كيف نربي أجيالا بلا فساد

اليوم العالمي لمكافحة الفساد

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: الجهل لا ينمو ولا يعيش إلا في دهاليز الظلام، كما هي العناكب التي تهرب من الضوء الى الزوايا المظلمة، والفساد والجهل صنوان، لايفارق أحدهما الآخر، فأينما وُجد الجهل والظلام، يوجد الفساد ويزدهر في الخفاء (الظلام)، حيث تتحرك فيه كل عناصر الشر التي تخشى العمل والتحرك تحت ضوء الشمس.

لهذا السبب لابد من شيوع الشفافية في حركة الانتاج بجميع أشكالها واصنافها ونوعياتها وانتماءاتها أيضا، بمعنى يجب أن تكون جميع الانشطة الرسمية والاهلية الفردية والجمعية التي لاتدخل ضمن الاسرار الشخصية، تحت البصر والبصيرة، لكي نضمن تلاشي طبقات الظلام ونرى جميعا نتائج الحراك المجتمعي الرسمي وغيره، لكي نتجاوز حالات الفساد وشبكاته التي تجد في الجهل والتخلف والظلام مرتعا نموذجيا لازدهارها ونموها.

واذا كان الربط بين الجهل والفساد مفهوما، وواضحا، فإن العمل على إبطال أسباب الجهل تُصبح ملزمة للجميع، وخلاف ذلك، فإن القبول بالجهل والظلام وبالفساد نفسه، يعني أمرا مقصودا، هنا لابد أن تتحرك الجهات المعنية لاسيما الرسمية منها، للقضاء على الجهل والظلام، كتمهيد لابد منه للقضاء على الفساد، وهذا لايتم من دون خطط محكمة، يضعها متخصصون في القضاء على ظاهرة الفساد، سواء كانوا من الداخل أو من خارج البلد، ممن لهم تجارب في مكافحة هذا النوع من الامراض الخطيرة، التي تستشري كما ذكرنا في المجتمعات القابعة في زوايا التخلف والظلام، يتبع هذه الخطوة، خطوة أكثر أهمية تتمثل بطريقة التنفيذ، أي بتحويل هذه الخطط المكافِحة للفساد موضع التنفيذ المجدي.

ولكن هناك دور آخر لمكافحة الفساد، يتعلق بالمنظمات الاهلية المعنية بهذا الامر، بل هناك دور مهم جدا، يتعلق بالمواطن نفسه وسعيه الدؤوب في الاسهام الجاد بالقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة، ولابد للمواطن كنعصر هام في المجتمع أن يبادر من موقعه الاجتماعي والعملي بصورة عامة لتقديم أقصى ما يمكن إسهاما منه في الحد من تنامي الفساد ومعالجه من خلال عدد من الخطوات التي يستطيع من خلالها تخفيف وطأة هذه الظاهرة واضرارها الفادحة التي لاتتحدد بإلحاق الضرر بشخصه او عائلته فحسب، إنما تمتد مضاعفاتها الى عموم أفراد وشرائح المجتمع.

من هنا لابد للمواطن أن يبدأ بنفسه في مسألة معالجة هذه الظاهرة، ونعني هنا إمتناعه أولا عن تقديم الرشوة تحت أي مبرر كان، فلا يجوز للمواطن الواعي إعطاء الرشوة حتى لو تعلق الامر بتسهيل معملة أو اجراء معين، اداريا كان او غيره، بل لابد أن يبادر بفضح من يتعاطى الرشوة من دون خوف او تردد، وبهذه الطريقة يكون يتحول المواطن من عامل مساعد لانتشار الفساد الى عنصر فاعل لمكافحته.

ولا يتجاوز الامر الموظف الحكومي نفسه، بمعنى أن هناك موظفين ملتزمين أخلاقيا ووطنيا ودينيا ولا يقبلون أية حالة للفساد مهما صغر حجمها أو أضرارها، وهذا النوع من الموظفين الحكومين له دور كبير في معالجة ظواهر الفساد والمساعدة في القضاء عليها.

كما أننا نثبت أهمية نشر الوعي لمكافحة الفساد بين أفراد المجتمع كافة، من لدن المنظمات والمؤسسات المعنية بالامر، وجعل ثقافة الزهد والنزاهة، هي الأكثر قيمة والأعلى مرتبة، من حالات الاختلاس او تعاطي الرشوة وما شابه.

ومن المهم أن تبدأ ثقافة الزهد والنزاهة، من أصغر الأعمار وأصغر التجمعات الاجتماعية، إبتداء بالتجمع او المحيط العائلي، ثم المدرسي، صعودا الى المراحل الأكبر، وذلك لنشر هذه الثقافة وجعلها سلوكا حياتيا معتادا من لدن الجميع.

ولابد من المبادرة لتفعيل التشريعات والقوانين الصادرة بحق الفاسدين والمختلسين والمتجاوزين على المال العام، وإشعار من تدفعه نفسه نحو هذا الاتجاه بالخطر الذي يتعرض له، نتيجه لاقترافه جريمة التطاول على المال العام، وينطبق هذا على تفعيل الاعراف والاخلاقيات التي تعيب مثل هذه التجاوزات على من يقترفها، وتجعلها بمصاف اللأخطاء الاخلاقية التي تمس بشرف الانسان الذي يقوم بها.

إذن فلنبادر جميعا بهذه المناسبة، لكي نساهم في مكافحة الفساد الذي قد ينتشر أكثر، ويصبح أكثر ضررا علينا في حالة غض الطرف عنه، بحجة أنه لم يضر بنا ضررا مباشرا، نعم أضرار الفساد غير مباشرة، ولكنها خطيرة وتطول الجميع من دون استثناء، وأولها وأخطرها، تحطيم الاقتصاد الوطني، ثم العيش في (ربوع) الفقر الى أمد بعيد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 8/كانون الأول/2010 - 2/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م