إنحدار الانظمة العربية المستبدة الى هاوية السقوط

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: تشير الدلائل الأولية الى أن العام 2011 عام مخصص لسقوط الانظمة العربية التي قهرت شعوبها واستبدت بآرائها ومساراتها وخططها وفضلت مصالحها على مصالح العامة، وهمّشت الملأ الأعظم من شعوبها، فجاءت ثورة الياسمين كخطوة أولى على طريق التغيير الجمعي للانظمة العربية المستبدة، حيث عبرت شرارة التغيير الى دول أخرى مجاورة لتونس واخرى بعيدة عنها، كما هو الحال مع مصر والمغرب والاردن واليمن، والقادم من الايام ينبئ بالكثير.

وفي محاولة للبحث في الاسباب التي دفعت بالجماهير الى هذه الهبّة الجماعية، التي شرعت بقلع جذور الانظمة السياسية المستبدة، فإن المؤشر الاول يشير الى تمسك هذه الحكومات بالسلطة لأطول فترة ممكنة، حتى ذهب الامر بقادتها الى التلاعب بالدساتير - التي هي اصلا ذات طابع شكلي- وإضافة بند دستوري يؤمّن لهم (الرئاسة مدى الحياة)، كما حصل في تونس، واليمن وسواهما من الدول العربية، التي تمسّك قادتها بكرسي الحكم عقودا متواصلة، من دون تعب او ملل او شعور بالخجل والحياء، وكأن العرش مسجّل باسم الرئيس حتى يستدعيه الموت، فيدفع بعرشه الى ابنه كقائد أوحد، وهكذا دواليك...، لتصبح السلطة متوارثة من الآباء للابناء حتى يأذن الله بزوالهم، وهذا ما بدأ يحدث مع هذه الانظمة، التي لم تعد قادرة على كبح جماح الجماهير، حيث أخذ الغيض والغضب يدبّ ويستعرّ بين جموعها، فتحركت لكي تحاصر هذه الانظمة المتهرئة وتضيّق عليها الخناق، فلا يجد حينها الرؤساء المستبدون ملاذا لهم سوى الفرار من قبضة الشعب، فأما يواجهون مصيرهم بالقصاص الشعبي الذي لا يغفر لمن يتجاوز على حقوقه، وأما يفرون الى دول اخرى تحميهم كما حدث في تونس مؤخرا.

وثمة مؤشر آخر لابد للمراقب من ملاحظته، بخصوص الانظمة السياسية التي لاتنتهج الديمقراطية في ادارتها لشعوبها، حيث تنقطع سبل الدعم عنها تماما، فالغرب الذي وقف مع النظام التونسي على سبيل المثال، سرعان ما رفع يده عنه، بعد أن شعر بقوة الاندفاع الشعبي لاطاحته، كما أننا نقرأ بوضوح الرسائل الغربية الى النظام المصري وضرورة التعامل بجدية من قبل الحكومة مع المطالب الجماهيرية، التي تدعو الى اصلاحات سياسية واقتصادية، وتدعو الى تغيير واضح في البنية والنظام السياسي المصري القائم على قيادة الحزب الحاكم، كما أثبتت الانتخابات النيابية المصرية الاخيرة، حيث فاز الحزب الوطني الحاكم (حزب الرئيس المصري وابنه جمال) بأكثرية ساحقة، همّشت جميع القوى السياسية الاخرى، الامر الذي أثار حفيظة الشعب وقواه المعارضة بسبب التفرد بالسلطة، ناهيك عن الانحدار الكبير في المستوى الاقتصادي المتدني، لافراد الشعب المصري، حيث يعيش أكثر من نصفه في فقر مدقع.

وتؤكد جميع التجارب والدلائل، على أن انظمة من هذا النوع الدكتاتوري المستبد، أدّت وستؤدي باستمرار، الى تكاثر بؤر الارهاب، وتضاعف من حالات التطرف الديني وسواه، وهو الامر الذي صار الغرب يخشاه بشدة، بعد أن صار يعاني من موجات الارهاب المتتالية التي تدك مدنه وبعض مؤسساته، وهذه الحالة، كما يدرك الغرب الذي ساند هذه الانظمة في مراحل معينة، أفرزتها حالات القهر والظلم والحرمان التي تتعرض لها معظم الشعوب العربية والاسلامية، بسبب السياسات المتفردة لقادتها وانظمتها، القائمة على تهميش الفقراء واضعاف الضعفاء، والاستحواذ على ثروات شعوبهم والاستئثار بالسلطة والجاه والنفوذ، وهو ما ولّد حالات الاحقان المتزايدة لدى الاغلبية، وأحدث حالات الاختناق الشعبي الواسع، الذي طال النسبة الكبرى من هذه الشعوب المبتلية بالانظمة المستبدة، فأصبح الغرب مجبرا على رفد يد الدعم والاسناد لمثل هذه الانظمة الفاسدة التي أصبحت عبئا على الغرب نفسه، مثلما أصبحت عبئا على شعوبها منذ أن شرعت بالنهج السلطوي الاحادي الذي يجمع بيده كل شيء ولا يترك للقوى السياسية المعارضة حتى ولو هامش صغير للمشاركة في صنع القرار.

إذن بإمكاننا القول بأن عام 2011 هو المساحة الزمنية المناسبة، التي ستشهد مزيدا من الاطاحة بالحكومات القهرية ومزيدا من الانتفاضات الشعبية، التي كسرت حاجز الخوف من القمع والقتل والتعذيب، واذا كان ثمة درس يمكن أن يستخلصه الجميع من ثورة الياسمين، فإنه موجّه بالدرجة الاولى الى الانظمة الاحادية النهج، والى الجماهير التي يمكنها أن تتحكم بدفة التغيير نحو الافضل دائما.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 29/كانون الثاني/2011 - 24/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م