احمدي نجاد في لبنان وسياسة ادفع تنفع!

خليل الفائزي

زيارة الرئيس الإيراني احمدي نجاد الى لبنان وما رافقتها من مواقف مؤيدة ومعارضة ورفع صورتين متناقضتين له على الساحة اللبنانية إحداها ترحب به باللغتين العربية والفارسية وأخرى تنتقده وتقول علانية لا اهلاً ولا سهلاً!،تؤكد مدى أبعاد وحقيقة المواقف المؤيدة والمعارضة لسياسة الحكومة الإيرانية في لبنان بالرغم من حفاوة الاستقبال الذي نظمه حزب الله لاحمدي نجاد تقديرا للمساعدات الهائلة التي قدمتها وتقدمها الحكومة الإيرانية لهذا الحزب والجماعات الأخرى المدافعة عن السياسة الإيرانية في لبنان والمنطقة.

قطعاً ان هذه الزيارة هي زيارة بروتوكولية اعتيادية وتدخل في نطاق توثيق العلاقات بين لبنان الدولة وبين الحكومة الإيرانية ولا علاقة لها من قريب ولا من بعيد بزعم إسرائيل اوأمريكا وجهات أخرى من انها أتت لصالح تنظيم حزب الله في عملية موازنة القوى وترجيحه على سائر القوى السياسية والعسكرية الأخرى اوالادعاء بجعل لبنان حدوداً لإيران مع إسرائيل، لان مثل هذه الحقيقة قائمة بالأساس منذ عدة انتصار الثورة في إيران نظراً لتعاون حزب الله الوثيق مع طهران وان هذا الحزب الذي كان يملك 8 آلاف صاروخ موجها ضد إسرائيل قبل حرب صيف عام 2008 صار يملك الان اكثر من 25 الف صاروخ، وهذا يعني ببساطة ان حزب الله صار اكثر قوة وصلابة عسكريا في فترة لم يزر فيها اي مسئول إيراني رفيع المستوى لبنان طيلة الأعوام الماضية.

 الموضوع اللافت الآخر خلال هذه الزيارة هو إعلان طهران عن تقديم مساعدات مالية للحكومة اللبنانية تراوحت ما بين 500 مليون الى الف مليون دولار وتم التوقيع على 17 اتفاقية تعاون في شتى المجالات، في وقت أعلن فيه حزب الله لبنان ان الحكومة الإيرانية نفذت اكثر من 2100 مشروع إنمائي وعمراني وأنفقت عدة مليارات دولار على هذه المشاريع التي أنجزت بعد تدمير إسرائيل لمناطق سكنية ومشاريع لبنى تحتية واسعة وكثيرة في لبنان عام 2006.

 الموضوع التالي المثير للانتباه هوالتنسيق المسبق لاحمدي نجاد مع سوريا بشأن زيارته الى لبنان وكذلك محادثته المباشرة مع ملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز وملك الأردن عبد الله بن الحسين قبل وصوله الى بيروت وهي المحادثات التي فسرها فريق 14 آذار (جماعة الحريري في لبنان) على إنها محاولة من الرئيس الإيراني دخول لبنان تحت غطاء عربي واستئذان كل من السعودية والأردن وسوريا لزيارة بيروت، وكأن الرئيس الإيراني لم يكن يتمكن من زيارة لبنان الا بموافقة زعماء هذه الدول! بالرغم من هرولة وزير الخارجية السعودي على عجل نحو القاهرة للاستنجاد بحسني مبارك خشية من تغير موازين القوى في لبنان لصالح إيران على حساب تراجع ما تسمى الجبهة العربية المؤيدة لسياسة أمريكا وإسرائيل.

 الموضوع الآخر البارز في هذه الزيارة هو تواجد معظم زعماء تيار 14 آذار بما فيهم مسئول حزب الكتائب امين الجميل ومسئول القوات سمير جعجع لاستقبال احمدي نجاد في مطار بيروت والإدلاء بتصريحات لصالح إيران خلافا لواقع سياسة ومواقف زعماء هذا التيار وكأن هؤلاء أضحوا اليوم على شاكلة حزب الله من حلفاء إيران الأساسيين وتخلوا عن علاقاتهم السياسية والمادية الوثيقة والعلنية مع إسرائيل وأمريكا والنظام السعودي وقطر.

 من البديهي إننا دعاة المجتمعات المدنية نؤيد دوماً وبالكامل كافة المصالحات والاتفاقات وإنهاء الخلافات بين دول المنطقة وأحزابها ولكننا نحن ومن حق كافة المراقبين والمواطنين ايضا وضع علامات استفهام على مثل هذه المصالحات التي لا أساس من الصحة ولا قاعدة لها على ارض الواقع واذا ما تمت فإنها قطعا ستكون مرحلية وهشة ولن تدوم طويلاً لتباين الرؤى والمواقف والاستراتيجية بين القوى والأنظمة الحاكمة في المنطقة في الوقت الراهن.

 ومن المؤسف جداً ان لبنان الذي كان الكثيرون يعتقدون من انه ينفرد بحرية التعبير والبيان ويضرب به المثل لإرساء الديمقراطية ونشاط الأحزاب وتعايش الطوائف السلمي على مختلف توجهاتها الدينية والقومية، في الواقع كان هذا البلد ولا يزال مسرحاً لصراعات دول المنطقة والعالم وساحة لتصفية الحسابات السياسية والعسكرية بين هذه الدول لا لشيء سوى تبعية معظم القوى الأحزاب والشخصيات لدول المنطقة والعالم وانضوائها بل وانبطاحها الكامل تحت الذي يدفع اكثر !

 ففي العقود السابقة كانت القوى والأحزاب السياسية والطائفية في لبنان منقادة ومقيدة بالفكر الشيوعي والاشتراكي نظراً لان الدعم المالي والعسكري كان يأتي من الدول التي كانت متمسكة بالشيوعية والاشتراكية التي انقرضت الآن أوتكاد، وبعد ذلك تحولت القوى والأحزاب السياسية في لبنان لتبعية الأفكار القومية وألهبت الساحة اللبنانية بحروب دامية في تلك الفترة دفاعا عن قومية هذا البلد العربي اوذاك، ثم وقعت هذه الأحزاب في فخ أحضان إسرائيل وأمريكا وفرنسا اوأحضان الدول المعادية للغرب حتى فترة اغتيال رفيق الحريري وخروج سوريا بقواتها العسكرية والأمنية من لبنان، فتقاسمت إيران والسعودية مناصفة السيطرة على القوى والأحزاب في لبنان بالكامل وتحددت القرارات اللبنانية بهاتين الدولتين منذ تلك الفترة وحتى الآن بالرغم من سعي البعض لاعادة دور سوريا بالسيطرة على لبنان مرة أخرى.

 ونظراً لهالة وتفرع الخلافات بين السعودية وإيران في كافة المجالات العقائدية والسياسية والفكرية فان أحزاب لبنان وطوائفها تحولت لتطبيق المثل القائل "ادفع تنفع!" وصارت أشبه بفروع البنوك الأجنبية او كموظفي الحكومة يعيشون على الراتب الشهري وتستلم تلك الأحزاب والشخصيات السياسية في لبنان المنح المالية وغير المالية شهريا باستمرار، ووفقاً لحجم هذه المنح والدعم تحدد الأحزاب والقوى مواقفها في الساحة اللبنانية والإقليمية ونرى من المؤسف ان العديد من الشخصيات البارزة في لبنان صارت تهرول متذللة تارة لأمير دولة قطر وتارة أخرى للملك السعودي وهذه الشخصيات التي ترفع شعار "ادفع بالتي هي احسن والا..! تهرول ايضاً عندما يزور لبنان مسئول إيراني وكأنها تطبق القول المأثور "يجب عدم تأخير الزبون المستعجل وشعارنا الأساسي هوإرضاء الجميع!".

 ومن المؤسف جداً ان مثل هذه الظاهرة السلبية وغير المقدسة تفشت أيضا في الكثير من الدول العربية ودول المنطقة لاسيما في العراق وأضحت الأحزاب والقوى والشخصيات السياسية تتحدث ليس بلسان شعب العراق بل بلسان الدول والقوى التي تمد تلك الأحزاب بالأموال ووسائل الدعم والبقاء.

 ويعتقد الكثير من المراقبين ان قادة الأحزاب والقوى السياسية والطائفية في لبنان متفقون على نص اتفاق غير مكتوب بينهم لاستغلال هذه الظاهرة وتعميمها للاستفادة فقط من خلافات دول المنطقة لصالح تلك الأحزاب، فمثلاً ان دولا غربية اقترحت على لبنان مؤخرا تسليح جيشها مجاناً، وبعدها بعدة أيام أكدت السعودية انها مستعدة لدفع تكاليف هذا التسليح، وقبل زيارة احمدي نجاد الى لبنان أكدت طهران بإمكانها تجهيز الجيش اللبناني بكافة الأسلحة والمعدات وتدريب عناصر هذا الجيش، وهو الاقتراح الذي اعتبره أنصار النظام السعودي في لبنان بانه مخطط لإثارة الفتنة الطائفية في هذا البلد واستقواء طرف سياسي على حساب طرف سياسي آخر ولكن في الحقيقة ان القوى السياسية والطائفية في لبنان هي الطرف المنتفع أساسا من تناحر وتنافس القوى الإقليمية والدولية فيما بينها.

 الدعم الإيراني الى لبنان والذي يشمل ايضاً قطاع غزة وجماعات في العراق ودول أخرى وان كان يخرج عن طيب خاطر الحكومة الإيرانية وله منافع قصوى لطهران في سياق تنافسها وتصفية حساباتها مع دول في المنطقة والعالم، الا ان هذا الدعم ترفضه بل وتعارضه بشدة القوى الإصلاحية والوطنية والمعارضة لحكومة احمدي نجاد، وتكرر هذه القوى مثل إيراني معروف ينص على "ان المصباح الذي ينير البيت من الحرام إهدائه إلى المسجد!" اي ان الملايين من المحرومين والفقراء في إيران هم أولى باستلام الدعم المالي والمساعدات المادية التي تقدمها إيران لكافة الأحزاب والدول الأخرى المتحالفة مع الحكومة الإيرانية او تؤيد مواقفها، وحتى ان القوى الإصلاحية المعارضة رفعت خلال اعتراضاتها الأخيرة على ما وصفتها بتزوير الانتخابات هذا الشعار: نرفض الدعم لغزة ولا لبنان، أموال إيران يجب ان تبقى داخل إيران!.

وهذا يعني بكل بساطة انه اذا افترضنا جدلاً سيطرة القوى الإصلاحية على زمام الأمور في إيران فان هذا يعني تقليص او قطع الدعم المالي والسياسي والعسكري للجماعات الحليفة لإيران في حاليا مهما كانت المواقف السياسية والأفكار العقائدية لتلك الأحزاب.

 ويرفض المراقبون وصف العلاقات القائمة بين إيران من جهة والسعودية من جهة أخرى بالأحزاب والقوى السياسية والطائفية في لبنان بانها مبنية على قاعدة عقائدية لان جميع الحقائق القائمة على الساحة اللبنانية تؤكد من ان هناك جماعات وقوى سنية تعارض السعودية وتؤيد السياسة الإيرانية وبالعكس ان هناك ايضاً قوى وشخصيات شيعية في لبنان تعارض بشدة سياسة إيران في لبنان وتستلم الدعم المالي من السعودية في نطاق سياسة "ادفع تنفع ! " على وزن شعار "اسلم تسلم !" في صدر الإسلام، مع الفارق الكبير في محتوى وجوهر هذين القولين والشعارين.

* كاتب وإعلامي ـ السويد

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 14/تشرين الأول/2010 - 6/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م