تونس والعراق... مفارقتان والنتيجة واحدة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: لازالت احداث تونس تتفاعل مفرزة المزيد من النتائج... البدايات والمآلات لأحداث تونس ليست مألوفة في بلداننا العربية رغم التشابه في الكثير من النواحي في المنطقة الوسطى لكيفية البداية وطبيعة النهاية.

حافظ الاسد رئيس سوريا الراحل يدك حلب وحماه بمدفعيته الثقيلة لتجرؤ المدينتين على عصيان اوامره، صدام حسين يقوم بعمليات الابادة للأكراد والشيعة ناشرا مقابره الجماعية على امتداد مساحة العراق، السادات ينكل بالجائعين في ثورة الخبز بمصر .

تونس لم تعد خضراء...لقد اكتسى اخضرارها بدماء من سقطوا احتجاجا على اوضاعهم المعيشية، ولم تعد تونس تلك الدولة الصغيرة الهادئة بعد ان ارتجت تحت وقع حناجر صيحات الاحتجاج ومطالبة دكتاتورها بالرحيل. وتونس لم تستفد من علمانيتها التي شوهتها انتهاكات رئيسها للدستور وحلمه بالبقاء الابدي على كرسي الحكم. تتشابه التجربتان التونسية والعراقية، واوجه التشابه يمكن اجمالها بالتالي :

اولا: فترة الحكم الطويلة لكل من الدكتاتورين زين العابدين وصدام.

ثانيا: الغضب العارم المكبوت في صدور التوانسة والعراقيين ضد كل دكتاتور منهما.

ثالثا: عمليات السلب والنهب التي وقعت في البلدين... ولو ان الفضائيات العربية لم توفر منقصة ومثلبة الا والصقتها بالفرد العراقي وكانه الوحيد من شعوب العالم الذي يمارس عمليات السلب والنهب في ظل مثل هذه الظروف .

رابعا: طبيعة النظام السياسي القادم عبر العسكر ودباباتهم واجهزة المخابرات وتصفياتها وتسمية الانقلابات بالثورات البيضاء .

خامسا: الحرمان الاجتماعي الذي عانى منه الشعبان واستئثار فئة قليلة محسوبة على راس السلطة بالمنافع والامتيازات وحرمان الغالبية منها.

تفترق التجربتان في طبيعة التغيير وكيفيته.

فتونس على علاقة وثيقة بالولايات المتحدة الامريكية، والعراق كان يمثل العنتريات الراديكالية لدكتاتوره في برامج الاسلحة الجرثومية... وبالتالي فالتغيير في تونس لم يحدث نتيجة تدخل خارجي بفعل قوة عسكرية كما حدث في العراق بل جاء التغيير داخليا من خلال التوانسة الثائرين على اوضاعهم المعيشية.

وجه اخر للاختلاف، قوات الجيش في تونس استطاعت ان تتعامل مع الوضع الجديد بصورة طبيعية وحافظت على النظام وان ليس بصورة كاملة واستطاعت حماية مؤسسات الدولة التونسية، على العكس من التجربة العراقية التي تبخر فيها الجيش واضمحل في صفوف المدنيين وبالتالي انهارت مؤسسات الدولة العراقية تحت وطأة اعمال السلب والنهب والاحراق.

وجه اخر ايضا، الدكتاتور التونسي رضخ للمطالب الشعبية وتوجه الى منفاه الاجباري الذي اختاره ولم يتماد في قمع المنتفضين اكثر مما فعل، على العكس من دكتاتور العراق الذي كابر نهايته المحتومة ولم يستمع لأصوات الغالبية من العراقيين ولم تصدق عيناه صورهم وهم ينهالون على تدمير صوره وتماثيله، هو كل ظنه ان العراق هو الاعظمية التي خرجت تهتف باسمه لحظة الانكسار وحسب ان الملايين الاخرى هم غوغاء العام 1991 الذي نكل بهم وينتظر فرصة جديدة لمعاودة التنكيل بهم والعودة الى حكم العراق.

يحسب لدكتاتور تونس انه قرأ اللحظة بصورة صحيحة وانه صدق في تلك اللحظة العاصفة بالهياج والفوضى ما سمعته اذناه وما راته عيناه، وكذب دكتاتور العراق كل ذلك .

ففي حين جنب زين العابدين مصائر سوداء كان من الممكن ان تعصف بالتوانسة والدولة التونسية واثر الرحيل تحت وطأة الاحداث حفاظا على سلامة حياته وحياة افراد عائلته، اثر صدام حسين المكابرة وكلف العراق والعراقيين المزيد من الدماء والخراب، تحقيقا لمقولته ان من يريد اخذ العراق منه سيسلمه له ترابا.

هناك تساؤل قد يطرح نفسه: هل كان للزلزال العراقي عام 2003 تأثيره على الحدث التونسي رغم مرور سبع سنوات عليه؟

مشروع احتلال العراق وتغيير نظامه بالقوة لم يكن حلما راود الساسة الامريكان في ليلة من ربيع العام 2003 بل كان ذلك يعود لأعوام سابقة وتحديدا الى العام 1998، حيث نشرت مجلة (المجلة) السعودية تقريرا لاحد مراكز الابحاث الامريكية وفيه رؤية استشرافية حول تغيير النظام العراقي وكذلك النظام الايراني وقد تصدر عنوان التقرير غلاف المجلة مع عنوان فرعي بان ايران ستسقط كالتفاحة الفاسدة.

وقد اشتد هذا المطلب بعد احداث الحادي عشر من ايلول العام 2001 واحتلال افغانستان وانهاء حكم طالبان فيها حتى عد تغيير النظام في العراق على راس اولويات الادارة الامريكية في عهدها الجمهوري بقيادة بوش الابن.

رسم اليمين الامريكي خارطة التغيير الديمقراطي للعالم العربي وان كان عن طريق التدخل العسكري. بعد الزلزال العراقي شاهدنا معمر القذافي يتراجع عن طموحه النووي، وبشار الاسد يقدم عددا من الاصلاحات وان تدريجيا وكذلك بعض الاصلاحات في السعودية وبعض دول الخليج وفي اليمن وفي مصر والجزائر.

تلك التغييرات لم تكن لتحدث لولا الخوف من امتداد اثار الزلزال العراقي الى تلك البلدان والتي حاولت حكوماتها ان تطيل من امد مخاض التجربة الديمقراطية العراقية رغم انها محفوفة بالمخاطر من جميع الجهات.

فتولت تلك الدول المهددة بالتأثر بتبعات ما يحدث في العراق محاولة ايقاف امتداد تأثيرها وعملت على تفجير الاوضاع فيه من خلال التسهيلات المخابراتية والدعم المالي والعقائدي والايديولوجي للجماعات المناهضة للتغيير تحت ذرائع شتى .

في هذه اللحظة يضع الحكام العرب اياديهم على قلوبهم خاصة وانهم يعانون من نفس اعراض المرض التونسي الذي قاد الى النتائج الحالية ..وكان معمر القذافي عميد الحكام المؤبدين في الحكم العربي قد سارع الى لوم التونسيين على ما قاموا به واعتبر ان لا ضير في بقاء دكتاتورهم ثلاث سنوات اخرى فوق العشرون التي حكم فيها .

سوف لن تمر التجربة التونسية - حتى لو ادى ذلك الى استبدال الوجوه فقط – مرور الكرام وستترك تأثيرها على البلدان العربية سريعا او بعد سنوات. فالتغييرات لا تحدث بين ليلة وضحاها بل تحتاج الى سنوات لتظهر بهذه الصورة التي ظهرت عليها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 18/كانون الثاني/2011 - 12/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م