الحكومة العراقية تواجه عاصفة مجلس السياسات

ناجي الغزي

مبادرة اربيل

بعد أن بعد أن وضعت الانتخابات ونتائجها أوزارها مرت الحكومة العراقية بمماحكات ومداهنات بين زعماء القوى السياسية حتى وصلت الى نهايات مغلقة لاكثر من ثمانية أشهر وبعد صولات وجولات خارج العراق ومبادرات خارجية وداخلية حتى رست سفينة القوى السياسية المتصارعة في اربيل حيث مبادرة السيد البارزاني ومنذ لقاءات الزعماء العراقيين على الطاولة المستطيلة في 8 نوفمبر 2010، والتي أنبثق عنها 15 بنداً، كان أبرزها "مجلس السياسات الاستراتيجية" و"الرئاسات الثلاث" وبنود اخرى، قد تم تنفيذ قسم منها فيما بقي القسم الاخر عالقاً في خانة المساومات والمماطلات. حيث كانت تلك الاتفاقات والمساومات السياسية بلا شك مفتاحاً لتشكيل الحكومة العراقية تحت مسمى الشراكة الوطنية ( محاصصة بثوب جديد). والقائمة العراقية اشترطت في مفاوضات تشكيل الحكومة إنشاء مجلس السياسات الاستراتيجية والتصويت عليه داخل مجلس النواب, بعد شهر من التصويت على الحكومة حسب ما جاء على لسان رئيس وأعضاء القائمة العراقية.

العراقية تتهم القانون

وكثير ما نسمع ونقرأ من تصريحات وبيانات من قبل أعضاء القائمة العراقية, تتهم بعض أعضاءً دولة القانون بالانقلاب على اتفاق أربيل, والعمل المتعمد لمنع قيام مجلس السياسات العليا. حيث يقول هاني عاشور مستشار العراقية "هناك هجمة إعلامية واضحة لإفشال مشروع مجلس السياسات الاستراتيجية " ويأتي اتهام عاشور وغيره لدولة القانون دون سواها على الرغم من توحيد إئتلاف دولة القانون في كتلة الإئتلاف الوطني العراقي.

والسؤال هنا لماذا التشكيك بالنوايا؟ ولماذا تلك التصريحات السائبة التي لاتنسجم مع تطلعات الشارع الذي أنتظر طويلاً عرس تشكيل الحكومة غير المنسجمة سياسياً ومزاجياً.

لماذا يختلف الزعماء العراقيين دائما على الامور التي تهم مصلحة الشعب ويتفقون على استحقاقاتهم المالية ومصالحهم الحزبية والشخصية فقط. ولماذا تتداول في قاموس الساسة العراقيين مفردة المؤامرة والانقلاب؟ وماهي المشكلة في تفعيل الاتفاق على سلطة رئاسية رابعة في جمهورية العراق النادرة والجديدة؟ وأين تكمن مواضع ومواقع الخلاف طالما أتفق الزعماء في اجتماع اربيل ووقع على البنود 15 ومنها "مجلس السياسات العليا" ؟

وعلى الرغم من أن قانون مجلس السياسات أنجز منه الكثير وبالذات الجنبة القانونية ولم يبقى الا الاتفاق السياسي خلال الاجتماع الذي عقده رئيس الوزراء المالكي مع رئيس القائمة العراقية أياد علاوي في منزل زعيم كتلة التحالف الوطني إبراهيم الجعفري، وهو بحاجة لوضع اللمسات الأخيرة عليه قبل تقديمه للبرلمان.

والمعترضون على مشروع قانون مجلس للسياسات الاستراتيجية، يرون أن للمجلس صلاحيات تنفيذية تجعله فوق رئاسة الوزراء ومجلس النواب، ولهذا الرأي وجه نظر صحيحة حيث يتضارب هذا المجلس في اختصاصاته مع السلطة التنفيذية لكون رئيس الوزراء عضو داخل المجلس وهو سلطة عليا في الدولة وقائد عام للقوات المسلحة, وبالذات اذا كانت قراراته ملزمة للتنفيذ.

 كما أن هناك آراء داخل التحالف الوطني تدعو الى أن يكون المجلس استشاريا، ومن غير صلاحيات تنفيذية ملزمة للسلطات. وهذه الاراء لاتغني ولا تشبع لان ماجاء في مسودة المجلس هي تعتبر بمثابة دستور ملزم لبقية الاطراف.

حيث تنص المسودة

1. أن تكون قرارات المجلس ملزمة في حال تم اتخاذها بالإجماع، وبعكس هذا تتخذ قرارات المجلس بأغلبية ثلثي أعضائه وتكون في هذه الحالة ملزمة للسلطات المعنية أيضا.

2. أن تتخذ قرارات المجلس في الأمور الاعتيادية الأخرى غير الأمور الإستراتيجية العليا بالأكثرية المطلقة لعدد أعضائه، وفي حال تساوي الأصوات تكون الأولوية للجانب الذي يكون فيه رئيس المجلس, كما منحت المسودة الحق للمجلس في متابعة تنفيذ قراراته الملزمة.

وعرفت مسودة المجلس بأنه مجلس يعمل وفق الدستور ويتألف من "رئيسه ورئيس مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس إقليم كردستان العراق" وأن يكون له استقلال مالي وأداري، حيث يعرض المرشح لرئاسة المجلس الوطني للسياسات العليا على مجلس النواب لنيل ثقته بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه ويزاول عمله بعد تأدية اليمين الدستورية أمام مجلس النواب.

وبحسب المسودة تتمثل أهداف هذا المجلس في المساهمة بحل المشاكل التي تعترض العملية السياسية في العراق ووضع الخطوط العامة للسياسات العليا العامة للدولة وكافة السلطات وتقديم التوصيات والمقترحات بشان التشريعات والقوانين وبشان إصلاح النظام القضائي.

وهذا المجلس فصل تفصيلا دقيقاً لقياس السيد علاوي صاحب القائمة 91 الذي تنازل أو نازل منصب رئاسة الوزراء. حيث شكل بطريقة تختلف عما كان موجود أصلا حسب قانون ادارة الدولة وفعل بآليات جديدة يستطيع أن يسحب البساط من السلطات التنفيذية والتشريعية من خلال بنود المسودة وهو مجلس يعمل لدورة واحدة بتشكيل الحكومة، ويجوز لمجلس النواب الجديد تمديد عمل المجلس لدورة ثانية بموافقة الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب الجديد!! وهذا يبدو شبه المستحيل أن يتفق مجلس النواب بالاطلاق.

والسؤال هنا هل سيحل المجلس العقد المستعصية في العملية السياسية بعد أن أصبحت ولادته عسيرة جدا, وعلما أن تشكيله يحتاج إلى فترة طويلة الى إن يتوصل الزعماء الى اتفاق حوله.

العراقية تهدد بالتراجع

ومن خلال متابعتنا للمشهد السياسي العراقي وتحول الحراكات السياسية الى صراعات سلطوية ومواقف متصلبة من قبل الاطراف. تبدو مساحة الخلافات تتسع تدريجياً بين الفرقاء المتنافسين فالقائمة العراقية هددت بالتراجع عن جميع الاتفاقات السياسية التي أبرمت بين زعماء الكتل السياسية في أربيل قبيل إعلان تشكيل الحكومة العراقية، في حال لم يشرع مجلس السياسات الإستراتيجية داخل مجلس النواب. كما أتعبر الناطق باسم العراقية شاكر كتاب " إن عدم تشريع قانون مجلس السياسات الإستراتيجية داخل مجلس البرلمان يعد إنقلابا على الاتفاقات السياسية " وهذا الالتفاف على الاتفاقات يهدد العملية السياسية القائمة, ويعيد العملية السياسية في البلاد إلى نقطة البداية.

وهناك على ما يبدو تعند وتصلب في المواقف من كلا الطرفين حول آلية الشرعية للمجلس فالعراقية لن تتنازل عن مطالبها بالتصويت على مجلس السياسات داخل مجلس البرلمان والإئتلاف الوطني لايريد ذلك ويكتفي بالتصويت داخل المجلس نفسه, لكون غير دستوري وغير قانوني.

وهناك لجنة تفاوضية ثلاثية تتالف من القوائم السياسية الثلاثة الفائزة وهي "العراقية الائتلاف والكردستاني". ويمثلها "رافع العيساوي وحسن السنيد وروز نوري شاويس". حيث أنجزت الصياغات القانونية للمجلس لتشريعها داخل مجلس البرلمان حسب تصريحات "النائبة عالية نصيف" في حين نرى بعض التطمينات من قبل رئيس الوزراء نوري المالكي في تشكيل المجلس ولكن دون الفحص عن السقف الزمني وعن الآلية التي يتم اختيار ممثليه, علما ان الوقت يسير بشكل سريع والتحديات تتسارع بشكل خطير وبالذات في الملف الامني. وقد تبدو الامور عائمة شئ ما وربما تنذر في عاصفة تهب على الحكومة الجديدة وتهدد وجودها.

علاوي يستغيث بالبارزاني

ان الخلافات بين العراقية والقانون الطافية والغاطسة منها دفعت برئيس القائمة العراقية السيد أياد علاوي إلى توجيه رسالة إلى السيد بارزاني يحثه للتدخل لحسم الخلافات بينه وبين الإئتلاف الوطني أو دولة القانون, حول صيغة وآلية التصويت على مجلس السياسات، فهناك شعور من العراقية بالتسويف والمماطلة من قبل رئيس الوزراء نوري المالكي لحسم موضوع المجلس والتوصل الى أتفاق نهائي حول جميع الملفات التي تم الاتفاق عليها. والخلاف الرئيسي يكمن حول آلية التصويت والالزام بقرارات المجلس فالعراقية تريد التصويت على المجلس داخل مجلس النواب لكي يكتسب المجلس الصفة الشرعية والقانونية المطلوبة مثله مثل الرئاسات الأخرى. وبهذه الحالة سيكون المجلس مؤثرا جداً برسم السياسات السياسية والامنية والاقتصادية.

 بينما يراد له من قبل الاطراف الاخرى أن يكون مجرد مجلس استشاري فقط, لذلك نرى صراع الارادات والنفوذ يكمن في أهمية السلطات. ولكن اللقاءات بين الزعماء هل تحسم تلك الخلافات أم أنها لاتتعدى المجاملات واللقاءات البروتوكولية. وطالما تبقى هذه الخلافات جامدة وبحركة كسيحة ومتعثرة لايمكن أن تسير الحكومة الجديدة في بناء دولة مؤسسات أو تستطيع أن تؤسس الى بناء ثقافي أو بناء اقتصادي مؤثر في المنطقة.

وهذه الخلافات بجميع تفاصيلها انعكست تداعياتها على المشهد السياسي والأداء الحكومي والفراغ الوزاري لاهم وزارة الدولة الامنية. وكذلك أثرت في تعطيل إقرار ميزانية الدولة العراقية للعام الجديد2011. وهذه التداعيات تدفع الشارع العراقي الى مزيد من الاحتقان السياسي وتحوله الى بركان ملتهب يعصف بالحكومة التجربة الديمقراطية الوليدة.

 ويبقى المواطن العراقي هو من يدفع ثمن فاتورة الخلافات والصراعات بالمزيد من الفوضى الامنية والتردي في الخدمات العامة وتعطيل تام لأهم المشاريع الاقتصادية والتنموية في البناء والاستثمار والتعليم والصحة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 2/شباط/2011 - 28/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م