الفساد وسقوط العروش المستبدة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: إذا كان التأريخ لم يبخل علينا بالتجارب، التي ترفع من شأن الانسان في الميادين كافة، من خلال دراسة الاخطاء وتصحيحها، فإن الواقع الساخن يقدم لمن يرغب بالاستفادة منه، ما يحث على عدم الوقوع، او السقوط بالاخطاء الجسيمة التي ارتكبها الغير، وأقرب الوقائع الساخنة، هروب الحاكم التونسي زين بن علي من عرشه، وترك السلطة للفراغ...، والاسباب غالبا (كما يوضح لنا مشهد الشارع التونسي) هو عدم استخدام السلطة بطريقة منصفة، وترك الفساد والمفسدين يعيثون فسادا بمقدرات البلد، حتى وصل السيل الزبى، حيث انتشرت البطالة والحرمان، بين الشبان، وعموم الشعب، بسبب الفساد المالي والاختلاس، الذي مارسته السلطة، وأقطابها من مسؤولين وغيرهم.

لدرجة أن شرارة إسقاط حاكم تونس، بدأت بحرق أحد الشبان العاطلين لنفسه، وهي شرارة صغيرة حسب قياسات الطغاة، والفاسدين، والمفسدين، ولكنها كافية لاشعال الحرائق، التي أتت على عرش الحاكم التونسي، ودفعت به للهروب بجلده، من غضبة الشعب وثورته العارمة، التي لابد أنها تقتص منه فيما لو حُرم من رحمة الهرب، الى دول معينة تحميه، مع أن حاكما من هذا النوع، لايستحق الحماية، ويُستحسن أن يُترك ليواجه مصيره بنفسه من خلال محاكمة عادلة له ولاقطابه، نتيجة للسوء الجسيم الذي ألحقه بشعبه، وليصبح عبرة حاضرة للمماثلين له من الحكام العرب، الذين لايهمهم سوى تشديد القبضة على شعوبهم، إستئثارا بالحكم ومنافعه المادية، التي غالبا ما تأتي على حساب الناس الضعفاء، الغاطسين في وحل البطالة، وسعير الاسعار الجنونية للمواد الغذائية، ولهيب الجوع وسواه.

ولو حاولنا أن ندرس بشيء من التأني ما حدث في تونس، فإننا في حقيقة الامر، نستطيع أن نلخص ما حدث ببعض النقاط، التي قادت الى هذه النتيجة، التي حتما أنها تنتظر جميع الحكام الفاسدين المفسدين، واذا لم يحدث القصاص هذا اليوم، فإنه لاريب قادم في الغد، وما يليه من أيام، فلا خلاص من عقاب الشعب للظالمين الفاسدين العابثين بقوته، ولا عذر لهم قط، فحين يكون الجوع ثمنا لسلطتهم، وحين تكون البطالة وافرازاتها القاتلة سببا لبقائهم في السلطة، وحين يكون الجهل والمرض والتخلف والحرمان، عوامل تحافظ على نفوذهم وتزيد من فسادهم، فإن الثورة الشعبية المشابهة لما حدث في تونس، سوف تتربص بجميع الحكام العرب، الذين ينتهجون نهج الحاكم التونسي.

ويقينا أن أيديهم الآن على قلوبهم، خوفا من اشتعال الشرارة بين شعوبهم، ويقينا أنهم راقبوا شرارة الشاب التونسي، وما تمخض عنها منذ لحظة اندلاعها حتى قطف ثمارها، باسقاط الحاكم التونسي من عرشه، فلماذا ينتظر مثل هؤلاء الحكام مصائرهم الواضحة، بلا لبس او غموض، ولماذا لم يحاولوا الاستفادة من الدرس التونسي، لكي يتجنبوا المصير نفسه؟

إن هذه الاسئلة وغيرها الكثير، موجهة الى جميع الانظمة العربية وقادتها، لكي يروا الامر بجلاء ووضوح، ولكي يعرفوا ويفهموا بأن الشعوب لن تصبر على الظلم، والضيم، والحرمان، واللاعدالة، والفساد، الى الابد، كما أن طرق القمع والقتل ونشر العسكر في الشوارع والساحات، لايمكن أن يوقف الشعب عن اهدافه، اذا آمن بها وأيقن أن القادة يعيشون في واحة الغنى والثراء والبذخ وجمع المال وما شابه، وهو يعيش في وادي الفقر والذل والقمع والحرمان، والبطالة التي تعبث بأولادهم، وشبابهم، وقبل ذلك، بأرواحهم، وحاضرهم ومستقبلهم.

لهذا يُقال أن الحليم هو من يتعض من اخطاء غيره، وفي نظرة الى المشهد العربي المحتقن، سوف نلاحظ إمكانية أن يتكرر سيناريو تونس، في بلدان عربية، تقف على شفا حفرة، من الانتفاضات الشعبية العارمة، لذا مطلوب من هذه الحكومات، أن تتخذ خطوات عملية دقيقة، ولكن بسرعة البرق، من لدن الحكام والقادة المعنيين بالفساد والافساد، لاصلاح الاوضاع التي تعاني منها الطبقات الفقيرة، القابعة في رزايا الفقر، والبطالة بسبب الفساد المستشري، ولابد أن يكون الدرس التونسي، نافذة كبيرة وواضحة ومناسبة ايضا للتصحيح.

أما اذا بقي من يريد أن يبقى من الحكام، والقادة، على فسادة وانشغاله بمصالحه، ونفوذه وامواله، وسلطته، بعيدا عن مصالح واحتياجات الشعب، فهنيئا له السقوط القادم، والانتفاضات الشعبية التي ستعطيه درسا يليق به واعوانه، كما حدث هذه الايام في الدرس التونسي الذي لايُنسى.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 16/كانون الثاني/2011 - 10/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م