مفهوم الدعاية

علي اسماعيل حمة الجاف

اصبح اصطلاح الدعاية من المصطلحات المتداولة بين الناس في وقتنا الحاضر واتسع مفهومها عما كان عليه في السابق.  كما وقد كان لكلمة "دعاية" مفاهيم كثيرة منذ زمن بعيد. وبالرغم من التفسيرات الضيقة والمحدودة لمصطلح الدعاية فأن النشاط النهائي يعتبر قديما" قدم التاريخ ذاته.  

وقد عرفت الدعاية تعريفات عديدة فقيل ان الدعاية ما هي الا "فن التأثير والممارسة والسيطرة والالحاح والتعبير والترغيب او الضمان لقبول وجهات النظر والاراء و الاعمال او السلوك. "

وذهب اخرون الى ان الدعاية: "هي نشر اراء ووجهات النظر التي تؤثر في افكار او السلوك او كليهما معا" لتحقيق دعاية معينة.

 ولعل التعريف الاكثر وضوحا للدعاية ذلك الذي يقول بان الدعاية يمكن ان تسعى الى محاولة التأثير على الشخصيات او السيطرة على سلوك الافراد لاغراض تعتبر غير عملية او مشكوك في قيمتها في مجتمع معين وزمن وهدف معينين.

والدعاية وان تباينت واختلفت في مضامينها الا انها بوجه عام يمكن ان تكون وسيلة لاقناع الاخرين بان يسلكوا في حياتهم سلوكا "معينا" ما كانوا يسلكوه لولا هذا الاقناع وعلى هذا الاساس فان الدعاية لا تقتصر على مجال معين من الحياة وانما تشمل كل نواحي الحياة المختلفة من سياسية الى اقتصادية واجتماعية. 

و الدعاية تستخدم وسيلة للاقناع ولذلك فهي تستبعد كل وسيلة من وسائل التاثير عن طريق القوة والضغط والارهاب.  وتنقسم الدعاية الى قسمين رئيسيين :

أ‌- السلبي  ب- الايجابي

فالاول غرضه احداث تغيير سلبي في سلوك الموجه اليه. واما الثاني فهدفه الحيلولة دون حدوث تغيرات سلبية وانما توجيه بناء لخدمة الامن والوطن ومن امثلتها الدعاية المضادة والتي تعتبر جزءا" مهما" للحروب العسكرية بل يشير بعض المتخصصين الى ان الحرب الحديثة هي حرب ذات شكلين احدهما عسكري والثاني دعائي وان المجهود الذي يبذل في الميدان الدعائي لا يقل اهمية من المجهود الذي يبذل في الميدان العسكري.  

ولقد لعبت اجهزة الدعاية على اختلافها ادوارا" حاسمة في كثير من المعارك ابان الحرب العالمية الثانية واستطاعت ان تكسب الطرفين المتنازعين انتصارات كبيرة في الميدان العسكرية.  الامر الذي جعل الخبراء يضفون على هذا النوع من الاعلام الصيغة العسكرية لذلك سميت بالحرب الدعائية اصبحت في الوقت الحاضر فنا وعلما واسعا"يعتمد على النفس نهجا له.  وهو يستهدف التأثير على اراء وسلوك مجموعة من الناس لاضعاف محتوياتها او تقويتها وتغيير نهج تفكيرها وسلوكها كما قلنا قبل قليل وهو سلاح كما يقول علماء النفس رغم فعاليته فانه يظل قليل التكاليف اذا ما قيس بتكاليف الحملات العسكرية الباهضة.

 ويشير احد القادة الالمام ابان الحرب العالمية الثانية الى هذه الحقيقة فيقول: " اننا نستهلك الكثير من القنابل لتدمر مدفعا"واحدا" من يد جندي اليس الأرخص من ذلك والاجدى ان توجد وسيلة تتسبب اضطراب الاصابع التي تضغط على زناد ذلك المدفع. "

تطور الدعاية

إذا كانت الدعاية قديمة قدم الإنسان ذاته فإنها عرفت منذ فجر التاريخ وربما كانت الخطابة إحدى وسائلها التي استعملت زمن اليونان بصورة واسعة جدا" سواء كان ذلك في مجال السياسي أو غيره من المجالات.  اما الشعر فقد لعب دورا" أخر لا يختلف عن الخطابة فقد استعمل من قبل العرب إذ كان اعتمادهم عليه في الدعاية اكثر من اية وسيلة اخرى.  

ولعبت الدعاية دورا" بارزا" في المجال الديني وبهذه المناسبة لا بد من التأكيد بان التأثير على العواطف كان الهدف الاساسي من الدعاية خلال القرون الوسطى وربما حتى وقتنا الحاضر فالاناشيد الوطنية والخطب الحماسية كان لها تأثيرا" كبيرا" على تحريك عواطف المواطنين من ناحية واعتبرت وسيلة من وسائل الدعاية التي لها تأثيرها على اثارة سلوك الانسان.

اما في بداية هذا القرن فقد اتجهت الدعاية اتجاها" اخر لا يتعلق بتحريك عواطف المواطنين فقط بل دفعهم نحو تبني الفكرة التي تقدمها الدولة.  فخلال الحرب العالمية الاولى لم تعد الدعاية مجرد فن وتجارب فقط بل اصبحت علما" له قواعده واصوله الثابتة وقد ادركت الجيوش المتحاربة هذه الحقيقة واخذت ترسم خططها الحربية اضافة الى الخطط الاخرى التي تؤدي الى تثبيط همم الجيوش المعادية لغرض سقوطها.  واخذ رجال الدعاية يستغلون كل حادثة ويفسرونها لصالح النجاح في الحرب.

 اما خلال الحرب العالمية الثانية فقد تغير الامر بعد استعمال الراديو للدعاية بصورة شاملة وواسعة جدا ودخلت الدعاية بهذه الوسيلة مجالا" رحبا" في بث المعلومات والاخبار عن الجيوش المتحاربة خلال تلك الفترة وتفنن رجال الدعاية في ابراز تجاربهم وعبقرياتهم في مجال الدعاية.

كما ولابد التاكيد على الدعاية الاعلامية والتجارية التي برزت بشكل بارز جدا" بعد الحرب العالمية الثانية غرضها دفع المواطنين لشراء البضاعة بطريقة واخرى و تغير افكارهم بالاعلام.

والدعاية بصورة عامة يمكن تقسيمها الى ثلاث انواع:

1- الدعاية البيضاء؛

2- الدعاية السوداء؛

3- الدعاية الرمادية.

فالدعاية البيضاء: هي تلك الدعاية المكشوفة الواضحة ذات النشاط العلمي والتي تبغي هدفها المعين.  كالصحف والراديو والتلفزيون والانترنيت ووسائل الاعلام الاخرى التي تؤدي الى الاتصال بالجماهير.

اما الدعاية السوداء: فهي التي تكون مستوردة وذات نشاط سري وتعتمد هذه الدعاية على النشاطات السرية.  ولا تعلن الدعاية السرية عن مصادرها ولكنها تنمو وتزداد معلوماتها بطريقة سرية.

واخيرا الدعاية الرمادية: فهي تلك الدعاية التي لا يهمها ان يعرف الناس مصادرها الحقيقية ولكنها تختفي وراء هدف من الاهداف ويمكن ان تسعى الدعاية الرمادية بالدعاية غير المباشرة لانها ظاهريا" تخاطب العواطف ولكنها سريا" لها هدف معين تبغي تحقيقه. وربما خير دليل على ذلك هي الدعاية السرية.

* استاذ وباحث

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 2/تشرين الثاني/2010 - 25/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م