هولبروك: أوقفوا الحرب

مرتضى بدر

قبل دقائق من وفاته، تحدث مع جرّاح القلب الذي أجرى له العملية قائلاً: “يجب إنهاء الحرب في أفغانستان”.

 تلك كانت آخر كلماتٍ تلفّظ بها الدبلوماسي الأميركي اللامع ومبعوث إدارة أوباما إلى أفغانستان وباكستان (ريتشارد هولبروك)، الذي توفي في يوم الثلاثاء 14 ديسمبر الماضي عن عمر ناهز الـ 69 عاماً.

 ووُلِد هولبروك في نيويورك عام 1941 لعائلة يهودية تخلّت عن اليهودية، وقضى حياته المهنية متنقلاً بين الدبلوماسية و”وولستريت”. وُصِف هولبروك بصانع السلام في البلقان، وكان له دور رئيسي في صنع (اتفاقية دايتون للسلام)، التي وضعت حداً للحرب في البوسنة عام 1995، وفي حينه لُقّب بـ “كيسنجر البلقان”.

يعتبر عام 2010 أسوأ عام لقوات الناتو في أفغانستان، وفيه قُتِل أكبر عدد من جنود الحلفاء منذ أن بدأت “الحرب على الإرهاب”. وقُتِل 695 جندياً من القوات الدولية بمن فيها جنود حلف “الناتو”؛ وذلك بزيادة قدرها 33 % عن العام 2009، وهو أعلى معدل للقتلى منذ بداية الغزو الأميركي عام 2001. وتوقع (جوزيف بلوتز) المتحدّث باسم حلف “الناتو” بأن قواته في أفغانستان ستواجه المزيد من العنف في العام 2011، بعد أن شهدت أعلى معدل سنوي للعنف خلال العام المنصرم.

وعلى الرغم من أن واشنطن أنفقت 52 مليار دولار من المساعدات في أفغانستان منذ 2001، إلا أن تلك المساعدات لم تنتشل الشعب الأفغاني من الفقر والعوز، حيث يعيش عشرة ملايين أفغاني تحت خط الفقر نتيجة الحرب، كما لم تجلب تلك المساعدات الأمن والسلام لهذا الشعب.

الورطة التي تورّطت فيها الولايات المتحدة في أفغانستان أجبرتها على الاستمرار في انفاق الأموال على جنودها وعلى الحكومة الأفغانية رغم صرخات المعارضين للحرب، ومطالبتهم بضرورة وقفها وانسحاب القوات. وكان آخر تلك الصيحات ما خرجت من حنجرة المبعوث الأميركي (ريتشارد هولبروك) قبل أن يفارق الحياة.

 تأتي كل هذه التطورات المتلاحقة والإدارة الأميركية لم تتوصل لغاية اليوم لوضع استراتيجية جديدة لها في أفغانستان، والتقارير تتحدث عن بروز خلافات بين القادة السياسيين والعسكريين في البيت الأبيض. أوباما في تقويمه الأخير، اعترف بحصول تقدّم بطيء على الصعيد الميداني، إلا أنه أقرّ بهشاشة الوضع وحاول تحميل باكستان المسؤولية، حيث قال: “سنواصل تأكيدنا للقادة الباكستانيين بوجوب التصدي للملاذات الآمنة للإرهابيين داخل الحدود الباكستانية”. وهذه ليست المرة الأولى التي تحاول فيها واشنطن رمي الكرة في ملعب الحكومة الباكستانية؛ بغية تبرير فشلها في أفغانستان. وسبق للقادة السياسيين والعسكريين أن وجّهوا اتهامات غير مباشرة لعناصر استخباراتية لتورطها في دعم الجماعات الأفغانية سراً عبر القبائل الباكستانية التي تقطن بمحاذاة الحدود بين باكستان وأفغانستان.

الجدير بالذكر أن البيت الأبيض يرى أن المنطقة الفاصلة بين البلدين هي الشريان الرئيس لإيصال الدعم اللوجستي إلى طالبان؛ ولذلك ركّز القادة السياسيون والعسكريون الأميركان على توجيه ضربات للعناصر القبلية داخل الحدود الباكستانية باستخدام طائرات من دون طيّار. وكان (هولبوروك) من الداعين لقطع هذا الشريان، إلا أن انفجار الشريان الأورطي للمذكور لم يسعفه لإكمال مهمته، فنُقِل إلى غرفة العمليات ولم يخرج منها سالماً.

وقبل وفاته بدقائق قدّم نصيحة لزملائه بضرورة وقف الحرب، مدركاً أن الانتصار على القبائل الباكستانية والأفغانية بالقوة العسكرية أمر مستحيل. الدول الحليفة لأميركا سارعت بسحب أعداد كبيرة من قواتها واحدة بعد الأخرى، والبقية أعلنت أنها ستسحب معظم قواتها مع نهاية العام الجاري. أوباما منذ استلامه للسلطة وعد بسحب قوات بلاده، وحفاظاً على ماء وجهه قال في آخر كلمةٍ له حول أفغانستان: “يمكنني القول بأننا على الطريق لتحقيق أهدافنا... وان الولايات المتحدة تمضي على الطريق لبدء سحب بعض القوات الأميركية في يوليو المقبل”. المضحك أن جورج بوش الابن كان يقول نفس الكلام، بيد أنه من حق المواطن الأميركي اليوم توجيه السؤال التالي للقادة الجمهوريين والديمقراطيين الذين تورطوا جميعهم في هذه الحرب المخزية... ماذا حصدتم من حربكم في أفغانستان طوال العشرة أعوام الماضية؟.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 9/كانون الثاني/2011 - 3/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م