ابشر يا بشير تقسيم السودان مؤكد

خليل الفائزي

عندما يتعلق الأمر باحتلال بلد او تقسيم اي من دول المنطقة والعالم فان مشاعرنا الإنسانية وإحساسنا الدينية والوطنية قد تغلب حتى على عقولنا وتجعلنا نفقد التمييز بين الخير والشر والخطأ من الصواب. ففي الأسابيع الماضية شاغلنا الإعلام العربي والدولي من الصباح حتى المساء بموضوع تقسيم السودان ومخاطره المزعومة على كل المنطقة واعتبره الكثير من المراقبين والسياسيين على انه هدية عيد الميلاد مقدمة من الدول الغربية الى الدول العربية والإسلامية بمناسبة دخولنا عام ميلادي جديد.

 والحقيقة ان حملة الأقلام الرخيصة من المهرجين الإعلاميين وعبيد الأنظمة وفوا كثيرا بوعودهم وقاموا بمهامهم على افضل وجه ودافعوا عن حكومة عمر البشير لانها حكومة طبق الأصل ونسخة من حكوماتهم وعارضوا التقسيم ووصفوه كالعادة بأنه مخطط أمريكي إسرائيلي مشترك وان الغرب يخطط للمزيد من تقسيم الدول العربية والإسلامية ليسهل احتلالها ونهب ثرواتها. وكالمعتاد أيضا رفع الكثير من المهرجين الإعلاميين شعارات ثورية براقة واختاروا لمقالاتهم عناوين بارزة تقول: نحن معك يا الرئيس بشير لن نسمح بتقسيم السودان!. سيظل نظام البشير شامخا ولن يقسم السودان أبدا!.اذا قسم السودان سنعلنها حربا شاملة ضد الغرب!

لكن بدورنا نقول عبارة واحدة ردا على مثل هذا التهريج الإعلامي والسياسي ان السودان سيقسم بالتأكيد وابشر يا بشير!

قد يتهمنا البعض بان لنا رؤية داكنة او إننا نكرر ما يردده الغرب وندافع عن مخطط تقسيم السودان، الا ان هذا الاتهام سنثبت خطأه وان اي نظرة سطحية حول موضوع التقسيم لابد من الرد عليها وتصحيحها والتأكيد بالأدلة والحقائق على صحة أقوالنا خاصة واننا نتهم علانية نظام عمر البشير بأنه وراء تقسيم السودان وان سياسته الحمقاء وقراراته الفردية كانت وراء تشتيت وحدة البلاد وانه نفذ وينفذ إرادة أمريكا وإسرائيل في هذا المخطط حتى ولو بشكل غير مباشر وذلك لان:

** نظام البشير الذي حكم السودان طيلة العقود الماضية وخلافا للكثير من الادعاءات والمزاعم فانه نظام قمعي مستبد وانه من اكثر الأنظمة اضطهادا للمواطنين ومصادرة حقوقهم وان هذا النظام لا يتمتع بأي أساس من أسس الديمقراطية وان 90 بالمئة من السودانيين يعارضون نظام البشير ويتمنون سقوطه اليوم قبل غد.

** النظام السوداني ومنذ عقود وحتى الآن يعد حاضنة هامة للجماعات الإرهابية والمنظمات المعادية لارادة الشعوب تحت ذريعة ان هذه المنظمات والجماعات دينية او ثورية ويسارية وتدافع عن العرب والمسلمين وأحرار العالم في حين ان معظم الجماعات الإرهابية والشخصيات الداعية لترويع المواطنين والمدنيين العزل ترعرعت في أحضان النظام الحاكم في السودان وحتى ان تنظيم القاعدة الإرهابي نمى واشتدت قوته بواسطة النظام السوداني الذي كان ولازال الراعي الأساسي لزعماء القاعدة والجماعات التكفيرية وكان يشرف مباشرة على تدريب وإرسال عناصر هذه الجماعات الى أفغانستان وباكستان والعراق وان هذا النظام مسئول أيضا عن تخطيط وتنفيذ معظم التفجيرات وعمليات القتل المنظم واختطاف المدنيين في دول أفريقية، وان نظام البشير معروف بتنسيقه مع دول عربية نفطية لتنظيم وتدريب وتجنيد العناصر الإرهابية خاصة المنتمية لجماعة القاعدة وسائر المنظمات التكفيرية للقيان بعمليات إجرامية وتفجيرات جبانة ضد المدنيين خاصة في العراق.

** بالرغم من ان السودان هو اكبر بلد عربي وفيه مختلف الموارد الطبيعية واغني بلد أفريقي لامتلاكه ارض خصبة ومساحات زراعية واسعة بالإضافة الى أنواع المعادن الغنية وافضل خيرات الطبيعة الا ان نظام البشير حول السودان الى بلد فقير ومواطنوه محرومون من ابسط وسائل وإمكانيات العيش الكريم وحجم ديون السودان عشرات مليار دولار وليس لهذا البلد اي احتياطات مالية ولا إمكانيات اقتصادية واقعية ووفقا لتقرير دولي رسمي أن ديون السودان الخارجية بلغت بنهاية ديسمبر من العام الماضي نحو39 مليار دولار. وكشف التقرير المشترك بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أن أصل الدين هو22 مليار دولار, وباقي المبلغ والمقدر بـ 17مليار دولار عبارة عن فوائد وجزاءات على التأخير وعدم الالتزام بالسداد. وأشار التقرير إلى أن المديونيات الخارجية التي ازدادت بصورة ملحوظة في السنوات الأخيرة مقسمة على 32 % لدول نادي باريس, و37 % للدول غير الأعضاء في نادي باريس, و16 % للمؤسسة المالية الدولية, و12 % و3 % للبنوك التجارية العالمية والموردين الأجانب.وأوضح التقرير أن الديون الخارجية تمثل 284 % من الصادرات مقارنة بـ150% كمؤشر عالمي وتمثل 262% من الصادرات مقارنة بـ250% كمؤشر عالمي مما يؤكد صعوبة الاستدانة لتزايد نسبة الفوائد والجزاءات لعدم السداد.

** وفي الوقت الذي يعيش 90 بالمئة من الشعب السوداني في حالات مأساوية من الفقر والحرمان فانه وفقا لتقرير رسمي صدر مؤخرا من قبل بنوك عالمية كشف فيه النقاب من العاصمة السويسرية جنيف أن للرئيس السوداني عمر حسن أحمد البشير حسابات في (بنك لويدز الخاص) بفرعه بمدينة جنيف وليس بمقر البنك الرئيسي في لندن، وكما هو معروف أن العاصمة السويسرية جنيف هي الأكثر شهرة في العالم احتضاناً لأموال وثروات رؤساء الدول وشخصيات معروفة في المنطقة والعالم، وأكد التقرير أن حساب الرئيس السوداني تم فتحه منذ شهر مايو1991م بواسطة سفير السودان بسويسرا آنذاك السيد مهدي ابراهيم، وحينها كان الحساب رقمي بمعنى أن حساب الرئيس عمر البشير لم يكن مسجلاً باسم بل مسجلاً بـ (رقم سري)، وتشير التفاصيل إلى أن المستشار الخاص مهدي إبراهيم عندما تم نقله سفيراً للسودان في واشنطن كان يأتي للعاصمة جنيف بين الفينة والأخرى لمتابعة حساب الرئيس عمر البشير وقد كان مشرفاً على هذا حساب المصرفي مكلفاً من الرئيس شخصياً، لمتابعة كل ما يتعلق بالحساب صرفاً وإيداعاً، وبعد فترة تم تعيين ابراهيم ميرغني سفيراً للسودان في سويسرا فأصبح مسؤولاً عن الحساب الخاص بالرئيس، والسفير ميرغني تربطه بعمر البشير علاقة قوية للغاية، حيث أكدت المصادر الخاصة أن ابراهيم ميرغني هو السوداني الوحيد في السلك الدبلوماسي الذي عُين سفيراً في سويسرا مرتين نسبة لأنه أقرب الشخصيات بالنسبة لعمر البشير ما يعتبر الأنسب لمتابعة الحساب الخاص بالرئيس، وكان (بنك لويدز الخاص) ينزعج للتغيير المتعدد للأشخاص المسؤولين عن هذا الحساب وحرصه على سرية وخصوصية ودائع السيد الرئيس. وتحدث التقرير عن نوعية الحساب المصرفي في (بنك لويدز الخاص) بمدينة جنيف بالنسبة لرؤساء الدول، موضحاً "أن حسابات رؤساء الدول الخاصة في هذا البنك تفتح بدايةً من 2 مليون دولار فما فوق، ولا تفتح حسابات في هذا البنك بأرقام قليلة"، واضاف "تناوب على إدارة الحساب المصرفي للرئيس عمر حسن البشير كل من السفراء مهدي ابراهيم وعلي سحلول، وابراهيم ميرغني على فترتين، ود. غازي صلاح الدين القيادي بالحزب الحاكم، أيضاً مشرفاً على الصرف من هذا الحساب بتوجيهات من الرئيس لدفع مبالغ كمكافآت لأشخاص سياسيين كانوا أو صحافيين، وجهات أخرى قدمت خدمات للنظام". وقال المصدر "أن رصيد حساب الرئيس عمر البشير بدأ يزداد بشكل كبير خاصة بعد تدفق البترول في السودان وتصديره، ويزداد كلما زادت مبيعاته وارتفع سعره في السوق العالمي".

إضافة الى ذلك كشفت تقارير موقع ويكيليكس المعرف من ان للبشير حساب خاص في دولة غربية وضع فيه مؤخرا 3 مليارات دولار استعداد لاي حادث طارئ واحتمال هروبه من السودان ربما لاندلاع الانتفاضة الشعبية ضد نظامه قريبا او تصاعد إرادة المجتمع الدولي لاعتقاله بسبب الجرائم التي ارتكبها ضد الإنسانية خلال فترة حكمه الاستبدادي والقمعي.

 ونشير في هذا السياق الى تقرير رسمي صادر عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي يؤكد من عمر البشير شخصيا اصدر قرار قتل عشرات آلاف من المدنيين وأظهرت مذكرة للمحكمة الجنائية الدولية ان الادعاء في المحكمة طلب إلقاء القبض على الرئيس السوداني عمر البشير بتهمة الإبادة الجماعية وجرائم اخرى ضد الإنسانية وجرائم حرب في دارفور. وقال الادعاء في مذكرته ان "قوات وعملاء" تحت قيادة البشير قتلت ما لا يقل عن 35الف مدني كما تسببت في "موت بطيء" لما يتراوح بين 80و265ألفا شخصا من المدنيين شردهم القتال. وجاء في المذكرة "ارتكب البشير من خلال أشخاص تحت سلطته إبادة جماعية ضد جماعات الفور ومساليت والزغاوة العرقية في دارفور بالسودان من خلال استخدام جهاز الدولة والقوات المسلحة وميليشيا الجنجويد". كما وجه الادعاء الاتهام للبشير بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب منها القتل والإبادة والتهجير القسري لما يصل الى 2.9 مليون مدني والتعذيب والاغتصاب بواسطة قوى الأمن والقوات المسلحة.

ان مثل هذا النظام الفاسد والقمعي الذي يرفع شعارات ثورية زائفة لتمرير مخططاته الإجرامية ضد الإنسانية ومن على شاكلته من الأنظمة القمعية والمستبدة قطعا لا تستحق منا ولا من شرفاء المنطقة والعالم اي دعم إنساني ولا إعلامي ولن نذرف على سقوطه واندثاره دمعة رخيصة ولن نتحسر حتى ب (آه) عابرة على تقسيم السودان في ظل حكم عمر البشير غير القانوني، وإذا كانت لدى هذا النظام اي نخوة عربية ومبدأ ديني وحس قومي ونهج وطني لكان قد وقف منذ اللحظة الأولى ضد قرار التقسيم ولحارب الشرق والغرب دفاعا عن بلاده ومنع تقسميه او الانتقاص منه حتى لو لشبر واحد او على الأقل لوافق على مبدأ التنحي عن منصبه وإفساح المجال لأشخاص وطنيين يدافعون بحق عن سيادة وعزة ووحدة السودان ولكن ماذا نفعل مع زعماء من أشباه الرجال يرجحون دوما مصالحهم الشخصية والفئوية على مصالح المواطنين وانهم مستعدون حتى التضحية بنصف بلادهم وقتل ثلثي عدد مواطنيهم من اجل إبقاء سلطتهم الاستبدادية على رقاب شعبهم، ونؤكد هنا من ان عمر البشير ومن اجل احتواء القرار الدولي الصادر ضده ومنع تطبيق أو إبطال قرار المحكمة الدولية الداعي لاعتقاله ومحاكمته بتهمة انه مجرم حرب وقاتل مئات آلاف من المدنيين الأبرياء في السودان خاصة في دارفور فقد وافق البشير بالأساس وبالتواطؤ مع الغرب على قرار تقسيم السودان ونفذ مسرحية ما اسماه النزول لإرادة المواطنين لاستقلال جنوب السودان وهذا ما تم إثباته علانية للجميع خلال زيارته الأخيرة الى مدينة جوبا عاصمة الجنوب المقتطع.

* كاتب وإعلامي-السويد

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 8/كانون الثاني/2011 - 2/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م