مزرعة البصل

صادق حسين الركابي

يبدو اننا كلما اقتربنا من نهاية النفق نعود لنكتشف أننا ما نزال في بدايته. متاهة كبيرة من التدخلات الإقليمية والدولية تعيق العراق عن المضي في مشروعه الديموقراطي.

فالحكومة العراقية التي يعول الشعب المغلوب على أمره في تشكلها ما تزال بعيدة المنال، على الرغم من مضي سبعة أشهر على الانتخابات.

وقد تكون الحوارات بين الكتل السياسية مهمة لتشكيل حكومة قوية وقادرة على إدارة البلاد بخطوات ثابتة ومستقرة إلا أن واقع الحال لا يشير إلى هذا. فالكتل الكبيرة منقسمة على نفسها وتصريحات زعمائها المتناقضة وقراراتهم المتسرعة خير دليل على هذا. حتى أن الانقسامات والاختلافات طالت صفوف الحزب الواحد.

من يدري، قد يكون كل ما يجري اليوم على الساحة السياسية في العراق اساسا لديموقراطية جديدة من ابتكار العراقيين على اعتبار أنهم أول من صنعوا الحرف وسنّ القوانين. وقد يكون هذا ناجما عن رؤية مشتركة لدى جميع السياسيين بأنهم جميعا يصلحون لقيادة سفينة العراق إلى بر الأمان.

قديما كان القوميون يجدون في عبد الناصر زعيما أوحدا للأمة العربية. ويتحسر الشيوعيون على أيام عبد الكريم قاسم. في حين يترحم الملكييون على ما جرى لملك العراق فيصل. إلا أننا في يومنا هذا لا يمكننا أن نحدد زعيما أو قائدا يمسك بدفة القيادة. فالكل يرى في نفسه زعيما والكل يرى في نفسه قائدا يمجده الشعب ويخلد منجزاته. ويذكرني هذا بمسرحية الفنان السوري القدير دريد لحّام (ضيعة تشرين) حينما يبرر زعيم القرية بقاءه في السلطة بقوله (شعب كله زعماء).

لكن واقع الحال في العراق يختلف عما هوعليه في ضيعة تشرين فالشعب العراقي بات مستعدا اليوم للقبول بأي خيار يطرح لأنه شعب منهك القوى. فبعد كل سنين الحرب والدمار والحصار والصراع على السلطة لم يعد يمتلك إلا رحمة الله الواسعة. وأخشى أن يتحول هذا الأمر إلى يأس جماعي من كل ما هو مطروح من حلول فيؤدي هذا إلى انقلاب على الديموقراطية الحديثة الولادة. ولا أعتقد أن أحدا من زعماء العراق الجدد يرغب في حدوث هذا الأمر. هذا إذا ما كان هؤلاء يريدون شعبا ليحكموه على أقل تقدير.

لقد عانى العراق في الماض القريب من أزمة القائد الواحد (حفظه الله ورعاه) لكننا اليوم نعاني من أزمة القادة (حفظهم الله ورعاهم). والغريب أن هؤلاء لم يتعظوا من دروس التاريخ فترى الصراع على ذات الكرسي التي أطاحت بمن قبلهم. وحقيقة الأمر أنها لو دامت لغيرهم ما اتصلت إليهم. لكن ما أكثر العبر وأقل المعتبرين.

المشكلة في كل ما يجري أننا نحاول البقاء في مسار الديموقراطية لنحلّ أزمة أنشأتها هذه الديموقراطية ذاتها. وهي حالة يعبّر عنها العراقييون وكأنهم (بلّاع الموس). وفي الوقت الذي يقترح البعض إعادة الانتحابات، يسخر البعض الآخر من حالة الضياع التي تنتاب العراق الجديد ويعول غيرهم على انهيار هذه التجربة. ويبقى حال العراق على ما هو عليه إلى أن نتمكن من زراعة بذور جديدة لحياة أفضل. فالقوم رؤوس كلهم ***أرأيت مزرعة البصل !

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 12/تشرين الأول/2010 - 4/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م