المراجعات الفكرية لدى الجماعات المتطرفة

مرتضى بدر

ليس عيباً أن يتراجع المرء عن أفكاره الخاطئة، إنما العيب التمسك بها والدفاع عنها بالعصبية التي نهانا عنها الإسلام. صدق رسولنا الأكرم صلوات الله وسلامه عليه حين قال: “كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون”.

المرء حينما يفقد التوازن الفكري، يصبح شخصاً التقاطيًا، بمعنى أنه يلتقط أي فكر ومن أي مصدر كان، فيفقد البوصلة، وتتشوش لديه المنهجية، فحينئذ يقع في مطبات وأخطاء وانزلاقات فكرية. منذ الثمانينات من القرن الماضي اتخذت شريحة من قيادات الحركة الإسلامية والجهادية في مصر منهجية النقد الذاتي؛ بهدف تصحيح المسار الفكري والحركي والسياسي للحركات والتيارات التي تنتمي إليها.

على سبيل المثال، كان المحامي منتصر الزيات من أوائل الشخصيات الدينية التي برزت في الساحة السياسية المصرية، وكان له صولات وجولات في المحاكم المصرية دفاعاً عن قيادات الحركة الإسلامية والجماعات الجهادية، وكان من الشخصيات التي تبنّت النقد الذاتي.

في أحد مقالاته المنشورة على صفحة (المراجعات) يقول الزيات: “نثبت حقنا في إحداث مراجعات لبعض ما تبنته الحركة الإسلامية خلال عقد السبعينات وما بعده وفق معايير التقييم التي أشرنا إليها، ونثبت أيضاً في ذات الوقت رفضنا للتراجع عن شيء مما اصطلحت الأمة على تلقيه بالقبول والرضا جيلاً من بعد جيل .. فنعم للمراجعات ولا للتراجعات”.

وفي السياق نفسه، كتب محمد خليل الحكيم مقالاً بعنوان (فقه المراجعات وسطور في النقد الذاتي) يقول فيه: “بعد ربع قرن هي عمر حركتنا الإسلامية كان لا بد علينا أن نبحث عن مواطن الخلل، ونحاول رصد أسباب الفشل، ونسطر تاريخ حركتنا وتجاربها التي باتت اليوم من ضرورات المستقبل الغامض”.

وأما في السعودية، فمازالت أخبار المراجعات الفكرية لعدد كبير من مشايخ الصحوة تتصدر الصحف والقنوات التلفزيونية الحكومية والمنتديات الإلكترونية، خاصة بعد أن تراجع الكثير منهم عن الأفكار المتطرفة والمتشددة. فعلى مدى أكثر من ثلاثة أشهر كان التلفزيون السعودي يبث من خلال برنامجه الأسبوعي (همومنا) سلسلة حوارات فكرية مع الدكتور عبدالعزيز الحميدي أستاذ العقيدة بجامعة أم القرى، والذي تراجع عن أفكاره المتشددة.

وقد تحدث عن تجربته الخاصة، واستنكر أفكار الجماعات المتشددة. صحيفة (الشرق الأوسط) نشرت خلاصة اللقاء الأخير للحميدي مع التلفزيون السعودي، مع وضع عنوان عريض على صدر الصفحة (مراجعات الدكتور الحميدي). في الحلقات الحوارية وجّه الحميدي انتقادات مباشرة إلى قادة الفكر التكفيري أمثال عمر محمود عثمان والمكنّى بأبي قتادة، وعصام البرقاوي المشهور بأبي محمد المقدسي، الفلسطيني الأصل ويحمل الجنسية الأردنية، وهو يعتبر أحد أبرز منظري السلفية الجهادية.

فعن الأول يقول الحميدي: “أتعجب من جرأة أبي قتادة المفتي الإلكتروني للغلو والتطرف”، وعن المقدسي وكتابه المثير (ملة إبراهيم) يقول الحميدي: “إن المقدسي أظهر هدفين في نهاية كتابه، الأول الدعوة لإعداد تنظيمات تخرج على المجتمع كله وتكفّره، والثاني الانقضاض على المجتمع بترويج الفتن واستباحة الدماء والأموال والأعراض”، وحذّر الحميدي من الأفكار الضالة المضلّة التي روّج لها الكتاب.

طبعاً، المقدسي بدوره أصدر بيانًا شديد اللهجة وردّ على الحميدي بعنف ووصفه بـ (الأبله)، وأدرجه ضمن علماء السلاطين. التلفزيون السعودي استمر في فضح الجماعات المتطرفة، فعرض شريط المقابلة مع التائب محمد عتيق العوفي في تاريخ 30 نوفمبر الماضي، والمذكور قد سلّم نفسه للسلطات السعودية بعدما كان القائد الميداني لفرع القاعدة في اليمن. يقول العوفي في اعترافاته إن: “الشبان السعوديين المستقطبين عادة ما يكونون حديثي الالتزام دينياً، فيصار إلى توجيههم توجيهاً جهادياً، خصوصاً وأنهم يفتقدون الضوابط الشرعية، وليست لديهم دراية كافية في فقه الجهاد”.

قبل ثلاثة أيام من اعترافات العوفي كشفت السلطات السعودية عن تفكيك 19 خلية إرهابية على ارتباط بقاعدة اليمن وأفغانستان والصومال، وتضم 149 شخصاً معظم عناصرها من سعوديين صغار ومقاتلين عرب وأفارقة وآسيويين، كانوا يخططون لهجمات انتحارية واغتيالات. الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ مفتي عام السعودية دعا مؤخراً إلى فتح صفحة الحوار مع معتنقي فكر تنظيم القاعدة، وأكد أن العنف لا يعالج بالعنف.

باعتقادي، الحملات الإعلامية ضد الجماعات المتطرفة التي تنتهجها السلطات السعودية قد أعطت ثمارها في الآونة الأخيرة، وأدت إلى فضح أفكارها؛ مما نتجت عن تراجع أعداد كبيرة من المنتمين لتلك الجماعات وإعلان توبتهم، واستنكارهم للأعمال الإرهابية. إن تجربة التائبين ومراجعاتهم الفكرية وعودتهم إلى أحضان مجتمعاتهم يجب أن تدوّن وتوثّق وتكتب حولها الدراسات، فهي غنيّة بالدروس والعبر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 27/كانون الأول/2010 - 20/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م