العولمة الإسلامية: المفهوم والتكوين

رؤى من افكار الإمام الشيرازي

عبد الكريم العامري

 

شبكة النبأ: إن الله تعالى جبل الإنسان وفطره على العولمة، أرسل إليه نظاما عالميا يحمل طابع الكونية في فكره وثقافته، في اقتصاده وسياسته، من هنا تكونت العولمة.

إن الإسلام هو أول من جاء بأسس العولمة الصحيحة، بلغ لها، دعا إليها، قال الله تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين).

حيث الخطاب موجه الى كل أهل الأرض، جميع أهل العالم، لا يمكن أن يكون الخطاب من الله الحكيم موجها الى كل أهل الأرض، إلا إذا كان الإسلام الذي أنزله الله تعالى في كتابه، بعث به رسوله الحبيب محمد(صلى الله عليه وآله) جامعا لكل أسس العولمة الصحيحة، شاملا لجميع القوانين الصالحة لإدارة العالم كله على نهج عادل وقويم، موفرا لكل أهل العالم فردا وجماعة الرغد والدعة، الأمن والاستقرار، السعادة والعيش الهنيء. الإسلام فعلا هو كذلك، إلا لما دعا الله تعالى، هو الحكيم المطلق، العالم كله إليه، حذر من التدين بغيره من الأديان الأخرى.

الرسول الكريم والعولمة

يقول الإمام محمد الشيرازي (قدس سره) في معرض تناوله قضية العولمة الإسلامية، حيث يدعم حديثة قوله تعالى مخاطبا رسوله الكريم (ص) : (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون)، وقوله سبحانه: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).

الرسول الحبيب(ص) رسول الى الناس كافة، ليس لبعضهم دون بعض، رحمة مهداة للعالمين، ليس لعالم دون آخر، كما قال (ص): ( إنما أنا رحمة مهداة).

طبق الرسول (ص) العولمة التي جاء بها الإسلام، كما يذكر الإمام محمد الشيرازي (قدس)؛ حقق نظام اقتصادها السليم، سعى لتبيينها وتحديد مسارها ومعالمها، فجعل بأمر الله تعالى الدين واحدا، المعبود واحدا، الكتاب واحدا، الاقتصاد واحدا، التاريخ واحدا، القبلة واحدة، السنة واحدة، الشريعة واحدة، اللغة واحدة ومشتركة بين الجميع، مما يحقق الأسرة الواحدة والبيت الواحد.

إنه شرع الأذان إعلاما للصلاة، رتب فصوله باللغة العربية، بحكمة فائقة جعله شعارا للإسلام، إنه يدعو فيه كل يوم عدة مرات، الى أوليات العولمة الصحيحة، ملاكاتها القويمة: الى تمجيد الله وتوحيده، الى الإيمان بالرسول ورسالته، الى توحيد الإمامة والولاية في أهل بيته، الى الصلاة بين يدي الله الواحد الأحد، كم في هذا وحده من إيحاء للنفس على الشعور المشترك بالعمل المشترك، تربية لها على العولمة وحب الآخرين.

إنه لو لم يكن في الإسلام ما يدعو الى العولمة سوى الأذان، الذي أشرنا الى القليل من معانيه الكثيرة، لكان الإسلام وحده هو الجدير بأخذ زمام العالم، ونشر رحمة عولمته الحكيمة، العادلة على كل الشعوب وجميع الناس.

لقد جاء الرسول بأسس العولمة وطبقها بحكمة عالية كانت باستطاعتها تغطية كل العالم بظلال رحمتها، جناح عدلها، غير أن الحكام غير الشرعيين الذين علوا منبر رسول الله(ص) وصادروا حق علي أمير المؤمنين (عليه السلام) وأولاده المعصومين، غيروا وبدلوا كل شيء جاء به رسول الله(ص). إنهم حذفوا بعض فصوله، زادوا عليه وبدلوا تبديلا، كما وإنهم بدلوا كل ما استطاعوا تبديله، فحرموا العالم رحمة العولمة وعدلها.

هكذا تقدم الزمان، نزلت الأجيال في شرق الأرض وغربها، هي محرومة من عولمة الإسلام، حتى تململ الغرب وتحرك من تحت سياط الاستبداد وخرج من ظلمات القرون الوسطى ليرى النور، فلم يبصر شيئا سوى مظالم الحكام وظلمات الخلافة الجائرة، لم يبصر ليرى نور الإسلام ن نور كتابه ومنهجه، نور قوانينه وأحكامه، نور رسول الله(ص) وأهل بيته(عليهم السلام)، نور العولمة التي جاءوا بها وسعوا في تطبيقها، لذلك حنقوا على الإسلام وعلى كل شيء من العولمة التي جاء بها، قسموا العالم الى الكتلة الشرقية والكتلة الغربية، ولما ذاقوا وبال هذا التقسيم عملوا على توحيد العالم، فحذفوا الكتلة الشرقية من الخارطة، قرروا توحيد العالم تحت عولمة غربية بقيادة الولايات المتحدة.

العولمة في القرآن الكريم

رسالة الإسلام عالمية ، فلم يكن الإسلام يوما للعرب وحدهم ، لم يكن القرآن يوما لقريش وحدها، من هنا فإن الحديث عن العولمة الإسلامية حديث جميل، إذ قد جاء الإسلام بها منذ أيامه الأولى، من حين بزوغ شمسه المنيرة على الكون.

يستخرج الإمام محمد الشيرازي (قدس) من القرآن الكريم، دستور المسلمين، آيات قرآنية كريمة تؤكد على هذا المعنى، وأيدته الأحاديث النبوية الكريمة والسيرة النبوية الشريفة، هي كثيرة نستعرض منها ما يلي:

1- قال الله تعالى في صفة القرآن الذي هو دستور السماء لأهل الأرض ( إن هو إلا ذكر للعالمين) التكوير/27.

2- قال تعالى مباهيا بما أنزل من دستور وبمن أنزل عليه من رسوله(ص): (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) الفرقان/1.

3- وقال سبحانه وهو يصف رسوله الكريم( ص) ورسالته المباركة: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)الأنبياء/ 107.

 4- وقال سبحانه وتعالى في بيان مهمة الرسول الأعظم (ص): (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا)سبأ /28.

5- وقال جل وعلا في أجر الرسالة والرسول(ص) : (وما تسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين)يوسف/104.

6- وقال عز وجل في صفة الكعبة والبيت الحرام : (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين) آل عمران/96.

7- قال تعالى: (إن هو إلا ذكر للعالمين * ولتعلمن نبأه بعد حين) ص/87ـ88.

8- قال سبحانه وتعالى: (إن هو إلا ذكر وقرآن مبين* لينذر من كان حيا) يس/ 69ـ70.

9- وقال عز من قائل: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء) النحل/89.

10- وقال تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شيء)الأنعام 38.

من هذه الآيات المباركة وغيرها تتجلى الرسالة العالمية، تتضح العولمة التي جاء بها الإسلام رحمة للناس كل الناس، ليس لطبقة خاصة، كأصحاب الشركات والاستثمارات الذين لا يرون إلا مصالحهم، لا يعملون إلا من أجل منافعهم، وان الآخرون من الأكثرية الساحقة، فقراء.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 16/تشرين الأول/2010 - 8/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م