ستلاحقكم الشعوب ولو كنتم في بروج مشيدة

خليل الفائزي

صدق الشاعر الثوري التونسي أبو القاسم الشابي عندما عزف سمفونية الثورة وناشد الشعوب النائمة والرازحة تحت سلطة الأنظمة المستبدة ومقيدة بسلاسل الظلم والقمع والكبت والإرعاب: إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد وأن يستجيب القدر.

 فاليوم نشهد من تونس الى الجزائر الى الأردن ومصر واليمن وسائر الدول العربية والإسلامية ثورات وانتفاضات عارمة اعتراضاً على استبداد ودكتاتورية الزعماء والحكام وتوريث الحكم وبقاء المسئولين في السلطة لمدى الحياة والمطالبة بإعادة الأموال الطائلة التي سرقها هؤلاء اللصوص والمستبدين من قوت الشعوب وخيرات بلدانهم، وجاء يوم الحساب، ويوم الانتفاضة والنزول الى الشارع وكسر قيود الخوف والهلع من الأنظمة القمعية التي هي بالأساس أنظمة غير شرعية قطعاً لانها استلمت الحكم اما عن طريق الدول التي كانت تستعمر دول المنطقة اوعن طريق الانقلابات العسكرية والثورات الشعبية التي تحول قادتها من زعماء ثوريين الى حكام مستبدين لاحتكارهم السلطة لعقود من الزمن، ومعظم هذه الثورات صارت تأكل أبناءها وانحرفت عن مسيرها خاصة في مجال الحرية ومشاركة المعارضة في الحكم وقمع الشعب لمجرد انه ظل يطالب بحقوقه ويعترض على سياسة حكامه المستبدين.

 اننا وفي الأسابيع الماضية قد أشرنا الى كيفية التعامل مع الحكام والأنظمة لإجبارها على إعطاء حقوق الجماهير كاملة من خلال مقال تحت عنوان "افضل الطرقات لتأديب الحكومات" وكنا نقصد قطعاً من الطرقات ليست الطرق والسبل بل قصدنا كان هو الطراقات ومفردها (طراق او طراك) ويعني بالعامية في العراق (الراشدي او الراشديات) وباللهجة المصرية "الضرب على القفا" لتأديب كافة الحكومات المستبدة من خلال الضربات على قفاها بواسطة الشعوب المنتفضة التي نراها اليوم تشق شوارع العواصم والمدن وتطلق هتافات لا للاستبداد لا لتوريث الحكم لا نهب أموال الدولة والشعب لا للفقر وإذلال المواطنين، نعم لكرامة الناس، نعم لحقوق المواطنين، نعم لمشاركة الجميع في إدارة البلاد واتخاذ القرارات. وكان توقعنا وكافة أحرار العالم بشأن قرب انتفاضة كافة الشعوب ضد الأنظمة المستبدة والقمعية بمحله بل وسبقنا الثوار والشجعان بإشعال نار الانتفاضة والانتقام والغضب وجعلوا الحكام من الآن وصاعدا يعيدون حساباتهم ويحسبون لارادة الشعوب الف حساب وربما قد يتعقل الكثير منهم ويتنحون عن سلطة الاستبداد واحتكار السلطة قبل فوات الأوان.

 ومن المعروف ان زعماء وحكام المنطقة المستبدين وخلافاً للشرع والقوانين احتكروا السلطة ونصبوا أنفسهم قادة وزعماء بفعل المال والسلطة وتزوير الانتخابات في حين ان بنود دستورهم الذين صاغوه بيدهم تؤكد عدم احتكار السلطة بيد اي من المسئولين لاكثر من 5 أعوام لكنهم ضربوا هذه البنود عرض الحائط وتحايلوا على الرأي العام بأسماء وعناوين مختلفة ليحتكروا السلطة ويفرضوا أنفسهم قسراً على إرادة المواطنين ويزعموا زيفاً بعد ذلك من انهم ظلوا يصرون على ترك السلطة الا ان الشعوب ويعنون ( أنصارهم وخدمهم وحواشيهم) رفضوا ذلك وأصروا على إبقائنا في السلطة لمدى الحياة!

ولكن عندما تحين الفرصة وتدق ساعة محاسبة زعماء الأنظمة المستبدة تشتعل نار الانتفاضة في تونس ويوم الغضب في مصر ويوم الحساب في اليمن ويوم الانتقام في الجزائر ويوم الغضب الإلهي في السعودية التي هزمت نظامها زخات من المطر وتجرأ البعض على الاعتراض وإحراق النفس لإنهاء حقبة حكم الأنظمة التي جاء بها الاستعمار البريطاني ولم تختارها الشعوب إطلاقا.

وتحدثت الأنباء عن احتمال هروب الدكتاتور حسني مبارك من مصر الى السعودية للالتحاق بالدكتاتور التونسي زين العابدين بن علي حيث أضحت السعودية اليوم ملجأ للمستبدين وناهبي أموال وخيرات الشعوب.

 والسؤال الذي يطرح نفسه الان يا ترى أين سيفر حكام الدول العربية النفطية في حالة اندلاع انتفاضة الجماهير ضدهم في حالة رفض الغرب السماح لهم بالوصول الى أراضيها كما تعاملت فرنسا مع بن علي ورفضت حتى استضافته لعدة أيام ويا ترى أين سيتوجه الحكام الذين لا شعبية ولا مأوى لهم في اي من دول المنطقة والعالم.

 ان الثورة او الانتفاضة التي اندلعت في تونس هي عدوى قاتلة للحكام المستبدين وسوف تنتقل من بلد الى آخر اذا كانت للشعوب اي ذرة من الرجولة والشرف والنخوة والشجاعة خاصة اذا أدركوا من ان معظم زعماء المنطقة هم من اجبن وأخنث الخلق على الإطلاق وان أول ما يقومون به لمنع او احتواء حركة الجماهير هو الهروب بالأموال والمجوهرات او توجيه الاتهامات الفارغة للمواطنين من انهم جواسيس او عملاء للأجانب ثم يبادرون بقطع أجهزة الاتصال وحجب الإنترنت وإصدار أوامر اعتقال واغتصاب وقتل المعارضين والمنتفضين ويبررون ذلك بانه دفاع عن استقلال البلاد وعزة النظام وامور زائفة اخرى ولا يسمحوا لاي احد حتى التنافس معهم سياسياً على السلطة، والسؤال نطرحه هنا: اذا كانت هذه الأنظمة قد جاءت عبر الانقلابات او حتى بواسطة الثورات الشعبية كما تزعم فلماذا لا تسمح للآخرين الانتفاضة ضدها او حتى المشاركة او التنافس معها على السلطة.

 ان نظاماً مثل نظام حسني مبارك جاء الى السلطة بالتزوير وحصل على نسبة 90% من الأصوات في انتخابات لم يشارك فيها سوى 5% من أبناء الشعب اي ان اكثر من 905 من أبناء مصر يرفضون هذا النظام ويقفون ضده، فأي نظام جمهوري هذا واي حكم دستوري ظل فيه مبارك يحكم بقوة الحديد والنار 30 عاماً على رقاب الشعب المصري الذي سلط عليه مبارك سلطة حوالي مليوني شخصاً من رجال الأمن والمخابرات العسكرية وفرض على البلاد حالة الطوارئ طيلة 3 عقود؟

 ان نظام مبارك ولا اي نظام آخر مهما كانت شرعيته لا يحق له مهما كانت الدوافع والذرائع ان يأمر بحقوقهم، ولا يحق للأنظمة ان تقطع الإنترنت او تفرض فلترة على المواقع السياسية والاجتماعية ولا يحق لها ان تواصل سياسة الكبت والقمع والاستبداد بكافة أنواعه ولا يحق لها الاستفراد بالسلطة واحتكار الحكومة ولا يحق لاي قائد او زعيم او رئيس وحلاكم الحصول على ثراء غير مشروع ويجب ان يحدد القانون راتب ومزايا الحكام والرؤساء.

 وليعلم هؤلاء ان يوم الحساب قريب جداً اقرب مما يتصورون وسوف يحاكم كل مسئول سياسي عن اي قرار أصدره ضد إرادة الشعب وسوف يحاسب كل مسئول أمني عن كل جريمة ارتكبها ضد المواطنين وسيكون الانتقام عسيراً جداً من الصحفيين وأصحاب الأقلام المأجورة والمهرجين الإعلاميين الذين دافعوا عن استبداد الأنظمة الدكتاتورية وخدعوا الرأي العام بقلب الحقائق والإساءة لحقوق المواطنين والمعارضة، وسوف يحاسب قادة الأمن والشرطة والجيش والسياسيين اذا ساهموا في الدفاع عن استبداد الحكام وسوف يحاكم كل من ضرب مواطن او اعتدى على حقوقه وسيكون الانتقام شديداً من الذين نهبوا او شاركوا في سرقة أموال الشعب وستحرق جلودهم في الدنيا قبل الآخرة على يد الغاضبين والمظلومين، ولا رأفة ولا استثناء باي زعيم اوحاكم خاصة الأنظمة الفرعونية (أنا ربكم الأعلى).

 وعلى هذا الأساس ننصح بل نقترح على كافة مسئولي الأنظمة المستبدة وغير المقبولة جماهيرياً تطبيق هذه الخطوات اوإحداها على الأقل لتجنب غضب الجماهير والتصالح معها وكسب رضاها:

- التنازل فوراً عن السلطة والتقاعد عن اي نشاط سياسي واقتصادي، او القبول باقتراح تغيير السلطة في مدة أقصاها ستة اشهر للتمهيد لاجراء انتخابات واقعية وشفافة ونزيهة دون مشاركة اي من المسئولين الذين احتكروا السلطة لا لهم ولا اي من المرتبطين بهم او المسئولين في الأحزاب التابعة لهم.

- الكشف الفوري عن أموال وممتلكات كافة المسئولين وتحويل هذه الأموال والممتلكات ومدخرات الحسابات في الداخل والخارج لجهة نزيهة او إنفاق هذه الأموال على بناء المدارس والجامعات والمشافي والمشاريع الإنمائية وخفض أسعار الخدمات الحكومية والمواد الغذائية وتهيئة فرص العمل للعاطلين عن العمل خاصة وان الحقائق المؤكدة تشير الى امتلاك كل زعيم ومسئول في دول المنطقة على الأقل لخمسة مليارات دولار، واذا احتسبنا ان هناك فقط ألفين من كبار المسئولين في كل بلد يمتلكون مثل هذا المبلغ فانه سيؤمن عائدات هائلة من الأموال لحل الكثير او معظم الأزمات الاقتصادية والمعيشية في دول المنطقة.

- التكفير عن ذنوب وجرائم حكام هذه الدول من خلال تقديم زعماء المنطقة أنفسهم الى العدالة القضائية وطلب المغفرة والعفو من الشعوب لكي يبقوا في بلدانهم او يلجئوا الى دول أخرى دون ملاحقتهم قضائياً او إرسال فرق فدائية للانتقام منهم، وقطعاً ان الشعوب سوف تغفر عن اي حاكم ومسئول يعترف بذنوبه ويتنازل عن سلطته ويهدي ثراءه غير المشروع لعمل الخير ولصالح الناس، ولكن يبقى مثل هذه المطالب والاقتراحات قطعاً أشبه بالمستحيل أو كما يقال أمل إبليس بالجنة لان كل ما نعرفه عن الحكام والمسئولين هو الاستبداد والقمع والنهب واحتكار السلطة وقتل ثلثي الشعب لحفظ سلطة وكرسي رئاسة شخص واحد، وعلى هذا الأساس لا يبقى أمام الشعوب سوى الانتفاضة وإشعال نار الثورة والانتقام وملاحقة الحكام المستبدين حتى وان كانوا يتحصنون في بروج مشيدة.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 30/كانون الثاني/2011 - 25/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م