العفو عن جرائم التزوير

القاضي سالم روضان الموسوي

يدور جدل كبير هذه الأيام حول إصدار عفو عن مرتكبي جرائم تزوير الوثائق المدرسية وتناول الإعلام هذا الموضوع بشكل واسع وانقسم المتحدثون فيه إلى فريقين منهم من يرى وجوب إصدار العفو والفريق الآخر يجاهد من اجل منع إصداره وكل فريق له الأسباب التي يدافع بها عن رأيه وفي اغلبها أشارت إلى دوافع إما إنسانية أو سياسية أو قد تكون نفعية للتغطية على بعض المنتفعين من حالة التزوير القائمة الآن.

 ولغرض بيان وجهة النظر القانونية تجاه جرائم التزوير والأحكام التي تنظم العفو وأنواعه وبشرح ميسر وعلى وفق ما يلي:ـ

1. إن فلسفة العقوبة تكمن في كونها جزاء يقرره القانون على مرتكب الجريمة لمصلحة الهيئة الاجتماعية، ويوقعه القاضي على من تثبت مسئوليته عن فعل يُعد جريمة في نظر القانون ليصيب به المتهم في شخصه أو ماله أو شرفه، ومن هنا يمكن أن نستدل على جوهر العقوبة، ونقول بأن جوهر العقوبة هو الألم الذي تسببه لمن يتحملها والألم المقصود بجوهر العقوبة ليس هو إذلال المجرم أو إشعاره بالخزي والهوان، وإنما المقصود منها كيفية تأثيرها على حق من الحقوق اللصيقة بشخص المتهم سواء كان حقاً مالياً أو حقه في الحياة والحرية.

 وهذه العقوبة تكون ردة فعل أو إنها فعل لاحق لفعل تجريم نشاط معين، لان الهيئة الاجتماعية تتمثل في السلطة التشريعية التي تشرع القوانين، و وجدت إن ذلك النشاط يشكل اعتداء على حق المجتمع ويلحق به ضرر وهذا الضرر مفترض في الفعل دون الحاجة إلى الاستدلال عليه، ومن ذلك فان تجريم فعل التزوير هو نشاط آثم جرمته الهيئة الاجتماعية وعلى وفق أحكام المواد (286ـ299) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل، ولم يكتفي المشرع العراقي بتجريم هذا النشاط وإنما عد مرتكبه مرتكب جريمة مخلة بالشرف على وفق أحكام الفقرة (6) من المادة (21) من قانون العقوبات العراقي، وذلك يدل على أن هذا الفعل له آثار جسيمة على البنية الاجتماعية مما دعاه إلى تغليظ العقوبات الأصلية والتبعية، مما يدعو إلى التريث والتروي عند السعي إلى إصدار عفو عن تلك الجرائم.

2. العفو في القانون نوعان الأول العفو العام وهو ما أشارت إليه المادة (153) عقوبات التي جاء فيها بان (العفو العام يصدر بقانون ويترتب عليه انقضاء الدعوى ومحو حكم الإدانة الذي يكون قد صدر فيها، وسقوط جميع العقوبات الأصلية والتبعية والتكميلية والتدابير الاحترازية ولا يكون له أثر على ما سبق تنفيذه من العقوبات ما لم ينص قانون العفو على غير ذلك) ونلاحظ إن العفو العام من شروطه أن يصدر بقانون وهذا القانون على وفق أحكام الدستور النافذ لعام 2005 لا يصدر إلا من خلال مجلس النواب، لان العفو العام يمحو كل اثر للجريمة ويجعل الفعل المرتكب بمثابة العمل المشروع الذي لا يعاقب عليه ويرتب كل آثار الفعل المشروع ويكون من قدم وثيقة صحيحة بمستوى من ابرز وثيقة مزورة ولا فرق بينهم، لان كلا الفعلين مباحين الأول مشروع لذاته لان الوثيقة فيه صحيحة والثاني وان قدم وثيقة مزورة أصبح فعله مشروع بموجب قانون العفو العام.

3. العفو الخاص قد نظمت أحكامه المادة (154) من قانون العقوبات وأشارت في نص الفقرة (1) إلى العفو الخاص وبما يلي (العفو الخاص يصدر بمرسوم جمهوري ويترتب عليه سقوط العقوبة المحكوم بها نهائيا كليها او بعضها او ابدالها بعقوبة أخف منها من العقوبات المقررة قانونا)، وهو يختلف عن العفو العام من حيث جهة الإصدار، إذ يصدر العفو الخاص بمرسوم وليس بقانون وفي الدستور النافذ لعام 2005 أعطى الصلاحية لرئيس الوزراء لاقتراح العفو الخاص لرئاسة الجمهورية لإصدار المرسوم الجمهوري بذلك وعلى وفق احكام المادة (70) من الدستور، ويكون بمنأى عن السلطة التشريعية التي تمثل الهيئة الاجتماعية، كما يختلف من حيث الآثار التي يرتبها، في العفو العام كما أسلفت تمحى الجريمة والعقوبة، أما العفو الخاص فانه يسقط العقوبة فقط ولا يسقط سائر العقوبات الأخرى التبعية أو التكميلية على وفق نص الفقرة (2) من المادة (153) عقوبات.

4. العفو الخاص لا يمكن إصداره إلا إذا أحيل المتهم بارتكاب جريمة التزوير إلى القضاء وصدور حكم قضائي بإدانته بارتكاب الجريمة وإصدار قرار بالعقوبة التي قد تكون سالبة للحرية مثل الحبس او السجن او تكون غرامة مالية، وهذا يدعو إلى ملاحظة تلك الإشارة لان من يسعى إلى إصدار عفو خاص عليه أن ينتظر تقديم المتهمين إلى القضاء وصدور الأحكام ومن ثم يفكر في إصدار عفو خاص عنهم.

5. إن السعي إلى إصدار عفو عام أو خاص عن مرتكبي جرائم تزوير الوثائق الدراسية سوف يتعارض مع مبدأ اقره الدستور العراقي لعام 2005 في نص المادة (14) التي جاء فيها (العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييزٍ بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي) لان العفو عن بعض العراقيين الذين ارتكبوا أفعال جرمها القانون دون غيرهم سيؤدي حتما إلى هدر مبدأ المساواة الذي أشارت إليه المادة (14) أعلاه، ويكون كل قانون يصدر بهذا الاتجاه يلحقه عيب المشروعية بمعنى انه غير دستوري ومن الممكن الطعن فيه أمام المحكمة الاتحادية العليا للبت في دستوريته، كذلك سيتقاطع مع أهم مبدأ في القانون وهو وحدة القاعدة القانونية وتجردها وعموميتها، لان ذلك التميز سيؤدي إلى تجزئتها من خلال تطبيقها على البعض دون الآخر، وبالنتيجة سنكون قد ساهمنا في فقدان اصل القاعدة القانونية وحرفها عن مسارها الذي يرمي إلى حفظ الحقوق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 2/كانون الثاني/2011 - 26/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م