حصار غزة ومسرحية قوافل المساعدات

خليل الفائزي

حصار قطاع غزة او حصار اي دولة او منطقة او مدينة يقطن فيها مواطنون عاديون امر مرفوض ويتعارض مع الأعراف الدولية والشرائع السماوية ولا يقبل به اي شخص اذا كانت لديه ذرة من الإنسانية، ولكن تحويل موضوع الحصار او المساعدات إلى ذريعة للمتاجرة السياسية واستغلاله مادة إعلامية لممارسة الضغوط على قوى المعارضة او تحقيق مكاسب مادية هائلة من خلال جمع الأموال والمساعدات المادية وإرسال جزء منها والاحتفاظ بالباقي في حسابات بعض الدول والمسئولين في المنطقة والعالم هو امر مرفوض ومدان ولابد من الوقوف ضده وفضحه وإدانته خاصة وان الكثير من التقارير التي اطلعنا عليها تؤكد هذه الحقيقة الى جانب ان بعض السفارات الفلسطينية التابعة بالأساس لأشراف السلطة الفلسطينية تحصل على أموال ومساعدات طائلة تحت شعار دعم المواطنين في قطاع غزة الا ان مثل هذه الأموال تذهب الى حسابات شخصية للسفراء والمسئولين الذين حصلوا على ثراء فاحش من المتاجرة بالقضية الفلسطينية ومد يد الشحاذة المؤدبة والفخرية لقطاع غزة وللشعب الفلسطيني عموما.

 وفي الآونة الأخيرة ومنذ شهرين او اكثر انطلقت قافلة لمساعدة غزة أطلق عليها "آسيا 1" وبدأت من اليابان والنيبال وإندونيسيا شرق آسيا وامتدت الى باكستان ثم الهند وجالت هذه القافلة التي ضمت حوالي الف شخصاً مدن إيران من جنوبها الى شمالها، ثم انطلقت نحو تركيا وصولاً الى المدن والموانئ السورية. وقطعت هذه القافلة اكثر من 10 آلاف كلم بهدف الوصول الى قطاع غزة واصطحبت قافلة المساعدات معها سفينة محملة بألف طن من المواد الغذائية والأدوية والمساعدات العينية.

واللافت في هذا السياق ان هندوس ومسلمين ومسيحيين شاركوا في هذه القافلة وان جميع هؤلاء ومنذ اكثر من شهرين طافوا عشرات من مدن المنطقة وأقاموا في افخر الفنادق وحظوا بأفضل الضيافة الرسمية من دول المنطقة وأكدت التقارير الإعلامية ان 90% من هؤلاء كانوا بالأساس من موظفي الحكومات والأجهزة العسكرية والعناصر الأمنية لدول في المنطقة حيث كانت هناك رغبة لدى بعض الدول إرسال هؤلاء بنية الحصول على تقارير ميدانية والمتاجرة كالعادة بالقضية الفلسطينية وجعل موضوع حصار غزة ذريعة لتحقيق مكاسب سياسية في داخل تلك الدول والا ما الحاجة من تطويل مدة إرسال المساعدات والتشهير بها وإجراء لقاءات مع رؤساء وزعماء المنطقة والتقاط آلاف الصور التذكارية والأفلام الوثائقية وكأن هذه القافلة ذاهبة للمريخ وليس الى غزة عبر بوابة مصر، ولاثبات صحة ادعائنا هذا نشير ايضا الى النقاط التالية:

**من المؤسف جداً ووفقاً للحقائق والمعلومات التي نمتلكها لا توجد في اي من الدول العربية والإسلامية ولا حتى في الكثير من الدول الآسيوية بالإضافة الى تركيا منظمات مدنية او مؤسسات غير مرتبطة او بالأحرى غير خاضعة لسلطة الدولة، وهذا يعني ويؤكد من ان أية نشاطات لدعم غزة اواي جهة أخرى لابد ان تتم بالتنسيق مع الحكومات او الأنظمة التي تستغل بدورها مثل هذا الدعم سياسياً وإعلاميا لصالح مواقفها وسياستها داخل بلدانها فقط وبالتالي يفقد هذا الدعم مصداقيته في إطاره المعنوي ولا يعد دعما نابعا من دوافع دينية او إنسانية.

** من المؤسف ايضاً ان المنظمات المدنية والاتحادات والنقابات والمؤسسات الشعبية والخيرية اذا وجدت في الدول التي أشرنا إليها لا تملك اي قدرات مالية وإمكانيات مادية هائلة تمكنها من تنظيم قوافل مساعدات وشراء آلاف أطنان من المواد الغذائية والأدوية وغيرها كما نشهدها ونسمع بها، وهذا يعيدنا للتأكيد مرة أخرى من ان نوايا المساعدات التي طرحت حتى الآن في مثل هذه المجالات كانت سياسية وإعلامية فقط، ومن المؤسف كذلك ان نكشف هنا من ان الكثير من تلك المؤسسات والجماعات والشخصيات التي تزعم وتثير تقديم الدعم الى غزة متورطة بأشكال مختلفة في دعم منظمات إرهابية وجماعات إجرامية مثل القاعدة وطالبان خاصة من قبل هذه المؤسسات والجماعات الفاعلة في دول نفطية.

** من حق الرأي العام والإعلام والمواطنين المسائلة والاستفسار عن مصير المساعدات المالية والعينية والمادية التي قدمها حتى الان ملايين من أبناء شعوب العالم طيلة العقود الماضية الى الشعب الفلسطيني ولاسيما في الآونة الأخيرة التي أرسلت خصيصا لعون الفلسطينيين في غزة اثر دمار بيوتهم وهدم المدارس وغيرها من المباني غير الحكومية، ففي مصر وحدها جمع المواطنون اكثر من ألف شاحنة مواد غذائية ومساعدات طبية خلال عدة ايام فقط لإرسالها الى غزة وتم جمع وإرسال مئات آلاف من أطنان المساعدات المادية ومئات ملايين من الدولارات إضافة الى الحلي والذهب والمجوهرات التي تبرعن به بنات ونساء من المنطقة والعالم لارسالها الى المنكوبين والمعوزين في غزة، ولكن النتيجة النهائية ماذا كانت، هل وصلت حقاً هذه المساعدات او جزء ضئيل منها الى المواطنين في غزة او حتى في مناطق أخرى من فلسطين المحتلة ام ان السلع والبضائع بيعت في الأسواق الحرة او وزعت على غير أصحابها ومحتاجيها ووضعت الأموال المرسلة في حسابات شخصيات ومسئولين وسماسرة يتاجرون بالقضية الفلسطينية وغيرها من قضايا المنطقة والعالم ومنها ايضاً قضايا أخرى مثل دعم منكوبي الكوارث والزلازل والسيول؟

 النظام المصري وباعتراف مسئوليه صادر ويصادر 90% من المساعدات والمواد الغذائية والأدوية ومواد البناء التي وصلت الى موانئ ومناطق مصرية قريبة من غزة وزعم في الآونة الأخيرة انه اتلف عشرات آلاف من أطنان المساعدات التي وصلت من دول عربية وإسلامية في ميناء العريش ولم يتم إرسالها الى غزة بسبب ضغوط إسرائيل على النظام المصري وكذلك لا يعرف الرأي العام اين تذهب مئات آلاف من أطنان المساعدات التي تجمع بين فترة وأخرى بذريعة إرسالها الى غزة وترفض إسرائيل وكذلك النظام المصري من دخول هذه المساعدات الى غزة عن طريق البحر والبر والجو، فأين تذهب المساعدات والسلع والأدوية الطبية غالية الثمن، هل يلقى بها في البحر اويتم حرقها وإتلافها ام انها تباع في أسواق دول المنطقة وتوضع عائداتها في حسابات مسئولين وسماسرة في المنطقة؟

 اننا ومن خلال إجراء حسابات بسيطة توصلنا الى هذه الحقيقة وهي ان المساعدات المالية والمادية التي اعلن عنها حتى الان من دول المنطقة والعالم اذا وصلت حقا الى غزة لاصبح أوضاع المواطنين في القطاع اكثر رخاء بعشرة أضعاف من الدول الأوروبية ولتم بناء مدن وعمارات ومنازل عشرين ضعفا عما يوجد الان في القطاع من منازل وأبنية، ولكننا ومن المؤسف بل من المخزي ان نرى ونسمع ونقرأ كل يوم عشرات الأخبار والتقارير المصورة والموثقة التي تكشف الأوضاع المأسوية التي يعيشها الكثيرون في غزة وعدم حصولهم على اية مساعدات مزعومة بالإضافة الى نقصان شديد في الأدوية ومنشآت البناء والمواد الغذائية.

**للتذكير هنا فقط ان مؤتمر منح المساعدات لغزة الذي عقد في الدوحة عقب انتهاء العدوان الإسرائيلي على القطاع اقر بتقديم دعم مالي فاق 3 مليارات دولار من الدول العربية والإسلامية (منحت قطر والسعودية والإمارات اكثر من ملياري دولار حسب الزعم الإعلامي لهذه الدول). يا ترى ما هو مصير هذه الأموال التي اقتطعت من حقوق أبناء المنطقة وأوقفت فيها الكثير من المشاريع الإنمائية، هل وهبت الى المواطنين في غزة ام انها ذهبت الى حسابات خاصة للمسئولين والسماسرة بين الأطراف المعنية، ام انها كانت مجرد لعبة سياسية وادعاء إعلامي قامت به دول المنطقة لخدع الرأي العام للمواطنين والزعم بتقديم الدعم للفلسطينيين للتغطية على مساومة أنظمة المنطقة مع إسرائيل والتآمر معها قبل وأثناء العدوان على غزة.

 حكومة حماس أعلنت رسميا حتى الآن من انها لم تتلق اي دعم مالي من اي دولة سوى من دولة واحدة. وهذا الدعم كما جاء في تقارير أمنية نشرت في الآونة الأخيرة يبلغ 25 مليون دولار شهرياً وتتم مضاعفة هذا المبلغ في الظروف الطارئة اي في فترة الحرب والمواجهة مع إسرائيل. وأعلنت حكومة حماس من إنها تنفق هذه المساعدات على موظفي الحكومة فقط بما فيهم قوى الأمن والشرطة. ولم تؤكد حكومة حماس زعم دولة قطر من انها ترسل شهرياً 20 مليون دولار لهذه الحكومة. وعليه اذا كانت حكومة إسماعيل هنية لم تتلق الثلاثة مليارات دولارات من الدول العربية والإسلامية، او بالأحرى لم يتم إنفاق مثل هذه الأموال لدعم المنكوبين في غزة، فهل يرضى الرأي العام في الدول العربية والإسلامية ان توضع هذه الأموال في الحساب الشخصي لحكومة محمود عباس وهل ان هذه الحكومة وها انها بحاجة لكل هذه الأموال الطائلة وهي في حالة مساومة مع إسرائيل وتركع أمام سلطة أمريكا ويا ترى كيف تحول جميع المسئولين في الضفة الغربية من معدمين مالياً الى أغنى الأثرياء في الفترة الماضية وهل ان الزعم بتقديم الدعم المالي للمواطنين في غزة او عموم الفلسطينيين هو مجرد ادعاء أجوف لخدع الرأي العام وتقاسم الأموال بين بعض المسئولين والسماسرة السياسيين في المنطقة والضفة الغربية؟.

 ونضيف هنا خبراً لا يخلو من الطرافة السياسية وهوان الإدارة الأمريكية التي كانت تهدي وتمد إسرائيل بالقنابل الذكية المدمرة لقصف غزة وتدمير بيوتها وقتل مواطنيها هي ايضاً أعلنت عن تقديم دعم مالي قدره 20 مليون دولار لاعمار غزة بالإضافة الى مزاعم مشابهة طرحتها دول أوروبية وكندا في هذا السياق، ولا نسأل عن مصير مثل هذه الأموال لانها قطعاً لم ولن تصل الى أهالي غزة باي شكل من الأشكال.

** التجارب الماضية أكدت ان الجهة الوحيدة والأكثر اماناً لوصول المساعدات العينية والطبية الى غزة ومناطق أخرى من العالم ربما كانت منظمة الأمم المتحدة والمؤسسات التابعة لها وربما أيضا الصليب الأحمر وبدرجة ثالثة منظمات الهلال الأحمر العربية والإسلامية، فقد أعلنت الأمم المتحدة عن جمع مساعدات في غزة بلغت 600 مليون دولار (وفقاً لتقرير رسمي لهذه المنظمة) وتوزيع هذه المساعدات في غزة دون نفي او تكذيب مثل هذا الخير من قبل الجهات المعنية. ونرى من ان مؤسسات هذه المنظمة تمد يد العون والإغاثة ولو جزئياً الى مناطق كثيرة في أفريقيا وباكستان وأفغانستان والعراق بالرغم من وجود ثغرات مؤسفة لتحويل جزء من المساعدات والمنح التي ترسل من دول وشعوب العالم عبر الأمم المتحدة الى مناطق ودول لا تستحقها ومن المؤسف نرى هذه السلع والمواد الغذائية والطبية تباع في أسواق الكثير من الدول العربية والإسلامية ومكتوب عليها عبارات بالعربية والإنجليزية: مهداة من الأمم المتحدة، او عبارة: غير مخصص للبيع...

ومع هذا تظل الأمم المتحدة الطرف الأكثر اماناً وضماناً لوصول المساعدات او جزء منها الى المناطق المنكوبة او التي تعرضت لحروب ومآسي بسبب جشع المسئولين والقائمين على موضوع التوزيع والجهات المعنية لوصول المساعدات، وندعو في الوقت ذاته كافة الدول التي تفتقد لوجود منظمات ومؤسسات مدنية القبول بتأسيس مثل هذه المؤسسات شريطة ان تكون مستقلة عن سلطة النظام والحكومة وحتى رغبات الشخصيات السياسية، وان يكون هدف هذه المؤسسات إنساني بحت وليس كما الوضع حاليا بهدف جمع المعلومات الاستخباراتية وكتابة التقارير الأمنية والعسكرية او استغلال واجهاتها ونشاطها لصالح تلك الحكومات والأنظمة التي تتاجر بالقضايا الإنسانية وتكرسها ايضا لقمع معارضيها او الانتقاص من حقوق شعوبها لصالح دول ومنظمات وجماعات أخرى لا لشيء سوى التباهي والمتاجرة والتشدق بالدفاع عن حقوق الآخرين اكثر من الدفاع عن حقوق شعوبهم في بلدانهم.

ان وجود المؤسسات المدنية يقطع الطريق ايضاً عن نشاط الكثير من المنظمات والمؤسسات التي تستغل الدين وأفعال الخير الواهية والقضايا الإنسانية المزعومة لجمع الأموال والمساعدات من الدول والناس ثم وضعها في حسابات المنظمات الإرهابية والإجرامية مثل القاعدة وفروعها والجماعات التي على شاكلتها، وهذا الأسلوب من المؤسف جداً انه لازال رائجاً وشائعاً جداً في العديد من الدول العربية النفطية بالإضافة الى مصر ودول أخرى، ولابد ان يعلم كافة المواطنين والمتبرعين حتى تحت عنوان الزكاة ورعاية الأرامل والأيتام اين تذهب أموالهم وهل هي توزع حقاً على المستحقين والمحتاجين لها ام انها تصل مباشرة الى الجماعات الإرهابية التي تحولها الى قنابل وصواريخ ومتفجرات لقتل الأبرياء وإرعاب الناس وربما تكون النتيجة ان الكثير من ضحايا التفجيرات والعمليات الإرهابية هم من المتبرعين أنفسهم وذويهم..

* كاتب وإعلامي- السويد

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 4/كانون الثاني/2011 - 28/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م