ليلة ديموقراطية

صادق حسين الركابي

تسمّر العراقيون بالأمس على شاشات التلفزة ينظرون إلى ولادة الحكومة العراقية طفلها الجديد ذو الثمانية اشهر. ولادة عسيرة ولا نبالغ في قولنا بأنها تمت بعملية معقدة وصعبة.

إلا أن هذه الولادة تحتاج إلى من يرعاها ويحتضنها ويقدم النصح والدعم لها قبل أن نفكر في توجيه أي نقد سلبي قد يكون له آثار سلبية معطلة.

وعلى الرغم من انسحاب البعض واعتراض البعض الآخر إلا أن العالم بأسره كان يتابع ديموقراطية فريدة من نوعها تنشأ في بلد عانى وما يزال يعاني من الإرهاب والمتصيدين في الماء العكر.

إن نموذج هذه الديموقراطية الوليدة وتفرد العراق بها ليس أمرا غريبا على بلد أنشأ أول حرف ووضع أول شريعة للقانون. لكنه أمر غريب ومقيت بالنسبة لأنظمة أخرى كانت تنتظر فشل التجربة العراقية لتستمر في تجاربها الفاشلة والمتمثلة ب 99.99 % من الأصوات المؤيدة للرئيس أو ابنه أو ابن ابنه.

لقد صوت البرلمان العراقي بالأغلبية على انتخاب رئيس الجمهورية السيد جلال طالباني الذي كلّف بدوره رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي بتشكيل الحكومة المقبلة. كل هذا وكثير من المعارضين لولادة الديموقراطية يرون في ما جرى كابوسا مزعجا في حين يراه كثير من العراقيين حلما وأمنية بالاستقرار والازدهار والاعمار.

لقد كان إعلان انتخاب السيد الرئيس جلال طالباني رئيسا لجمهورية العراق وتكليفه السيد نوري المالكي بتشكيل الحكومة بمثابة إعلان انتصار على الإرهاب الذي حاول أن يحول ليالي بغداد في أكثر من مناسبة إلى ليال من الرعب والخوف.

إلا أن هذا الفوز الديموقراطي الكبير الذي أحرزه كل العراقيون على اختلاف مذاهبهم وأعراقهم يحتاج إلى من يسنده ويعززه. فالشعب العراقي يطالب قادته القدماء والجدد بالالتزام بما حلفوا به أمام الله وأمامهم. والمسؤولية الملقاة على عاتق كل فرد من الحكومة العراقية الجديدة هي مسؤولية تاريخية خاصة وأن البلاد تمر في مرحلة من الإعمار الذي يتطلب تضافر الجهود وتوحيد الرؤى خاصة فيما يتعلق بالاستثمار.

إن الشركات الأجنبية والمحلية كانت وما تزال ترغب في ان يسود العراق جو من الاستقرار لتبدأ عملية تنفيذ العقود والبناء. وقد يكون إعلان الأمس بمثابة قانون استثمار جديد يفتح الأبواب أمام هذه الشركات لمزاولة نشاطاتها في السوق العراقية مجددا بعد أن أوقفت هذه الأنشطة لفترة من الزمن.

لقد أثبت العراقيون مجددا أنهم قادرون على إيجاد الحلول ومعالجة قضاياهم الداخلية دون تدخلات خارجية. وعلى الرغم من محاولات بعض الدول إقحام نفسها في الشأن العراقي إلا أن العقول الفريدة والضمائر الحية للبعض بالإضافة إلى بعض المبادرات السياسية الناجحة كمبادرة السيد مسعود البارزاني ساهمت إلى حد كبير في إزالة الجليد عن كثير من المواقف المتصلبة والمتعنتة.

ولا يمكننا أن نهمل هنا حجم الضحايا المدنية التي سقطت قبل أن يتم التوصل إلى هذه الحلول وفي مقدمتها الشهداء المسيحيون في كنيسة النجاة. وما أغرب تلك الصدف التي شاءت ان تكون الدماء التي سالت في كنيسة في بغداد ، نجاة للعراق بأكمله. فلولا هذه الدماء الزكية لما تمكن العراقيون اليوم من متابعة طريق ديمقراطيتهم الصعب والشاق.

فتحية إكبار وإجلال لدماء ضحايا (النجاة) وكلنا أمل أن تتحول هذه الدماء الطاهرة إلى حياة جديدة تدب في اجساد كل العراقيين وتحول مآسيهم وأحزانهم إلى أفراح وأعياد بدأت ليلة الأمس في مجلس النواب في بغداد.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 13/تشرين الثاني/2010 - 6/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م