الحوار مع أوروبا، قمة ابوظبي والملف النووي الإيراني

خليل الفائزي

تتعامل اجهزة الإعلام العالمية مع الملف النووي الإيراني وكأن الحرب الكونية الثالثة سوف تندلع ويقتل الملايين وتزول أمم وتندثر حضارات في حالة عدم حل أزمة هذا الملف، وبالمقابل ان عنقاء السلام العالمي سوف تفرش جناحيها على المنطقة والعالم إذا اغلق الملف النووي وفقا لارادة الغرب ومصالحه.

 يا ترى ما حقيقة هذا الملف ولماذا أضحى ومنذ عدة أعوام الشغل الشاغل للرأي العام والعديد من كبار المسئولين في المنطقة والعالم ولماذا ربطت الكثير من الدول الغربية مصير علاقاتها مع إيران بمصير الملف النووي وحتى ان تلك الدول اقترحت على ايران منحها مزايا كبيرة وهامة في حالة تخليها عن نشاطها النووي او القبول بشروط الغرب لتفكيك الأجهزة والمعدات النووية وتطبيق النموذج الليبي حيث ابتلع نظام القذافي الطعم الغربي ولم ينل حتى عبارات الثناء والتقدير حيال تخليه الكامل عن برنامج ليبيا النووي وإرسال كافة المعدات والأجهزة النووية على ظهر باخرة إلى أمريكا دون مقابل.

 العديد من دول المنطقة مثل مصر والسعودية وكما أثبت التقارير الأمنية للدبلوماسيين الأمريكيين هددت بالحصول على "برنامج نووي" في حالة استمرار إيران ببرنامجها النووي الذي تدعي دول غربية ان نتيجته النهائية والمتوقعة حصول طهران على أسلحة دمار شامل وبالتالي الاستفادة من هذه الأسلحة لتهديد إسرائيل الفناء والزوال، دون ان يتمكن الغرب حتى الان من إثبات هذا الادعاء او إقناعنا بصحته، ومع هذا فان البرنامج النووي الإيراني مهما كان لا يخرج عن نطاق هذين الاحتماليين

الأول: ان الحكومة الإيرانية ماضية تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية او عدمها ببرنامجها النووي الذي يشمل إنتاج الوقود النووي محلي الصنع بشكل كامل ودون الاعتماد او الاتكال على وقود نووي مصنع في دولة اخرى وكذلك صناعة اليورانيوم المكثف والذي يعرف باسم "الكعكة الصفراء" ونقل اليورانيوم الخام من مواقعه الكائنة في جنوب إيران الى موقع "نطنز" القريب من مدينة اصفهان وتشغيل محطة بوشهر النووية قريبا بهدف إنتاج الطاقة وتوسيع نطاق النشاط النووي بهدف الحصول على "دورة نووية كاملة" وهذا يعني زيادة عدد أجهزة الطرد المركزي من نوع "B 2" الى خمسة آلاف جهاز في المرحلة الأولى في فترة قد تدوم حوالي عام من الزمن ومن ثم زيادة هذا العدد ربما الى 50 ألف جهاز طرد مركزي في مراحل لاحقة، وبعبارة أخرى رفع نسبة تخصيب اليورانيوم الذي وصلت اليه إيران في المرحلة الأولى من 5% الى 20% وفي مرحلة لاحقة إلى 80% او اكثر في غضون عامين اوثلاثة مما يجعل إيران آنذاك في مستوى الدول النووية القادرة على إنتاج والتحكم بالطاقة نووية مختلفة الأنواع واستخدامات متعددة، وفقا لوعود الحكومة الإيرانية الحالية.

الاحتمال الثاني هو ان إيران تمتلك في الوقت الراهن نوعين من النشاط النووي، الأول: علني وهو الظاهر حاليا في محطة بوشهر وموقع "نطنز" ومنشأة "اراك" وهذا النشاط الذي تتطابق معاييره مع بنود وقرارات الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعارضه أمريكا وتهدد إسرائيل بتدميره عسكريا وتدعو أوروبا لإخضاعه تحت إشراف المجتمع الدولي او بالأحرى الغرب وان تكون إيران تعتمد مباشرة على دول عضو في مجلس الأمن الدولي مثل فرنسا او روسيا للحصول على الوقود النووي بمقدار محدد جدا ثم إرجاع ما تسمى نفايات هذا الوقود النووي دون نقص غرام واحد او التلاعب فيه الى الدولة المصدرة له او تأسيس ما يسمى بنك دولي نووي تقترض منه إيران او الدول على شاكلتها ما تحتاجه من وقود نووي محدد من البنك النووي دون تمكنها الاعتماد على ذاتها او منحها حق التصرف بالوقود النووي او تشغيل اي من مفاعلها بقدرة ذاتية او حصولها على نوع من اليورانيوم المخصب النوع الآخر من النشاط النووي في إيران قد يكون هو النشاط النووي السري الذي له أهداف عسكرية بحتة حيث تدعي تقارير إعلامية غربية ان هذا النشاط يجري بسرية تامة في العديد من المواقع العسكرية لتابعة للحرس الثوري حتى دون علم الكثير من كبار المسئولين في الحكومة الإيرانية.

وكان قائد الحرس الأسبق محسن رضائي قد اعترف قبل أعوام من ان الحرس الثوري وبعد انتهاء فترة الحرب مع العراق خطط وبكل جدية وسرية للحصول على السلاح النووي وان قادة الحرس كانوا متحمسين للحصول على التقنية اللازمة لصناعة القنبلة النووية من خلال الاستعانة بخبراء وعلماء نوويين من باكستان وكوريا الشمالية ولكن بسبب الضغوط الدولية وعدم رغبة حكومة الإصلاحي محمد خاتمي بمتابعة مثل هذه النشاطات السرية تم إيقاف العمل بإنتاج أسلحة دمار شامل وتركيز كافة الطاقات لانتاج طاقة نووية سلمية ذاتية.

مقابل هذه الحقائق عن الملف النووي الإيراني هناك على الأقل خمسة مواقف إقليمية ودولية تتعارض اولا تتفق مع رؤية الحكومة الإيرانية حيال قدرتها النووية مهما كانت سلمية او غير سلمية.

 الموقف الأول متمثل بالإدارة الأمريكية التي تعارض في الواقع اولا تمتلك بالأساس إمكانيات او قدرات ملموسة لمنع إيران من الحصول على الطاقة النووية بالرغم من ادعاء واشنطن انها استطاعت إلحاق خسائر مادية فاقت 60 مليار دولار بالاقتصاد الإيراني جراء فرض العقوبات الدولية على إيران وحرمانها من الاستثمارات الأجنبية، الا ان الإدارة الأمريكية لازالت مع هذا تأمل بفتح صفحة جديدة مع الحكومة الإيرانية وحتى ان الوزيرة هيلاري كلينتون كانت متشوقة للحديث مع وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي على هامش ملتقى الأمن العالمي الذي انعقد مؤخرا بالمنامة (البحرين) غير ان متكي تجاهل الحوار معها لفقدان سحرها الدبلوماسي وفقط رد عليها السلام تطبيقا للأخلاق الإسلامية، حسب قوله!.

الموقف الثاني هو موقف إسرائيل التي تخطط دوما وتتحين الفرصة لقصف وتدمير منشآت إيران النووية الا انها تخشى من عواقب مثل هذا العدوان في حالة عدم نجاحه وعدم تحقق أهدافه بالكامل مما سيعطي طهران الحق بالرد العسكري على إسرائيل وتحريض حزب الله لبنان ضدها وكذلك العمل علانية على إنتاج أسلحة الردع النووي وبشكل واسع النطاق، كما هو الحال لكوريا الشمالية التي ظلت تنتج المزيد من السلاح النووي ردا على المناورات العسكرية بين أمريكا وكوريا الجنوبية. ويمكن التأكيد هنا ان إسرائيل لن تجرؤ على مهاجمة إيران عسكريا لوحدها او اذا كانت تفتقد للغطاء العسكري الغربي والدعم الأمريكي الهائل والمباشر.

الموقف الثالث هو الموقف الأوروبي وهو موقف هلامي وغير مستقر عموما حيث لأوروبا مصالح كبرى في إيران وتختلف مواقف معظم الدول الأوروبية مع الموقف الأمريكي حيال التعامل مع إيران بسبب الاستثمارات الأوروبية الهائلة في هذا البلد وحجم التجارة البالغ 20 مليار دولار وشراء النفط الإيراني مباشرة بالإضافة الى ان أوروبا ترفض ان ترى إيران تتحول الى دولة منكوبة مثل أفغانستان وتكون مسرحا لنشاط الجماعات الراديكالية والفئات المتطرفة، وعلى هذا الأساس وافقت أوروبا التفاوض باستمرار مع الحكومة الإيرانية بالرغم من إدراكها عدم التمكن من إقناعها بوجهة النظر الغربية الداعية لفرض الشوط التعجيزية لتخلي إيران عن برامجها النووية وعدم معارضة احتفاظ إسرائيل بمخزون هائل من السلاح النووي مقابل اغراءات اقتصادية وتجارية وسياسية هائلة أكثرها تكون عادة وعود على الورق تحصل عليها في المستقبل غير المنظور.

الموقف الرابع هو موقف الدول الصديقة او غير المعادية للحكومة الإيرانية مثل روسيا والصين وتركيا والبرازيل والدول المحددة في نعش التاريخ المسمى بدول عدم الانحياز، وهي دول على العموم تنتفع من الموقف الإيراني المناهض للسياسة الأمريكية خاصة وان الكثير من هذه الدول ترفض أولا توافق على تفرد أمريكا بالسلطة على دول المنطقة والعالم، كما هو الحال للعديد من الدول الأوروبية ايضاً.

ويعتقد العديد من المراقبين ان مواقف هذه الدول ساعد الحكومة الإيرانية كثيراً لاحباط الضغوط الأمريكية او الحد من فاعليتها وبالمقابل فان تلك الدول تنتفع بدورها من اي موقف يعارض السطوة والسلطة الأمريكية في العالم.

الموقف الخامس هو موقف دول مجلس التعاون النفطي وهذه الدول تعاملت حتى الان بنفاق ورياء مع أمريكا وإيران في آن واحد .

فعندما يجتمع مسئولو هذا المجلس مع مسئولين أمريكيين يدعون بل يصرون على قصف إيران ومهاجمتها عسكرياً لقطع "رأس الأفعى" حسب قولهم والتآمر مع إسرائيل لانجاح هذا المخطط، وفقا لوثائق أرشيف الدبلوماسية الأمريكية التي فضحت مخططات ومؤامرات معظم زعماء هذا المجلس مؤخرا.

وعندما يجتمع مسئولو مجلس التعاون مع المسئولين الإيرانيين يرحبون بل يدعمون البرنامج النووي ويعتبروه يدخل في نطاق دعم قضايا الدول العربية والإسلامية ضد إسرائيل .

قمة أبوظبي الحالية وسائر قمم قادة دول مجلس التعاون لازالت تكرر "الاسطوانة" ذاتها وتعبّر عن مخاوفها حيال الملف النووي الإيراني من جهة ولكنها تدعم من جهة أخرى حصول إيران على الطاقة النووية السلمية.

اننا دعاة إرساء المجتمعات المدنية نعارض وبكل تأكيد حصول او امتلاك اي دولة او جهة لأسلحة دمار شامل مهما كانت التبريرات والدوافع ونطالب بنزع هذا النوع من الأسلحة وتدميرها وإلزام كافة الدول بعدم تخزين او إنتاج او الاستفادة من اي سلاح غير تقليدي، ونقترح في الوقت ذاته على مسئولي مجلس التعاون انه بدلاً من إنفاق مليارات دولار على بناء ناطحات السحاب وتوسيع ميادين سباق الخيل والهجن والإكثار من النوادي الليلية وبدلاً من شراء الأسلحة بمليارات الدولارات ووضعها تحت تصرف القوات الأجنبية المتواجدة على أراض دول مجلس التعاون، وبدلاً من الاستمرار بإصدار القرارات غير المجدية والعبثية والباعثة للسخرية بشأن الأوضاع في المنطقة والعالم، نقترح على دول مجلس التعاون اقتراحاً مجانياً صدقاً انه ليس لصالح شعوب هذه الدول فحسب بل لصالح شعوب ودول العالمين العربي والإسلامي، والاقتراح هوان تبادر هذه الدول إنفاق مليار دولار فقط وهي قيمة بناء برج خليفة بن زايد في دبي لبناء مفاعل نووي يطلق عليه اذا حبذت هذه الدول اسم مفاعل مجلس التعاون النووي.

ونقترح ان يقام هذا المفاعل في سلطنة عمان على اعتبارها الدولة الأكثر علاقة والأقل خلافاً مع دول المنطقة، والهدف من إنشاء وعمل هذا المفاعل هو إنتاج الطاقة النووية السلمية والاستفادة منها في كافة دول مجلس التعاون بالإضافة الى ذلك فان دول هذا المجلس ستحقق عدة أهداف لصالحها منها، ستثبت إنها دول متقدمة نسبيا واقل تبعية وانقياداً للدول الأجنبية وإنها قادرة على منافسة الدول النووية في المنطقة في مجال الطاقة وغير الطاقة مثل إيران والهند وباكستان وإسرائيل خاصة والأخيرة وباعتراف كافة التقارير الغربية تمتلك اكثر من 400 رأس نووي جاهزة لضرب الدول العربية والإسلامية، وستحقق دول مجلس التعاون ايضاً اهدافاً سياسية وإعلامية وأمنية شريطة ان لا تضع هذه الدول مصير المفاعل النووي ولا اي من المنشآت الاستراتيجية تحت تصرف ومصالح الأجانب والدول الناهبة لثروات دول وشعوب العالم مثل أمريكا.

اننا على يقين من ان جميع او معظم دول مجلس التعاون لا تملك حق اختيار او اتخاذ القرارات الاستراتيجية لصالح شعوبها وان هذه الدول ستظل تنفذ إرادة الدول المسيطرة عليها والانبطاح الكامل تحت أرادتها ونتحدى هذه الدول ان تتخذ قرار بناء القدرة الذاتية المستقلة وتجهيز نفسها بالطاقة النووية والدخول في منافسة شرعية مع الدول الساعية وراء نيل درجات الرقي والتقدم العلمي والوصول الى مرحلة الاكتفاء الذاتي في كافة المجالات دون الحاجة للتبعية الأجنبية.

* كاتب وإعلامي - السويد

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 7/كانون الأول/2010 - 1/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م