طاعة ومذلة للرئيس كلنا عملاء وجواسيس!

بقلم خليل الفائزي

سبحان الله أصبحنا اليوم نعيش في زمن عجيب عادت فيه سلطة آلهة اليونان والرومان وأرباب شعوب المايا من جديد وأضحى لدينا اليوم كما في السابق آلهة ليسوا في السماء السبع بل يمشون على الأرض وكل شبه إله عيّن نفسه رئيسا لدولة وصار يحكم فيها كيفما يبغي ويشاء ويصف نفسه (أنا ربكم الأعلى) وحتى بعض هؤلاء اختار له أسماء وصفات نعوذ بالله اكثر من أسماء الله الحسنى واصبح أنصاره والمهرجين له يثنوا عليه بصفات لم يسمعها الأنبياء والرسل وان آلهة اليونان والرومان أضحوا خجلين مستصغرين وهوامش قياسا مع صفات وثنايا زعماء دولنا العربية والإسلامية في الوقت الراهن.

وبالمقابل فان هؤلاء يرون الناس لاسيما غير الموالين والمطبلين لهم مجرد حثالة او قطيع من الحمير والغنم لابد من ركوبهم وضربهم بالسوط واستغلالهم في مختلف الأمور وممارسة كافة الضغوط عليهم والاستهانة بهم وذلهم بشتى الأساليب ونهب ثرواتهم والتعدي على حقوقهم الشخصية ومنعهم من إبداء وجهة النظر ووصف المواطنين العادين بمثيري الشغب وتخصيص فيالق أمنية لقمع اي حركة شعبية عفوية وإغلاق الجامعات وتعطيل حركة البلاد وفلترة الانترنت او قطعه لمجرد اندلاع اعتراضات او مرور ذكرى سنوية وطنية وحرمان الشعب من خيرات البلاد وثرواتها وفرض عليهم الضرائب الباهظة والضغوط المعيشية ورفع أسعار السلع الغذائية لملأ جيوب السماسرة والتجار من المسئولين وذويهم.

 وسلبهم حق تعيين المصير والمشاركة الواقعية في انتخاب الأحزاب والمؤسسات المدنية الواقعية وغير الحكومية وتزوير نتائج الانتخابات كيفما يريد ويشاء الرب السياسي الحاكم وممارسة شتى أنواع الاضطهاد والتمييز من خلال تقسيم المواطنين الى موالين وغير موالين للسلطة الحاكمة وتحالف العصابات والمافيا الحاكمة او المحتكرة للسلطة ومن الذين يأمرون قواتهم الأمنية وعصاباتهم المنظمة بإطلاق النار على المواطنين واعتقالهم بشكل تعسفي واغتصابهم او قتلهم في السجون وذبح خيرة أبناء الشعب تحت ذريعة العمالة للأجانب والوقوف ضد الحاكم الذي هو بالأساس طاغية ورئيس المافيات والعصابات في الدولة.

 وإذا تنفس اي شخص او عبر عما يجول في فكره من اعتراضات على الوضع السياسي ونزل البعض الى الشارع اعتراضا على البطالة والغلاء وإسقاط كرامته وانتهاك حقوق الإنسان فان اتهامات الزعماء عفوا الآلهة الحاكمة في الدول سرعان ما توجه للفقراء والمحرومين من الذين لم يروا سبيلا أمامهم سوى النزول للساحة وإبداء الاعتراض على الآلهة الحاكمة التي نعترف انها لم تدعي حتى الان إنها خلقتهم من تراب وإليها يرجعون!،أسوأ التهم وتنعتهم بالضالين فكريا والمنحرفين سياسيا والمرتبطين بالأجانب والمستلمين لمليارات دولارات من الدول الخارجية.

وبما ان التهم الموجهة للمعترضين على الغلاء والبطالة او حتى تزوير الانتخابات واحتكار السلطة من جانب الآلهة الحاكمة جاهزة دوما باعتبارها ماركة مسجلة كلاصقة (لزكة) جونسون المعروفة فان الحكام المستبدين المهيمنين على خلق الله يتعلمون من بعضهم البعض ويتبادلون التجارب من الذين على شاكلتهم حيث أصبحت أختام التهم والتلفيق مهيأة وجاهزة لدى هؤلاء الحكام بتوجيه افتراءات جديدة هذه المرة من خلال اتهام العاطلين عن العمل او المطالبين بحقوقهم والمعترضين على غلاء الأسعار مقابل عدم تحسين الوضع المعيشي للمواطنين انهم عملاء للأجانب وللاستخبارات الخارجية أوان هؤلاء المعترضين والمطالبين بحقهم الشرعي والقانوني جاءوا سرا من كواكب زحل والمشتري والمريخ الى الدولة الفلانية بهدف زعزعة الأمن فيها والانقلاب على السلطة وتحريض المواطنين على الانتفاضة ضد النظام الذي في الواقع يخشى ظله ويرتعد من الصوت الخافت للمواطنين النجباء.

للرد على مثل هذه الاتهامات نقول ومعنا المعترضون والمنتقدون:

 أولا: ان عهد دفع الأجانب الأموال والمزايا قد انتهى واصبح في خبر كان، فهم (الأجانب) ليسوا بحاجة لهذا الكم والعدد الهائل من العملاء والجواسيس لان غالبية الشعب هم من الأشخاص العاديين ولا يمتلك هؤلاء اي معلومات أمنية وعسكرية او خبايا وأسرار تهم الأجانب واذا كان الأجانب بحاجة لمثل هذه الأسرار والمعلومات فانهم يحصلون عليها من أصحابها اي من بعض كبار المسئولين في الدول والحكومات ومعظم هؤلاء هم بالأساس عملاء وجواسيس للأجانب يعملون لصالحهم مقابل الإبقاء على سلطة الحكام او على دعمهم وعدم تهديد حكمهم بالسقوط على يد الشعب.

 ثانيا: هل من المعقول ان ينزل عملاء وجواسيس الأجانب الى الشارع لإبداء الاعتراضات او تحريض المواطنين ليتم اعتقالهم سريعا وتذهب مخططات الأجانب سدى ام ان العملاء والجواسيس يعملون بصورة سرية جدا ويحصلون على أموال طائلة تمكنهم من الوصول الى ارفع درجات في السلطة والتدرج في مراكز النظام الهامة لكي يخدموا أسيادهم بشكل افضل في سدة الحكم؟.

ثالثا: اننا نتحدى اي نظام او حكومة ان تثبت في محكمة دولية عادلة ان الذين ينزلون الى الشارع ويطالبون بحقوقهم او يعترضون على سوء الأوضاع المعيشية هم جواسيس وعملاء للأجانب، والحقيقة ان كل في الأمر هوان النظام الذي يعجز عن تلبية مطالب شعبه ويرى اعتراض المواطنين تحد جدي للسلطة واحتمال انهيار حكمه يسارع لتوجيه اتهامات العمالة والتجسس للمعترضين والمطالبين بحقوقهم من اجل تشويه سمعتهم والزعم ان الحاكم المستبد برأيه هو اكثر وطنية والتزاما من الجميع وان الذين يعترضون على سياسته وقراراته هم حفنة من العملاء يحركهم الأجانب ولابد من قمع هؤلاء والقضاء عليهم وحصول المسئولين على مبررات قانونية وميزانيات طائلة لاحباط المخططات الأجنبية المزعومة وتبرير استمرار سلطة المسئولين لمدى الحياة.

 حالات تشويه سمعة المعترضين وتوجيه الاتهامات الجوفاء الى المنتقدين وصلت من المؤسف في بعض الدول الى حد تكفير المنتقدين كما تفعل بالضبط الجماعات التكفيرية المنحطة ضد الأبرياء والعزل وأخيرا صرح مفتى إحدى الدول التي تشهد انتفاضة شعبية عارمة اعتراضا على غلاء أسعار المواد الغذائية وسحق كرامة الإنسان، انه لا يجوز الصلاة على جثمان الأشخاص الذين يستشهدون في سبيل الاعتراضات على الحكومات!

 يا له من تفسير سطحي وخاطئ لدين أكد فيه الذين نشروه: ان الله خلق البشر أحرار، وعليهم ان لا يعبدوا سواه اي لا يعبدوا اي من البشر مهما كانت سلطته وقدرته.

الحكام الذين يعتبرون انتقادهم من قبل الآخرين نوعا من الكفر والشرك ويزعمون ان الاعتراضات على السلطة شكلا من أشكال الإلحاد والضلالة او تحد للنظام الحاكم لا يسمحون للأحزاب المعارضة بانتقادهم بشكل واقعي ولا يقبلون بوجود تمثيل واقعي للمنتقدين في البرلمان او المؤسسات المدنية غير الحكومية ولا يعترفون بوجود أجهزة إعلام وصحف مستقلة ولا يرضون بنزول المواطنين للشارع للتعبير عن اعتراضاتهم وما يجول في أنفسهم من انتقادات قد تكون بناءة ولصالح الجميع، وبعض هؤلاء الحكام لا يسمحون حتى للمواطنين التفكير بالاعتراضات ومناقشتها إعلاميا وسياسيا ولا يقبلون حتى بالاقتراحات الجيدة والمفيدة لحل الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بل وأشاع هؤلاء أجواء من الرعب والحقد والنفاق بين المواطنين حيث صار الأخ في بعض الأحيان يتهم أخاه بسب النظام وشتم الحاكم وحتى كتابة تقرير أمنى ضده من انه عميل للأجانب ويتجسس لصالح الاستخبارات الخارجية، ومثل هذا الوضع المؤسف سائد الآن في معظم الدول العربية والإسلامية.

على اي حال فان الأنظمة السائدة الان التي يحكمها الزعماء والحكام بشكل عام ثلاثة أنواع:

 الأول اي يكون الحاكم نصب نفسه زعيما بقوة السلاح اي من خلال القيام بانقلاب عسكري وقتل وإعدام المسئولين السابقين ومثل هذا النوع لا يتمتع بأي صفة شرعية او صيغة قانونية مهما كانت الذرائع والمبررات لانه حكم دموي وجاء على خلفية صراع شخصي وتصفية حسابات فئوية، وهذا النوع من الحكم شرعا وقانونا باطل وغير مقبول جماهيريا.

النوع الثاني من الحكام هم الذين ينصبون ويفرضون أنفسهم على الناس من خلال النظام الوراثي نقل السلطة بين الأسرة الواحدة دون إجراء انتخابات او حتى استفتاء عادي لاختيار الحكام والمسئولين، وهذا النوع ايضا باطل وغير مقبول قانونيا وشرعيا لانه مبني على الاختيار غير الجماهيري وغير الأخلاقي وبجملة أدق ان مثل هذا النظام غير المقبول على الأقل من معظم او غالبية أبناء الشعب الذين لا حول ولا قوة لهم.

النوع الثالث من الحكام هم من الذين اختارهم الشعب بشكل مباشر وبشكل واقعي اوعن طريق تزوير الانتخابات او التلاعب بالنتائج ولكن بالتأكيد فان اختيار الشعب لأغلبيته مثل هؤلاء الحكام كان اختيارا مرحليا اي لفترة محددة من الزمن تدوم لبضع سنوات فقط غير قابلة للتجديد بتاتا ولا يجوز شرعا وقانونا التمسك بإدارة النظام بكرسي الحكم بقوة الإعلام والسلاح الى مادام العمر وفرض الحكام أنفسهم وأنجالهم وأحفاد أحفادهم على غالبية الشعب بقوة سلاح والأجهزة الحكومية القمعية واستغلال قوى الأمن والجيش لمواجهة الشعب ومنع الآخرين حتى من المشاركة في الحكم او العضوية في البرلمان بذريعة انهم عملاء للأجانب اولا يصلحون وغير جديرين لادارة البلاد.

جميع هذه الأنواع من الحكومات هي حكومات باطلة وغير شرعية وذلك للحقائق التالية:

اذا كان الشعب قد اختار هؤلاء الحكام فمن حق الشعب او غالبيته أيضا عزل هؤلاء الحكام أو للشعب على الأقل حق الاعتراض والإشراف الكامل على سلوك وقرارات الحكام بواسطة نواب البرلمان الواقعي او نواب الشعب في المؤسسات المدنية غير الحكومية وغير الخاضعة لسلطة وإشراف الدولة، واذا كان بعض الحكام يزعمون من حقهم الحكم بالتوريث او النظام لمادام العمر دون شروط وقيود، فمن حق الناس ان يتساءلوا من هو الذي أعطى الحق لهؤلاء الحكام لفرض أنفسهم على غالبية الناس دون إرادة وقرار من أكثرية المواطنين، مع التأكيد هنا رفض اي انتخابات او استفتاءات شكلية او التلاعب بنتائجها او إجراء انتخابات معروفة النتائج مسبقا او مشاركة شخص (مرشح) واحد فيها وتهديد الآخرين حتى بترشيح أنفسهم لانتخابات شكلية، وإننا نعتقد من ان جميع الانتخابات يجب ان تقام بشكل نزيه وشفاف وان تشرف عليها مؤسسات دولية معروفة وان تكون الجهة التي تجري الانتخابات غير حكومية وغير تابعة لوزارة الداخلية التي تمثل مصالح الحكومات قطعا، وان يقبل جميع الحكام والمسئولين بحالات النقد والمثول أمام رأي ممثلي الشعب وان يخضعوا للاستجواب والمسائلة دوما وان تكون قلوبهم رحيمة وعقولهم رحبة لتقبل الاعتراضات والانتقادات والأهم من هذا وذاك ان يكون الحكام تحت سلطة الدستور وليس ان تكون سلطتهم وقراراتهم ليس فوق الدستور فحسب بل فوق سلطة الشرائع السماوية أيضا.

اننا ونظرا لدفاعنا عن فكرة إرساء المجتمعات المدنية في الدول العربية والإسلامية نذّكر الحكام والمسئولين من باب النصيحة بجمل انهم جميعا دون استثناء غير منزهين عن الانتقاد لانهم مهما كانوا غير منزهين عن ارتكاب الأخطاء ونعتقد بل نؤكد بضرورة انتقاد المسئولين وإبداء الاعتراض الحضاري ضدهم والنزول الى الشارع وتنفيذ العصيان المدني الشامل في حالة عدم الاستماع للانتقادات وعدم تلبية مطالب وإرادة غالبية المواطنين ونذّكر الحكام والمسئولين من اننا في المجتمعات المدنية وكافة الشعوب الحرة من اتباع حكام وقادة كانوا يعتبرون السلطة بأيديهم اتفه من عطسة تيس (عنزة) ويرون في الحكم المسئولية الواقعية وخدمة الناس وليس إذلالهم وتضييع حقوقهم.

نحن اتباع حكام وقادة كانوا يؤكدون: ضرورة الفصل بين الحق والأشخاص، فالتقدير والتقديس هو للحق وقيمته، اما الأشخاص فنتبعهم عندما يتبعون الحق، ونبتعد عنهم عندما يتخلون عنه: وأعرف الحق تعرف أهله، لا تقيسوا الحق بالرجال، ولكن قيسوا الرجال بالحق اننا اتباع فكر كان عوام الناس يقفون بوجه حكامهم ويهدونهم بالتقويم بالسيف اذا ارتكب اي حاكم اعوجاجا في سلوكه ومواقفه، نحن اتباع قادة لم يكونوا يتهمون حتى خصومهم ولا ألد أعدائهم بالافتراءات والتلفيقات اليومية بل كانوا يدعون دوما لانفسهم وللآخرين بالتقوى وخدمة الناس على حد سواء.

ان معظم الحكام الحاليين ومن المؤسف يؤنسون أنفسهم ويفرضون سلطتهم ويرتكبون أخطائهم بالنفاق السياسي لبعض المسئولين المنتفعين ورياء الإعلاميين المهرجين وشعارات أنصارهم من اتباع المزايا والعطايا والهرولة وراء لقمة الحكام الممزوجة بالذل والدم وفتات موائد الأنظمة المستبدة وتوجيه الاتهامات زورا وبهتانا ضد منافسيهم ومنتقديهم، مما جعلهم يطلقون هذا الشعار في وقت الضيق بهدف إنقاذ حكامهم من الأزمات والسقوط وترويج الافتراءات الجوفاء ضد أبناء الشعب من المنتقدين والمعترضين:

طاعة ومذلة للرئيس كلنا عملاء وجواسيس!

* كاتب وإعلامي-السويد

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 17/كانون الثاني/2011 - 11/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م