مقارنة الحرية والإعلام لدينا ولديهم

خليل الفائزي

لسنا بصدد التطبيل بهدف إرضاء او تهديد اي من الحكام والمسئولين ولا ننوي مزاحمة جوقة المهرجين الإعلاميين الذين يطبقون دوماً القول المعروف "الإعلاميون على دين ملوكهم!" ولا نريد الوقوف في طوابير استجداء المزايا والهرولة وراء عطايا الحكام والمسئولين ولكن نذكرهم فقط من ان جميع القادة التاريخيين وأئمة المسلمين لم يركزوا قط على أخطاء خصومهم ولم يشهروا بعيوب منافسيهم ولم يغطوا على ضعفهم بتضخيم معضلات أعدائهم اوانهم وراء جميع الكوارث والأخطاء ولم نسمع عنهم لا في خطبة ولا حديث انهم ظلوا يفضحون مساوئ معارضيهم ولا الزعماء من نظرائهم في جبهة الأعداء بل كانوا يدعون دوماً لاصلاح أنفسهم والآخرين ويعملون لخير شعوبهم وأوطانهم ويبذلون مساعيهم لاستقواء ذاتهم ولعزة الأمة ولم يستخفوا بقدرة أعدائهم ولم يستهينوا بإمكانيات خصومهم بل كانوا يحترمون اصل التنافس والندية معهم ولم نسمع عنهم انهم أضاعوا أوقاتهم بالتكابر والتحدث عن ضعف منافسيهم او الانتقاص من قدرتهم والتشهير بهم بهتانا او بعيداً عن الواقع.

 ربما ان الخصوم والأعداء قد يسلكون شتى السبل الخبيثة للتشهير والتشويه والإساءة لمنافسيهم وخصومهم الا ان هؤلاء ليسوا أسوة لنا ولا يمكن التعامل معهم باقتباس خبث سلوكهم ولا دناءة مواقفهم وبذاءة خطابهم.

 ونظراً لعقيدتنا وأخلاقنا وتربيتنا تعودنا دوما على قول الحق حتى وان كان ضدنا اولا يرضى أنفسنا ولا يحقق مصالحنا، فلا تأخذنا بقول الحق لومة لائم ولا نخشى المساوئ والانتقادات التي قد تثار ضدنا..

 فمن المفارقات اننا في الدول العربية والإسلامية ندعي دفاعنا عن حقوق الإنسان ونتهم الآخرين بالوحشية والضلالة والاستبداد وقد أقمنا الدنيا ولم نقعدها في أجهزة إعلامنا بهذا الشأن واتهمنا مثلا الحكومة البريطانية بقمع الحركة الجامعية التي اندلعت اعتراضاً على رفع رسوم الجامعات 3 أضعاف مما كانت عليه في السابق.

 ونقرأ في الأخبار ان الشرطة البريطانية نشرت 1300 عنصراً فقط لاحتواء ومواجهة الاعتراضات الجامعية التي قدرتها أجهزة أعلامنا بـ 300 الف جامعي وان العديد من الجامعيين تمكنوا من مهاجمة السيارة الملكية التي كانت تنقل ولي العهد الأمير تشارلز وتمت مهاجمة مكتب رئاسة الوزراء والعديد من الوزراء بعد وصول الجامعيين الى المكاتب والمباني الحكومية

 والأكثر من ذلك نتهم في أجهزة إعلامنا الحكومية البريطانية بقمع الجامعيين وانتهاك حقوق الإنسان! وتجتمع حكوماتنا ومجالسنا التشريعية ليس لدراسة انتهاك الحقوق في بلداننا والبحث في أمور دنيانا وآخرتنا بل للدفاع عن حقوق الجامعيين وانتقاد قمعهم في بريطانيا!

 قطعاً ان الدفاع عن حقوق جميع الناس مطلوب وهدف إنساني ورسالي ولابد من إدانة قمع اي حركة جامعية او نهضة مدافعة عن الحقوق القانونية والجماهيرية، ولكن نتساءل بالمقابل لماذا لا تعترف دولنا وأنظمتنا بحقوق الإنسان ولا حقوق الجامعيين في بلداننا ومجتمعاتنا وإذا ما اندلعت اي حركة جامعية يشارك فيها حوالي الف جامعي في بلداننا فان أنظمتنا التي تتباكى على حقوق الجامعيين في بريطانيا وكندا واليونان وإيطاليا تنشر في شوارع وساحات بلداننا اكثر من 300 الف عنصر أمنى وحرس جمهوري او ملكي اي 300 عنصر أمنى لكل طالب جامعي واحد لمحاصرة وقمع الجامعيين وجميع هؤلاء مدججون بأنواع الأسلحة من الرأس حتى أخمص القدم ويتم قمع والجامعيين وقتل العديد منهم ودهسهم بالشاحنات بذرائع مختلفة وتوجه ضدهم التهم بالكيلو وبالجملة ويتهمون بمحاربة الله والأنبياء والأوصياء ولا يسمح لهم حتى بحق الاعتراض ولا بحق بيان وجهة النظر ولا حتى بأخذ شهيق من أنفاس الحرية..

ويا ترى هل يستطيع الجامعيون او المواطنون العاديون وليس أنصار السلطة المنظمين في بلداننا من رؤية او مخاطبة اي من المسئولين في الدول العربية والإسلامية من اجل مهاجمة سياراتهم بالحجارة او حتى إطلاق الشعارات ضدهم او الاعتراض عليهم حتى بالنظرات وكبت الاعتراض على الخطأ والمنكر من أفعال المسئولين في القلوب وهو اضعف الأيمان؟!

 وفي دولة مثل الكويت التي تزعم إنها الأولى في الديمقراطية بين دول المنطقة يتم قمع نواب المعارضة بشكل وحشي وتكسر أضلعهم وتقطع أوصالهم بواسطة قوى الأمن الحكومية، وظن الكثيرون ان أمير الكويت سوف يعتذر من النواب المعتدى عليهم ويعامل الجميع من منطلق أبوي، لكنه يتفاخر من انه القائد العسكري والسياسي العام والتام وهم في الواقع من اصدر شخصيا قرار مهاجمة النواب وقمعهم وتكسير عظامهم لانهم كانوا قد انتقدوا الحكومة بشكل سطحي جدا، وبعد ذلك نقرأ في الصحف من ان الأمير حاكم البلاد الوحيد الأوحد هو فوق القانون ولا يجوز الاعتراض عليه هما فعل ومهما انتهك من بنود الدستور..

 وفي السويد يرد ناكرو الجميل على الدولة التي أعطت من خيراتها واحتوتهم في احلك الظروف ومهدت لهم ظروف العيش الكريم في وقت فقدوا هذه الظروف في أوطانهم، ردوا عليها بعمل إرهابي حقير وجبان حاول من خلاله الإرهابي العميل لتنظيم القاعدة " تيمور عبد الوهاب" تفجير سيارته المفخخة بمئات كيلوغرامات من المتفجرات وسط العاصمة استكهولم، لكن الله كان دوماً مع الحق والإنسانية وافشل هذا العمل الإجرامي الذي ان كان قد تحقق لقتل فيه مئات من الأبرياء والعزل باسم الدين، والدين براء من الجهلة والقتلة والإرهابيين، ويقول بعضنا في بلداننا رحم الله هذا البطل الشهم شهيد الدين الذي خطط لقتل آلاف من خلق الله الأبرياء والعزل في الغرب!

 وفي مصر يفتخر رئيس الجمهورية حسني مبارك ان نظامه وبفضل التزوير والتلاعب بنتائج الانتخابات أوصل جميع أعضاء الحزب الحاكم الى عضوية مجلس الشعب وكافة مراكز السلطة ليضمن من جهة استمرار حكمه دون معارضة واقعية داخل المجلس ومن جهة أخرى يهيئ الظروف لقمع المعارضة وانتهاك حقوق الإنسان وعدم السماح لاي من المنافسين السياسيين لاسيما الدكتور محمد البرادعي من ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية القادمة وتهديده حتى بالقتل ودس السم له في حالة إصراره على التنافس السياسي والانتخابي حيث ان جميع الحقائق تؤكد تفوق البرادعي على جميع المنافسين والمرشحين بما فيهم جمال مبارك حيث يسعى مبارك لفرض ظاهرة التوريث في الحكم على النظام الجمهوري المزعوم في مصر.

 وبالمقابل نرى ونسمع عبر قنوات الأخبار اندلاع الاعتراضات العارمة في اليونان حيث شارك في هذه الاعتراضات على خلفية سياسة التقشف الحكومية ملايين المعترضين الذين اشتبكوا مع قوات الأمن والشركة لعدة ايام متواصلة، وتقر هذه القنوات من ان حصيلة هذه الاشتباكات والمواجهات العنيفة بعض الجرحى الذين عولجوا سطحياً واعتقال 5 او9 أشخاص ونقلهم الى مخافر الشرطة للتحقيق معهم، لكن من جهة اخرى نسمع ونرى القمع الرهيب الذي تقوم به أنظمة عربية وإسلامية ضد مجموعات قليلة من المعترضين حيث يتم قتل او قمع او اعتقال معظم المعترضين على بعض الأمور السياسية او الاقتصادية او حتى الثقافية والاجتماعية ونلاحظ بعد ذلك ملاحقة قوى الأمن والقضاء والاستخبارات للمعترضين وذويهم وأقارب أقاربهم وأصدقاء أصدقائهم ومحاصرة محل سكنهم وطردهم من الجامعات وإقصاؤهم من العمل وإلصاق شتى التهم بهم وتكفيرهم والزعم انهم حاربوا الله ورسوله ووقفوا ضد إرادة الحكام المنتخبين من قبل الله مباشرة لمجرد انهم شاركوا في اعتراضات عادية جداً اوانهم طالبوا بحقوقهم الدستورية.

 ونقرأ في التقرير الدوري للأمم المتحدة ان الدول العربية والإسلامية وللأسف هي الأولى والأبرز في مجالات انتهاك الحريات الشخصية وغياب حرية الصحافة واتساع ظاهرة تكميم أفواه المعارضة وعدم احترام حتى القوانين والدساتير التي سنتها وأصدرتها تلك الأنظمة والدول، وبالطبع ان مبررات القمع والاستبداد والدكتاتورية تكون دوماً الدفاع عن الدين او الحفاظ على الوحدة الوطنية وضرورة احترام شأن ومكانة الزعماء والمسئولين، في حين انه لا يوجد اي دليل ولا وثيقة ولا مستند ولا مبرر واحد لكي يكون اي نظام اوحكم أحادي التوجه او أحادى السياسة ويتحكم في مصيره شخص واحد وحتى ان جميع الأنبياء والرسل كانوا يستشيرون غيرهم ولا يستبدون بحكمهم مطلقا، وخير ما ننقله عن الرسول الأكرم (ص) قوله الشهير: اختلاف أمتي رحمة. اي انه كان يعتز ويطالبنا جميعاً باحترام وجهة نظر ورأي الآخرين ويؤكد لنا انه من خلال تضارب الأفكار ونضوجها عبر احتكاكها بعضها ببعض يولد نهج الحقيقة وتنار طرق الصواب، وخلاف ذلك فان احتكار السلطة والتفرد بالحكم لا ناتج عنه سوى الاستبداد والجهل وارتكاب الأخطاء ومصادرة حقوق الناس.

 اننا دعاة إرساء المجتمعات المدنية لا نطالب قادة أنظمة الدول العربية والإسلامية باقتباس مناهج الحريات غير المحدودة او تطبيق الديمقراطية الغربية في دولهم او التعامل بالمثل في مجال احترام القانون وحرية الصحافة والحريات الشخصية والسماح للجميع بالتعبير عن أفكارهم وآرائهم وفقاً للقانون، بل ندعو هذه الدول على الأقل لاحترام حقوق المعارضة وعدم قمع المعترضين بشكل استبدادي حتى وان كانوا على خطأ بل السماح لهم بامتلاك أجهزة إعلام مثل الصحافة والأجهزة المرئية للتعبير عن آرائهم وبيان وجهة نظرهم ومن حق المواطنين اختيار مواقف النظام او مطالب المعارضة ولا يمكن لاي نظام مهما كانت قدرته وسلطته ان يستمر بالتفرد بالسلطة وتكميم أفواه المعارضة لفترة طويلة، وان مثل هذه الأنظمة قطعا ستشهد اعتراضات جماهيرية حاشدة ضدها نظراً لحالة الكبت والقمع والإرعاب وان مصير هذه الأنظمة التي تمارس الظلم والاستبداد ومصادرة حقوق الآخرين والتفرد بالسلطة قطعاً سيكون والسقوط والاندثار والزوال تطبيقاً لارادة القدر المحتوم وفي إطار القول المأثور:

 الملك (الحكم) يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم

* كاتب وإعلامي-السويد

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 27/كانون الأول/2010 - 20/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م