أينما حلّوا خلقوا فوضى!!

مرتضى بدر

"كل ملعب يوجد فيه الأمريكيون يتحول إلى فوضى، وكل التجارب تثبت ذلك. هل الوضع في أفغانستان مثلاً مستقر؟ هل الوضع في الصومال كان مستقراً عندما تدخلوا؟ هل جاؤوا بالاستقرار إلى لبنان عام 1983؟ "لا يوجد مكان دخلوا إليه إلا وخلقوا فوضى" ..

بهذه الكلمات الصريحة والواضحة فضح الرئيس السوري بشار الأسد سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة العربية والإسلامية. نشرت صحيفة (الحياة) في عددها الصادر بتاريخ 26 من الشهر الماضي مقابلة مع الرئيس السوري بشار الأسد، تناول فيها الوضع الإقليمي والعلاقة الجامدة بين القاهرة ودمشق، والعلاقة الشخصية بينه وبين الملك عبد الله وسعد الحريري، كما تطرقت المقابلة إلى القضية الفلسطينية ودور المقاومة، والوضع اللبناني والعراقي.

بتقديري، أهم موضوع تطرق إليه الأسد في مقابلته هو تداعيات التدخل الأمريكي في دول المنطقة، والنتائج التي ترتبت عليه، كخلق الفوضى الهدامة، والقلاقل والأزمات السياسية. وقد استشهد كما أوردنا في بداية المقال بالأوضاع في أفغانستان والصومال ولبنان. كنت أتمنى من الرئيس الأسد إضافة اسم العراق إلى قائمة الفوضى الأمريكية، وما وصل إليه هذا البلد الجريح من أوضاع خطيرة ومتردية بسبب الغزو الأمريكي. أعتقد جازماً أن المشهد السياسي والأمني العراقي اليوم أكبر شاهد على سياسة (الفوضى البناءة)، التي تبنتها الولايات المتحدة في عهد الرئيس الأسبق بوش، الذي عمل على تنفيذها كإستراتيجية لبلاده في المنطقة.

من المعروف أن نظرية الفوضى الخلاقة أو البناءة أسسها الفيلسوف والسياسي الإيطالي (ميكافيللي)، والذي عُرِف بمفكر البلاط، وهو صاحب كتاب (الأمير)، الذي كان من خلاله يقدم النصيحة إلى أمراء عصره، وهو صاحب المقولة المشهورة "الغاية تبرر الوسيلة". وأما نظريته (الفوضى البناءة) فتعني ترك أية أزمة سياسية أو اجتماعية تسير وفق اضطراب وتفكيك طبيعيين، ومن ثم تقوم باحتوائها وتركيبها وفق ما تريد وترغب.

الكاتب الكويتي الدكتور محمد الرميحي له تعريف أدق لهذه النظرية، يقول في مقال نُشِر في مجلة (حوار العرب) العدد 12: "لكي تتحرك المجتمعات الراكدة سياسياً لا بد من إحداث شيء من الفوضى والخلخلة حتى يحصل التغيير، وفي ظن اليمين الأمريكي أنه يمكن إيجاد تغيير نحو الأفضل، أو ربما كان تغييراً من أجل التغيير فحسب".

هذه النظرية تبنتها الإدارة الأمريكية السابقة، وعندما أقدمت على تنفيذها تحولت الفوضى البناءة إلى فوضى هدّامة، وقد راح ضحيتها أكثر من مائة ألف عراقي، وعشرات الآلاف من القتلى في أفغانستان، وآلاف القتلى في صفوف جنود التحالف بما فيهم الأمريكيين أنفسهم. وحينما يقول الرئيس بشار الأسد أنه "لا يوجد مكان دخل إليه الأمريكان إلا وخلقوا فوضى"؛ فهو كسياسي وذي خبرة يعني ما يقول، وأعتقد أنه صادق في كلامه، والشواهد والوقائع دالة على ذلك.

 وما كشفه موقع (ويكيليكس) من آلاف الوثائق السرية للجيش الأمريكي لهو دليل قاطع على صدق كلام الأسد، ودليل واضح على فشل نظرية الفوضى البناءة التي تبنتها إدارة جورج بوش الابن في الشرق الأوسط. فقد دفن مشاريعه الهدامة، كمشروع الشرق الأوسط الجديد، والشرق الأوسط الكبير، تلك المشاريع التي أسست وفق نظرية الفوضى لميكافيللي الانتهازي، الذي لا يمانع من تدمير بلد وشعب بأكمله من أجل الوصول لغاية أسمى. جورج بوش ترك البيت الأبيض بعد خراب بصرة، والدمار والفوضى في عموم العراق وأفغانستان وغيرها من المناطق. ليت الرئيس أوباما يقطع الوعد على نفسه وينسحب من أفغانستان بعد ما سحب معظم قواته القتالية من العراق، وينهى سياسة الفوضى الهدامة في المنطقة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 7/تشرين الثاني/2010 - 30/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م