المواجهة العسكريّة هل هي قادمة بالفعل؟!

د.مؤيد الحسيني العابد

تنشر العديد من وسائل الإعلام المنتشرة في الإفق، العديد من التقارير والمواضيع المتعلّقة بكيفيّة التعامل مع البرنامج النوويّ الإيرانيّ والذي بات يؤرق العديد من دوائر محيطة بالمصالح الأمريكيّة الصهيونيّة والتي أثبتت الوقائع والعديد من التقارير الإستخبارية التي تنشر هنا وهناك الى أنّ كيان (إسرائيل) ما زال يتبع سياسة التمويه على فعل يريد له أن يتحقق على مستوى المنطقة، ومن جهة أخرى يتبع الأسلوب المعتاد عنده وهو عمليات تصفية للعديد من الكوادر التي يراها مهددة لمصالحه!(إذا ما لاحظنا أنّ العمل جار بشكل واضح خاصة على الأراضي الرخوة! كالعراق والإمارات ولبنان وغيرها!).

من الأمور التي تتوجّس منها إفتعالاً الإدارتان الأمريكيّة و(الإسرائيليّة)، هي الكيفية التي تناسب التعامل مع البرنامج النوويّ الإيراني النامي بإتّجاه الإمتلاك الكامل للحلقات التابعة للبرنامج النوويّ(وهو البعيد عن الهدف العسكري وقد أشرنا في العديد من المقالات الى الدلائل العلمية على التوجه السلمي لهذا البرنامج! وعندما يتكلّم أحد المتخصّصين في مجال يستوعب ما ينشر وما يقال وما هو بالفعل يأتيك من لا يعرف اليمين من الشمال ليحلّل على مزاجه ومن مرض قد أصابه ومن قبله العديد الذين ذهبوا من إستفحال المرض الوبيل وهو الحقد الاعمى والكراهيّة ليس إلا!).

منذ سنوات ورئاسة (الحكومة الإسرائيليّة) تروّج الى انّ تعليمات قد صدرت للقوات الجوية ان تستعد لإعداد أطباق لقصف المفاعل النوويّ الإيراني. والترويج للداخل (الإسرائيلي) الى انّ العملية لا تستغرق وقتا طويلا وان إيران على ابواب انتاج وتصنيع السلاح النوويّ الذي سيهدد اسرائيل على المدى البعيد! لذا كان من الواجب التخلص من هذا البعبع قبل ان يكبر! والتذكير دائما الى القصف الذي قامت به طائرات اسرائيلية للمفاعل العراقي ابان حكم صدام! ومازال أسلوب التعبئة يجري بإشكال متعددة للتهيئة الى الهجوم المرتقب! ولا يساور الكثير من أرباب السياسة شك في ان نتنياهو يريد تقليد رئيس الوزراء الأسبق مناحيم بيغن الذي بدأ في قصف المفاعل العراقي في عام 1981 قبل وقت قصير من الانتخابات، والتي ساعدت كثيراً في ضمان فترة ولاية ثانية لبيغن.

لقد قام روبرت ستيفنز، رئيس مجلس إدارة شركة الدفاع والطيران لوكهيد مارتن والتي تعمل في مجال التكنولوجيا العسكريّة بزيارة كيان إسرائيل مؤخرا وتحدث مع ايهود باراك وضباط كبار آخرين يعملون في مجال نظام (الأمن!)، وقد عرض بيع مروحيات للقوات الجوية الاسرائيلية بتقنية متقدمة. وقد تمّ عرض العديد من التقنيات الهجومية التي تعدّ فيها إسرائيل لتلك الضربة المزعومة وما يترتّب عليها من تداعيات(خاصة على الوضع في لبنان!).

ونسي العديد منهم أو تناسوا إلى أنّ إيران ليست عراق صدام!، والمخاطر هنا يمكن أن تنتهي إلى الفشل بنسبة كبيرة! الذي قد يؤدي إلى كارثة عسكرية وسياسية. وهو مؤكّد بلا أيّ ريب! لاسباب كثيرة واضحة منها أنّ الصناعات النوويّة الإيرانية تنتشر في عموم البلاد وفي مواقع مختلفة، وإذا افترضنا أن (إسرائيل) لديها القدرة العسكرية لتفجير موقع واحد أو إثنين من المواقع النوويّة الإيرانية فالعديد من التقارير الأمنية الإسرائيليّة نفسها تشير إلى أن مثل هذا الإجراء سيرد عليه بقوة وعنف والحال الإيراني في حالة الضربة المزعومة ليس كحال العراق آنذاك.

بينما إيران في حالة الاستعداد التام ومتهيئة بالكامل الى الوضع الذي تريده اسرائيل وأنّها لا زالت تتوقع كلّ الاحتمالات مما يجعل عنصر المباغتة ضعيفاً الى درجة كبيرة! ناهيك عمّا ستؤول اليه الضربة على مستوى المنطقة حيث ستنميّ الأعمال الانتقامية التي يمكن أن تغرق المنطقة في مواجهة مع أسلحة دمار(!!) متخفية هنا وهناك لم يقدّر الى الآن كم هي ومن أي نوع وفي أي مكان! خاصة وأنّ المكاتب الإستخباريّة في العديد من الدول التي لها علاقة بمتابعة البرنامج النوويّ الإيرانيّ تشير إلى أنّ الصواريخ الإيرانيّة ستكون ضاربة بالعمق (الإسرائيليّ) لا محالة! وستكون الضربات في أماكن حساسة لا يمكن لاسرائيل ان تعيق اي اشعاعات قد تنطلق من العديد من هذه الاماكن اذا ما علمنا ان هذه الاماكن لم تكن ولن تكون في حماية واضحة رغم كل المساعدات الامريكية التي تريد حمايتها من الضربات الإيرانية!

ناهيك مما سينطلق من شمال كيان (اسرائيل) من رجال خبروا التعامل مع جيش ينهزم في المواجهات الطويلة والمستمرة ومن مقاتلين قد وصلت نيرانهم الى حيفا الى اماكن حساسة في هذه المدينة، في اماكن قد أصابت احتياطيات الغاز في منطقة الصناعات الكيمياوية وقد بلغت الاصابات التي تكبدتها ضخمة وتشير الكثير من الأحداث الداخلية والتقارير الصحية من الداخل الى إحتماليّة أن يكون بالفعل قد حدث تلوث ما حين الضربات المذكورة!، لذلك وبالضربات المتوقعة سيكون هذه المرة تلوث من نوع آخر لهذه المدينة وللمنطقة المحيطة بها!

اضافة الى الإحتمالات الممكنة بل والاكيدة الى وصول القوة الإيرانية إلى مفاعل ديمونا النوويّ في الجنوب وما سيترتب عليه وعلى المنطقة عموماً.

لقد إزدادت العديد من الضغوط على أجهزة الإستخبارات الأمريكية من قبل قادة الكيان الصهيوني والقيام إن إقتضى الأمر بتغيير الرجال الذين لا يصلون الى نتائج تفضي الى التعجيل بالحث على توجيه ضربات إستباقية لبعض حلقات البرنامج النوويّ وإن لم يتم الوصول الى هذه الغاية فعلى الاقل تعطيل المشروع القادم(ولو بدعايات كانت آخرها الترويج الى قدرة الدوائر الاستخبارية الدخول والاختراق الى برنامج التشغيل بإدخال برامج خاصة للسيطرة على العمل وتخويف الدول المجاورة من احتمال تشغيل المفاعل بالأسلوب غير الصحيح بسبب فايروس لأجهزة الحاسوب!

 بينما نسي أصحاب اللعب الى أنّ أجهزة الحاسوب تعمل ببرامج مستقلة واحدة عن الاخرى هذا في الحالات الطبيعيّة فكيف إذا كان الأمر في حالة التعامل مع عمل بهذا النوع!! ما تلك من دعايات إلا لغرض الإستخفاف بعقول الناس لا أكثر!!) وهو عمل مفاعل بوشهر والضغط على روسيا في هذا الجانب اذا ما علمنا أن الحرائق قد ضغطت على روسيا بإتجاهات متعددة لتدخل الولايات المتحدة على خط المساعدات لروسيا في هذا الجانب! مقابل التخلي عن سعيها لمساعدة إيران في تشغيل هذا المفاعل بتغذيته بالوقود والمزاعم المستمرة لعطيل العمل به ولو بمخيلة أصحاب الهوس!

إنّ النشاط النوويّ الإيراني يثير تخوفات مفتعلة مستمرة في العديد من الدوائر المعادية لذا فهي توجّه العديد من المشاكل التي تحاول بها التأثير بشكل أو بآخر في هذا الإتّجاه! وخاصة فيما يخصّ مفاعل بوشهر حيث تدّعي هذه الدوائر إلى أنّه يمكن أن ينتج البلوتونيوم كناتج عرضي من التفاعل الإنشطاري لكنّ المعروف لاصحاب التخصص، هو لا واقعيّة هذا الإدّعاء، كما أشرنا من الناحية العلمية البحتة، ولا علاقة لذلك بالوضع السياسي العام بين إيران والولايات المتحدة وكيان إسرائيل!

 إنّ عمليّة إنتزاع البلوتونيوم الذي يستخدم للاغراض العسكريّة وارد في الحالة التي لا يكون فيها المفاعل تحت رقابة صارمة ناهيك عن أنّ الوقود المخصّب لا يتجاوز %20 بالمئة هنا وذلك الذي يستخدم في إنتاج السلاح النووي يكون يتخصيب بنسبة لا تقل عن %80. بالإضافة الى أنّ عمل هذا المفاعل يكون تحت إشراف كامل من قبل الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة وكذلك روسيا الراعية له بالإضافة إلى أنّ روسيا قد إشترطت لاتمام المفاعل ان يتمّ تخزين الوقود النوويّ وبالكميات المتّفق عليها وتصديره الى روسيا لدراسته ومعرفة كلّ تفاصيل العمل بهذا الوقود. وأن تقوم إيران بإرجاع قضبان الوقود المذكور والمستهلكة من مفاعل بوشهر إلى روسيا فمن أين لإيران الامكانية على تسريب أي ناتج من هذا الوقود؟!! حيث (أنّ كمية البلوتونيوم المنتجة يمكن معرفتها بسهولة إن سجّلت كمية الوقود المستورد من الخارج وحساب نسبة المتفاعل من هذه الكمية والقيام بالحسابات المتعارف عليها لمعرفة كمية البلوتونيوم المنتجة بدقّة كبيرة).

وقد أشرنا في أكثر من مقال وبحث الى أنّ إيران لا تثير الخوف من تصدير التقنية النوويّة لانها كشفت وتكشف كلّ ما يتعلّق بهذا البرنامج وخاصة ما يتعلق بمفاعل بوشهر الذي أثيرت حوله كلّ هذه الضجّة! خاصة وأنّ كلّ العمل بهذا المفاعل يجري ضمن الإتّفاقيات المعروفة والمدوّنة في سجلات الوكالة الدولية للطاقة الذرّية.

 ومن أهم نقاط التعاون الذي تضمنته الإتّفاقية مع روسيا حول مفاعل بوشهرهو كما قلنا توصيل الوقود النوويّ وتحليل التجهيزات للمفاعلين، ومن ضمن الإتّفاقية ان تقوم روسيا بتزويد ما يعادل 30 مليون دولار من الوقود النوويّ للمفاعل المذكوركل سنة لغاية عام 2011(+) وبإشرافها الكامل!

 وهذا كلّه واضح للإدارتين الأمريكيّة و(الإسرائيليّة). والسؤال الآن إذن لِمَ هذه التعبئة الإعلاميّة وهذه الضجّة؟!

الجواب ليس أكثر من مبررات للقيام بالتعرّض الذي تريده (إسرائيل) لجس النبض كما فعلت مع العراق ولبنان! وهو أسلوبها المعروف! لكن هل هذا التعرّض سيكون رخيصاً هذه المرّة؟! لا أعتقد ذلك.

إذن هل هناك جديّة في شنّ تعرّض أو حرب في المنطقة؟! الجواب نعم الأمر وارد جداً وأعتقد أنّ هذا التأريخ لا يتجاوز عام 2012 إلى 2015!

لماذا هذا التأريخ؟! يأتيك الجواب في حلقة تالية بإذنه تعالى!

 (+) بعض المعلومات الواردة في المقال قد إستلّت من مقال سابق حول البرنامج النوويّ الإيراني بعد تعديلها بما يتناسب مع الوقت الحالي وللأهمية الكبيرة أشرت اليها!ّ في مقالاتي العديدة في:

http://www.annabaa.org/news/maqalat/writeres/moayedhosaini.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 3/تشرين الأول/2010 - 23/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م