الرئيسي والثانوي في المشكل السياسي

لطيف القصاب/مركز المستقبل للدراسات والبحوث

يعاني الفكر السياسي العراقي الحالي من استشراء أزمات متعددة على هيئة مشكلات ثانوية تسبح في فلك مشكلات رئيسية.

إن القاسم المشترك الذي يجمع بين العديد من زعماء الأحزاب المتصدرة للمشهد السياسي هو الاتفاق الضمني على توظيف المثل السياسية العليا في حال انسجامها مع مشاريعهم الخاصة وتنصلهم عنها في حال تقاطعها مع ما يودون الحصول عليه من مكاسب وأرباح.

 فالديمقراطية يكون مرغوبا فيها بقدر ما تؤدي إلى خدمة ومنفعة لهذا الطرف أو ذاك والديمقراطية تصبح مغضوبا عليها وتنزوي في ركن قصي حينما تصبح السبب في خسارة ما لأحدهم فالمشكلة الثانوية هي الالتفاف على معنى الديمقراطية الحقيقي والمشكلة الرئيسية هي فقدان الثقافة الديمقراطية بمعنى اخر فقدان السياسيين الديمقراطيين المؤمنين حقا بفلسفة الديمقراطية.

المحاصصة هذا النهج المتبع في البلد منذ سنوات يمثل بدوره مشكلة ثانوية يضرب جذرها الحقيقي في مشكلة اكبر منها بكثير ألا وهي غياب الفلسفة العامة للدولة. قد يقول البعض إن مفهوم المحاصصة يصلح لكي يكون بديلا عن الفلسفة السياسية المنشودة ولو مرحليا غير أن هذه الدعوى مردودة بحكم أن مفهوم المحاصصة إنما يختزل مجموعة كبيرة من المختلفين برقم مختار من القوى والأحزاب والكيانات السياسية دون غيرها.

 ومن آثارها السلبية السريعة أن الأطراف المتضررة من هذا المفهوم ستبدو أجساما غريبة تعيش عقدة الاضطهاد وانعدام الانتماء الوطني كما نسمع ذلك بين الحين والآخر من ممثلي ما يسمى بالأقليات العراقية، زد على ذلك أن توزيع الحصص بين المتحاصصين السياسيين لن يتعدى إلا في النادر القليل نطاق (الأفراد) المستفيدين مباشرة من عملية المحاصصة هذه، إذ إن مآل هذا التوزيع كما برهنت عليه الأحداث الماضية سينتهي في دوائر غاية في الضيق تصب في نهاية المطاف في صالح منظري المحاصصة وحواشيهم لاغير.

 إن هذه المحاصصة أشبه شيء بالمملكة التي تختصر شعبا كبيرا باسم العائلة المالكة وسوف تظل بهذا الوصف مهما حاول البعض تسويقها باسم التوافق تارة وباسم المشاركة تارة أخرى، وستظل برغم الطرح النظري المخالف مجرد مشكلة ثانوية في قبال انعدام فلسفة حقيقية للدولة، ولن تصير المحاصصة بديلا ولو مؤقتا للفلسفة السياسية المفقودة، إذ إن المحاصصة فيما لو رسخت أقدامها في البيئة العراقية أكثر مما هي عليه الآن فإنها ستغدو عرفا لامناص من الانصياع إلى نزواته دهرا طويلا كما هو مشاهد في الدول التي آلت على نفسها تطبيق هذا النهج في حياتها السياسية.

 وعدا ذلك فأن الأحرى بمن يدافع عن وجود المحاصصة بالقول مثلا: إنها وسيلة مأمونة لضمان الاعتراف بحقوق سليبة لمكونات مضطهدة ومستضعفة، إن الأحرى بهذا الفريق أن يوظف حقيقة وجود اضطهاد او استضعاف تاريخي حاق بعرق أو طائفة لمنع الاضطهاد جذريا من أن ينال أذاه كل الطوائف والأعراق حاضرا ومستقبلا سواء من كان يعد في خانة الاقليات او الاكثريات.

 إن حقيقة وجود طرف ضعيف أو مستضعف في بلد ما يمكن استثمارها ايجابيا بشكل مشابه لما فعلته نظم الحكم الغربية حينما جعلت من منطق البقاء للأقوى مثلا فلسفة عملية تقضي بان تأخذ بيد الضعيف ليتخلص من ضعفه وبالتالي إلى صيرورته قويا عن طريق آليات العدالة في توزيع الفرص بين مواطنيها واستنادا إلى قيمة المواطنة، هذا المبدأ الذي يشكل حجر الزاوية في الفلسفة السياسية الغربية بوجه عام.

 إن عدم الاتفاق على فلسفة سياسية للدولة العراقية والاستعاضة عنها ببدائل المحاصصة أو التوافق أو المشاركة ونحو ذلك من تعبيرات لن يعني في حاضر ومستقبل الأيام إلا ذوبان هويتي الطائفة والعرق تدريجيا في أتون صراع طبقي من المتوقع ان تتوحد تحت مظلته جموع المستضعفين أمام عدو مشترك متجسد بمجموعة شركات الطوائف والأعراق. فمن الطبيعي أن يزهد الناس عاجلا أو آجلا بانتماءات لا تسمنهم ولا تغنيهم من جوع.

* مركز المستقبل للدراسات والبحوث

http://mcsr.net

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 16/تشرين الأول/2010 - 8/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م