دور الشورى في بناء دولة الحريات

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: ثمة معادلة من الصعب نكرانها، او تجاوز نتائجها، تساعد في بناء الامم والشعوب كما ينبغي، تقول هذه المعادلة: كلما ازداد وعي الامة، وتنامى فكرها، واعتمدت الشورى في ادارة شؤونها، كلما تقدمت خطوة في طريق التقدم والازدهار، وهكذا لابد أن يكون المعيار الذي يحدد مدى تقدم الامم، مرتبطا بمدى الرقي الفكري السائد في تنظيم حراكها وانشطتها كافة، ولعل التشاور ورفض القسر والاجبار في التعاطي مع شؤون الحياة لاينتج إلا في ظل تسيّد الافكار الناضجة والوعي الايجابي المعاصر.

ولهذا السبب يقول الامام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي في كتابه الموسوم بـ (الشورى في الاسلام):

(إنّ الاستشارية سواء في الحكومات الزمنيةـ مما تسمى بالديمقراطيةـ أو في الحكومة الإسلامية هي صمام الأمان، وذلك لأنّ الناس كما يحتاجون إلى ملء بطونهم، يحتاجون إلى ملء أذهانهم، فكما انّ الجائع يخرج على مَن أجاعهُ بالإضراب والمظاهرة، حيث ورد: "عجبتُ للفقراءِ كيفَ لا يخرجونَ بالسَّيف على الأغنياءِ"، كذلك من لا يستشار يخرج على من أجاع فكرهُ).

وهكذا تأتي الحاجة الى الفكر والاجواء المتحررة مساوية لحاجة الانسان للفكر كغذاء للعقل والروح معا، وحين يجوع العقل او الروح، فإن هذا النوع من الجوع لايقل عن الجوع المادي الجسدي، ولذلك فإن الشعوب الواعية تراقب حكامها وحين تشعر بأنهم متجبرون وطغاة تعمل بكل ما تستطيع لازاحتهم، وفي هذا المجال يقول الامام الشيرازي:

(لا يكفي للحاكم الإسلامي ان يُطبّق مبادئ الإسلام وقوانينه، بدون تطبيق مبدأ الشورى الذي هو ركن من أركان الحكم في الإسلام، ذلك لأنّ الناس عندما يرون أنهُ لم يُطبَّق قانون الإسلام الذي هو الشورى ينفضّون من حوله ثم يثورون عليه حـتى إسقاطه).

ولهذا فإن مآل الحكومات المتجبرة هو السقوط الحتمي بسبب غياب الحرية وفرض ما تراه السلطة الحاكمة

(إن حُسن الاستنباط والتـطبيق لا يـكون إلاّ بالاستشارية، نجد إنّ الحكومات في العصر الحاضر، التي قامت باسم الإسلام لم يمضي إلاّ زمان يسير حتى انفضَّ الناس من حولهم ، ثم عملوا لتقويضهم، فبعضهم سقط وبعضهم قرُبَ سقوطه).

وهكذا يبدأ الصراع ويتصاعد بين الشعب الباحث عن حرياته وحقوقه وبين الحكومة المتفردة التي تحاول أن تفرض أجنداتها وتحمي مصالحها بالقوة على حساب الشعب، وتبدأ رحلة الخداع التي غالبا ما يلجأ إليها الحكام الطغاة، إذ أنهم يتحدثون عن الحرية والديمقراطية ويدّعون بأنهم يعملون بها في الوقت الذي يقمعون شعوبهم بقوة السلاح والسجون وغيرها، إذ يقول الامام الشيرازي بهذا الصدد:

(في ذات الوقت الذي يتكلم –الحكام- حول الديمقراطية والشورى نجدهم يلفّون حول أنفسهم بأموال الأمة للمصفقين والمهرجين والمُرتزقة والامعّات ليسبّحوا بحمدهم في الإعلام ، ونجدهم يفتحون أبواب السجون لأصحاب الفكر والـرأي، وينصبون المشانق لكل حرّ، والويل لمن فتح فمه بكلمة واحدة، ظناً منهم أن السجون والمشانق ستقمع الصوت الحر والإرادة النبيلة).

وهكذا يستعرّ الصراع بين الشعوب المظلومة من جهة وبين حكامها الذين يدّعون أنهم مسلمون من جهة ثانية، وغالبا ما تكون الغلبة للشعوب في نهاية المطاف، ولكن الامر الغريب أن الحكومات المستبدة لا تريد أن تتعظ من تجارب غيرها، لذا كما يقول الامام الشيرازي: 

(تراهم أكثر إمعاناً في سلب الأموال، وقتل الناس الأبرياء، وتكثير السجون، وتخريب البـلاد، وإذلال العباد، ممن سبقهم الذين ما كانوا يسمون أنفسهم بالإسلاميين).

وفي كل الاحوال كما تشير التجارب يكون الطرف الخاسر هو الحاكم الاسلامي بالاسم والذي يستبد برأيه ويفرض ما يراه صحيحا بالقوة على الشعب، وهو ما يقود دائما الى التعجيل بإسقاطه، لأنه يتجاوز مبدأ الشورى الى القسر والاجبار، وكما يقول الامام الشيرازي في هذا المجال:

(إنّ عدم تطبيق الشورى سيجعل الفاصلة بين الحاكم والمحكومين شاسعة وكبيرة، فيأخذ كل طرف بقذف الطرف الآخر، وهنا يبدأ الصراع، فيأخذ الحاكم الـذي يسمي نفسه بالإسلامي بمهاجمة المسلمين ويقذفهم بمختلف أنحـاء التهم، ابتداءاً مـن ضد الثورة أو ضد الحاكم أو عملاء للاستعمار والأجنبي وانتهاءاً بأنهم رجعيون خرافيون، وانهم كسالى عاطلون، إلى غير ذلك من التُهم والافتراءات).

ويصف الامام الشيرازي مثل هؤلاء الحكام المستبدين قائلا:

(ان مثل هذا الحاكم مثل لص دخل الدار وسرق أثاثها، ثم لما رأى هجوم صاحب الدار عليه، أخذ يتهِّم صاحب الدار بأنهُ لص وكذا وكذا، فـهل يكون ذلك إلاّ سبباً لتعجيل القبض عليه وإخراجه من الدار ومعاقبته؟).

ولكي يعي الحكام المسلمين أهمية الشورى ودورها الكبير في الارتفاع بالامم الى أفضل المراتب، ضرب الامام الشيرازي مثلا ببعض الحكومات الغربية التي أخذت بهذا المبدأ وعملت به بعد أن عرفت ووعت أهميته في تطوير حياتها، قائلا بهذا الصدد:

(نحن لا ندعي أنّ الغرب قد وصل حدّ الكمال، لأنّ الكمال في الإسلام، إلاّ إننا لابدّ أن نقرّ بأن الغرب لمّا حاول تطبيق الشورى ـ إلى حدّ ما ـ ارتفع عن ذلك الحضيض إلى هذا المكان المرتفع الذي وصله).

وهو درس في الشورى وأهمية الفكر، لابد للمجتمعات الاسلامية الاستفادة منه وتطبيقه حكاما وشعوبا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 6/كانون الأول/2010 - 29/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م