الظلموقراطية في العالم العربي.. إلى أين؟

محسن الندوي

بات العالم العربي قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أية لحظة، فما تعيشه الأمة العربية من احتقان شديد ويأس وإحباط هو نتيجة طبيعية لاستبداد وظلم الأنظمة السائدة في العالم العربي التي باتت تحكم بالسياط رغم انف الأمة، ظلما وجورا فلو افترضنا أن هذه الأنظمة قررت أن تكون ديمقراطية لن ينتخبها أحدا من الأمة، لأنها أولا، لا تطبق الشريعة الإسلامية، ثانيا لا تحكم بالعدل.

غياب العدل والعدالة الاجتماعية بالعالم العربي.. إلى متى؟

بداية وقبل طرح سؤال مهم في الموضوع، ينبغي التذكير بان تزايد الاحتجاجات والعصيان المدني في العالم العربي هي بداية قرب نهاية الأنظمة المستبدة المتسلطة وهو ما خلص إليه نادر الفرجاني الباحث المصري في مجال التنمية ورئيس فريق تقرير التنمية البشرية العربية السابق.

أما السؤال الملح الذي تطرحه هذه الأمة المظلومة وهو: إلى متى غياب العدل والعدالة الاجتماعية بالعالم العربي، وتحديدا العدالة التوزيعية؟ إلى متى ستظل الأنظمة العربية السائدة تستحوذ على كل مقدرات الأمة؟ أليس التطرف في الظلم في العالم العربي هو الذي يخلق التطرف الديني؟ متى سيتحقق العدل الإلهي في العالم العربي انطلاقا من الآية الكريمة: "وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ".

إلى متى ستظل فئة قليلة تحكم فئة كثيرة بالظلم وتستحوذ على كل مقدرات الأمة ومواردها الباطنية مثل النفط وتترك للناس الفتات، إلى متى ستظل فئة قليلة فاحشة الغنى وفئة كثيرة فقيرة مسكينة ومحتاجة، كما قال علي كرم الله وجهه:(ما جاع فقير إلا بما متع به غني).

أليس ما تعيشه تونس والجزائر مثلا من احتجاجات مشروعة هو نتيجة حتمية لظلم الأنظمة السائدة هناك التي تستحوذ على كل شيء، ألم يذكر موقع ويكليكس حسب صحيفة «لو موند» الفرنسية إن المحيط العائلي للرئيس التونسي أشبه بالمافيا، أليس الظلم الاجتماعي هو السمة السائدة هناك كما في جميع البلدان العربية؟

الم تذكر التقارير بان الجزائر نتيجة للبحبوحة النفطية طيلة خمسة أعوام الماضية حققت فائضا في الميزانية هذا العام لأكثر من 14 مليار دولار أين تذهب هذه الأموال؟ أليس الجزائريون من حقهم الاستفادة من هذه الأموال؟ أم أن السلطات العربية تتقن فقط حمل السياط وإنزال الجيش في الشوارع لحماية الأنظمة وضرب الناس وقتلهم، لا لشيء سوى أنهم يحتجون على الظلم الواقع عليهم من طرف الأنظمة الحاكمة المستبدة، وللإشارة فقد دانت منظمة العفو الدولية (امنيستي) ما وصفته بـ"القمع المتواصل الذي تمارسه السلطات التونسية ضد موجة الاحتجاجات" التي قتلت لحد الآن 20 مواطن تونسي حسب تصريحات المعارضة التونسية، لأنهم يطالبون بتحقيق العدالة الاجتماعية ووقف الاستبداد السياسي، أما السلطات الجزائرية فقد قتلت خمسة محتجين ومازالت شهيتها مفتوحة لقتل المزيد من المواطنين فقط لأنهم يحتجون على الاستبداد السياسي الواقع في البلاد وكذا الظلم الاجتماعي، بحيث يعتبر المواطنون الجزائريون وعلى لسان صحفي جزائري في تصريح له لقناة الجزيرة أنه أمام فشل النظام السياسي على مستوياته الاقتصادية والاجتماعية، أصبح "العنف الوسيلة الوحيدة للتعبير" لدى الجزائريين جراء الانغلاق السياسي. وللإشارة فإن معدل البطالة في الجزائر حسب تقارير غير رسمية يصل إلى حوالي 25% وهي نفس نسبة البطالة بالمغرب دائما حسب تقارير غير رسمية، لان التقارير الرسمية عادة ما تصرح بنسب اقل للبطالة لامتصاص الغضب والاحتقان الشعبي.

في مصر وصل الاحتقان الشعبي لدرجة لا تطاق من الاستبداد السياسي والظلم الاجتماعي مما أدى إلى خلق حركات احتجاجية والدعوة إلى برلمان شعبي موازي للبرلمان الرسمي الذي يسود غالبيته الحزب الوطني الحاكم مع إقصاء أحزاب المعارضة والإخوان المسلمين. أما البطالة في مصر فهي في تزايد مستمر بسبب سياسة الحكومة الفاشلة، ناهيكم عن المشاحنات الطائفية التي باتت في تزايد ملحوظ.

أما بالنسبة لليمن الذي أيضا يعرف بوادر بداية الاحتجاجات للمعارضة ضد الحزب الحاكم بالعمل على إفشال الانتخابات القادمة ومعارضة التعديل الدستوري الداعي إلى تنصيب الرئيس اليمني حاكما مدى الحياة.

 بالنسبة للأردن من المرجح أن يعرف عنفا كبيرا واحتجاجات عارمة في الفترة القادمة مع الموجة الجديدة المرتقبة لرفع الأسعار في المواد الأساسية التي ستطال الأردنيين خلال الثلاثة أشهر القادمة بشكل ستؤدي معه إلى احتمال تفجر عنف الاحتجاجات والغضب الشعبي و هو ما حذر منه المحلل الاقتصادي جواد العناني نائب رئيس الحكومة الأردنية الأسبق.

 للإشارة فان الأردن قد شهد تراجع معدل النمو إلى النصف ويعرف عجز قياسي في الموازنة قدره مليارا دولار.

ليس البلدان العربية الفقيرة أو المعتدلة تعرف الاستبداد السياسي والظلم الاجتماعي فالسعودية رغم ثروتها النفطية الضخمة، فهي تكابد نسبة بطالة كبيرة بلغت 10.5 بالمئة في 2009 حسب تقارير رسمية. وتعرف السعودية هذه الأيام احتجاجات مجموعة من المدرسين العاطلين وربما تكون بداية شرارة الاحتجاجات في هذا البلد الغني بالنفط وبه نسبة كبيرة من الفقراء.

تعطيل تطبيق الشريعة الإسلامية العادلة.. إلى متى؟

لماذا لا تطبق الشريعة الإسلامية العادلة في العالم العربي، رغم أن كل الدساتير العربية الممنوحة تنص على أن الإسلام هو دين الدولة، متى ستطبق الشريعة الإسلامية في العالم العربي لتحقيق العدالة الاجتماعية بين الناس؟

في الواقع العربي نعيش زمن تكريس الظلم والاستبداد وتعطيل الشريعة الإسلامية العادلة والمنصفة، وذلك بان واقع العالم العربي لا يمت بصلة للإسلام ولا إلى شريعته، فمتى ستطبق الزكاة في العالم العربي على كبار المسؤولين ورجال الأعمال مصداقا لقوله تعالى:" وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ " حتى يتم التخفيف من حدة الفقر وتشجيع الشباب على تأسيس مقاولات صغرى ومتوسطة وكذا دعمهم وتشجيعهم على الزواج، من جهة أخرى نرى خمورا تنتج وتباع في العالم العربي والمغرب يحتل الصدارة في إنتاج الخمور وبيعها علنا في المتاجر الممتازة والله تعالى حرم شربها وبيعها ورواجها، فهذه الخمور تسبب في حوادث للسير قاتلة وحوادث للعنف بين الازواج، نرى التعامل بالربا من خلال الابناك الربوية في العالم العربي دون أدنى احترام لكلام الله تعالى الذي يقول سبحانه: "وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا"، هذا وتتحدث تقارير دولية عن تعاطي الرشاوى المحرمة شرعا وعلى مستويات عليا في العالم العربي وقد ذكر ذلك موقع ويكليكس بالإضافة إلى تقارير منظمات الشفافية الدولية بان الأنظمة العربية وعلى أعلى مستوى تتعامل بالرشاوى من اجل جلب الاستثمارات الخارجية ناهيكم عن البيروقراطية المستشرية في الإدارات العمومية بالعالم العربي، أما عن القمار والميسر المحرم شرعا، فقد باتت صالات القمار في ازدياد بالعالم العربي آخرها قبل أيام تدشين كازينو القمار بدمشق بسوريا وفي هذا الصدد استنكر عضو لجنة الإرشاد والتوجيه في البرلمان السوري محمد حبش بقوله 'إن الذين يفكرون بإدخال القمار إلى سورية يعملون بشكل يغضب الله، ويخالف القانون والأخلاق ويدمر المجتمع" أما المغرب فبات مشهورا بالقمار وخاصة في مراكش الذي نظم بها تظاهرات دولية في القمار وكازينوهات القمار.

 والتساؤل الذي يطرح نفسه هنا هو أين علماء الدين ودورهم في تغيير المنكر السائد في العالم العربي؟

 إن علماء الدين في العالم العربي يتحملون وزرا كبيرا فيما تعرفه الأمة العربية من ظلم وجور من قبل الأنظمة السائدة، فقد بات علماء الدين في العالم العربي يركعون و يقبلون الأيادي، ويسبحون باسم الأنظمة السائدة بدل القول بما يرضي الله تعالى، فعوض أن يقولوا الحق ويفتون به، يخفون الحق وينطقون بالباطل أو يفتون بما يرضي الباطل ولا يرضي الحق سبحانه، أليس دور العلماء يتجلى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ما رأيهم في استحواذ بعض الأنظمة أو جلها على مقدرات الأمة ومواردها ظلما وجورا، ما رأي العلماء في الحكم بغير ما انزل الله تعالى، ما رأي العلماء في الاعتداءات على المواطنين المحتجين على الأوضاع الاجتماعية الخانقة في مختلف المجتمعات العربية، ما رأي العلماء في الدساتير العربية التي تذكر الإسلام ولا تطبق شريعته؟ ما رأي علماء الدين في أن الله تعالى سيحاسبهم يوم القيامة على جبنهم ونفاقهم؟

إن العالم العربي الذي يعيش أزمة خانقة في الهوية والنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والظلم الممارس على الأمة مخرجه هو العدل والوحدة والحكم بما انزل الله، الوحدة في الدستور، الوحدة في الجيش والوحدة في العملة والوحدة الاقتصادية.

* باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية- المغرب

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 12/كانون الثاني/2011 - 6/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م