الماء ثم الماء ثم الماء ثم الخبز

مرتضى بدر

أثناء تصفّحي لصحيفة (البلاد) الأحد الماضي، توقّفتُ عند تقرير خبري أعده الزميل (عارف الحسيني) تحت عنوان مثير مفاده “الأمم المتحدة تحذر الخليجيين من جفاف وعطش”؛ في حينها تذكرت قول الله تعالى في سورة المؤمنون: (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَر فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَاب بِهِ لَقَادِرُونَ).

استند الزميل إلى التقرير الذي أصدرته الأمم المتحدة عام 2007 تحذر فيه دول المنطقة، وخاصة البحرين بأنها سوف تواجه خطر الجفاف بعد 30 عامًا، أي في عام 1932. على الرغم من التوجيهات والإرشادات المحلية والتحذيرات الدولية إلا أنّ الصرف الجائر والمفرط للمياه، وخاصة في الاستخدامات المنزلية في تصاعد مستمر.

 وبالرجوع إلى أرقام وإحصاءات هيئة الكهرباء والماء يظهر أن نسبة استهلاك المياه ارتفعت بنسبة 91 % خلال 9 سنوات (2000 - 2009)، والنسبة قابلة إلى الارتفاع بمعدل يفوق 10 % سنوياً، ما يعني أن هناك هدراً كبيراً للمياه. باعتقادي، السبب لهذا الإسراف والتبذير المفرط في المياه يرجع إلى ثقافة الاستهلاك التي تهيمن على المجتمع الخليجي بصفة عامة والبحريني بصفة خاصة، والفضل بالطبع يرجع إلى الوفرة المالية التي تتمتع بها دول المنطقة نتيجة وجود نعمة النفط والغاز، لكن مقابل هذه النعمة هناك نقمة تنتظر شعوب المنطقة، وهي ما حذر منها مراراً وتكراراً الخبراء في شؤون البيئة.

السؤال الذي يطرح نفسه: كيف استعدت حكومات المنطقة لمواجهة التهديد المائي؟ ما نعلمه أن جميع دول المنطقة لجأت إلى مياه الخليج المالحة، وبنت محطات لتحلية المياه، ومحطات جديدة أخرى في طور البناء نتيجة التزايد في عدد السكان والتوسع العمراني.

وإذا كان البحر هو الخيار الوحيد للحكومات في الوقت الراهن، فماذا سيكون مصيرنا لو حدثت كارثة نفطية في مياه الخليج - لا سمح الله - وتسببت في تلوث سواحل دول المنطقة وأدت إلى إغلاق محطات التحلية؟ فحينئذ لا المخزون النفطي ولا المالي ينفعنا، ولا مخازن جيوشنا المملوءة بالأسلحة تستطيع أن تروي ظمأنا، وحينئذ ستعلو سماءنا صرخات “العطش.. العطش”.

نترك حكوماتنا قليلاً ونتحدث عن دور الشعوب، ونوجّه الأسئلة التالية: ما مدى مساهمة المواطنين والمقيمين في الحفاظ على هذه الثروة النابضة؟ وأين الشراكة الاجتماعية التي نتحدث عنها؟ وأين دور مؤسسات المجتمع المدني في المنطقة في تثقيف الجمهور؟ ولو تحدثنا عن البحرين بصفة خاصة فإنني لا أستبعد أن تلجأ حكومتنا في مستقبل قريب إلى زيادة تسعيرة الماء كأداة من أدوات الترشيد؛ وذلك لإجبار المستخدمين على الاقتصاد في صرف المياه.

 اليوم بات المناخ مهيأً للحكومة لاستخدام هذه الوسيلة، خاصة والنقاشات حول توجيه الدعم الحكومي للمحروقات ما زالت حامية، فإذا ما تم تنفيذ سياسة التقشف اليوم على المحروقات، فمن دون شك سوف تسري غداً على بقية المواد الاستهلاكية كالخبز واللحوم، وسترتفع تسعيرة الماء والكهرباء.

وحينما فصلت إدارة الكهرباء والماء عن وزارة الأشغال وأدرجت كهيئة مستقلة، وحينما أنشئت هيئة مستقلة أخرى للنفط والغاز، حينها عرفنا “المسج” الحكومي!! وربما قد نسمع غداً عن تأسيس هيئة خاصة للمأكولات، وأخرى للملبوسات، وقس على ذلك. وبالطبع، تأسيس هيئات مستقلة لها معنى، والمعنى قد نجده فقط في بطن الحكومة، وفي جيب المواطن... نعوذ بالله من الفقر والجوع والعطش والجفاف وسنين عجاف.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 6/كانون الأول/2010 - 29/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م