جمعة الغضب تزلزل اركان النظام المصري

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: اندلعت انتفاضة الشعب المصري في سابقة تعد الاولى من نوعها وضخامتها، بشكل اربك النظام وارعب قواه القمعية، بعد احتجاجات كبيرة شهدتها اكبر المدن المصرية تخللها اشتباكات عنيفة بين المواطنين واجهزة الامن والشرطة. التي كانت تطالب برحيل مبارك عن السلطة، ومحاسبة النظام الفاسد بحسب رأيهم. ولم تفلح جهود السلطة هناك في احتواء الغضب الشعبي المتفجر بالرغم من الاجراءات الوقائية المتعددة ابتداء من تطويق المساجد والتجمعات الى قطع جميع انواع الاتصالات منذ ساعات اليوم الاولى.

فيما سادت اعمال عنف ونهب وسلب بعد اختفاء القوات الامنية اثر خروج حركة المنتفضين على السيطرة، فيما اعتلت سحب الدخان سماء القاهرة مع هبوط الليل.

كما لم تغني اوامر الرئيس المصري حسني مبارك بفرض حظر التجوال شيئا، بعد ان عاشت القاهرة ليلة اختلط خلالها نشوة الحشود المبتهجة بالاحتجاجات وانكسار القيادة المصرية بشكل مخزي على غير العادة طيلة فترة هيمنة الحزب الحاكم على السلطة.

ودعت احزاب مصرية معارضة الى اقالة مبارك وتولي الجيش فترة انتقالية يتخللها انتخابات نزية تعيد السلطة الشعب بشكل فعلي.

جمعة الغضب

فقد شارك عشرات الالوف من المصريين في احتجاجات " جمعة الغضب" التي تطالب بإنهاء حكم الرئيس حسني مبارك وقابلتهم الشرطة بقنابل الغاز المسيل للدموع والطلقات المطاطية في أكثر من مدينة.

وقال شاهد ان ألوفا من المحتجين نظموا مسيرة في حي مدينة نصر بشرق القاهرة وأنزلوا صورة تجمع مبارك ووزير الداخلية حبيب العادلي ومزقوها. وقال الشهود ان مظاهرات الاحتجاج غطت أجزاء واسعة من القاهرة.

وقال شهود في مدينة المنصورة بدلتا النيل ان المحتجين نزعوا صور الرئيس حسني مبارك في شارع النيل وحطموا اطاراتها ومزقوا الصور.

وأضاف أن المحتجين الذين وصل عددهم الى الوف نزعوا اللافتة التي تحمل اسم الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم من واجهة مقره في المدينة وحطموها ورفعوا بدلا منها علم مصر. وقال شهود ان الشرطة استخدمت الطلقات المطاطية ضد متظاهرين قرب الجامع الازهر في العاصمة.

وشارك الالوف في الاحتجاجات في مدن الاسكندرية ودمياط والمنيا ودمنهور والسويس والمنصورة والزقازيق وكفر الشيخ والفيوم وأسيوط وملوي والقوصية وديروط ومدينة كوم امبو بمحافظة أسوان مرددين هتافات تطالب مبارك بالتنحي ومغادرة البلاد.

وقال شهود عيان ان المحتجين في دمياط رددوا هتافا يقول "الشعب يريد اسقاط النظام". وقال شاهد ان المتظاهرين الذين اكتظ بهم كورنيش النيل في المدينة رددوا في البدء هتافا يقول "حسني مبارك يمشي". وأضاف أن المتظاهرين وهم عدة ألوف احتشدوا أمام ديوان عام المحافظة. بحسب رويترز.

وفي مدينة دمنهور عاصمة محافظة البحيرة ردد المحتجون هتافا يقول "مصر يا أم أولادك اهم ( هؤلاء) راح يفدوكي بالروح والدم".

وفي مدينة المنيا جنوبي القاهرة انتظم بضعة ألوف من المحتجين في مسيرة سارت بجوارها الشرطة دون تدخل. وقال شهود ان المحتجين حاولوا اقتحام مقر الحزب الوطني في المدينة لكن الشرطة ضربتهم بالطلقات المطاطية. وقال شهود في مدينة الفيوم التي تقع جنوب غربي القاهرة ان محتجين ضربوا ضباطا وجنود شرطة بالايدي وان قوات الامن هاجمتهم بقنابل الغاز المسيل للدموع.

مقار الحزب الحاكم

كما قال شهود عيان وتقارير اعلامية ان محتجين غاضبين أشعلوا النار في عدد من مقار الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم بمصر في عدة مدن. وأشعل محتجون غاضبون النار في المقر الرئيسي للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في القاهرة. واكد التلفزيون الحكومي اشعال النيران في المقر المطل على نهر النيل في وسط المدينة.

وذكرت قناة الجزيرة ان المتظاهرين حطموا واجهة مقر الحزب في مدينة المنصورة عاصمة محافظة الدقهلية بدلتا مصر. وذكرت قناة العربية انه في مدينة الاسماعيلية في شرق البلاد اقتحم متظاهرون مقر الحزب الوطني الحاكم. وقال شاهد ان محتجين حطموا واجهة المجلس المحلي لمحافظة دمياط المطلة على البحر المتوسط ومقر الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في المحافظة واقتحموهما.

وأضاف أن قوات الامن حاولت منعهم بالقاء قنابل الغاز المسيل للدموع لكنهم واصلوا الهتاف والتكسير في المقر. وقال "أرى النار تشتعل في الحزب." ويشارك عشرات الالوف من المصريين في احتجاجات "جمعة الغضب" الجمعة التي تطالب بانهاء حكم الرئيس حسني مبارك.

وفي مدينة الاسكندرية المطلة على البحر المتوسط قال شاهد ان محتجين اقتحموا مبنى المحافظة بعد اشتباك مع الشرطة استمر نحو ساعة. وقال "رأيت المتظاهرين يقتحمون المبنى ويلقون الاوراق والمقاعد من الشرفات." بحسب رويترز.

وقال شاهد عيان ان محتجين اقتحموا استراحة محافظ الاقصر ومقر الحزب الوطني في المحافظة ومقر المجلس الشعبي المحلي واشعلوا النار في المباني الثلاثة. وأبلغ الشاهد في اتصال هاتفي أن المحتجين حطموا واجهة مقر الحزب بالكامل قبل اشعال النار. وأضاف أن فرق الاطفاء تمكنت من اخماد النيران في مقر الحزب الوطني ومقر المجلس الشعبي المحلي. وتابع أن المحتجين اقتحموا ايضا مركز شرطة الاقصر. وقال شهود ان أعمال سلب ونهب جارية في المحافظة.

وفي مدينة كوم امبو في أقصى جنوب مصر قال شاهد عيان ان محتجين أشعلوا النار في مقر الحزب الحاكم. وأضاف "النار أتت على المقر" المكون من شقتين في مبنى. وقال الشاهد ان مئات المحتجين في المدينة رشقوا الشرطة بالحجارة بعد أن أطلقت عليهم قنابل الغاز المسيل للدموع.

حظر التجول ونزول الجيش

من جهته قرر الرئيس المصري حسني مبارك مساء الجمعة بصفته الحاكم العسكري للبلاد فرض حظر التجول في جميع محافظات البلاد وكلف الجيش النزول الى الشارع لحفظ الامن بعد تظاهرات شعبية واسعة طالبت باسقاطه.

وكان مبارك قرر في وقت سابق مساء الجمعة قصر حظر التجول على ثلاث محافظات فقط هي القاهرة الكبرى والاسكندرية والسويس التي شهدت اعنف التظاهرات والتي اكدت وكالة انباء الشرق الاوسط المصرية ان وحدات من الجيش بدأت تنتشر فيها بالفعل.

كما اصدر مبارك بصفته الحاكم العسكري "قرارا بان تقوم القوات المسلحة بالتعاون مع جهاز الشرطة لتنفيذ هذا القرار وللحفاظ على الامن وتأمين المرافق العامة والممتلكات الخاصة".

واصدر الرئيس المصري هذا القرار بموجب حالة الطوارئ السارية في البلاد منذ 30 عاما وبعد ان عجزت الشرطة عن السيطرة على مئات الالاف من المتظاهرين في مناطق مختلفة من البلاد رغم استخدامها القنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي ما اسفر عن مقتل متظاهر على الاقل واصابة العشرات.

وقال صحافي من وكالة فرانس برس ان سيارة تابعة للجيش تمركزت امام مبنى التلفزيون المصري الذي تظاهر امامه الالاف مساء الجمعة ودعوا رجال الجيش الى دعم مطالبهم، بحسب ما افاد شهود. واخذ المتظاهرون يهتفون "الجيش والشعب يد واحدة". وكان المتظاهرون قد حيوا قوات الجيش عندما بدأت بالنزول الى الشوارع اذ ان المؤسسة العسكرية، وخلافا لجهاز الامن، تحظى بالتقدير من قبل المواطنين.

وجاء في قرار الرئيس مبارك، الذي بثته وكالة انباء الشرق الاوسط الرسمية المصرية، "نظرا لما شهدته بعض المحافظات من اعمال الشغب والخروج على القانون وما شهدته من اعمال النهب والتدمير والحرق والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة بما فى ذلك بعض البنوك والفنادق، اصدر الحاكم العسكري قرارا بحظر التجول بمحافظات القاهرة الكبرى والاسكندرية والسويس من الساعة السادسة مساء (16,00 ت غ) حتى الساعة السابعة صباحا (الخامسة ت غ) اعتبارا من اليوم الجمعة ولحين اشعار آخر".

وكانت الشرطة عجزت عن السيطرة على مئات الالاف من المتظاهرين الذين انطلقوا من المساجد عقب صلاة الجمعة في غالبية محافظات مصر للمطالبة باسقاط نظام الرئيس حسني مبارك.

وادت المواجهات بين الشرطة والمتظاهرين الى مقتل متظاهر على الاقل في مدينة السويس واصابة عشرات اخرين بجروح من جراء اطلاق الرصاص المطاطي.

اعتقال أكثر من ألف شخص

من جانبها قالت مفوضة الامم المتحدة السامية لحقوق الانسان نافي بيلاي يوم الجمعة ان السلطات المصرية اعتقلت أكثر من ألف شخص خلال المظاهرات الحاشدة ضد الرئيس المصري حسني مبارك الموجود في السلطة منذ أكثر من ثلاثة عقود. وقالت بيلاي ان على مصر أن تسمح بالتظاهر دون خوف والكف عن محاولة اسكات المعارضين.

ودعت الى انهاء قانون الطوارئ الذي قالت انه "يشكل السبب الجذري لكثير من الاحباط والغضب الذي يشتعل الان في الشوارع." ومضت تقول "أدعو الحكومة الى اتخاذ اجراءات ملموسة لضمان الحق في حرية التجمع السلمي وحرية التعبير بما في ذلك اعادة الاستخدام الحر للهواتف المحمولة وشبكات التواصل الاجتماعي." وأعلنت مصر بعد فترة قصيرة من بيان بيلاي حظرا للتجول من السادسة مساء يوم الجمعة حتى السابعة صباح السبت.

وطالبت بيلاي وهي قاضية سابقة بالامم المتحدة في محاكمات جرائم الحرب السلطات المصرية بالتحقيق في مزاعم بالافراط في استعمال القوة التي أدت الى مقتل خمسة مدنيين على الاقل.

وأرسلت بيلاي خبراء الى تونس في وقت سابق من هذا الاسبوع للتحقيق في أعمال قتل وجرائم أخرى ارتكبت أثناء الاحتجاجات التي أطاحت ببن علي.

وقالت "قمع أصوات المواطنين واسكات المعارضة وخنق الانتقادات لن يؤدي الى انتهاء المشاكل." ومضت تقول "الاحداث التي وقعت مؤخرا في المنطقة تبرز حقيقة أن معالجة المشكلات الخطيرة باللجوء أساسا الى الاجراءات الامنية الصارمة لا يؤدي الا الى تأزمها وانفجارها في نهاية الامر على نطاق واسع."

قطع الانترنت والهواتف المحمولة

الى ذلك قطعت شبكة الانترنت في جميع انحاء مصر منذ منتصف ليل الخميس-الجمعة بينما بدأ وقف شبكات الهواتف المحمولة منذ التاسعة صباح الجمعة.

وتوجد ثلاث شبكات للهواتف المحمولة في مصر تخدم 65 مليون مشترك هي موبينيل وفودافون واتصالات، وقد تم قطع الخدمة عنها تباعا صباح الجمعة وتوقفت بشكل شبه كامل.

وفي خطوة استباقية بعد اعلان الاخوان المسلمين مشاركتهم في تظاهرات الغضب، القت قوات الامن فجر الجمعة القبض على 20 على الاقل من قيادات الجماعة وكوادرها في المحافظات المختلفة، بحسب محامي الاخوان عبد المنعم عبد المقصود.

وقال عبد المقصود ان من بين المعتقلين ستة من اعضاء مكتب الارشاد (بمثابة المكتب السياسي للتنظيم) ابرزهما عصام العريان ومحمد مرسي اضافة الى نواب سابقين في البرلمان وبعض كوادر الجماعة في محافظات عدة. ويأتي قطع الانترنت وخدمة الهواتف المحمولة بعد وقف شبكة الفيسبوك في مصر مساء الخميس. بحسب فرانس برس.

وكان الناشطون الشباب بدأوا ببث رسائل قصيرة على الهواتف وعبر البريد الالكتروني في اطار تنظيمهم للتظاهرات التي دعوا اليها في جميع انحاء مصر عقب صلاة الجمعة واطلقوا عليها تسمية "جمعة الغضب".

وحذرت وزارة الداخلية المصرية في بيان مقتضب وزعته عند منتصف ليل الخميس-الجمعة من ان "أي تحركات أو مظاهرات من شأنها الإخلال بالأمن العام والتعرض للممتلكات العامة والخاصة ستواجه بإجراءات حاسمة وفق ما يقضي به القانون".

وناشدت الوزارة "كافة المواطنين خاصة الشباب عدم الاستجابة لمثل تلك التحركات المشبوهة والتي تتسارع على نحو يفضح مقاصدها وأهدافها والاتجاهات التي وراءها" في اشارة الى الاخوان المسلمين.

وشددت وزارة الداخلية على أن "أمن وسلامة البلاد أمانة في عنق أبنائها".

وللمرة الاولى منذ بدء التظاهرات غير المسبوقة ضد نظامه الثلاثاء والتي سقط خلالها سبعة قتلى، صدرت الجمعة اول اشارة الى ان الرئيس المصري حسني مبارك يتابع الاوضاع.

وقالت صحيفة الاهرام الحكومية ان مبارك، الذي لم يظهر ولم يدل باي تصريحات خلال الايام الثلاثة الاخيرة، "يتابع الاحداث ويتصل بمحافظ السويس للاطمئنان على المواطنين".

وشهدت مدينة السويس (100 كليومتر شرق القاهرة) الخميس اعمال عنف واسعة النطاق استخدمت فيها الشرطة القنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي بينما لجأ المتظاهرون الى زجاجات المولوتوف واضرموا النيران في منشات عامة في المدينة. واعلنت وزارة الثقافة الخميس ان الرئيس مبارك سيفتتح معرض القاهرة الدولي للكتاب السبت.

وبدت الشوارع هادئة قبل صلاة الجمعة ولكن قوافل من سيارات قوات مكافحة الشغب كانت في طريقها الى المدخل الجنوبي للقاهرة. واعتقلت قوات الامن اكثر من الف شخص منذ بدء التظاهرات الثلاثاء.

ووصل المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي، وهو المعارض المصري الاكثر جراة لنظام الرئيس مبارك، الى القاهرة مساء الخميس للمشاركة في التظاهرات مؤكدا استعداده ل "قيادة مرحلة انتقالية" في مصر "اذا ما طلب الشعب منه ذلك".

قادة عسكريون مصريون وامريكيون يجتمعون في واشنطن

في سياق متصل يجري وفد عسكري مصري رفيع المستوى في واشنطن محادثات دفاعية مقررة مسبقا حتى بعد سيطرة الجيش المصري على الشوارع لمواجهة الاضطرابات التي تجتاح البلاد.

وقال الكولونيل ديف لابان المتحدث باسم وزارة الدفاع الامريكية ان الفريق سامي عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية يرأس الوفد العسكري المصري في المحادثات التي بدأت يوم الاربعاء وتستمر اسبوعا.

وقال لابان انه يتوقع ان تتواصل المحادثات كما هو مقرر لها على الرغم من الاضطرابات وانه لا يعتقد أن المحادثات قد تتأثر. واضاف "نحن في وزارة الدفاع لدينا علاقات عسكرية مع مصر قائمة منذ فترة طويلة."

وتحصل مصر على مساعدات عسكرية أمريكية تبلغ نحو 1.3 مليار دولار سنويا ومساعدات اقتصادية بمئات الملايين من الدولارات.

والقوات المسلحة المصرية التي تحتل الترتيب العاشر من حيث عدد الافراد على مستوى العالم كانت في قلب السلطة منذ أطاح ضباط من الجيش بالنظام الملكي عام 1952 .

ووصف خبير عسكري في واشنطن تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته عنان بأنه شخص يحظى على ما يبدو باحترام الولايات المتحدة.

ومن المقرر أن يحضر عنان اجتماعات في البنتاجون ويشارك في اجتماعات أخرى في واشنطن. وأبدى الخبير شكوكا في أن الوفد سيبقى في الولايات المتحدة اذا استمر الوضع في مصر في التدهور.

وأضاف الخبير "اعتقد أن حقيقة الامر هي أن الوضع يتطور بسرعة." وأضاف "اذا تحول الامر الى مشكلة من الناحية السياسية فسيعود الى بلاده."

تشكيل حكومة انتقالية

فيما قال رئيس حزب الوفد المصري المعارض يوم الجمعة ان مصر في حاجة الى فترة حكم انتقالي وانتخابات برلمانية جديدة واصلاح الدستور بما يسمح لرئيس البلاد بالحكم لفترتين رئاسيتين فقط مدة كل منهما ست سنوات.

وتأتي تصريحات السيد البدوي التي أدلى بها في بيان تلفزيوني بعد يوم من الاحتجاجات العنيفة الداعية الى انهاء حكم الرئيس حسني مبارك (82 عاما) والذي يحكم مصر منذ 30 عاما.

وقاطع حزب الوفد الليبرالي الانتخابات البرلمانية التي أجريت في نوفمبر تشرين الثاني قائلا ان الانتخابات زورت لصالح الحزب الوطني الديمقراطي الذي يتزعمه مبارك.

وقال البدوي في بيان "ان الاوان لتشكيل حكومة انتقالية تعطي املا جديدا لابناء مصر وتتولي اعداد البلاد للتحول الديمقراطي واجراء انتخابات تشريعية جديدة."

واضاف ان الحزب يرفض التدخل الاجنبي وقال "ان الاوان لتعديل دستوري يحدد مدة الرئاسة بست سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة."

ويهيمن الحزب الوطني الحاكم على البرلمان المصري. وكان حزب الوفد أكبر كتلة معارضة بعد الاخوان المسلمين في البرلمان السابق. وقاطعت جماعة الاخوان المسلمين ايضا والتي تخوض الانتخابات بمرشحين مستقلين للالتفاف على حظر نشاطها السياسي الانتخابات السابقة. واصرت الحكومة المصرية على ان الانتخابات كانت حرة ونزيهة. واشارت جماعات حقوقية ومراقبون اخرون الى مخالفات واسعة.

نشطاء الانترنت

الجدير بالذكر ان نشطاء الانترنت كانوا نقادا لاذعين لحكم الرئيس المصري حسني مبارك الممتد منذ 30 عاما من خلال الشبكة العنكبوتية لكن الاحتجاجات التي لم يسبق لها مثيل التي شهدتها مصر هذا الاسبوع أظهرت أنهم أصبحوا معارضين لا يستهان بهم على أرض الواقع ايضا.

استخدم النشطاء موقعي فيسبوك وتويتر وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي لحشد المؤيدين على الانترنت وتنسيق الاحتجاجات وتبادل الخبرات بشأن كيفية تفادي الاعتقال والتعامل مع الغاز المسيل للدموع.

وتعطلت خدمات الانترنت في انحاء البلاد بعد منتصف ليل الخميس. وقال مشتركون في خدمات شبكات التليفون المحمول ان الخدمة توقفت تماما تقريبا يوم الجمعة. وتنفي الحكومة انها عطلت شبكات الاتصالات.

ويعيش في مصر 79 مليونا ثلثاهم دون الثلاثين من العمر ويشكلون 90 في المئة من العاطلين عن العمل. ويعيش نحو 40 في المئة على أقل من دولارين في اليوم كما أن ثلث السكان أميون.

وفي ظل احباط الكثيرين لضعف دور الاحزاب المعارضة لجأ الكثير من الشبان الى الفضاء الالكتروني بوصفه واحدا من القنوات القليلة المتاحة للتنفيس عن غضبهم.

ويدعو المحتجون لاسقاط نظام الرئيس حسني مبارك الذي تولى السلطة عام 1981 بالاضافة الى رفض فكرة خلافة نجله جمال (47 عاما) له فضلا عن المطالبة بحرية الرأي والتعبير والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد.

ومن المقرر اجراء الانتخابات الرئاسية القادمة في سبتمبر ايلول ولم يعلن مبارك (82 عاما) ما اذا كان سيرشح نفسه مرة اخرى. وينفي الاب والابن وجود نية لتوريث السلطة. واللوائح السياسية في مصر تجعل من الصعب على اي مرشح بخلاف مرشح الحزب الوطني الحاكم الفوز بالانتخابات.

وقال المحلل السياسي نبيل عبد الفتاح ان النظام لم يستجب للدعوات المتكررة للاصلاح لكن الاجيال الجديدة استطاعت من خلال الفضاء الافتراضي كسر هذا الصمت والتحرك الى الشوارع.

وقال أحمد ماهر احد نشطاء حركة 6 ابريل التي تنشط على الانترنت منذ بضع سنوات "بالتأكيد نجح نشطاء الفيسبوك في نقل دعوتهم من العالم الافتراضي الى أرض الواقع. أصبحت المظاهرات في كل مكان دون اي تنظيم من جماعات بعينها."

وقال المحلل السياسي ضياء رشوان لرويترز "هذا نجاح منقطع النظير بدون ادنى شك. هذا نجاح لشباب مصر. اختاروا وسيلة للتواصل فيما بينهم وهي الانترنت. ويحاولون منذ اربع سنوات تحويل الدعوات الى ارض الواقع... ونجحوا." واتفق معه الكاتب والباحث السياسي عمار علي حسن "هذا نجاح كبير وكان مفاجئا للجميع... الشرطة والحركات السياسية وحركات التغيير." بحسب رويترز.

وأضاف انهم لم ينجحوا فقط في نقل عالمهم الافتراضي الى ارض الواقع بل نجحوا كذلك "في انهاء ملف التوريث والقائه تحت اقدام الشباب الغاضب وهم الجيل الذي يدعي جمال مبارك انه جيله وانه جيل الفكر الجديد."

واستلهم المحتجون في مصر تجربة التونسيين الذين أطاحوا بالرئيس زين العابدين بن علي الذي حكم تونس 23 عاما. ولجأ التونسيون ايضا الى الانترنت في نشر اخبار الاحتجاجات.

ويشكو المصريون من نفس المشاكل التي دفعت التونسيين الى الخروج في احتجاجات الى الشوارع وهي غلاء أسعار السلع الغذائية والفقر والبطالة والحكم الشمولي الذي يخنق أي احتجاجات شعبية.

وكانت القوة المحركة وراء دعوات مصر من أجل التغيير مجموعة على موقع فيسبوك أنشأها نشطاء غاضبون لمقتل الناشط في مجال مكافحة الفساد خالد سعيد الذي تقول جماعات حقوقية انه عذب حتى الموت في يونيو حزيران. ويحاكم الان اثنان من رجال الشرطة في هذه القضية.

والنشطاء ليسوا منتقدي الحكومة التقليديين الذين يظهرون انتماءات دينية او اي اتجاهات أخرى سوى الدعوة الى التغيير السياسي.

فقد ظلت جماعة الاخوان المسلمين ذات القاعدة الشعبية العريضة على هامش المظاهرات الى حد بعيد. كما أن أحزاب المعارضة المصرية المسجلة ضعيفة.

وقال عمرو حمزاوي المحلل في معهد كارنيجي للسلام بالشرق الاوسط "كان هذا مزيجا جديدا من الشبان الذين احتشدوا أساسا باستخدام تكنولوجيا الانترنت."

وقال صلاح عبد المقصود وكيل نقابة الصحفيين المصريين وعضو جماعة الاخوان المسلمين "تجاوب النشطاء من خلال هذا الوسيط (الانترنت) في وقت قياسي بدون تضييق أمني مثلما كان يحدث مع الوسائل الاخرى... وهذا جعل مهمة الاجهزة الامنية صعبة وأضعف قدرتها على السيطرة."

لكن الخبير الاعلامي ياسر عبد العزيز يرى أن عوامل متزامنة او متلاحقة مثل احتجاجات الشعب التونسي والمزاعم بحدوث تزوير في انتخابات مجلس الشعب الاخيرة وتحجيم وسائل الاعلام التقليدية فضلا عن الاحتقان بسبب قضية خلافة الحكم هي العوامل الاساسية وراء الاحتجاجات وليس دعوات نشطاء الانترنت.

واضاف "كانت الدعوات على الانترنت (للاحتجاج) موجودة دائما... لكن تجمع العوامل سالفة الذكر في توقيت واحد كان الدافع الرئيس للاحتجات والعامل الرئيس لنجاحها."

وقالت مدونة تدعى سامية بكري في مدونتها على الانترنت "النطام المصري حجب الفيسبوك ورجعنا تاني نكتب في المدونات. وماله.. برضو مش هيقدروا يطفوا نور الشمس."

وقال حافظ أبو سعده الامين العام للمنظمة المصرية لحقوق الانسان لرويترز قبل تعطل الانترنت "الدولة بدأت بالفعل في حجب مواقع الانترنت مثل تويتر وفيسبوك ولكنها تراجعت لان التكنولوجيا الحديثة اعطت صلاحيات للتغلب على هذا الحجب."

ودخل النشطاء في اختبار جديد بعدما دعوا لان يكون يوم الجمعة هو "جمعة الغضب للثورة على الفساد والظلم والبطالة والتعذيب".

دعوات دولية

من جهته ناشد الامين العام للامم المتحدة بان جي مون قادة مصر وشعبها عدم تصعيد العنف ودعا لاحترام حرية التعبير. وقال بان في مؤتمر صحفي في الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي "على كل المعنيين -شعبا وقيادة- ضمان ألا يؤدي الوضع في تلك المنطقة وبخاصة في مصر لمزيد من العنف."

وأضاف "انني أهيب بالسلطات أن تنظر الى هذا الموقف باعتباره فرصة لمخاطبة شكاوى شعبها المشروعة."

كما دعت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل يوم الجمعة الى نهاية للعنف في مصر وقالت ان الاستقرار هناك مهم ولكن ليس على حساب حرية التعبير.

وقالت في مؤتمر صحفي جرت الدعوة اليه على عجل على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس مع انتشار الجيش المصري بالشوارع في الوقت الذي اجتاحت فيه الاحتجاجات البلاد "يجب أن نبذل كل ما في وسعنا حتى يتوقف العنف كي لا يسقط ضحايا أبرياء."

واضافت ميركل "لا جدوى من حبس الناس أو تقليل وصولهم الى المعلومات. يجب أن نصل الى حوار سلمي في مصر. استقرار الدولة يشكل بالطبع أهمية كبيرة جدا ولكن ليس على حساب حرية الرأي."

فيما حثت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون مصر التي وصفتها بأنها "شريك قوي" للولايات المتحدة على اشراك الشعب المصري بشأن الاصلاح.

وقالت كلينتون للصحفيين "نريد ان نواصل الشراكة مع الحكومة المصرية والشعب المصري. وما سيحدث في النهاية في مصر أمر راجع للمصريين. "كشركاء لمصر نحث على فرض قيود على قوات الامن وعدم التعجل في فرض اجراءات صارمة قد تكون عنيفة وعلى ان يكون هناك حوار بين الحكومة والشعب المصري."

وقالت كلينتون يوم الجمعة انه ينبغي لمصر أن تسمح بالاحتجاجات السلمية وتكبح قوات الامن وتلغي خطوات اتخذتها لقطع الاتصالات وذلك مع اشتعال الاحتجاجات في عدة مدن بالدولة الحليف الرئيسي لواشنطن. وقالت كلينتون "نشعر بقلق عميق بشأن استخدام العنف من جانب قوات الشرطة والامن المصرية. ندعو الحكومة المصرية الى بذل قصارى جهدها لكبح قوات الامن. "في الوقت نفسه ينبغي للمحتجين الامتناع عن العنف والتعبير عن أنفسهم سلميا."

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 29/كانون الثاني/2011 - 24/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م