأطفال، وهو لا يعلم من يقتل ووسط من يفجّر نفسه لأنه تعرّض للتضليل. والأسوأ من ذلك أنهم يعرّفون هذه الجرائم وكذلك ظلم الذين يحكمون باسم الإسلام، يعرّفونها للعالم بأنها من ممارسات الإسلام).

وأضاف سماحة المرجع الشيرازي، في كلمته التي ألقاها على حشد من المؤمنين، الذين توجهوا الى بيت سماحته في مدينة قم المقدسة، لإحياء مراسيم استشهاد ابي القاسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم:

(إننا اليوم إذا عرّفنا سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وتعامله وأخلاقه للدنيا فسيدخل في الإسلام الكثير من اليهود والنصارى وغيرهم كما حصل في زمن النبي صلى الله عليه وآله، ولكن مما يدعو إلى الأسف أن معظم الدول التي تدّعي الحكم باسم الإسلام لا تقصّر في ذلك فحسب بل تقدّم للعالم صورة مشوّهة عن الإسلام).

لكن النبي (ص) كقائد للمسلمين، كان حريصا على القيم الانسانية في التعامل مع الناس، ولا فرق بين غني او فقير، ولا بين قوي او ضعيف، فالكل في منظاره متساوين لا يتفوق احدهم على الآخر، إلا بسلوكه وسيرته الحسنة بين الناس وما يقدمه من فوائد للآخرين، مقدما إياهم على نفسه، وهكذا كانت شخصية الرسول (ص)، نموذجا حيا للقائد والانسان الكريم الذي يقدم محبة الناس ومصالحهم على كل شيء، وقد قال سماحة المرجع الشيرازي، بكلمته نفسها بهذا الخصوص:

(إن رسول الله صلى الله عليه وآله بتعامله جذب إلى الإسلام الكثير والكثير من الناس، بالأخص من كانوا من المنافقين. وهنا ندرك مدى عظمة فقدان رسول الله صلى الله عليه وآله، وأن فقده كان مصيبة عظمى وكبرى).

إن النموذج الاخلاقي العظيم، الذي قدمه النبي الاكرم (ص) لجميع المسلمين بل للعالم أجمع، جعل الرحمة أساسا لجميع التعاملات المتبادلة بين الناس، فلم يكن الانسان يشعر بالغبن او الحيف، حيث العدالة والرحمة والتسامح والتعايش، تطبع حياة الجميع، وقد ذكر سماحة المرجع الشيرازي قائلا بهذا الصدد:

(إن رسول الله صلى الله عليه وآله تعرّض في مكّة وغيرها ولمدة عشرين سنة إلى أنواع الظلم والأذى، من قريش ومن المشركين ومن اليهود وغيرهم ، ولكنه صلى الله عليه وآله عندما دخل مكّة فاتحاً أعلن العفو العام بقوله: «اذهبوا فأنتم الطلقاء». بل إنه صلى الله عليه وآله عندما سمع أن أحد المسلمين كان يصيح: «اليوم يوم الملحمة»، أمر الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه أن يأخذ منه الراية ويعلن: «اليوم يوم المرحمة». فكم هو عظيم هذا الخلق وهذا التعامل).

فهل يمكن أن نجعل من هذه الذكرى، درسا مفيدا لنا كي نجعل من الرحمة منهاجا لأعمالنا وافعالنا واقوالنا؟ وهل نجدد العمل بما أقرّه الاسلام، من ضوابط سمحاء تنظم التعامل بين الجميع؟ إنها دعوات وامنيات، لأن الواقع الذي يعيشه المسلمون، لايؤكد حضور الرحمة بين الحاكم والمحكوم، ولا يعطي مثالا جيدا على قيادة الناس وادارة شؤونهم، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي:

(مما يدعو إلى الأسف أن معظم الدول التي تدّعي الحكم باسم الإسلام لا تقصّر في ذلك فحسب بل تقدّم للعالم صورة مشوّهة عن الإسلام).

وللأسف أن قادة الدول الاسلامية، لا يبحثون في بطون التأريخ جيدا، ولا يريدون أن يستفيدوا من تجارب قادة الاسلام العظام ،كرسولنا الاعظم (ص) وإمامنا علي ابن ابي طالب (ع)، مع أن الصحيح هو البحث الدائم عن النموذج الامثل للاقتداء به، لكنهم يفضلون سفك الدماء على غيره، إذ قال سماحة المرجع الشيرازي في كلمته:

(كما أني أذكر أن أخي الراحل-1- أعلى الله درجاته أرسل رسالة إلى أحد الرؤساء ممن كان يدّعي الحكم بالإسلام وكتب له فيها أن يقتدي بتعامل النبي صلى الله عليه وآله بأن لا يقدم على إعدام حتى شخص واحد كي لا تحدث المشاكل، فالدم لا يُغسل بالدم، ولئلا يكون بيد العدو ذريعة، فغسل الدم بالدم له عواقب ونتائج سيئة؛ لكن ذلك الرئيس لم يعمل بذلك وسفك الكثير من الدماء ولا تزال).

إن الامل لايزال قائما بمن يريد الاصلاح من الحكام، على أن تكون البداية بالنفس، وعلى أن يجعلوا من ذكرى المولد النبوي وسيرة النبي الاكرم (ص) نبراسا لهم كي يهتدوا بها ويميزوا من خلالها طريق الحق من طريق الضلال.

هامش:

1) المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي أعلى الله درجاته.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 17/شباط/2011 - 13/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م