توني بلير ومذكراته البائسة

مرتضى بدر

كنا نتوقع أن يخرج علينا رئيس الوزراء السابق، وشريك (جورج بوش) في جريمة الحرب على العراق (توني بلير) بمذكراته العرمرمية، التي يشرح فيها جانبًا من حياته الشخصية ومغامراته السياسية، ويسعى من خلالها لتلميع صورته بعد أن تلطخت بالدماء، فيظهر حسناته، ويخفي سيئاته. معظم الزعماء السياسيين حينما يستقيلون أو يُزاحون من مناصبهم، يلجؤون إلى تدوين مذكراتهم؛ إما بغرض الظهور والشهرة، أو بهدف تشويه الحقائق وتحريف التاريخ.

(توني بلير) المثير للجدل وُصِف من قبل المنظمات الحقوقية بمجرم حرب؛ وذلك لتحالفه مع (جورج بوش) في شن الحرب على العراق عام 2003، واختلاقهما ذرائع كاذبة، وخداع رأي العالم المحلي والعالمي، إضافة إلى مشاركتهما معاً في مشروع الحرب على الإرهاب، ومطاردتهما لفلول القاعدة والطالبان في أفغانستان. (بلير) الذي يجني هذه الأيام أموالاً طائلة نظير إلقائه محاضرات في الأخلاق، وعمله كمستشار للعديد من الشركات والمؤسسات المالية العالمية، وُصِف يوم تولي منصبه قبل 13 عامًا بالمراهق السياسي؛ كونه أصغر رئيس وزراء يستلم هذا المنصب في بلاده.

مراهقته هذه جعلته يقدم على مغامرات خطيرة خارج بلاده؛ مما تسبب في بروز أكبر كارثة إنسانية في مطلع الألفية الثالثة، حيث أدت إلى مقتل عشرات الآلاف من الأبرياء في العراق وأفغانستان، ومن دون تحقيق أي إنجاز حقيقي سوى سقوط نظامين فاسدين. والبلدان اليوم يئنان من وطأة الإرهاب، ومن أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية.

(بلير) يعترف في مذكراته بأنه “لم يكن يتوقع هذا الكابوس الذي تكشّف في العراق بعد الإطاحة بنظام صدام حسين”، وأعرب عن أساه الشديد لأقارب الجنود الذين قُتِلوا في الحرب.

(بلير) رفض منذ تنحيه عن السلطة تقديم اعتذار لعائلات الضحايا البريطانيين، ولم يعلن أسفه لإقحام بلاده في حرب الخليج، كما أنه لم يقدم اعتذاراً لعشرات الآلاف من العائلات العراقية التي فقدت أبناءها. في مذكراته التي صدرت في صورة كتاب بعنوان (رحلة) يعترف بأنه كذّب مراراً أثناء توليه السلطة؛ بهدف الوصول إلى ما يريد، وأشار إلى أن الأحداث أجبرته على تضخيم الحقيقة، واللجوء إلى الخداع، ويقصد موضوع أسلحة الدمار الشامل الذي استطاع هو وشريكه في الجريمة (جورج بوش) أن يلفقا تهمة كاذبة بامتلاك نظام صدام حسين أسلحة الدمار الشامل. ونتيجة لتلك الذريعة وخداع الرأي العام؛ تم إصدار سلسلة قرارات من مجلس الأمن أدت إلى شن الحرب على العراق.

إننا في الوقت الذي لا نأسف فيه على سقوط الطاغية في العراق، إلا أننا نشعر بالألم والأسى نتيجة سقوط عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين، إضافة إلى ما لحق بالبنية التحتية والمرافق العامة للعراق من دمار. كل تلك الخسائر في الأرواح والممتلكات لم تؤنب ضمير (توني بلير)، ولم تحرك شعرة في جسمه، ولم يبادر حتى الساعة إلى تقديم اعتذار للشعب العراقي، بل بالعكس نجده يكابر ويخطط لخلق كذبة ومن ثم مؤامرة جديدة في المنطقة؛ خدمةً للشركات المالية العالمية ومصانع الأسلحة الغربية التي يتعامل معها بصورة مباشرة وغير مباشرة.

في مذكراته يسعى (بلير) لخلق فبركة من نوع آخر، وضد بلد آخر في الخليج، فيقول بكل وقاحة: “أدعو العالم للاستعداد لضرب إيران”، والحجة التي ساقها هي سعي إيران لامتلاك سلاح نووي!! السيد (بلير) ربما خانته الذاكرة، فعقارب الساعة لن ترجع إلى الوراء، ولا يمكن خداع العالم مرتين وبنفس الصيغة ونفس اللعبة.

كتاب (بلير) الأخير وما تضمنها من أحاديث وأكاذيب وأراجيف، يظهر مدى بؤس كاتبه وشقاوته. الكتاب المذكور لن يشفع لصاحبه الذي يسعى إلى تصحيح صورته لدى الرأي العام البريطاني والعالمي، وسيبقى التاريخ يذكره وحليفه (جورج بوش) بمجرمي حرب. ربما كان موقف المحتجين الأيرلنديين خير دليل على كرههم لمجرمي الحرب؛ وذلك حينما رشقوا (بلير) بالبيض الفاسد والأحذية أثناء حفلة تدشين كتابه في دبلن في الرابع من الشهر الجاري.. وهذه هي نهاية كل مجرم، ومتكبر، وكاذب.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 25/أيلول/2010 - 15/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م