ظاهرة الإرهاب وسبل القضاء عليها

خليل الفائزي

مرة أخرى امتدت يد أخطبوط الإرهاب الأعمى لتطال العديد من مدن المنطقة والعالم وليحصد القتل المنظم والإرهاب الحاقد على الإنسانية أرواح المئات من الأبرياء والعزل الذين سالت دمائهم لتكون شاهدة على خبث وحقارة الجماعات الإرهابية وتنقش صفحة أخرى في كتاب تاريخ جرائم الإرهاب ضد البشرية.

ومن المؤسف جدا ان معظم عمليات الإرهاب المنظم تمت ويخطط لها بإسم الدفاع عن الدين والاستشهاد في سبيل الله والانتفاضة من اجل فكر طائفة او جماعة مذهبية خاصة وهو قول زائف وادعاء أجوف لا حقيقة له ولابد من التصدي له ودحضه بأساليب علمية وواقعية، ونطرح في هذا السياق الأسئلة التالية:

يا ترى ما هي النتائج الكبرى او النجاحات الباهرة التي حققتها منظمات تدعي انها تطبق الشريعة الإسلامية وتزعم التمسك بسلوك السلف الصالح مثل "القاعدة" و"جند الله"و"الدولة الإسلامية "و"دولة طالبان الدين" من خلال قتل وتمزيق أجساد المواطنين العاديين وتفجير السيارات في شوارع دول أوروبية او تدمير أسواق مبان في دول المنطقة، وهل ان قتل مئات او آلاف من المدنيين في هذه الدول رفع اسم الدين عاليات وعزز من مكانة المذهب او الفكر الفلاني وجعل الناس يدخلون فيه أفواجا؟ ام ان نتيجة الأفعال الإرهابية او ما تسمى عندهم العمليات الاستشهادية كانت تشويه سمعة الدين والمزيد من التضييق والإساءة للعرب والمسلمين في العالم؟

 اننا نتحدى هذه المنظمات ان تأتي ولو بآية قرآنية او حديث معتبر لاي من الأنبياء والرسل او الخلفاء والولاة وأصحاب المذاهب المختلفة يطالب بقتل الأبرياء حتى من اتباع الأديان الأخرى او يشّرع الأفعال المعادية للبشرية ويدعو للقيام بعمليات إرهابية بهدف القتل والدمار والإرعاب.

ويا ترى هل ان مقاومة المحتلين او الاعتراض على سياسة ومواقف الغرب او الخصومة لفكر او مذهب ودين او قومية او أقلية تتجلى في تفجير مسجد وكنيسة وشارع وعمارة سكنية او سوق شعبي يجول فيه آلاف من الأبرياء والمدنيين من طوائف ومذاهب مختلفة ؟ واي مقاومة دينية وعمليات فدائية يتحدث الإرهابيون الحاقدون عنها ونحن نرى ونسمع من ان جميع هذه العمليات تطال فقط المواطنين العزل وان السيارات المفخخة والأجساد الملغمة لا تنفجر الا وسط المدنيين وتقتل فقط الأبرياء من الشباب والنساء والأطفال بشكل أعمى وجبان لا يفرق بين اتباع المذاهب والأديان والقوميات وان هدف هذه العمليات الإجرامية هو فقط إرعاب المواطنين وإسالة المزيد من الدماء البريئة والطاهرة والإساءة للإسلام الذي يزعم الإرهابيون انهم يطبقونه بالكامل ويضحون بالأبرياء من اجله ويعدون اتباعهم من البسطاء والجهلة والمخدوعين من ان مثوى الإرهابيين الجنة وان مفجري الأجساد والعقول الفاسدة وسط الناس الأبرياء هم شهداء عند ربهم يرزقون!

 قد يتصور الكثير من المسئولين والمستشارين انه يمكن مواجهة الإرهاب المنظم والقضاء عليه في فترة محددة او وجيزة الا ان هذا التصور خاطئ وقد لا يتحقق لعدة أسباب منها: ان ظاهرة الإرهاب وللأسف الشديد تحولت إلى فكر عقائدي وامتزجت مع معتقدات الكثير من اتباع الإسلام المتطرف او بالأحرى المنحرف على شاكلة الوهابية والسلفية وطالبان وتجسدت هذه الظاهرة البغيضة في تنظيم القاعدة ام الفساد وبؤرة الإرهاب الذي يترأسه مجموعة من الجهلة المجرمين والغلاة المارقين أمثال بن لادن والظواهري والعولقي من الذين باعوا في السابق دينهم وإيمانهم ومواقفهم الفكرية والسياسية لأمريكا إبان احتلال الاتحاد السوفيتي لأفغانستان تحت ذريعة مواجهة هذا الاحتلال والدفاع عن دولة إسلامية ثم سرعان ما انقلبوا على الظاهر ضد أمريكا بعد انتهاء احتلال روسيا لأفغانستان وأطلقوا الشعارات الدينية والثورية وتوعدوا أمريكا بالانتقام الشديد والزوال الأكيد ولكنهم ظلوا يواصلون ارتكاب الجرائم البشعة والعمليات الإرهابية ضد الإنسانية في العراق ودول المنطقة والعالم ويحرضون السذج من اتباعهم في الغرب لقتل الأبرياء وتفجير السيارات وتفخيخ المتفجرات في قطارات نقل المسافرين لكي يشوهوا الدين ويسيئون لسمعة ومكانة المسلمين ويبررون للغرب اتخاذ الخطوات العملية لاحتلال بلدان العرب والمسلمين دون معارضة دولية وإقليمية ويدفعون كذلك أعداء الأمة الإسلامية لاتخاذ مواقف معادية تكون في النهاية لصالح المنظمات الإرهابية التي زعمت بعد ذلك انها كانت على حق بشأن مخططات الغرب الرامية لاحتلال دول المنطقة وإذلال العرب والمسلمين ونهب خيرتهم دون اعتراض!

 ووفقا للتقارير الإعلامية والأمنية المنتشرة في الآونة الأخيرة فان المجموعة الإرهابية التي اتخذت من الأراضي الأفغانية والباكستانية مركزا أساسيا لتصدير الإرهاب الى دول المنطقة والعالم تخطط لعمليات إرهابية كبيرة في الأسابيع القادمة وإنها جندت عناصرها المخدوعة لضرب مصالح وتفجير أماكن وقتل مئات الأبرياء والمدنيين في دول المنطقة والعالم وارتكاب المزيد من الجرائم ضد الإنسانية بهدف الإساءة مرة أخرى للإسلام وتصعيد حقد الدول الغربية على العرب والمسلمين وإعطاء مبررات جديدة لاحتلال دول عربية وإسلامية او التضييق عليها من خلال إرسال المزيد من القوات الغربية المحتلة وتبرير بقاء هذه القوات فترات أطول في منطقة الشرق الأوسط، وعليه ومن اجل مواجهة العمليات الإرهابية وإحباط المخططات التآمرية للتنظيمات الحاقدة على البشرية ندعوالى التحرك السريع لإنجاز الخطوات التالية:

أولا: نسجل بإسم "دعاة إرساء المجتمعات المدنية" اقتراح إقامة مؤتمر دولي شامل وعاجل لدراسة سبل مكافحة الإرهاب المنظم تشارك فيه كافة الدول المعنية والمتضررة والمستهدفة من قبل الجماعات والمنظمات الإرهابية الرسمية مثل "القاعدة وجند الله ودولة الإسلام" ويكون هذا المؤتمر تحت إشراف الأمم المتحدة (مع انتقادنا للقرارات غير السوية التي تتخذها هذه المنظمة في مجالات مثل الإرهاب والمقاومة) بهدف إلزام الدول المدعوة له المشاركة فيه بالقرارات التي ستتخذ فيه وعلى هذا الدول الإجابة على الأسئلة الأساسية المثارة في المؤتمر القادم وهي ـ لماذا كل هذه المماطلة والتهاون من قبل أمريكا والدول المتحالفة معها في مواجهة الإرهاب المنظم وعدم تمكن هذه الدول حتى الان من قطع رأس الأفعى السامة "زعماء المنظمات الإرهابية" او على الأقل اعتقالهم، وهل ان هناك مؤامرة او مخطط للإبقاء على " رأس الأفعى" في مناطق معروفة في أفغانستان وباكستان واليمن والعراق لتبرير التواجد الأمريكي المحتمل رسمياً للعراق وأفغانستان ولدول في المنطقة؟

- كيف يتمكن الإرهابيون من التنقل بحرية ودون مضايقات او اعتقال من جانب معظم دول المنطقة ودخول هؤلاء الى أفغانستان والعراق والانتقال بين دول المنطقة حتى دون جوازات او تراخيص عبور، وهل ان بعض أنظمة المنطقة تتآمر بالفعل مع الجماعات الإرهابية وتحولها مالياً وتدرب وتجهز عناصرها بالأسلحة والمتفجرات وترسلها الى دول أخرى لابعاد ظاهرة الإرهاب عنها والتآمر مع زعماء الجماعات الإرهابية وفق اتفاقية غير مدونة بان لا تطال العمليات الإرهابية الأنظمة التي تدفع إتاوات مالية لهذه الجماعات وتشارك في تسهيل عبور ومرور وتجهيز العناصر الإرهابية بكل مستلزمات البقاء والقيام بالعمليات ضد الإنسانية خارج حدود الدول المتآمرة سراً مع الجماعات الإرهابية؟

- العمل بجدية للتوصل الى قرار دولي لمكافحة الإرهاب المنظم من خلال الكشف عن مصادر تمويله وأماكن تواجد زعماء الجماعات الإرهابية ومن هي الجهة او الجهات التي تدرب وتجهز العناصر الإرهابية وترسلها الى دول في المنطقة والعالم، وإبطال الزعم القائل من ان هناك بعض الجهات او الشخصيات داخل هذا النظام او تلك الدولة تدعم الإرهاب دون علم كبار المسئولين في هذه الدولة او ذاك النظام، وضرورة إلزام جميع الدول بإعطاء معلومات واقعية عن نشاط الجماعات الإرهابية وعناصرها وارتباطاتها ولزوم تجفيف بؤر تمويلها المالي واعتقال عناصرها وإلزام كافة الدولة بالتعاون الصريح والواقعي في هذا المجال والا اعتبار كل دولة متآمرة مع الإرهابيين دولة مارقة او داعمة للإرهاب المنظم والتشهير بها وفرض القرارات الدولية ضدها او غير ذلك فان شعوب المنطقة والعالم سوف تعتبر الأمم المتحدة وأعضاء مجلس الأمن الدائمين والدول المشاركة في مثل هذا المؤتمر متآمر ومتعاونة مع الإرهاب وهي أساس قوة وسطوة شوكته وانتشار نشاطه لتحقيق نوايا سياسية واقتصادية استعمارية وتبرير احتلال دول المنطقة وتعزيز التواجد العسكري الأجنبي في هذه الدول. 

- ثانياً: الدعوة لعقد مؤتمر إقليمي تشارك فيه دول المنطقة كافة ينجم عنه عقد اتفاقية أمنية ملزمة لتبادل المعلومات عن الجماعات الإرهابية ووضع خطط عملية للقضاء على أماكن تواجد الإرهابيين والحيلولة دون انتقالهم والتضييق على مصادرهم المالية وإمكانياتهم العسكرية والتوصل الى هذه النتيجة وهي ان الإرهاب اذا كان يستهدف اليوم بعض المناطق والدول فانه اذا استقوى سوف يضرب كافة الدول والأنظمة وان الجهات التي تمول الإرهاب او تتعاون او تتهاون معه سوف تضرر عاجلاً او آجلاً لان الإرهاب أعمى وحاقد وجاهل ولا دين ولا نهج له ولن يرحم حتى أمه في وقت الضيق او تعرضه لضغوط شديدة.

قطعاً ان هناك جهات معروفة ومكشوفة في باكستان وأفغانستان وسوريا ودول عربية نفطية تتعاون مع الإرهابيين وتعمل ضمن مخطط "الحفاظ على نظامي حتى ولو بثمن قتل نصف سكان العالم" وحتى ان الوثائق الأمنية الأمريكية التي تم نشرها مؤخراً كشف عن تعاون وثيق بين دولة قطر ونظام الملك عبد الله ونظام آل نهيان مع الإرهابيين لاسيما جماعة القاعدة ينص على عدم تنفيذ هذه الجماعة اي عمليات انتحارية او قتل وتفجير في تلك الدول مقابل إمكانيات ومساعدات هائلة تقدمها هذه الدول للجماعات الإرهابية. المؤتمر الذي ندعو اليه يجب ان يثير ويطرح علامة استفهام كبرى في هذا السياق الذي لا نفتري به أقلامنا على تلك الأنظمة بل أكدته وثائق استخباراتية غربية مدافعة بالأساس عن تلك الأنظمة.

ثالثاً: في حالة انعقاد او عدم انعقاد ونجاح او عدم نجاح مثل هذه المؤتمرات او استمرار تآمر وتعاون بعض أنظمة المنطقة والعالم مع الجماعات الإرهابية ندعو الى تشكيل قوة أمنية عسكرية ضاربة تتألف من خلايا مدربة على مستوى عال من الخبرات والإمكانيات ويكون هدفها جمع المعلومات عن زعماء الجماعات الإرهابية وعناصرها الأساسيين وبالتالي تصفية هؤلاء جسدياً دون ضجيج إعلامي ودون اي إعلام عن العمليات التي تدخل في نطاق "العنف ضد العنف" او "القتل مقابل القتل" وهذا الأمر مصرح به في الشرائع السماوية والقوانين الإنسانية وينطبق مع المبدأ القائل "العين بالعين و. . " مع التنويه هنا بضرورة الدقة في القيام بمثل هذه العمليات دون لا سامح الله إزهاق روح اي شخص بريء مهما كانت المبررات، الى ذلك يجب ايضاً التعامل مع المستوى الأدنى من العناصر الإرهابية او المغرر بها او المخدوعة والساذجة من منطق فكري، اي العمل على توجيها وتصحيح مفاهيم ورؤى ومواقف هذه العناصر التي انخرطت في تنظيمات إرهابية وإجرامية لاسباب نفسية وتحريضية ومالية وربما لفقدان سبل بيان وجهات النظر بحرّية في مجالات عقائدية وقومية وسياسية وثقافية.

ان العمل الإعلامي والثقافي والتوجيهي اذا كان صادقاً ويشمل الجميع دون تفريق وترجيح قطعاً سيحقق النتائج المرجوة من عملية مكافحة الإرهاب خاصة إذا كان هذا العمل مصحوباً ببرامج توجيهية وتطبيقية لاجتثاث الجهل العقائدي والقضاء على الفقر المادي والثقافي وتحسين سلوك وأقوال ومواقف الحكام والمسئولين والجهات المعنية والحيلولة دون إشاعة أفكار وتصريحات الغلاة سياسيا والمهرجين إعلاميا واحترام حقوق جميع الناس دون ترجيح فئة على أخرى اودون تمييز بين أبناء البشر من خلق الله.

* كاتب وإعلامي- السويد

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 23/كانون الأول/2010 - 16/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م