اقتراح يضع القادة السياسيين في متحف الشموع

خليل الفائزي

لا يعرف ‍لماذا يتصور معظم القادة السياسيين في العراق ودول الجوار وما تسمى بدول التحالف التي تحتل العراق، الشعب العراقي والرأي العام بهذه السذاجة او البساطة ولماذا شاغل هؤلاء العالم على مدى 8 اشهر او اكثر وأقاموا الدنيا ولم يقعدوها بسبب إصرار كل حزب سياسي على تولي المناصب العليا واعتبار نفسه هو الفائز في الانتخابات النيابية الأخيرة، وفي النهاية يتفق هؤلاء القادة ومن يدعمهم في دول الجوار والتحالف المحتل على عقد اجتماع عريض في مدينة اربيل وما تبعه من اجتماعات سرية عاجلة في بغداد ومدن أخرى لكي يتفقوا بان لا يتفقوا ويولدوا أزمة اكبر من الأزمة التي زعموا انهم انهوها وتجاوزوها في الأيام الماضية؟

 ومع ان غالبية المواطنين في العراق وسائر دول المنطقة والعالم قد يأسوا من مشاهدة الصراعات السياسية على الساحة العراقية وملوا متابعة مطالب هذا الحزب ومواقف تلك الجبهة الا ان الكشف عن توصل قادة الأحزاب السياسية فجأة ودون إعلان مسبق الى اتفاق شامل للشراكة السياسية أعاد جزء من الأمل في قلوب الذين كانوا يطالبون وبإصرار تطبيق القانون ومواجهة الجماعات الإرهابية والمسلحة وتحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي وإرساء بنى المجتمع المدني الواقعي في العراق الجريح، وفجأة ايضاً ينعقد اجتماع مجلس النواب ويتم اختيار رئيسه ونوابه وسط التصفيق الحار من قبل النواب الذي هم يعتبرون أنفسهم وكلاء وممثلين عن الشعب بعد فتح ستارة المجلس، ولم تمر سوى دقائق حتى أسدلت الستارة وخرج نواب "القائمة العراقية" من البرلمان ولحقهم رئيس مجلس النواب تباعاً اعتراضا على نقض اتفاق الشراكة، وأعلن زعيم القائمة السيد ايادي علاوي بعد ذلك موت او بالأحرى إلغاء نص اتفاق الشراكة مع حكومة السيد نوري المالكي ورئاسة السيد جلال الطالباني

 من البديهي التأكيد هنا ان من حق نواب البرلمان اختيار رئيس الجمهورية وتسمية رئيس الوزراء وانتخاب رئيس البرلمان بكل حرية ودون قيود غير دستورية، لكن من حق المواطنين على الأقل الاطلاع مسبقاً عن فحوى ومحتوى اتفاق الشراكة الذي تم التوصل إليه في اربيل وتدوينه في بغداد بين قادة القوى السياسية الفائزة في الانتخابات البرلمانية، ومن حق المواطنين ايضاً معرفة نوع هذه الشراكة والخطط التي اتفقوا عليها لمواجهة هالة الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية، ولماذا لم يتجاوز عمر هذا الاتفاق سوى عدة دقائق فقط اي استمر فقط لاختيار المسئولين السابقين مرة أخرى وتجديد انتخاب رئيس مجلس النواب فقط، وهل ان كل هذه الخلافات التي دامت عدة اشهر كانت من اجل كما يقال في المثل المعروف انهم "يفسروا الماء بعد جهد بالماء! "، وان يتم تعيين المسئولين السابقين وسط التصفيق الحار للنواب والإعلان غير الواقعي عن انتهاء الأزمة والخلافات السياسية بين القوى الناشطة في الساحة؟

 ان من ابسط قواعد اللعبة السياسية او ما يعرف بالديمقراطية هو احترام أصول هذه اللعبة واحترام رأي غالبية الشعب وفتح المجال واسعاً أمام كافة القوى الموالية للحكومة والمعارضة لها لبيان وجهة نظرها والإعلان عن مواقفها بكل حرية وفقاً لبنود الدستور وفي إطار القانون، وليس ان يتآمر هذا الطرف السياسي ضد منافسيه او يحتكر ذاك الطرف السياسي السلطة دون اشراك القوى المعارضة او الفئات الناقدة في اللعبة الديمقراطية والتنافس السياسي.

 اننا دعاة إرساء المجتمعات المدنية قد أكدنا ونؤكد مرة أخرى ان أساس وجوهر الأزمة السياسية الراهنة في العراق هو تقسيم السلطات على أساس طائفي وهذا التقسيم الذي فرضه الاحتلال الأمريكي قسراً على إرادة الشعب العراقي هدفه الأول والأخير تأجيج النزاعات الطائفية وتقسم الشعب وتقطيع أوصال البلاد وجعله عرضه للنزاعات والحروب الأهلية، وهذه الأزمة التي افتعلها المحتلون والحاقدون على إرادة الجماهير في العراق هي نسخة طبق الأصل مقتبسة من الوضع السياسي والطائفي في لبنان حيث منح الاستعمار الفرنسي رئاسة الجمهورية والجيش للمسيحيين والحكومة للسنّة ورئاسة البرلمان للشيعة، مثل هذا التقسيم الطائفي وغير المنصف وغير العادل وغير المدني هو أساس استمرار الأزمة الطائفية والسياسية في لبنان منذ جلاء الاستعمار الفرنسي على الظاهر من لبنان عام 1946 وحتى يومنا الحاضر.

 نحن وغالبية الشعب العراقي نستغرب قبول قادة القوى السياسية وزعماء الطوائف الدينية بقرار تقسيم السلطات على أساس طائفي غير حضاري. ربما ان حق الأكراد اكثر من رئاسة الجمهورية وعدة وزارات، وربما ايضاً ان حق السنّة اكثر من منصب رئاسة مجلس النواب وبعض الوزارات، وربما كذلك ان حق الشيعة اكثر من منصب رئاسة الوزراء وبعض الوزارات، وكذلك ربما ان من حق القوى السياسية والقوميات والطوائف الدينية وغير الدينية الحصول على مناصب عليا في أركان الدولة والحكومة، فأي قانون او دستور او قرار وطني ودستوري يمنع كل عراقي وطني ومؤمن بسيادة البلاد وعزته ويدافع عن حقوق المواطنين ويحترم إرادة الشعب ولا يرتبط بأي جهة أجنبية مهما كانت، من ان يحصل على منصب تحتكره الان الطوائف والقوى السياسية الحالية؟

 لم يعرف العراق ومنذ تاريخه السياسي المعاصر اي خلافات او حروب او نزاعات أهلية على خلفية طائفية، ولم يشهد العراق حتى في احلك ظروفه السياسية وحقبة قمع حريات الشعب في الأنظمة السابقة اي من هذه النزاعات سوى انها تأججت وانتشرت كالنار في الهشيم تطبيقاً للمخطط الأمريكي بعد احتلال العراق من خلال الزعم ان هذه الطائفة تستحق هذا المنصب وان من حق تلك القومية استحواذ تلك المسئولية الحكومية.

 ومع انه من المبكر الحديث عن مدى مشاركة او عدم مشاركة القائمة العراقية او غيرها من القوى السياسية والطائفية في تشكيل الحكومة، الا إننا نجزم هنا من ان عودة او مشاركة جميع القوى السياسية الحالية في الحكم دون إلغاء قرار تقسيم السلطات على أساس طائفي وقومي، لا يحل اي عقدة من الخلافات والأزمات الراهنة بل ان الأزمات الأمنية والسياسية والاقتصادية سوف تستمر وستتصاعد وتتسع بدون ترديد ولن يتم احتوائها او تذليلها بسهولة لعدة أسباب منها ان بعض الطوائف السياسية والقومية ستتذرع بعدم تحقق مطالبها وعدم حصولها على مطالبها وستدعم علانية وسراً مشاغلة الحكومة بالأزمات الأمنية والسياسية ووضع العراقيل في مسيرها للإطاحة بها او إظهار ضعفها وعدم قدرتها على حفظ الوضع الأمني على الأقل.

 ثانياً ان العديد من دول الجوار التي هي أساس دعم وإرسال وتجهيز الجماعات الإرهابية ستواصل مخطط تأزيم الوضع الأمني وبث الخلافات بين القوى السياسية لإضعاف إرادة الشعب العراقي والحيلولة دون انتقال تجربة العراق الجديد او بالأحرى أزمة العراق السياسية والأمنية الى تلك الدول، وكذلك استمرار تصدير العناصر الإرهابية والأفكار المتطرفة من دول الجوار وحصر نشاطها في الساحة العراقية.

 ثالثاً وهو الموضوع الأهم ان الاحتلال الأمريكي ومن اجل تبرير وجوده الغاشم وغير القانوني في العراق لابد له من الإبقاء على قرار تقسيم السلطات على أساس قومي وطائفي وبالتالي يستمر احتلال العراق نهب خيرات وثروات ونفط الشعب العراقي بواسطة الشركات الأمريكية والأوروبية.

 قد يزعم البعض من ان الأزمة في العراق شائكة ومعقدة جداً بشكل لا يمكن إلغاء قرار تقسيم السلطات على أساس طائفي او بعبارة أدق ان القوى السياسية والطائفية الحالية هي ذاتها راضية ومقتنعة بمثل هذا القرار وتؤيده دفاعا عن مصالحها الفئوية، لكن استقراء آراء غالبية الشعب العراقي يؤكد معارضة الأكثرية لمثل هذا القرار غير المدني وانه من السهل جداً والأفضل كثيراً البحث عن جوهر الخلافات السياسية والطائفية الراهنة والقضاء على بؤرة الأزمات الأمنية وإلغاء جميع القرارات الطائفية والقوانين التي لم يصوت او يوافق عليها الشعب العراقي والسماح لجميع العراقيين مهما كانت توجهاتهم السياسية والطائفية والقومية بالتنافس الحر وفي إطار القوانين المتعارف عليها لنيل وتولي المناصب العليا دون تمييز ودون قيود قومية او طائفية، ومثل هذا القرار اذا وافق عليه ونفذه القادة السياسيون الحاليون فسوف يثني عليهم المواطنون ويضعونهم في متحف الشموع تقديرا لهم بدلا من وضعهم في أماكن أخرى!

* كاتب وإعلامي ـ السويد

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 14/تشرين الثاني/2010 - 7/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م